→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
4/8م ومن باب توقي الفتيا
1452- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن معاوية أن النبي ﷺ نهى عن الغَلوطات.
قال الشيخ: وقد روي أنه نهى عن الأغلوطات، قال الأوزاعي هي شرار المسائل.
والأغلوطات واحدها أغلوطة وزنها افعولة من الغلط كالأحموقة من الحُمق والأسطورة من السطر، فأما الغلوطات فواحدها غَلوطة اسم مبني من الغلط كالحلوبة والركوبة من الحلب والركوب. والمعنى أنه نهى أن يعترض العلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلط ليُستزلوا بها ويستسقط رأيهم فيها.
وفيه كراهية التعمق والتكلف كما لا حاجه للإنسان إليه من المسألة ووجوب التوقف عما لا علم للمسؤول به. وقد روينا، عن أبي بن كعب أن رجلا سأله عن مسألة فيها غموض فقال هل كان هذا بعد قال لا فقال امهلني إلى أن يكون. وسأل رجل مالك بن أنس عن رجل شرب في الصلاة ناسيا فقال ولم لم يأكل ثم.، قال: حدثنا الزهري عن علي بن حسين أن النبي ﷺ قال إن من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه.
5/10م ومن باب نشر العلم
1453- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: نضر الله امرا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه.
قال الشيخ: قوله نضر الله معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة يقال بتخفيف الضاد وتثقيلها وأجودهما التخفيف.
وفي قوله رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه دليل على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام من طريق التفهم وفي ضمنه وجوب التفقه والحث على استنباط معاني الحديث واستخراج المكنون من سره.
6/11م ومن باب الحديث عن بني إسرائيل
1454- قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثني علي بن مُسهر عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
قال الشيخ: ليس معناه إباحة الكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب، ولكن معناه الرخصة في الحديث عنهم على معنى البلاغ وإن لم يتحقق صحة ذلك بنقل الإسناد، وذلك لأنه أمر قد تعذر في اخبارهم لبعد المسافة وطول المدة ووقوع الفترة بين زماني النبوة.
وفيه دليل على أن الحديث لا يجوز عن النبي ﷺ إلا بنقل الإسناد والتثبت فيه.
وقد روى الدراوردي هذا الحديث عن محمد بن عمرو بزيادة لفظ دل بها على صحة هذا المعنى ليس في رواته علي بن مسهر الذي رواها أبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج حدثوا عني ولا تكذبوا علي.
ومعلوم أن الكذب على بني إسر ائيل لا يجوز بحال فإنما أراد بقول وحدثوا عني ولا تكذبوا عليّ أي تحرزوا من الكذب عليّ بأن لا تحدثوا عني إلا بما يصح عندكم من جهة الإسناد الذي به يقع التحرز عن الكذب عليّ.
7/13م ومن باب في القصص
1455- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد حدثنا أبو مسهر حدثنا عباد بن عباد الخواص عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عمرو بن عبد الله السيباني عن عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال.
قال الشيخ: بلغني عن ابن سريج أنه كان يقول هذا في الخطبة وكان الأمراء يتلون الخطب فيعظون النلس ويذكرونهم فيها فأما المأمور فهو من يقيمه الإمام خطيبا فيعظ الناس ويقص عليهم.
فأما المختال فهو الذي نصب لذلك نفسه من غير أن يؤمر له ويقص على الناس طلبا للرياسة فهو يرائي بذلك ويختال.
وقد قيل إن المتكلمين على الناس ثلاثة أصناف مذكر، وواعظ، وقاص. فالمذكر الذي يذكر الناس آلاء الله ونعماءه ويبعثهم به على الشكر له. والواعظ يخوفهم بالله وينذرهم عقوبته فيردعهم به عن المعاصي. والقاص هو الذي يروي لهم أخبار الماضين ويسرد عليهم القصص فلا يأمن أن يزيد فيها أو ينقص. والمذكر والواعظ مأمون عليهما هذا المعنى.
23 كتاب اللباس
1/2م ومن باب ما يدعى إذا لبس جديدا
1456- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن الجراح الآذني حدثنا أبو النَّضر حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص أن رسول الله ﷺ أتي بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال من ترون أحق بهذه فسكت القوم فقال ائتوني بأم خالد فأتي بها فألبسها ثم قال أبْلي وأخلقي.
قال الشيخ: الخميصة قال الأصمعي هي ثياب تكون من خز أو صوف معلمة.
2/5م ومن باب لبس الشعر والصوف
1457- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الرملي وحسين بن علي قالا: حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج رسول الله ﷺ وعليه مِرط مرحَّل من شعر أسود.
قال الشيخ: المرط كساء يؤتزر به، قال أبو عبيدة المرط قد يكون من صوف ومن خز، والمرحل هو الذي فيه خطوط، ويقال إنما سمي مرحلا لأن عليه تصاوير رحل وما يشبهه.
3/7م ومن باب في الحرير
1458- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن ابن عون قال سمعت أبا صالح يحدث عن علي رضي الله عنه قال أهديت لرسول الله ﷺ حلة سُيَراء فأرسل إلي بها فلبستها فأتيته فرأيت الغضب في وجهه وقال إني لم أرسل بها إليك لتلبسها وأمرني فاطرتها بين نسائي.
قال الشيخ: قوله حلة سيراء هي المضلعة بالحرير، وقوله فاطرتها بين نسائي يريد قسمتها بينهن بأن شققتها وجعلت لكل واحدة منهن سقة، يقال طار لفلان في القسمة سهم كذا أي طار له ووقع في حصته قال الشاعر:
فما طار لي في القسم إلا ثمينها
4/8م ومن باب في الكراهة
1459- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله ﷺ نهى عن لبس القَسيِّ وعن لبس المعصفر وعن تختم الذهب وعن القراءة في الركوع.
قال الشيخ: القسي ثياب يؤتى بها من مصر فيها حره، ويقال إنها منسوبة إلى بلاد يقال لها القسي مفتوحة القاف مشددة السين، ويقال إنها القزية أبدلوا الزاي سينا وإنما حرمت هذه الأشياء على الرجال دون النساء.
وأما القراءة في الركوع فإنما نهي من أجل أن الركوع محل التسبيح والذكر بالتعظيم، وإنما محل القراءة القيام فكره أن يجمع بينهما في محل واحد ليكون كل واحد منهما في موضعه الخاص به والله أعلم.
وقد كره للنساء أن يتختمن بالفضة لأن ذلك من زي الرجال فإذا لم يجدن ذهبا فليصفرنه بزعفران ونحوه.
1460- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله ﷺ مُسْتقة من سندس فلبسها فكأني انظر إلى يديه تذبذبان ثم بعث بها إلى جعفر رضي الله عنه.
قال الشيخ: قال الأصمعي المساتق فراء طوال الأكمام واحدتها مستقة، قال وأصلهل بالفارسية مشته فعربت.
قال الشيخ: ويشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس لأن نفس الفروة لا تكون سندسا. وقوله تذبذبان معناه تحركان وتضطربان يريد الكمين.
1461- قال أبو داود: حدثنا مخلد بن خالد حدثنا روح حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن نبى الله ﷺ قال لا اركب الأُرجُوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير.
قال الشيخ: الأرجوان الأحمر وأراه أراد به المياثر الححر وقد تتخذ من ديباج وحرير، وقد ورد فيه النهي لما في ذلك من السرف وليست من لباس الرجال.
1462- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعية، عن أبي إسحاق عن هُبيرة عن علي كرم الله وجهه قال نهاني رسول الله ﷺ عن خاتم الذهب وعن لبس القَسِّي والمبثرة.
قال الشيخ: إنما سميت هذه المراكب مياثر لوثارتها ولينها وكانت من مراكب العجم، والمكفف من الحرير ما اتخذ جيبه من حرير وكان لذيله وأكمامه كفاف منه.
1463- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب أخبرنا المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي، عن أبي ريحانة قال نهى رسول الله ﷺ عن عشر عن الوشْر والوشم وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار وعن مكامعة المرأة المرأة وعن النهبى وركوب النمور ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان.
قال الشيخ: الوشر معالجة الأسنان بما يحددها تفعله المرأة المسنة تشبه بالشواب الحديثات السن، والوشم أن تغرز اليد بالإبرة ثم يحشى كحلا أو غيره من خضرة أو سواد.
وأما المكامعة فهي المضاجعة وروى أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال المكامعة مضاجعة العراة المجرمين، والمكاعمة تقبيل أفواه المحظورين، وأخذ الأول من الكميع، والكمع وهو الضجيج، والأخرى من الكعم وهو شد فم البعير لئلا يعض ولئلا ينبح وأنشدنا:
هجمنا عليه وهو يكعم كلبه... دع الكلب ينبح إنما الكلب نابح
ونهيه عن ركوب النمور قد يكون لما فيه من الزينة والخيلاء ويكون لأنه غير مدبوغ لأنه إنما يراد لشعره والشعر لا يقبل الدباغ.
ويشبه أن يكون إنما كره الخاتم لغير ذي سلطان لأنه يكون حينئذ زينة محضة لا لحاجة ولا لأرب غير الزينة والله أعلم.
5/11م ومن باب الحرير للنساء
1464- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي أفلح الهمداني، عن أبي رزين أنه سمع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول إن نبي الله ﷺ أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي.
قال الشيخ: قوله إن هذين إشارة إلى جنسهما لا إلى عينهما فقط.
6/17م ومن باب في الحمرة
1465- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال هبطنا مع رسول الله ﷺ من ثنية فالتفت إليّ وعليَّ رَيطة مضرجة بالعصفر قال ما هذه الريطة فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورا فقذفتها فيه ثم أتيت من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة فأخبرته، قال أفلا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء.
قال الشيخ: المضرج الذي ليس صبغه بالمشبع العام وإنما هو لطخ علق به، ويقال تضرج الثوب إذا تلطخ بدم ونحوه، والريطة ملاءة ليست بلفقتين إنما هي نسج واحد.
7/18م ومن باب الرخصة في ذلك
1466- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق عن البراء قال كان رسول الله ﷺ له شعر يبلغ شحمة أذنيه ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئا أحسن منه.
قال الشيخ: قد نهى رسول الله ﷺ الرجال عن لبس المعصفر وكره لهم الحمرة في اللباس فكان ذلك منصرفا إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فغير داخل في النهي.
والحلل إنما هي برود اليمن حمر وصفر وخضر وما بين ذلك من الألوان وهي لا تصبغ بعد النسج ولكن يصبغ الغزل ثم يتخذ منه الحلل وهي العصب وسمي عصبا لأن غزله يعصب ثم يصبغ.
8/22م ومن باب لبسة الصماء
1467- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله ﷺ عن الصماء والاحتباء في ثوب واحد.
قال الشيخ: قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده وربما اضطجع على هذه الحالة.
قال أبو عبيد كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه وأن يقيه بيديه ولا يقدر على ذلك بإدخاله إياهما في ثيابه فهذا كلام العرب.
وأما تفسير الفقهاء فإنهم يقولون هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ويرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه، قال والفقهاء اعلم بالتأويل في هذا وذلك أصح في الكلام والله أعلم.
وأما نهيه عن الاحتباء في ثوب واحد فإنه إنما يكره ذلك إذا لم يكن بين فرجه وبين السماء شيء يواريه، وقد روي هذا مفسرا في الحديث.
9/25م ومن باب إسبال الازار
1468- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى، عن أبي غفار، عن أبي تميمة الهُجيمي، عن أبي جُري جابر بن سُليم، قال رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت من هذا قالوا رسول الله ﷺ قال قتلت عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الميت، قل السلام عليك، وذكر الحديث بطوله.
قال الشيخ: قوله عليك السلام تحية الميت يوهم أن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه دخل المقبرة، فقال السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، فقدم الدعاء على اسم المدعو له كهو في تحية الأحياء، وإنما قال ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم... ورحمته ما شاء أن يترحما
وكقول الشماخ:
عليك سلام من أديم وباركت... يد الله في ذاك الأديم الممزق
فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم.
1469- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن خَرَشة بن الحر، عن أبي ذر عن النبي ﷺ قال ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قلت من هم يا رسول الله قد خابوا وخسروا فأعادها ثلاثا، قلت من هم خابوا وخسروا قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر.
1470- ورواه أبو داود من طريق الأعمش عن سليمان بن مُسهر عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر قال المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منَّه.
قال الشيخ: إنما نهى عن الإسبال لما فيه من النخوة والكبر.
والمنان يتأول على وجهين: أحدهما من المنة وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن كانت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها.
والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد بالنقص من الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومن هذا قول الله سبحانه {وإن لك لأجرا غير ممنون} [1] أي غير منقوص. قالوا ومن ذلك سمي الموت منونا لأنه ينقص الأعداد ويقطع الأعمار.
قلت وقد روينا أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن رسول الله ﷺ فيما يسقط من الازار فرخص له في ذلك وقال لست منهم، وكان السبب في ذلك ما علمه من نقاء سره وأنه لا يقصد به الخيلاء والكبر، وكان رجلا نحيفا قليل اللحم وكان لا يستمسك إزاره إذا شده على حقوه فإذا سقط إزاره جره فرخص له رسول الله ﷺ في ذلك وعذره.
10/26م ومن باب في الكبر
1471- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن سلمان الأغر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ قال الله سبحانه الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار.
قال الشيخ: معنى هذا الكلام أن الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه اختص بهما لا يشركه أحد فيهما ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما، لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل، وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك يقول والله أعلم كما لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره أحد، فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق والله أعلم.
1472- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو بكر، يَعني ابن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردلة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان.
قال الشيخ: هذا يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به كبر الكفر والشرك، ألا ترى أنه قد قابله في نقيضه بالإيمان، فقال لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان.
والوجه آخر أن الله تعالى إذا أراد أن يدخله الجنة نزع ما في قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر ولا غل في قلبه كقوله سبحانه {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
وقوله لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان، معناه أن لا يدخلها دخول تخليد وتأبيد والله أعلم.
1473- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام حدثنا محمد، عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي ﷺ وكان رجلا جميلا فقال يا رسول الله إني رجل حبب إليّ الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد. إما قال بشراك نعلي وإما قال بشسعي أفمن الكبر ذلك، قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس.
قال الشيخ: قوله ولكن الكبر من بطر الحق، معناه لكن الكبر كبر من بطر الحق فأضمر كقوله تعالى ولكن البر من آمن بالله أي لكن البّر بّر من آمن بالله.
وقوله غمط معناه ازرى بالناس واستخفهم، يقال غمط وغمص بمعنى واحد، وفيه لغة أخرى غَمَط وعَمَص مفتوحة الميم.
11/27م ومن باب قدر موضع الإزار
1474- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ أُزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه.
قال الشيخ: قوله فهو في النار يتأول على وجهين أحدهما أن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له على فعله.
والوجه الآخر أن يكون معناه أن صنيعه ذلك وفعله الذي فعله في النار على معنى أنه معدود ومحسوب من أفعال أهل النار والله أعلم.
12/28م ومن باب يدنين عليهن من جلابيبهن
1475- قال أبو داود: حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عَوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفا، وقالت لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجور أو حجوز شك أبو كامل فشققنهن فاتخذنه خُمُرا.
1476- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح أنبأنا ابن وهب أخبرني قرة بن عبد الرحمن المعافري عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يرحم الله نساء المهاجرات الأُول لما أنزل الله {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [2] شققن أكنَف مروطهن فاختمرن بها.
قال الشيخ: الحجور لا معنى له ههنا وإنما هو بالزاي معجمة هكذا حدثني عبد الله بن أحمد المسكي،، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي عَوانة وذكر الحديث. فقال عمدن إلى حَجَز أو حجوز مناطقهن فشققنهن، والحجز جمع الحجزة وأصل الحجزة موضع ملاث الإزار ثم قيل للإزار الحجزة، وأما الحجوز فهو جمع الحجز يقال احتجز الرجل بالإزار إذا شده على وسطه.
وقولها الأكنف تريد الأستر والأصفق منها ومن هذا قيل للوعاء الذي يحرز فيه الشيء كِنْف والبناء الساتر لما وراءه كنيف، والمروط واحدها مرط وهو كساء يؤتزر به.
13/33م ومن باب في قوله تعالى
{غير أولي الإربة} [3]
1477- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يدخل على أزواج النبي ﷺ مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الاربة فدخل عليه النبي ﷺ يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبي ﷺ ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلنَّ عليكن هذا فحجبوه.
قال الشيخ: قال أبو عبيده قوله تقبل بأربع، يَعني أربع عكن في بطنها فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان، يَعني أطراف هذه العكن الأربع وذلك أنها محيطة بالجنين حتى لحقت بالمتنين من مؤخرها من هذا الجانب أربعة أطراف، ومن الجانب الآخر مثلها فهذه ثمان.
14/35م ومن باب في الاختمار
1478- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن قال وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن حبيب عن وهب مولى أبي أحمد عن أم سلمة أن النبي ﷺ دخل عليها وهي تختمر فقال ليّة لا ليَّتين.
قال الشيخ: يشبه أن يكون إنما كره لها أن تلوي الخمار على رأسها ليتين لئلا يكون إذا تعصبت بخمارها صارت كالمتعمم من الرجال يلوي أطراف العمامة على رأسه، وهذا على معنى نهيه النساء عن لباس الرجال والرجال عن لباس النساء وقال لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.
1479- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني قالا أنبأنا ابن وهب أخبرنا ابن لهيعة عن موسى بن جبير أن عبيد الله بن عباس حدثه عن خالد بن يزيد بن معاوية عن دحية بن خليفة الكلبي أنه قال أتي رسول الله ﷺ بقَباطي فأعطاني قُبطية منها، فقال اصدعها صِدعين فاقطع أحدهما قميصا وأعط الآخر امرأتك تختمر به.
قال الشيخ: القبطية مضمومة القاف الشقة أو الثوب من القباطي وهي ثياب تعمل بمصر ؛ فأما القبطية بكسر القاف فهي منسوبة إلى قبط وهم جيل من الناس.
وقوله اصدعها يريد شقها نصفين فكل شق منها صدع بكسر الصاد، والصدع مفتوحة الصاد مصدر صدعت الشيء إذا شققته واصدعه صدعا.
15/38م ومن باب إهاب الميتة
1480- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وَعْلة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ يقول إذا دبغ الاهاب فقد طهر.
قال الشيخ: الإهاب الجلد ويجمع على الاهب وزعم قوم أن جلد ما لا يؤكل لا يسمى إهابا، وذهبوا إلى أن الدباغ لا يعمل من الميتة إلا في الجنس المأكول اللحم، وهو قول الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وأبي ثور.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي إلى أن جلد الميتة مما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل يطهر بالدباغ، إلا أن أبا حنيفة وأصحابه استثنوا منها جلد الخنزير واستثنى الشافعي مع الخنزير جلد الكلب، وكان مالك يكره الصلاة في جلود السباع وإن دبغت ويرىالانتفاع بها ويمتنع من بيعها، وعند الشافعي بيعها والانتفاع بها على جميع الوجوه جائز لأنها طاهرة، ومما يدل على أن اسم الاهاب يتناول جلد لا يؤكل لحمه كتناول جلد المأكول اللحم قول عائشة رضى الله عنها حين وصفت أباها رضي الله عنهما وحقن الدماء في أهبها تريد به الناس وقال ذو الرمة يصف كلبتين:
لا يذخران من الإيغال باقية... حتى تكاد يفرّى عنهما الأهب
4181- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المِّحبق أن رسول الله ﷺ جاء في غزوة تبوك على بيت فإذا قربة معلقة فسأل الماء فقالوا يا رسول الله إنها ميتة قال دباغها طهورها.
قال الشيخ: وهذا يدل على بطلان قول من زعم أن إهاب الميتة إذا مسه الماء بعد الدباغ نجس وتبين له أنه طاهر كطهاره المذكى وأنه إذا بسط فصلى عليه أو خرز منه خف فصلى فيه جاز.
1482- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني عمرو، يَعني ابن الحارث عن كثير بن فرقد عن عبد الله بن مالك بن حذافة عن أمه العالية بنت سبيع عن ميمونة قالت مر على رسول الله ﷺ رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول الله ﷺ لو أخذتم إهابها قالوا إنها ميتة، فقال رسول الله ﷺ يطهرها الماء والقرظ.
قال الشيخ: القرظ شجر تدبغ به الأهب وهو لما فيه من القبض والعفوصة ينشف البلة ويذهب الرخاوة ويحصف الجلد ويصلحه ويطيبه فكل شيء عمل عمل القرظ كان حكمه في التطهير حكم القرظ.
وذكره الماء مع القرظ قد يحتمل أن يكون أراد بذلك أن القرظ يخلط به حتى يستعمل في الجلد، ويحتمل أن يكون إنما أراد أن الجلد إذا خرج من الدباغ غسل بالماء حتى يزول عنه ما خالطه من وضر الدبغ ودرنه.
وفيه حجة لمن ذهب إلى أن غير الماء لا يزيل النجاسة ولا يطهرها في حال من الأحوال.
1483- قال أبو داود: حدثنا مسدد بن مسرهد أن إسماعيل بن إبراهيم ويحيى بن سعيد حدثاهم المعنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله ﷺ نهى عن جلود السباع.
قال الشيخ: قد يحتج بنهيه ﷺ عن ذلك من يرى أن الدباغ لا يعمل إلا في جلد ما يؤكل لحمه، وهو قول الأوزاعي وسائر من حكينا قولهم بَدِيا هكذا وتأويل الحديث عند غيرهم أن المنهي عنه أن يستعمل قبل الدباغ.
وتأوله أصحاب الشافعي ومن ذهب مذهبه في أن الدباغ يطهر جلود السباع ولا يطهر شعورها على أنه إنما نهى عن استعمالها من أجل شعرها لأن جلود النمور والحمر ونحوهما إنما تستعمل مع بقاء الشعر عليها، وشعر الميتة نجس عندهم، وقد يكون النهي عنها أيضا من أجل أنها مراكب أهل الشرف والخيلاء. وقد جاء النهي عن ركوب جلود النمر نصا، وقد ذكره أبو داود في هذا الباب فأما إذا دبغ الجلد ونتف شعره فإنه طاهر على مذهبه ولا ينكر تخصيص العموم بدليل يوجبه.
1484- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكيم قال قدم علينا كتاب رسول الله ﷺ بأرض جُهينة وأنا غلام شاب أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عَصب.
قال الشيخ: قد ذهب أحمد بن حنبل إلى ظاهر هذا الحديث وزعم أن الأخبار في الدباغ منسوخة به لأن في بعض الروايات أن عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب رسول الله ﷺ قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب فكان التحريم آخر الأمرين.
قال الشيخ: ومذهب عامة العلماء على جواز الدباغ والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ ووهنوا هذا الحديث لأن عبد الله بن عكيم لم يلق النبي ﷺ وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم فقد يحتمل لو ثبت الحديث أن يكون النهي إنما جاء عن الانتفاع به قبل الدباغ ولا يجوز أن يترك به الأخبار الصحيحة التي قد جاءت في الدباغ وأن يحمل على النسخ والله أعلم.
16/41م ومن باب في النعال
1485- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إبراهيم بن طَهْمان، عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺ أن ينتعل الرجل قائما.
قال الشيخ: يشبه أن يكون إنما نهى عن لبس النعل قائما لأن لبسها قاعدا أسهل عليه وأمكن له وربما كان ذلك سببا لانقلابه إذا لبسها قائما فأمر بالقعود له والاستعانة باليد ليأمن غائلته والله أعلم.
1486- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة لينتعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا.
قال الشيخ: وهذا قد يجمع أمورا منها أنه قد يشق عليه المشي على هذه الحال لأن وضع أحد القدمين منه على الحفاء إنما يكون مع التوقي والتهيب لأذى يصيبه أو حجر يصدمه ويكون وضعه القدم على خلاف ذلك من الاعتماد به والوضع له من غير محاشاة أو تقية فيختلف من أجل ذلك مشيه ويحتاج معه إلى أن ينتقل عن سجية المشي وعادته المعتادة فيه فلا يأمن عند ذلك العثار والعنت وقد يتصور فاعله عند الناس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى ولا خفاء بقبح منظر هذا الفعل. وكل أمر يشتهره الناس ويرفعون إليه أبصارهم فهو مكروه مرغوب عنه.
قلت: وقد يدخل في هذا المعتى كل لباس ينتفع به كالخفين وادخال اليد في الكمين والتردي بالرداء على المنكبين. فلو أرسله على إحدى المنكبين وعرَّى منه الجانب الآخر كان مكروهاَ على معنى الحديث ولو أخرج إحدى يديه من كمه وترك الأخرى داخل الكم الآخر كان كذلك في الكراهة والله أعلم.
1487- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا نزع فليبدأ بالشمال وليكن اليمنى أولهما تُنعل وآخرهما تُنزع.
قال الشيخ: إذا كان معلوما إن لبس الحذاء صيانة للرجل ووقاية لها فقد أعلم أن التبدية به لليمنى زيادة في كرامتها، وكذلك التبقية لها بعد خلع اليسرى وقد كان رسول الله ﷺ يبدأ في لبوسه وطهوره بميامنه ويقدمها على مياسره.
17/42 م ومن باب في الفُرُش
1488- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الهمداني حدثنا ابن وهب، عن أبي هانىء، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن جابر بن عبد الله قال ذكر رسول الله ﷺ الفرش فقال فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان.
قال الشيخ: فيه دليل على أن المستحب في أدب السنة أن يبيت الرجل وحده على فراش وزوجته على فراش آخر ولو كان المستحب لهما أن يبيتا معا على فراش واحد لكان لا يرخص له في اتخاذه فراشين لنفسه ولزوجته وهو إنما يحسن له مذهب الاقتصاد والاقتصار على أقل ما تدعو إليه الحاجة والله أعلم.
18/43 ومن باب في اتخاذ الستور
1489- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير حدثنا فضيل بن غزوان عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ أتى فاطمة عليها السلام فوجد على بابها سِترا فلم يدخل. قال وقل ما كان يدخل إلا بدأ بها قال وجاء علي كرم الله وجهه فرآها مهتمة فقال مالك، قالت جاء النبي ﷺ إلي فلم يدخل فأتاه علي فقال يا رسول الله إن فاطمة عليها السلام اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها، فقال وما أنا والدنيا والرقْم، فذهب إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول الله ﷺ فقالت قل لرسول الله ﷺ ما تأمرني به قال قل لها فلترسل به إلى بني فلان.
قال الشيخ: أصل الرقم الكتابة قال الشاعر:
سأرقم في الماء القَراح إليكم... على بعد أن كان للماء راقم
وقال فضيل بن غزوان كان سترا موشى.
19/44م ومن باب التصليب في الثوب
1490- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى حدثنا عمران بن حِطان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه.
قال الشيخ: قوله قضبه معناه قطعه والقضب القطع، والتصليب ما كان على صورة الصليب.
20/45 م ومن باب في الصورة
1491- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نُجَي عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جُنُب.
قال الشيخ: قد فسرنا هذا فيما تقدم من الكتاب، وذكرنا عن بعض العلماء أنه قال إن الجنب في هذا الحديث هو الذي يترك الاغتسال من الجنابة ويتخذه عادة وأن الكلب إنما يكره إذا كان اتخذه صاحبه للهو ولعب لا لحاجة وضرورة كمن اتخذه لحراسة زرع أو غنم أو لقنيص وصيد. فأما الصورة فهو كل ما تصور من الحيوان سواء في ذلك الصورة المنصوبة القائمة التي لها أشخاص وما لا شخص له من المنقوشة في الجدر والمصورة فيها وفي الفرش والأنماط، وقد رخص بعض العلماء فيما كان منها في الأنماط التي توطأ وتداس بالأرجل.
1492- قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن يسار الأنصاري عن زيد بن خالد الجهني قال: قالت عائشة رضي الله عنها خرج رسول الله ﷺ في بعض مغازيه وكنت أتحين قفوله فأخذت نمطا كان لنا فسترته على العَرَض. فلما جاء استقبلته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي أعزك وأكرمك. فنظر إلى البيت فرأى النمط فلم يرد عليّ شيئا ورأيت الكراهية في وجهه فأتى النمط حتى هتكه ثم قال إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن. قالت فقطعته وسادتين وحشوتهما ليفا فلم ينكر ذلك عليّ.
قال الشيخ: العرض هو الخشبة المعترضة يسقف بها البيت ثم يوضع عليها أطراف الخشب الصغار يقال عرضت البيت تعريضا.
1493- قال أبو داود: حدثنا أبو صالح أنبأنا أبو إسحاق عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أتاني جبريل فقال لي أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قِرام سِترٍ فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي على الباب أن يقطع فتصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن ومر بالكلبب فليخرج ففعل رسول الله ﷺ فإذا الكلب لحسن أو حسين عليهما السلام كانت تحت نَضَد لهم فأمر به فأخرج.
قال الشيخ: النضد متاع البيت ينضد بعضبه على بعض أي يرفع بعضه فوق الآخر ومنه قول النابغة:
فرفعته إلى السجفين فالنضد
والمنبوذتان وسادظن لطيفتان وسميتا منبوذتين لخفتهما ينبذان ويطرحان للقعود عليهما. وفيه دليل على أن الصورة إذا غيرت بأن يقطع رأسها أو تحل أوصالها حتى تغير هيئتها عما كانت لم يكن بها بعد ذلك بأس.
24 كتاب الترجل
1494- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد حدثنا الجُريري عن عبد الله بن بريدة عن رجل من أصحاب رسول الله ﷺ أن رسول الله ﷺ كان ينهى عن كثير من الارفاه.
قال الشيخ: معنى الارفاه الاستكثار من الزينة وأن لا يزال يهيء نفسه، وأصله من الرفه وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم فإذا وردت يوما ولم ترد يوما فذلك الغب وقد أغبت فهي مغِبة فإذا جاوز ذلك صار ظمأ وأول الرِّبْع ولا يقال في الإظماء ثلث، ومنه أخذت الرفاهية وهي الخفض والدَّعة. كره رسول الله ﷺ الإفراط في التنعم والتدلك والدهن والترجيل في نحو ذلك من أمرالناس فأمر بالقصد في ذلك، وليس معناه ترك الطهاره والتنظيف فإن الطهارة والنظافة من الدين والله أعلم.
1495- قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبى أمامة عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبي أمامة قال: ذكر أصحاب رسول الله ﷺ يوما عنده الدنيا، فقال رسول الله ﷺ: ألا تسمعون ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان.
قال أبو داود، يَعني التقحل.
قال الشيخ: البذاذة سوء الهيئة والتجوز في الثياب ونحوهما، يقال رجل باذ الهيئة إذا كان رث الهيئة واللباس.
1/5م ومن باب صلة الشعر
1496- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، قال محمد والواصلات، وقال عثمان والمتنمصات ثم اتفقا والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله.
قال الشيخ: الواشمات من الوشم في اليد وكانت المرأة تغرز معصم يدها بإبرة أومسلة حتى تدميه ثم تحشوه بالكحل فيخضر يفعل ذلك بدارات ونقوش، يقال منه وشمت تشم فهي واشمة، والمستوشمة هي التي تسأل وتطلب أن يفعل ذلك بها، والواصلات هن اللواتي يصلن شعورهن بشعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشعر يوهمن أن ذلك من أصل شعورهن فقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر أو يكون شعرها أصهب فتصل شعرها بشعر أسود فيكون ذلك زورا وكذبا فنهى عنه، فأما القرامل فقد رخص فيها أهل العلم وذلك أن الغرور لا يقع بها لأن من نظر إليها لم يشك في أن ذلك مستعار، والمتنمصات من النمص وهو نتف الشعر من الوجه، ومنه قيل للمنقاش المنماص. والنامصة هي التي تنتف الشعر بالمنماص، والمتنمصة هي التي يفعل ذلك بها ؛ والمتفلجات هن اللواتي يعالجن أسنانهن حتى يكون لها تحدد واشر يقال ثغر أفلج.
2/7م ومن باب المرأة تتطيب للخروج
1497- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم، عن أبي هريرة قال لقِيته امرأة وجد منها ريح الطيب ولذيلها إعصار فقال يا أمة الجبار جئت من المسجد، قالت نعم، قال وله تطيبت قالت نعم، قال إنى سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يقبل لامرأة صلاة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة.
قال الشيخ: الاعصار غبار ترفعه الريح.
3/8م ومن باب الخلوق الرجل
1498- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر قال: قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي فخلَّقوني بزعفران فغدوت على رسول الله ﷺ فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد عليَّ ورحب بي وقال إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب. قال ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ.
قال الشيخ: الردغ لطخ من بقية لون الزعفران والمتضمخ المتلطخ به.
وفيه دلالة على أن الجنب الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لم يتوضأ بعد الجنابة، قيل هو الذي لا يغتسل من الجنابة ويتخذه عادة له فهو في أكثر أوقاته جنب.
4/11م ومن باب في تطويل الجمة
1499- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام وسفيان بن عقبة السُّوائي هو أخو قبيصة بن عقبة وحميد بن خوار عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب قلت أراه عن أبيه عن وائل بن حجر قال: أتيت النبي ﷺ ولي شعر طويل فلما رآني رسول الله ﷺ قال: ذُباب ذُباب، قال فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال إني لم أعنك وهذا أحسن.
قال الشيخ: أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال الذباب الشؤم.
5/14م ومن باب في الذؤابة
1500- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ نهى عن القزع وقال: وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة.
قال الشيخ: هكذا جاء تفسيره في الحديث وأصل القزع قطع السحاب المتفرقة شبه تفاريق الشعر في رأسه إذا حلق بعضه وأبقى بعضه بطخارير السحاب.
6/16م ومن باب الأخذ من الشارب
1501- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد، عن أبي هريرة يبلغ به النبي ﷺ الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب.
قال السيخ: معنى الفطرة ههنا السنة والاستحداد حلق العانة بالحديد.
1502- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أمربإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى.
قال الشيخ: إحفاء الشارب أن يوخذ منه حتى يحفى ويرق، وقد يكون أيضا معناه الاستقصاء في أخذه من قولك أحفيت في المسألة إذا استقصيت فيها واعفاء اللحية توفيرها من قولك عفا النبت إذا طال ويقال عفا الشيء بمعنى كثر قال الله تعالى {حتى عفوا} [4] أي كثروا والله أعلم.
هامش