→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
2/4م ومن باب ما جاء في الصلب
1289- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا علي بن مُسهر عن الأعمش، عن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شُرَحبيل الأودي قال جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا لابنته النصف وللأخت من الأب والأم النصف ولم يورثا ابنة الابن شيئا وأت ابن مسعود فإنه سيتابعنا فأتاه الرجل فسأله وأخبره بقولهما، فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، ولكني أقضي فيها بقضاء النبي ﷺ لابنته النصف ولابنة الابن سهم تكملة الثلثين وما بقي فللأخت من الأب والأم.
قال الشيخ: في هذا بيان أن الأخوات مع البنات عصبة وهو قول جماعة الصحابة والتابعين وعامة فقهاء الأمصار إلا ابن عباس رضي الله عنه فإنه قد خالف عامة الصحابة في ذلك وكان يقول في رجل مات وترك ابنة وأختا لأبيه وأمه إن النصف للابنة وليس للأخت شيء، وقيل له إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف وللابنة النصف فقال أهم اعلم أم الله، يريد قوله سبحانه {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} [1] فإنما جعل للأخت الميراث بشرط عدم الولد.
وروي عنه أنه كان يقول وددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
قلت وجه ما ذهب إليه الصحابة من الكتاب مع بيان السنة التي رواها عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، أن الولد المذكور في الآية إنما هو الذكور من الأولاد دون الإناث وهو الذي يسبق إلى الأوهام ويقع في المعارف عندما يقرع السمع فقيل ولد فلان وإن كان الإناث أيضا أولادا في الحقيقة كالذكور.
ويدل على ذلك قول الله سبحانه حكاية عن بعض الكفار {لأوتين مالا وولدا} [2] وقوله تعالى {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم} [3] وقوله {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [4] فكان معلوما أن المراد بالولد في هذه الآي كلها الذكور دون الإناث إذ كان مشهورا من مذاهب القوم أنهم لا يتكثرون بالبنات ولا يرون فيهن موضع نفع وعز، بل كان مذاهبهم وأدهن ودفنهن أحياء والتعفية لآثارهن.
وجرى التخصيص في هذا الاسم كما جرى ذلك في اسم المال إكا أطلق في الكلام فإنما يختص عرفا بالإبل دون سائر أنواع المال ومشهور في كلامهم أن يقال غدا مال فلان وراح يريدون سارحة الإبل والمواشي دون ما سواها من أصناف المال.
وإذا ثبت أن المراد بالولد المذكور في قوله سبحانه {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} [5] الذكور من الأولاد دون الإناث لم يمنع الأخوات الميراث مع البنات.
1290- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن الفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله ﷺ حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواف فجاءت المرأة بابنتين لها فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما كله فلم يدع لهما مالا إلا أخذه فما ترى يا رسول الله فوالله لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال، قال فنزلت سورة النساء {يوصيكم الله في أولادكم} [6] الآية، فقال رسول الله ﷺ ادعوا لي المرأة وصاحبها، فقال لعمهما أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك.
قال الشيخ: قوله استفاء ما لهما معناه استرد واسترجع حقهما من الميراث فافتات به عليهما وأصله من الفيء وهو الرجوع، ومنه الفيء الذي يؤخذ من أموال الكفار إنما هو مال رده الله إلى المسلمين كان في أيدي الكفار.
وقولها وهاتان ابنتا ثابت بن قيس قد قتل معك يوم أحد غلط من بعض الرواة وإنما هي امرأة سعد بن الربيع وابنتاه قتل سعد بأحد مع رسول الله ﷺ وبقي ثابت بن قيس بعد رسول الله ﷺ حتى شهد اليمامة في عهد أبي بكر الصديق.
وكذلك رواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن ابن عقيل عن جابر.
حدثناه أحمد بن سليمان البخاري حدثنا هلال بن العلاء بن هلال حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن ابن عقيل عن جابر، قال جاءت امرأة سعد بن الربيع مع ابنتي سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وقد أخذ عمهما كل شيء ترك أبوهما وذكر الحديث.
3/7م ومن باب ميراث العصبة
1291- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح ومخلد بن خالد وهذا حديث مخلد وهو أشبع، قال: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ اقسم المال بين أهل الفرائض على كتاب الله عز وجل فما تركت الفرائض فلأولى ذكر.
قلت معنى أولى ههنا أقرب والولي القرب يريد أقرب العصبة إلى الميت كالأخ والعم فإن الأخ أقرب من العم، وكالعم وابن العم فالعم أقرب من ابن العم، وعلى هذا المعنى ولو كان قوله أولى بمعنى أحق لبقي الكلام مبهما لا يستفاد منه بيان الحكم إذ كان لا يدرى من الأحق ممن ليس بأحق فعلم أن معناه أقرب النسب على ما فسرناه والله أعلم.
4/8م ومن باب ميراث ذوي الأرحام
1292- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب في آخرين قالوا حدثنا حماد عن بديل، يَعني ابن ميسرة عن علي بن أبي طلحة عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوزني عن المقدام الكندي قال: قال رسول الله ﷺ أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا أو ضيعة فإليَّ ومن ترك مالا فلورثته وأنا مولى من لا مولى له ارث ماله وافك عانه، والخال مولى من لا مولى له يرث ماله ويفك عانه.
1293- قال وحدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن بديل بإسناده نحوه، وقال والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه.
1294- قال أبو داود: حدثنا عبد السلام بن عتيق الدمشقي حدثنا محمد بن المبارك حدثنا إسماعيل بن عياش عن يزيد بن حجر عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ الخال وارث من لا وارث له يفك عُنِيَّه ويرث ماله.
قال الشيخ: قوله يفك عانه يريد عانيه فحذف الياء والعاني الأسير.
وكذلك قوله يفك عنيه إنما هو مصدر عنا الرجل يعنو عنوا وعنيا، وفيه لغة أخرى عنى، يَعني.
ومعنى الاسار ههنا هو ما تتعلق به ذمته ويلزمه بسبب الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة.
وبيان ذلك قوله في الحديث من رواية شعبة عن بديل بن ميسرة يعقل عنه ويرث ماله.
والحديث حجة لمن ذهب إلى توريث ذوي الأرحام، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
وكان مالك والأوزاعي والشافعي لا يورثون ذوي الأرحام وهو قول زيد بن ثابت وتأول هؤلاء حديث المقدام على أنه طعمة أطعمها الخال عند عمد الوارث لا على أن يكون للخال ميراث راتب، ولكنه لما جعله يخلف الميت فيما يصير إليه من المال سماه وارثا على سبيل المجاز كما قيل الصبر حيلة من لا حيلة له والجوع طعام من لا طعام له وما أشبه ذلك من الكلام.
1295- وقد روي أن النبي ﷺ أمر أن يدفع مال رجل لم يدع ولاء حميما إلى رجل من أهل قريته.
1296- وروي أن رجلا جاءه فقال عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديا أدفعه إليه، فقال له انطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه أو قال ادفعه إلى كُبْر خزاعة.
1297- وروي أن رجلا جاءه وقال توفي ابن ابني قال لك السدس، فلما ولى دعاه وقال له خذ سدسا آخر وهو طعمة لك.
1298- وروي أن رجلا مات ولم يدع وارثا إلا غلاما له كان أعتقه فجعل النبي ﷺ ميراثه له.
وقد روى أبو داود هذه الأخبار كلها على وجوهها في هذا الباب وقالوا ومعلوم أن الخال لا يعقل ابن اخته فكذلك لا يكون وارثا له فلو صح أحدهما لصح الآخر، وقال بعضهم إنما جاء ذلك خاصا في خال يكون عصبة فيكون عاقلة كما يكون وارثا والله أعلم.
5/9م ومن باب ميراث ابن الملاعنة
1299- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا محمد بن حرب عن عمرو بن رؤبة التغلبي عن عبد الواحد بن عبد الله النصري عن واثلة بن الأسقع عن النبي ﷺ قال المرأة تحرز ثلث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه.
قال الشيخ: أما اللقيط فإنه في قول عامة الفقهاء حر وإذا كان حرا فلا ولاء عليه لأحد والميراث إنما يستحق بنسب أو ولاء وليس بين اللقيط وملتقطه واحد منهما، وكان إسحاق بن راهويه يقول ولا اللقيط لملتقطه ويحتج بحديث واثلة وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل وإذا لم يثبت الحديث لم يلزم القول به وكان ما ذهب إليه عامة العلماء أولى.
وقال بعضهم لا يخلو اللقيط من أن يكون حرا فلا ولاء عليه أو يكون ابن أمة قوم فليس لملتقطه أن يسترقه.
1300- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد وموسى بن عامر قالا: حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا مكحول قال: جعل رسول الله ﷺ ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها.
قال الشيخ: جعل ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ظاهره أن جميع ماله لأمه في حياتها ولورثتها إن كانت أمه قد ماتت، وإلى هذا ذهب مكحول والشعبي وهو قول سفيان الثوري.
وقال أحمد بن حنبل ترثه أمه وعصبة أمه، وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما قالا الأم عصبة من لا عصبة له.
وقال مالك والشافعي إن كانت أمه مولاة كان ما فضل عن سهمها لمواليها وإن كانت عربية فإن ما بقي لبيت المال وهو قول الزهري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ميراث ابن الملاعنة كميراث غيره فمن يموت ولا عصبة له فإن ترك أصحاب فرائض اعطوا فرضهم ويرد ما فضل عليهم على قدر سهامهم فإن يترك وارثا ذا سهم وترك قرابات ليسوا بأصحاب فرائض فإنهم يرثون كما يرث ذوو الأرحام في غير باب ابن الملاعنة ولا يكون عصبة أمه عصبة له.
6/10م ومن باب هل يرث المسلم الكافر
1301- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي ﷺ قال لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر.
قال الشيخ: عموم هذا الحديث يوجب منع التوارث بين كل مسلم وكافر سواء كان الكافر على دين يقر عليه أو كان مرتدا يجب قتله. ومن لم يورث كافرا من مسلم لزمه أن لا يورث مسلما من كافر.
وقد اختلف الناس في هذا فقال إسحاق بن راهويه يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر، وروي ذلك عن معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان.
وقد حكي ذلك أيضا عن إبراهيم النخعي وقالوا نرثهم ولا يرثوننا كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا، وقال عامة أهل العلم بخلاف ذلك.
واختلفوا في ميراث المرتد فقال مالك بن أنس وابن أبى ليلى والشافعي ميراث المرتد فيء ولا يرثه أهله وكذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وقال سفيان الثوري ماله التليد لورثته المسلمين وما اكتسبه وأصابه في ردته فهو فيء للمسلمين وهو قول أبي حنيفة.
وقال الأوزاعي وإسحاق بن راهويه ماله كله لورثته المسلمين، وقد روي ذلك عن علي كرم الله وجهه وعبد الله وهو قول الحسن البصري والشعبي وعمر بن عبد العزيز.
1302- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ لا يتوارث أهل ملتين شتى.
قال الشيخ: عموم هذا الكلام يوجب أن لا يرث اليهودي النصراني ولا المجوسي اليهودي، وكذلك قال الزهري وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل.
وقال أكثر أهل العلم الكفر كله ملة واحدة يرث بعضهم بعضا، واحتجوا بقول الله سبحانه {الذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [7] وقد علق الشافعي القول في ذلك وغالب مذهبه أن ذلك كله سواء.
1303- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد، قال قلت يا رسول الله أين تنزل غدا في حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلا.
قال الشيخ: موضع استدلال أبي داود من هذا الحديث في أن المسلم لا يرث من الكافر أن عقيلا لم يكن أسلم يوم وفاة علي بن أبي طالب فورثه وكان علي وجعفر رضي الله عنهما مسلمين فلم يرثاه، ولما ملك عقيل رباع عبد المطلب باعها فذلك معنى قوله وهل ترك عقيل منزلا.
7/11م ومن باب من أسلم على ميراث
1304- قال أبو داود: حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا موسى بن داود حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام.
قال الشيخ: فيه أن أحكام الأموال والأنساب والأنكحة التي كانت في الجاهلية ماضية على ما وقع الحكم منهم فيها أيام الجاهلية لا يرد منها شيء في الإسلام وإن ما حدث من هذه الأحكام في الإسلام فإنه يستأنف فيه حكم الإسلام.
8/12م ومن باب في الولاء
1305- قال أبو داود: حدثنا قتيبة قال قرىء على مالك وأنا حاضر قال مالك عرض عن نافع عن ابن عمر أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أرادت أن تشتري جارية فتعتقها، فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت عائشة لرسول الله ﷺ فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق.
1306- قال وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله الولاء لمن أعطى الثمن ووَلِي النعمة.
قال الشيخ: في حديث ابن عمر دليل على أن بيع المملوك بشرط العتق جائز.
وقوله لا يمنعك ذلك معناه إبطال ما شرطوه من الولاء لغير المعتق.
وفي قوله الولاء لمن أعطى الثمن وولي النعمة دليل على أن لا ولاء إلا لمعتق وذلك أن دخول الألف واللام في الاسم مع الإضافة يعطي السلب والإيجاب كقولك الدار لزيد والمال للورثة فيه إيجاب ملك الدار وإيجاب المال للورثة وقطعهما عن غيرهما، وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن من أسلم على يدي رجل فانه لا يرثه ولا يكون له ولاؤه لأنه لم يعتقه.
9/13م ومن باب الرجل يسلم على يدي الرجل
1307- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الرملي وهشام بن عمار الدمشقي قالا: حدثنا يحيى وهو ابن حمزة عن عبد العزيز بن عمر قال سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين قال هو أولى الناس بمحياه ومماته.
قال الشيخ: قد احتج به من يرى توريث الرجل ممن يسلم على يده من الكفار وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، إلا أنهم قد زادوا في ذلك شرطا وهو أن يعاقده ويواليه فإن أسلم على يده ولم يعاقده ولم يواله فلا شيء له.
وقال إسحاق بن راهويه كقول أبي حنيفة وأصحابه إلا أنه لم يذكر الموالاة.
قلت ودلالة الحديث مبهمة وليس فيه أن يرثه إنما فيه أنه أولى الناس بمحياه ومماته، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الميراث ويحتمل أنه يكون ذلك في رعي الذمام والايثار بالبر وما أشبههما من الأمور، وقد عارضه قوله ﷺ الولاء لمن أعتق، وقال أكثر الفقهاء لا يرثه وضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا وقال: عبد العزيز راويه ليس من أهل الحفظ والاتقان.
10/14م ومن باب بيع الولاء
1308- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى رسول الله ﷺ عن بيع الولاء وعن هبته.
قال الشيخ: قال ابن الأعرابي محمد بن زياد كانت العرب تبيع ولاء مواليها وتأخذ عليه المال وأنشد في ذلك:
فباعوه مملوكا وباعوه معتقا... فليس له حتى الممات خلاص
فنهاهم رسول الله ﷺ عن ذلك.
قلت وهذا كالإجماع من أهل العلم ؛ إلا أنه قد روي عن ميمونه أنها كانت وهبت ولاء مواليها من العباس أو من ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الشيخ: وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد يذكر أن الذي وهبته ميمونه من الولاء كان ولاء سابية. وولاء السابية قد اختلف فيه أهل العلم.
11/15م ومن باب المولود يستهل ثم يموت
1309- قال أبو داود: حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد، يَعني ابن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال إذا استهل المولود وُرِّث.
قال الشيخ: قوله استهل معناه رفع صوته بأن يصرخ أو يبكي وكل من رفع صوته بشيء فقد استهل به.
قلت ومعنى الاستهلال ههنا أن يوجد مع المولود أمارة الحياة فلو لم يتفق أن يكون منه الاستهلال وهو رفع الصوت وكان منه حركة أو عطاس أو تنفس أو بعض ما لا يكون ذلك إلا من حي فانه يورث لوجود ما فيه من دلالة الحياة. إلى هذا ذهب سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحسبه قول أبي حنيفة وأصحابه وقال مالك بن أنس لا ميراث له وإن تحرك أو عطس ما لم يستهل. وروي عن محمد بن سيرين والشعبي والزهري وقتادة أنهم قالوا لا يورث المولود حتى يستهل.
12/17م ومن باب في الحِلْفِ
1310- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عاصم الأحول قال سمعت أنس بن مالك يقول حالف رسول الله ﷺ بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أو ثلاثا.
قال الشيخ: كان سفيان بن عيينة يقول معنى حالف آخى ولا حلف في الإسلام كما جاء في الحديث.
13/18م ومن باب المرأة ترث من دية زوجها
1311- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد قال كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول الدية للعاقلة لا ترث المرأه من دية زوجها حتى قال له الضحاك بن سفيان كتب إليّ رسول الله ﷺ أن أورث امرأة أشْيم الضبابي من دية زوجها فرجع عمر عنه.
قال الشيخ: فيه من الفقه أن دية القتيل كسائر ماله يرثها من يرث تركته وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن القتيل إذا عفا عن الدية كان عفوه جائزا في ثلث ماله لأنه قد ملكه، وهذا إنما يجور في قتل الخطأ لأن الوصية بالدية إنما تقع للعاقلة الذين يغرمون الدية دون قتل العمد لأن الوصية فيه إنما تقع للقاتل ولا وصية لقاتل كالميراث.
وإنما كان يذهب عمر رضي الله عنه في قوله الأول إلى ظاهر القياس وذلك أن المقتول لا تجب ديته إلا بعد موته وإذا مات فقد بطل ملكه، فلما بلغته السنة ترك الرأي وصار إلى السنة، وكان مذهب عمر رضي الله عنه أن الدية للعاقلة الذين يعقلون عنه إلى أن بلغه الخبر فانتهى إليه.
20 كتاب الأدب
1/2م ومن باب في الوقار
1312- قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله ﷺ قال إن الهَدْي الصالح والسمْت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة.
قال الشيخ: هدي الرجل حاله ومذهبه وكذلك سمته. وأصل السمت الطريق المنقاد والاقتصاد سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق وعلى سبيل يمكن الدوام عليه كما روي أنه قال خير الأعمال أدومها وإن قل.
يريد أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء صلوات الله عليهم ومن الخصال المعدودة من خصالهم وأنها جزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها، وليس معنى الحديث أن النبوه تتجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة مكتسبة ولا مجتلبة بالأسباب، وإنما هي كرامة من الله سبحانه وخصوصية لمن أراد إكرامه بها من عباده والله يعلم حيث يجعل رسالاته وقد انقطعت النبوة بموت محمد ﷺ.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معنى النبوة ههنا ما جاءت به النبوة ودعت إليه الأنبياء صلوات الله عليهم. يريد أن هذه الخلال جزء من خمسة وعشرين جزءا مما جاءت به النبوات ودعا إليه الأنبياء صلوات الله عليهم.
وقد أمرنا باتباعهم في قوله عز وجل {فبهداهم اقتده} [8].
وقد يحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخلال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله لباس التقوى الذي يلبسه أنبياؤه فكأنها جزء من النبوة والله أعلم.
1313- قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ ما تعدون الصُّرَعَة فيكم قالوا الذي لا يصرعه الرجال، قال لا ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب.
قال الشيخ: الصرعة مفتوحة الراء هو الذي يصرع الرجال ويغلبهم في الصراع ومثله رجل خدعة إذا كان خداعا للناس ولعبة إذا كان كثير اللعب، فأما اللعبة ساكنة العين فهو اسم الشيء الذي يلعب به، واللعبة مكسورة اللام الحال والهيئة في اللعب كالجلسة والقعدة والركبة ونحوها.
1314- قال أبو داود: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال استب رجلان عند النبي ﷺ فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى يخيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي ﷺ إني لأعلم كلمة لوقالها لذهب عنه ما يجد من الغضب فقال ما هي يا رسول الله، قال يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال الشيخ: قوله يتمزع أي يتشقق ويتقطع والمزعة القطعة من الشيء.
1315- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبي ذر قال إن رسول الله ﷺ قال لنا إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع.
قال الشيخ: القائم متهيىء للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي ﷺ إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا تبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد والله أعلم.
2/5م ومن باب حسن العشرة
1316- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق حدثنا بشر بن أبي رافع عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ المؤمن غِر كريم والفاجر خَب لئيم.
قال الشيخ: معنى هذا الكلام أن المؤمن المحمود هو من كان طبعه وشيمته الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه وإن ذلك ليس منه جهلا لكنه كرم وحسن خلق وإن الفاجر من كانت عادته الخب والدهاء والوغول في معرفة الشر وليس ذلك منه عقلا لكنه خب ولؤم.
1317- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا استأذن على النبي ﷺ فقال النبي ﷺ بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسط إليه رسول الله ﷺ وكلمه فلما خرج قلت يا رسول الله ﷺ لما استأذن قلت بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسطت إليه فقال رسول الله ﷺ يا عائشة إن الله عز وجل لا يحب الفاحش المتفحش.
قال الشيخ: أصل الفحش زيادة الشيء على مقداره ومن هذا قول الفقهاء يصلي في الثوب الذي أصابه الدم إذا لم يكن فاحشا أي كثيرا مجاوزا للقدر الذي يتعافاه الناس فيما بينهم.
يقول ﷺ إن استقبال المرء صاحبه بعيوبه افحاش والله لا يحب الفحش، ولكن الواجب أن يتأنى له ويرفق به ويكني في القول ويوري ولا يصرح.
وفيه أن النبي ﷺ قد ذكره بالعيب الذي عرفه به قبل أن يدخل وهذا من النبي ﷺ لا يجري مجرى الغيبة، وإنما فيه تعريف الناس أمره وزجرهم عن مثل
مذهبه، ولعله قد تجاهر بسوء فعاله ومذهبه ولا غيبة لمجاهر والله أعلم.
3/6م ومن باب في الحياء
1318- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن شعبة عن منصور عن رِبْعِيّ بنِ حِِرَاش عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
قال الشيخ: معنى قوله النبوة الأولى أن الحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى وأنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها ؛ وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله واتفقت العقول على حسنه وما كان هذا صفته لم يجز عليه النسخ والتبديل. وقوله فافعل ما شئت فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن يكون معناه الخبر وإن كان لفظه لفظ الأمر كأنه يقول إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت أي ما تدعوك إليه نفسك من القبيح، وإلى نحو من هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام رحمة الله عليه.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى معناه الوعيد كقوله تعالى {اعملوا ما شئتم} [9].
وقال أبو إسحاق المروزي فقيه الشافعية معناه أن ينظر فإذا كان الشيء الذي يريد أن يفعله مما لا يستحى منه فافعله، يريد أن ما يستحى منه فلا يفعله.
4/7م ومن باب حسن الخلق
1319- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي حدثنا سليمان بن حبيب المحاربى، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
قال الشيخ: الزعيم الضامن والكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه {وأنا به زعيم} [10] والبيت ههنا القصر أخبرني أبو عمر أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي، قال البيت القصر يقال هذا بيت فلان أي قصره.
1320- قال أبو داود: حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله ﷺ لا يدخل الجنة الجَوَّاظ ولا الجَعْظَرِي. قال والجواظ الغليظ الفظ.
قال الشيخ: الجعظري فسره أبو زيد فقال هو الذي يتنفخ بما ليس عنده وهو إلى القصر ما هو، قال الأصمعي وهو الجمظار أيضا، قال أبو زيد والجواظ الكثير اللحم المختال في مشيه.
قلت وهو معنى ما جاء من تفسيره في الحديث أو قريب منه.
4/9م ومن باب كراهية التمادح
1321- قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال جاء رجل فأثنى على عثمان رضي الله عنه في وجهه فأخذ المقداد بن الأسود ترابا فحثا في وجهه وقال: قال رسول الله ﷺ إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب.
قال الشيخ: المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والأمر المحمود يكون منه ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في اشباهه فليس بمداح وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه.
وقد استعمل المقداد الحديث على ظاهره وحمله على وجهه في تناول عين التراب بيده وحثيه في وجه المادح.
وقد يتأول أيضا على وجه آخر وهو أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه واحرموه. كني بالتراب عن الحرمان كقولهم ما له غير التراب وما في يده غير التَيْرب، وكقوله ﷺ إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا، وكقوله وللعاهر الحجر ومثله كثير في الكلام.
1322- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر، يَعني ابن المفضل حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة عن مطرف قال: قال أبي انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ﷺ فقلنا أنت سيدنا، فقال السيد الله عز وجل قلنا وافضلنا فضلا وأعظمنا طَولا، قال فقولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان.
قال الشيخ: قوله السيد الله يريد أن السؤدد حقيقة لله عز وجل وأن الخلق كلهم عبيد له، وإنما منعهم فيما نرى أن يدعوه سيدا مع قوله أنا سيد ولد آدم وقوله لبني قريظة قوموا إلى سيدكم يريد سعد بن معاذ من أجل أنهم قوم حديث عهدهم بالإسلام وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم ويسمونهم السادات فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى الأدب في ذلك. فقال قولوا بقولكم. يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله عز وجل في كتابه فقال « يا أيها النبي، يا أيها الرسول » ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم فإني لست كأحدهم إذ كانوا يَسُودونكم بأسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا.
وقوله بعض قولكم فيه حذف واختصار ومعناه دعوا بعض قولكم واتركوه يريد بذلك الاقتصار في المقال. قال الشاعر:
فبعض القول عاذلتي فإني... سيكفيني التجارب وانتسابي
وقوله لا يستجرينكم الشيطان، معناه لا يتخذنكم جَرِيّا والجري الوكيل ويقال الأجير أيضا.
هامش
- ↑ [النساء: 176]
- ↑ [مريم: 77]
- ↑ [الممتحنة: 3]
- ↑ [التغابن: 15]
- ↑ [النساء: 176]
- ↑ [النساء: 11]
- ↑ [الأنفال: 73]
- ↑ [الأنعام: 9]
- ↑ [فصلت: 40]
- ↑ [يوسف: 72]