الرئيسيةبحث

معالم السنن/الجزء الرابع/2

14/19م ومن باب دية الجنين

1216- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عباد الأزدي المعنى قالا: حدثنا وكيع عن هشام عن عروة عن المسور بن مخرمة أن عمر رضي الله عنه استشار الناس في املاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة شهدت رسول الله ﷺ قضى فيها بغرة عبد أو أمة فقال ائتني بمن يشهد معك، قال فأتاه محمد بن مسلمة فشهد له.

قال الشيخ: إملاص المرأة إسقاطها الولد، وأصل الإملاص الازلاق وكل شيء يزلق من اليد ولا يثبت فيها فهو مَلَص. ومنه قول الشاعر:

فرَّ وأعطاني رشا مِلَّصا

والغرة النسمة من الرقيق ذكرا كان أو أنثى، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء، وإنما سمي غرة لبياضه لا يقبل في الدية عبد أسود أو جارية سوداء.

حدثني بذلك أبو محمد الكُرابي حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا زكريا بن يحيى المنقري عن الأصمعي، عن أبي عمرو ويرى أن عمر إنما استشهد مع المغيرة بغيره استثباتا في القضية واستبراء للشبهة، وذلك أن الديات إنما جاء فيها الإبل والذهب والورق.

وقد ذكر أيضا في بعض الروايات البقر والغنم والحلل ولم يأت في شيء منها في الرقيق فاستنكر عمر رضي الله عنه ذلك في بدأة الرأي فاستزاده في البيان حتى جاء الثبت والله أعلم.

1217- قال أبو داود: حدثنا محمد بن مسعود حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار سمع طاوسا عن ابن عباس عن عمر أنه سأل عن قضية النبي ﷺ في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله ﷺ في جنينها بغرة وأن تقتل.

قال الشيخ: المسطح عود من عيدان الخباء، وفيه دليل على أن القتل إذا وقع بما يقتل مثله غالبا من خشب أو حجر أو نحوهما ففيه القصاص كالحديث إلا أن قوله وأن تقتل لم يذكر في غير هذه الرواية.

1218- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا مجالد قال حدثنى الشعبي عن جابر بن عبد الله أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد قال فجعل النبي ﷺ دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها، قال فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله ﷺ لا ميراثها لزوجها وولدها.

قال الشيخ: دلالة هذا الحديث أن القتل كان يشبه الخطأ فجعل رسول الله ﷺ ديتها على عاقلة القاتلة.

وفيه بيان أن الولد ليس من العاقلة وأن العاقلة لا ترث إلا ما فضل عن أصحاب السهام.

1219- قال أبو داود: حدثنا وهب بن بيان وابن السرح قالا: حدثنا ابن وهب خبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله ﷺ قال فقضى رسول الله ﷺ دية جنينها غرة عبد أو أمة وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حَمَل بن النابغة الهذلي كيف أغرم دية من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل.

فقال رسول الله ﷺ إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع.

قال الشيخ: قوله وورثها ولدها ومن معهم يريد الدية.

وفيه بيان أن الدية موروثة كسائر مالها الذي كانت تملكه أيام حياتها.

وفيه دليل على أن الجنين يورث وتكون ديتها على سهام الميراث وذلك أن كل نفس تضمن بالدية فإنه يورث كما لو خرج حيا ثم مات.

وقوله ولا استهل، الاستهلال رفع الصوت، يريد أنه تعلم حياته بصوت نطقٍ أو بكاء أو نحو ذلك.

وقوله ذلك يطل، يروى هذا الحرف على وجهين: أحدهما بطل على معنى الفعل الماضي من البطلان والآخر يطل على مذهب الفعل الغائب من قولهم طُل دمه إذا اهدر يُطل.

وقوله ﷺ هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع فإنه لم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمنه سجعه من الباطل.

وانما ضرب المثل بالكهان لأنهم كانوا يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين فيستميلون القلوب ويستصغون الأسماع إليها. فأما إذا وضع السجع في موضع حق فإنه ليس بمكروه وقد تكلم رسول الله ﷺ بالسجع في مواضع من كلامه كقوله للأنصار، إما أنكم تقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع.

وروي عنه أنه قال خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة.

وقال أبا عمير ما فعل النغير.

وقال في دعائه اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقوله لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع. أعوذ بك من هؤلاء الأربع. ومثل ذلك في الكلام كثير.

وفي الخبر دليل على أن الدية في شبه الخطأ على العاقلة.

قلت والغرة إنما تجب في الجنين إذا سقط ميتا فإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة.

وفيه بيان أن الأجنة وإن كثرت ففي كل واحد منها غرة.

واختلفوا في سن الغرة التي يجب قبولها ومبلغ قيمتها، فقال أبو حنيفة وأصحابه عبد أو أمة تعدل خمسمائة درهم، وقال مالك ستمائة درهم، وقصد كل واحد من الفريقين نصف عشر الدية، لأن الدية عند العراقي عشرة آلاف درهم، وعند المدني اثنا عشر ألفا.

وقيل خمسون دينارا وهي أيضا نصف العشر من دية الحر لأنهم لم يختلفوا أن الدية من الذهب ألف دينار.

وقد استدل بعض الفقهاء من قوله قضى رسول الله ﷺ في جنينها بغرة على أن دية الأجنة سواء ذكرانا كانت أو اناثا لأنه أرسل الكلام ولم يقيده بصفة.

قال ولو كان يختلف الأمر في ذلك بالأنوثة والذكورة لبينه كما بين الدية في الذكر والأنثى من الأحرار البالغين.

قلت وهذه القضية صادقة في الحكم، إلا أن الاستدلال فيه بهذا اللفظ من هذا الحديث لا يصح لأنه حكاية فعل ولا عموم لحكاية الفعل. وإنما يصح هذا الاستدلال من رواية من روى أن النبي ﷺ قضى في الجنين بغرة من غير تفصيل والله أعلم.

ومذهب الشافعي في دية الجنين قريب من مذاهب من تقدم ذكرهم، إلا أنه قومها من الإبل، فقال خمس من الإبل خمساها وهو بعيران قيمة خَلَفتين وثلاثة أخماسها قيمة ثلاث جذاع وحقاق، وذلك لأن دية شبه العمد عنده مغلظة منها أربعون خلفة وثلاثون حقة وثلاثون جذعة، فإن أعطى الغرة دون القيمة لم يقبل حتى يكون ابن سبع سنين أو ثمان.

ويقبل عند أبي حنيفة الطفل وما دون السبع كالرقبة المستحقة في الكفارات.

1220- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أنبأنا عيسى عن محمد، يَعني ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قضى رسول الله ﷺ في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل.

قال أبو داود روى هذا الحديث حماد وخالد الواسطي عن محمد، يَعني ابن عمرو ولم يذكرا فيه بفرس أو بغل.

قال الشيخ: يقال إن عيسى بن يونس قد وهم فيه وهو يغلط أحيانا فيما يرويه إلا أنه قد روى عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير أنهم قالوا الغرة عبد أو أمة أو فرس. ويشبه أن يكون الأصل عندهم فيما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة هذا والله أعلم.

وأما البغل فأمره أعجب ويحتمل أن تكون هذه الزيادة إنما جاءت من قبل بعض الرواة على سبيل القيمة إذا عدمت الغرة من الرقاب والله أعلم.

15/20م ومن باب دية المكاتب

1221- قال أبو داود: حدثنا مسدد عن يحيى بن سعيد واسماعيل عن هشام قال وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال قضى رسول الله ﷺ في دية المكاتب يقتل يُوَدي ما أدَّى من مكاتبته دية الحر وما بقي ديه المملوك.

قال الشيخ: أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه.

ولم يذهب إلى هذا الحديث من العلماء فيما بلغنا إلا إبراهيم النخعي.

وقد روي في ذلك أيضا شيء عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخا أو معارضا بما هو أولى منه والله أعلم.

16/21م ومن باب دية الذمي

1222- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: دية المعاهد نصف دية الحر.

قال الشيخ: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير، وهو قول مالك وابن شبرمة وأحمد بن حنبل غير أن أحمد قال إذا كان القتل خطأ. فإن كان عمدا لم يقد به ويضاعف عليه باثني عشر ألفا.

وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري ديته دية المسلم ؛ وهو قول الشعبي والنخعي ومجاهد، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما.

وقال الشافعي وإسحاق بن راهويه ديته الثلث من دية المسلم وهو قول ابن المسيب والحسن وعكرمة.

وروي ذلك أيضا عن عمر رضي الله عنه خلاف الرواية الأولى وكذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قلت وقول رسول الله ﷺ أولى ولا بأس بإسناده، وقد قال به أحمد ويعضده حديث آخر وقد رويناه فيما تقدم من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ﷺ ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف.

17/22م ومن باب الرجل يقاتل الرجل فيدفع عن نفسه

1223- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه، قال قاتل أجير لي رجلا فعض يده فانتزعها فندرت ثنيته فأتى النبي ﷺ فأهدرها وقال أتريد أن يضع يده في فيك تقضمها كالفحل.

قال الشيخ: فيه بيان أن دفع الرجل عن نفسه مباح وأن ذلك إذا أتى على نفس العادي عليه كان دمه هدرا إذا لم يكن له سبيل إلى الخلاص منه إلا بقتله.

واستدل به الشافعي في صول الفحل قال إذا دفعه فأتى عليه لم تلزمه قيمته.

18/23م ومن باب فيمن تطبب ولا يعلم منه طب

1224- قال أبو داود: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي أن الوليد أخبرهم حدثني ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: من تطبب ولم يعلم منه طِب فهو ضامن.

قال الشيخ: لا أعلم خلافا في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعدي، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض، وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته.

19/27م ومن باب ما يكون جبارا لا يضمن صاحبه

1225- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن يزيد حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: الرجْل جُبار.

قال الشيخ: معنى الجبار الهدر، وقد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل إنه غير محفوظ وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ. قالوا وإنما هوالعجماء جرحها جبار ولو صح الحديث لكان القول به واجبا. وقد قال به أبو حنيفة وأصحابه.

وذهبوا إلى أن الراكب إذا رمحت دابته إنسانا برجلها فهو هدر فإن نفحته بيدها فهو ضامن. قالوا وذلك أن الراكب يملك تصريفها من قدامها ولا يملك منها فيما وراءها.

وقال الشافعي اليد والرجل سواء لا فرق بينهما وهو ضامن والملكة منه قائمة في الوجهين إن كان فارسا.

1226- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة سمعا أبا هريرة يحدث عن رسول الله ﷺ قال: العجماء جرحها جُبار، والمعدِن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس.

قوله العجماء جرحها جبار، العجماء البهيمة وسميت عجماء لعجمتها وكل من لم يقدر على الكلام فهو أعجم.

ومعنى الجبار الهدر، وإنما يكون جرحها هدْر إذا كانت منفلتة غائرة على وجهها ليس لها قائد ولا سائق.

أما البئر فهو أن يحفر بئرا في ملك نفسه فيتردى فيها إنسان فإنه هدر لا ضمان عليه فيه.

وقد يتأول أيضا على البئر أن تكون بالبوادي يحفرها الإنسان فيحييها بالحفر والإنباط فيتردى فيها إنسان فيكون هدرا.

والمعدن ما يستخرجه الإنسان من معادن الذهب والفضة ونحوها، فيستأجر قوما يعملون فيها فربما انهارت على بعضهم يقول فدماؤهم هدر لأنهم أعانوا على أنفسهم فزال العتب عمن استأجرهم.

1227- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا عبد الرزاق قال وأنبأنا جعفر بن مسافر حدثنا يزيد بن المبارك حدثنا عبد الملك الصنعاني كلاهما عن معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: النار جبار.

قال الشيخ: لم أزل أسمع أصحاب الحديث يقولون غلط فيه عبد الرزاق إنما هو البئر جبار حتى وجدته لأبي داود عن عبد الملك الصنعاني عن معمر، فدل أن الحديث لم ينفرد به عبد الرزاق، ومن قال هو تصحيف البئر احتج في ذلك بأن أهل اليمن يسمون النار يكسرون النون منها فسمع بعضهم على الإمالة فكتبه بالياء ثم نقله الرواة مصحفا.

قلت إن صح الحديث على ما روي فإنه متأول على النار يوقدها الرجل في ملكه لأرب له فيها فتطير بها الريح فتشعلها في بناء أو متاع لغيره من حيث لا يملك ردها فيكون هدرا غير مضمون عليه والله أعلم.

20/25م ومن باب جناية العبد

1228- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة، عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله النبي ﷺ فقالوا يا رسول الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا.

قال الشيخ: معنى هذا أن الغلام الجاني كان حرا وكانت جنايته خطأ وكانت عاقلته فقراء وإنما تواسي العاقلة عن وُجْد وسعة ولا شيء على الفقير منهم.

ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه أيضا حرا لأنه لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى لأن العاقلة لا تحمل عبدا كما لا تحمل عمدا ولا اعترافا وذلك في قول أكثر أهل العلم.

فأما الغلام المملوك إذا جنى على عبد أو حرٍّ فجنايته في رقبته في قول عامة الفقهاء.

واختلفوا في كيفية أخذ أرش الجناية من رقبته فقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن إذا كانت الجناية خطأ فإن شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه.

وكذلك قال أحمد بن حنبل وإسحاق، وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وهو قول الشعبي وعطاء والحسن وعروة بن الزبير ومجاهد والزهري.

وإذا كان القتل عمدا فإن أبا حنيفة وسفيان الثوري يقولان إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عقلوا، فإن عفوا فلا سبيل عليه في شيء بعد العفو وليس لهم أن يسترقوه.

وقال مالك إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا فلهم قيمة العبد ولسيد العبد إن شاء يعطي قيمته وإن شاء سلم العبد وليس عليه غير ذلك.

وقال الشافعي إذا قتل عبد عبد رجل فسيد العبد المقتول بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة العبد المقتول في رقبة العبد القاتل فإن أداها سيد العبد القاتل متطوعا فليس لسيد العبد المقتول إلا ذلك إذا عفا عن القصاص. وإن رأى سيد العبد القاتل أن يؤديها لم يجبر عليه وبيع العبد القاتل، فإن وفى ثمنه بقيمة العبد المقتول فهو له وإن نقص فليس له غير ذلك وإن زاد كان الفضل لسيده.

21/28م ومن باب القصاص في السن

1229- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كسرت الرُّبَيّع أخت أنس بن النَّضر ثنية امرأة، فأتوا النبي ﷺ فقضى بكتاب الله عز وجل القصاص، فقال أنس بن النَّضر والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها اليوم، فقال يا أنس كتاب الله القصاص فرضوا بأرش أخذوه فعجب النبي ﷺ فقال: إن من عباد الله من لوأ قسم على الله لأبره.

قال الشيخ: قوله كتاب الله القصاص معناه فرض الله الذي فرضه على لسان نبيه ﷺ وأنزله من وحيه.

وقال بعضهم أراد به قول الله عز وجل {وكتبنا عليهم} إلى قوله {والسن بالسن} [1] وهذا على قول من يقول إن شرائع الأنبياء لازمة لنا وأن الرسول ﷺ كان يحكم بما في التوراة.

وقيل هذا إشارة إلى قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [2] إلى قوله {والجروح قصاص} [3] والله أعلم.

16 كتاب الأيمان والنذور

1230- قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله ﷺ فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال رسول الله ﷺ للحضرمي ألك بينة قال لا، قال فلك يمينه، فقال يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف عليه ليس يتورع من شيء، فقال ليس لك منه إلا ذلك فانطلق ليحلف له فلما أدبر قال رسول الله ﷺ أما لئن حلف على مال ليأكله ظالما ليلقين الله وهو عنه معرض.

قال الشيخ: في هذا الحديث دليل على أن ما يجري بين المتخاصمين من كلام تشاجر وتنازع وإن خرج بهما الأمر في ذلك إلى نسب كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى خيانة وفجور واستحلال في نحو ذلك من الأمور، فإنه لا حكومة بينهما في ذلك.

وفيه دليل على أن الصالح المظنون به الصدق والطالح الموهوم منه الكذب في الحكم سواء، وإنه لا يحكم لهما ولا عليهما إلا بالبينة العادلة.

وفي قوله فانطلق ليحلف له، وقوله فلما أدبر دليل على أن اليمين إنما كانت في عهد رسول الله ﷺ عند المنبر، ولولا ذلك لم يكن لانطلاقه في مجلس رسول الله ﷺ وإدباره عنه معنى ويشهد لذلك قول رسول الله ﷺ من حلف عند منبري ولو على سواك أخضر تبوأ مقعده من النار.

وفي قول الكندي هي أرضي في يدي أزرعها، دليل على اليد تثبت على الأرض بالزراعة وعلى الدار بالسكنى وبعقد الإجارة عليهما وبما أشبههما من وجوه التصرف والتدبير.

1231- قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار.

قال الشيخ: اليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها أي يحبس وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومن هذا قولهم قتل فلان صبرا ً، أي حبسا على القتل وقهرا عليه.

وقال هدبة بن خشرم وكان قتل رجلا فطلب أولياء القتيل القصاص وقدموه إلى معاوية رضي الله عنه فسأله عما ادعى عليه فأنشأ يقول:

رُمينا فرامينا فصادف رمينا... منية نفس في كتاب وفي قدر

وأنت أمير المؤمنين فما لنا... وراءك من مفدى ولا عنك من قصر

فإن يك في أموالنا لم نضق بها……ذرعا وإن صبرا فنصبر للدهر

يريد بالصبر القصاص، وقيل لليمين مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها فأضيف الصبر إلى اليمين مجازا واتساعا.

1/3م ومن باب الحلف بالأنداد

1232- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من حلف على يمين فقال في حلفه واللات فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق، يَعني بشيء.

قال الشيخ: فيه دليل على أن الحلف باللات لا يلزمه كفارة اليمين وإنما يلزمه الإنابة والاستغفار، وفي معناها إذا قال أنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام إن فعلت كذا وكذا وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد.

وقال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه إذا قال هو يهودي إن فعل كذا فحنث كان عليه الكفارة، وكذلك قال الأوزاعي وسفيان الثوري وقول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه نحو من ذلك.

وقوله من قال لصاحبه تعال أقامرك قليتصدق، معناه فليتصدق بقدر ما جعله خطرا في القمار.

2/4 م ومن باب الحلف بالآباء

1233- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه، قال سمعني رسول الله ﷺ وأنا أقول وأبي فقال إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ؛ قال عمر فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا.

قال الشيخ: قوله آثرا يريد مخبرا به من قولك آثرت الحديث آثره إذا رويته يقول ما حلفت ذاكرا عن نفسي ولا مخبرا به عن غيري.

1234- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله في حديث قصة الأعرابي فقال النبي ﷺ: أفلح وأبيه إن صدق.

قال الشيخ: قد ذكرنا هذا الحديث في كتاب الصلاة وأشبعنا بيانه هناك وليس بين هذا وبين حديث عمر خلاف على الوجه الذى تأولناه عليه فأغنى ذلك عن إعادته ههنا والله أعلم.

هامش

  1. [المائدة: 45]
  2. [النحل: 126]
  3. [المائدة: 45]