الشيخ الطاهر أحمد الزاوي. المؤرخ ولد عام 1880 ببلدة (الحرشا) التابعة لمدينة الزاوية الغربية - غرب طرابلس - ليبيا . وتوفي يوم الأربعاء 5 مارس 1986 صور الشيخ
فهرس |
تلقى مبادىء تعليمه بليبيا ، حيث حفظ القرآن الكريم في جامع سيدي على بن عبدالحميد بقرية الحرشا على الشيخ محمد بن عمر الصالح، ودرس مبادئ الفقه على الشيخ الطاهر عبد الرزاق البشتى واحمد حسن البشتى والطيب البشتى.
شهد بداية الغزو الإيطالى سنة 1911 ، وحضر معركة الهاني الشهيرة في أوائل سنة 1912 .
وفى عام 1912 سافر إلى القاهرة حيث بدأ المرحلة الثانية من رحلته العلمية. فالتحق بالازهر ودرس النحو والتفسير والحديث وغير ذلك من العلوم التى كانت تدرس بالازهر. فأخذ عن جماعة من العلماء وكان من اساتذته الشيخ احمد الشريف والشيخ على الجهانى المصراتى ، من شيوخه في مصر حسن مدكور، الشيخ محمود خطاب والشيخ الدسوقى العرب .واستمرت رحلته العلمية هذه سبع سنوات ثم عاد إلى طرابلس سنة 1919،وبقي بها خمس سنوات وعاصر حركة الجهاد الليبي في إقليم طرابلس حتى آخر سنة 1923، وأوفد خلال تلك السنوات في مهمات وطنية في الداخل.
سنة 1924 وبعد انتهاء عمليات المقاومة في إقليم طرابلس ، خرج إلى مصر ثانية وألتحق بالأزهر من جديد، وأمتدت إقامته بها حتى سنة 1967، وأحرز خلال تلك الفترة إجازة (العالمية) سنة 1938، وتجنس بالجنسية المصري. تحدي الشيخ للكثير من الملاحدة والقاديانيين والكماليين (نسبة لكمال أتاتورك) الذين كانوا يستخفون بالدين الإسلامى ويتهمونه بالرجعية. واشتغل بالتجارة حيناً، ثم بالتصحيح والتأليف والكتابة في الصحف، وموظفاً في وزارة الأوقاف . يقول الشيخ الطاهر انه عاش بمصر 43 عاما مهاجرا ما بين 1924 و1967. وعمل خلال هجرته بوزارة الاوقاف المصرية. وسافر إلى السعودية في اعوام 1955 و1956 و1957 وعمل مدرسا بالمدينة المنورة ثم عاد إلى مصر وعمل مصححا لكثير من الصحف والمجلات والكتب. وخلال اقامته بمصر كرس الكثير من وقته للكتابة عن القضية الليبية وعن نضال الشعب الليبى وتاريخه.
وقد اعطى الشيخ الطاهر كل وقته الذى عاشه في مصر، اي نحو اربعة عقود، للدراسة والكتابة. وكان صبورا لا يكل ولا يمل من التعلم والتعليم والبحث والكتابة. وكان هذا الشيخ الجليل موسوعيا في علمه وفيما الفه من كتب اذ انه الف في اللغة فاعاد ترتيب القاموس المحيط ليكون أكثر يسرا في البحث. وقال انه وضعه على منهج قاموس مختار الصحاح والمصباح المنير ولا يستطيع ان يخوض في هذا المجال - اي مجال القواميس اللغوية - الا من ملك ناصية اللغة لفظا ونحوا وغير ذلك من علوم اللغة العربية واسرارها.
اما المجال العلمي الذى برز فيه الشيخ الطاهر وكان من رجاله الافذاذ فهو مجال التاريخ حيث اصبحت كتبه من أهم المراجع وخاصة ما كتبه عن جهاد الشعب الليبى خلال النصف الاول من القرن العشرين.
ألف كتابا عندما كان بمصر، طعن فيه في الدعوة السنوسية ، وفي قادتها، وخاصة "دورهم المتخاذل أو المتواطئ" ـ كما يصفه ـ في حركة الجهاد الليبي ضد الطليان.
وعاد إلى ليبيا سنة 1967.وكان ممنوعاً من العودة إليها. وبعد قيام الثورة عام 1969 أعطى إقامة دائمة وردت إليه جنسيته الليبية، وعين مفتيا للبلاد. منح شهادة تقدير في عيد العلم الثانى 1971 لمَاَ قام به من جهود في ميدان الدراسات التاريخية.
وتوفي عن عمر متقدم يوم الأربعاء 5 مارس 1986. دفن بمسقط راسه بالزاوية وأبّنه الاستاذ المؤرخ على مصطفى المصراتى بخطبة تليق بجهاده ومواقفه وعلمه. كما أبّنه الاستاذ المحامي والصحفي علي الديب.
ان مواقف الشيخ الطاهر وصلابته في الدفاع عن قناعاته جعلته بحق شيخ المعارضين على مدى نحو ثمانين عاما من عمره. فقد عارض بقلمه الاتراك وممارساتهم، وعارض وجاهد بسلاحه وقلمه المستعمر الايطالي، وعارض سياسات السيد ادريس السنوسي اميرا وملكا كما عارض الزعيم السياسي بشير السعداوي في بعض مواقفه. وانتقد العديد من قيادات مرحلة الجهاد في غرب البلاد. وعارض مواقف وتفسيرات العقيد معمر القذافي للقرآن والسنة. وعارض عددا من القرارات التى رأى انها تخالف الشريعة الاسلامية. وكان كل ذلك من موقعه في دار الافتاء.
وبسبب مواقفه تلك ترك الافتاء في يونيو عام 1983 ولزم بيته وهو في سن متقدمة من عمره. وفى كل كتبه ومواقفه كان له رأيه واجتهاده النابع من قناعة صادقة ومن ضمير انساني يحب وطنه واهله متدرعا بعلم ديني وبثقافة تاريخية واسعة. وظل منافحا عن آرائه وصامدا وعنيدا في وجه كل العواصف حتى وفاته.
شارك في معركة الهاني والتى وقعت في 26 أكتوبر 1911 وكان عمره 21 سنة وهو عمر القوة والفتوة. يقول الشيخ الطاهر: تجمع المجاهدون في منطقة سوانى بنيادم وما حولها. ومنها توجه المجاهدون ليلا إلى الهاني وعند الفجر بدأت المعركة وأبلى المقاتلون الليبيون بلاء عظيما. وذكر أن القرآن الكريم وهتاف الله أكبر والشعر الشعبى كانت المادة التعبوية للمجاهدين خلال المعركة. وسجل الشيخ الطاهر تفاصيلها في كتابه (جهاد الابطال في طرابلس الغرب).
وهذه المعركة تعتبر من أهم معارك الدفاع عن مدينة طرابلس. ويذكر الشيخ الطاهر انه شهد احداث الحرب في طرابلس وما حولها من أول الاحتلال إلى قرب صلح اوشى في أكتوبر 1912. كما شهد تطور الصراع ضد الايطاليين والصراعات الداخلية بعد صلح بنيادم، اي منذ 1919 إلى 1924. وخلال هذه الفترة شارك في كثير من الاجتماعات والاتصالات والمصالحات، وكتب عن الكثير من تفاصيلها.
ومن الاجتماعات المهمة التى حضرها مؤتمر غريان سنة 1920 الذى انبثقت عنه هيئة الاصلاح المركزية - وكانت بمثابة حكومة وطنية - للقيام بأعباء إدارة الصراع ضد الايطاليين. وكلف بأدوار تفاوضية مبعوثا من هيئة الاصلاح فسافر عام 1922 مع وفد إلى اجدابيا لنقل رسالة إلى السيد إدريس السنوسي لابلاغه باستعدادها لمبايعته بالامارة. كما كلف بمهام اخرى اثناء الصراعات المحلية والقبلية لاصلاح ذات البين.
ومن هنا تاتى اهمية ما كتبه الشيخ الطاهر باعتباره معاصرا وشاهدا على تلك الاحداث التاريخية الكبيرة، وما تنطوى عليه من خفايا وتقلبات شكلت ولونت تاريخ تلك المرحلة من الجهاد، اضافة إلى انها تعكس للدارس جوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التى كونت العقلية الليبية في ذلك الوقت.
وخلال سنوات الهجرة شارك في تاسيس اللجنة الطرابلسية برئاسة احمد السويحلى عام 1943 ومن مبادئها:
وهذه المبادئ والاصرار عليها اضافة إلى اراء اخرى جعلته في خلاف استمر طويلا. وانتهت به هذه المواقف إلى استمرار هجرته حتى بعد ان تحقق الاستقلال، ولم يعد إلى البلاد الا في زيارات باقامة محددة وكانت تلك الزيارات في عام 1950 في عهد الادارة البريطانية ثم في عام 1964 والثالثة في عام1967 .
توزعت جهودالشيخ في مختلف الحقول المعرفية بين التأليف والتحقيق والترتيب والتحرير، كما أنقسمت أعماله إلى شقي التراث العربي الإسلامى من جهة، والمكتبة الليبية التى أستأثرت بمجمل أثاره التاريخية من جهة ثانية.
اما آخر ما صدر له كتاب بعنوان "مجموعة فتاوى" الذى صدر عن دار الفرجانى في طبعة ثانية عام 1976 وتضمن نحو خمسين فتوى تناولت في اغلبها مسائل اجتماعية واقتصادية، وكثير منها دارت حول وضع المراة وحقوقها.
أهم كتبه:
يقول المؤرخ الشيخ الطاهر انه شرع في تاليف كتابه هذا منذ ان استقر في مصر عام 1925 وصدرت أول طبعة منه عام 1944 من الف نسخة فقط لأسباب مالية. ان هذا الكتاب يعطى للشيخ الطاهر موقعا خاصا وفريدا لانه الوحيد الذى كتب عن تفاصيل سنوات الاحداث والمعارك الكبرى التى خاضها الليبيون ضد الايطاليين. كما كتب عن قادة وفرسان تلك السنوات وكتب ايضا عن الخلافات والصراعات المحلية. وسجل بقلمه مواضع الضعف كما مواضع القوة في البنية الاجتماعية وهي في عمومها بنية قبلية.
ويصف الشيخ الطاهر كتابه هذا بانه: "وثيقة من اصح الوثائق التى كتبت في الجهاد الطرابلسى لانه يستند إلى المشاهدة والرواية عن الزعماء الذين تولوا رئاسة حكومات المجاهدين". وقد توقع الشيخ الطاهر ان يتساءل بعض الناس قائلين لماذا كتب فقط عن: جهاد الابطال في طرابلس الغرب. فقال: "ان معلوماتي عن الحرب في طرابلس أكثر واصح سندا من معلوماتي عن الحرب فى برقة لاننى شهدت الكثير من الحرب في طرابلس اما حروب برقة فلم اشهد منها شيئا.
وفى مقدمة الطبعة الاولى من كتابه هذا يقول: "وقد سلخت في جمعه من عمرى زهاء عشرين سنة ما سمعت بحادثة الا قيدتها، ولا وقع نظرى على مسألة الا نقلتها. وما اجتمعت بعد الهجرة بذي شأن ممن لهم صلة بالحرب وادارتها الا رويت عنه وناقشته فيما يتعارض مع رواية غيره. ولا سمعت بحاكم منطقة او رئيس إدارة الا اخذت عنه ما وسعنى اخذه. وما رويت عمن يخامرنى فيه شك او روايته تخالف من هو اوثق منه عندي".
الذى فجر الخلاف بين المؤلف وبين السيد ادريس السنوسي منذ وقت مبكر، اي منذ عام 1933 م (1353هـ).
يقول الشيخ الطاهر: "نظرا لنفوذ السياسة الايطالية في مصر في ذلك الوقت وقعته باسم مستعار هو احمد محمود. وعندما اطلع عليه ادريس السنوسى رفع علي وعلى صاحب المطبعة السيد عبد العزيز الحلبي دعوى في النيابة.
واعترف الشيخ الطاهر امام النيابة بانه مؤلف الكتاب وبوساطة من صاحب المطبعة الحلبى رفضت الدعوى. وقد اثنى الشيخ الطاهر في كتابه هذا على الشيخ عمر المختار الذى ظل متمسكا بالجهاد والمقاومة رغم ان القيادات السياسية كانت تميل إلى المهادنة والى المفاوضات مع الايطاليين. ولعل صلابة عمر المختار وثباته على طريق العمل المسلح إلى نهاية الطريق وحتى الاستشهاد هو الذى جعل تاريخ وسيرة عمر المختار على راس قائمة كبار المجاهدين.
وهو أول كتاب كتبه الشيخ الطاهر في موضوع الجهاد والمجاهدين في ليبيا. وتحدث فيه بصورة خاصة عن الجهاد في برقة من مرحلة احمد الشريف إلى استشهاد عمر المختار. واورد فيه تفاصيل كثيرة عن المعارك وابطالها، وبذلك اكد اهتمامه بالجهاد والمجاهدين عبر تراب كل الوطن. وظل هذا الكتاب ايضا موضع نقد وجدل. واحدث ردود افعال سياسية وتاريخية وخاصة في اوساط الاسرة السنوسية ومن لهم علاقات وطيدة بها.
يحدثنا عن كفاح المهاجرين وخاصة الذين هاجروا إلى مصر، وكانت لهم اعمالهم التى تدل على النشاط والحيوية وتدل على الارتباط الوثيق بالوطن. كما تدل على روح الامل والتفاؤل بيوم النصر والعودة.
من سيرة المهاجرين إلى مصر انهم فور وصولهم بدأوا اولا بالحياة الاقتصادية. فاشتغلوا بالتجارة والزراعة، واتجه اغلبهم نحو التجارة ونجحوا في هذا الميدان نجاحا كبيرا حتى اصبحت حركة التجارة بين الاسكندرية والسلوم ملك ايديهم. وقاموا بتعمير الصحراء الغربية، فأنشؤوا المتاجر والبيوت السكنية والمزارع وشيدوا المساجد. وبعد استقرارهم في مصر اتجهوا نحو الاخذ باسباب الثقافة والعلم فوجهوا اولادهم إلى الازهر والى المدارس والمعاهد العلمية الاخرى. وفى الوقت ذاته كانوا يتابعون التطورات الداخلية وما يجرى في البلاد جراء الاستعمار الايطالي. فكانوا يكتبون في الصحف المصرية ويصدرون المنشورات والمذكرات.
ازداد ظهورالنشاط السياسي بعد الحرب العالمية الثاتية التى هزمت فيها إيطاليا فاحتفل المهاجرون بتلك الهزيمة وكان احتفالهم في فبراير 1943. وشارك فيه عدد كبير من الشخصيات الوطنية. وحضر الاحتفال السيد ادريس السنوسى الذى ظل الرمز القيادي السياسى لحركة الكفاح في الداخل والخارج بفضل انتمائه للحركة السنوسية وللاسرة السنوسية ومالها من رصيد ديني وتعليمي واجتماعي واقتصادي. واعتبر الليبيون انفسهم شركاء في الانتصار الذى حققه الحلفاء لانهم شاركوا بقوات ليبية تحت رايةالجيش السنوسي الذى تاسس عام 1940 في مصر.
ومن ابرز الاسماء التى يذكرها الشيخ الطاهر التى شاركت في صنع الاحداث وتاريخها في تلك المرحلة السيد ادريس السنوسي واحمد السويحلى والطاهر المريض وعون سوف و صالح الأطيوش وعبد الحميد العبار و بشير السعداوي و أبو القاسم الباروني وغيرهم. وبقي السيد ادريس هو المحور الذى تدور حوله الاحداث والاتصالات والمشاورات رغم الخلافات القائمة معه حول سبل توحيد العمل السياسي وتوحيد الاهداف الوطنية. ويتضح من مواقف الشيخ الطاهر الزاوي انه كان معارضا بصلابة لكثير من سياسات وآراء كل من السيد ادريس السنوسي والسيد بشير السعداوى.