الهدي |
[قال الشافعي]: الهدي من الإبل والبقر والغنم، وسواء البخت والعراب من الإبل والبقر والجواميس والضأن والمعز، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشيء الذي سمى صغيرا كان أو كبيرا ومن لم يسم شيئا أو لزمه هدي ليس بجزاء من صيد فيكون عدله فلا يجزيه من الإبل ولا البقر ولا المعز إلا ثني فصاعدا ويجزيه الذكر والأنثى ويجزي من الضأن وحده الجذع والموضع الذي يجب عليه فيه الحرم لا محل للهدي دونه إلا أن يسمي الرجل موضعا من الأرض فينحر فيه هديا أو يحصر رجل بعدو فينحر حيث أحصر ولا هدي إلا في الحرم لا في غير ذلك.
قال: والاختيار في الهدي أن يتركه صاحبه مستقبل القبلة ثم يقلده نعلين ثم يشعره في الشق الأيمن. والإشعار في الهدي أن يضرب بحديدة في سنام البعير أو سنام البقر حتى يدمي والبقر والإبل في ذلك سواء ولا يشعر الغنم ويقلد الرقاع وخرب القرب ثم يحرم صاحب الهدي مكانه وإن ترك التقليد والإشعار فلا شيء عليه وإن قلد وأشعر وهو لا يريد الإحرام فلا يكون محرما.
قال: وإذا ساق الهدي فليس له أن يركبه إلا من ضرورة وإذا اضطر إليه ركبه ركوبا غير فادح له، وله أن يحمل الرجل المعيا والمضطر على هديه.
وإذا كان الهدي أنثى فنتجت فإن تبعها فصيلها ساقه وإن لم يتبعها حمله عليها وليس له أن يشرب من لبنها إلا بعد ري فصيلها وكذلك ليس له أن يسقي أحدا وله أن يحمل فصيلها وإن حمل عليها من غير ضرورة فأعجفها غرم قيمة ما نقصها وكذلك إن شرب من لبنها ما ينهك فصيلها غرم قيمة اللبن الذي شرب.
وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت أو وجهها بكلام فقال هذه هدي، فليس له أن يرجع فيها ولا يبدلها بخير ولا بشر منها كانت زاكية أو غير زاكية وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها.
وإنما أنظر في الهدي إلى يوم يوجب، فإن كان وافيا ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج أو ما لا يكون به وافيا على الابتداء لم يضره إذا بلغ المنسك، وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل أن ينحر لم يجز عنه ولم يكن له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره أو يكون أصله واجبا فلا يجزي عنه فيه إلا واف، والهدي هديان هدي أصله تطوع فذلك إذا ساقه فعطب فأدرك ذكاته فنحره أحببت له أن يغمس قلادته في دمه ثم يضرب بها صفحته ثم يخلي بين الناس وبينه يأكلونه، فإن لم يحضره أحد تركه بتلك الحال وإن عطب فلم يدرك ذكاته فلا بدل عليه في واحدة من الحالين فإن أدرك ذكاته فترك أن يذكيه أو ذكاه فأكله أو أطعمه أغنياء أو باعه فعليه بدله وإن أطعم بعضه أغنياء وبعضه مساكين أو أكل بعضه وخلى بين الناس وبين ما بقي منه غرم قيمة ما أكل وما أطعم الأغنياء فيتصدق به على مساكين الحرم لا يجزيه غير ذلك، وهدي واجب فذلك إذا عطب دون الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بذله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على مساكين كان عليه بدله لأنه قد خرج من أن يكون هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله.
وإذا ساق المتمتع الهدي معه أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلي وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين فرض في الأبدان فلا يكون إلا بعد الوقت وفرض في بالأموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض وهكذا إن ساقه مفردا متطوعا به والاختيار إذا ساقه معتمرا أن ينحره بعدما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث نحره من فجاج مكة أجزأه والاختيار في الحج أن ينحره يعني بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق وحيثما نحره من منى أو مكة إذا أعطاه مساكين الحرم أجزأه.
ولو أن رجلين كان عليهما هديان واجبان فأخطأ كل واحد منهما بهدي صاحبه فذبحه ثم أدركه قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما هدي نفسه ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى فات تصدقه، ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة الهدي حيا وكان على كل واحد منهما البدل ولا أحب أن يبدل واحد منهما إلا بجميع ثمن هديه وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا.
ولو أن رجلا نحر هديه فمنع المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان عليه أن يبدله والنحر يوم النحر وأيام منى كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت الشمس فلا نحر إلا أن من كان عليه هدي واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء، ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين حاضرين فسواء وفي أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه، وإن كان ذبحه إياه في غير موضع ناس.
وينحر الإبل قياما غير معقولة فإن أحب عقل إحدى قوائمها وإن نحرها باركة أو مضطجعة أجزأت عنه وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الإبل كرهت له ذلك وأجزأت عنه ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ أن يذبح النسيكة، وهكذا من حلت ذكاته إلا أني أكره أن يذبح النسيكة يهودي أو نصراني فإن فعل فلا إعادة على صاحبه، وأحب إلي أن يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة.
[قال الشافعي]: وإذا سمى الله على النسيكة أجزأ عنه وإن قال اللهم تقبل مني أو تقبل عن فلان الذي أمره بذبحه فلا بأس، وأحب أن يأكل من كبد ذبيحته قبل أن يفيض أو لحمها، وإن لم يفعل فلا بأس وإنما آمره أن يأكل من التطوع والهدي هديان واجب وتطوع فكل ما كان أصله واجبا على إنسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل هدي الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور والمتعة.
وإن أكل من الهدي الواجب تصدق بقيمة ما أكل منه وكل ما كان أصله تطوعا مثل الضحايا والهدايا تطوعا أكل منه وأطعم وأهدى وادخر وتصدق وأحب إلي أن لا يأكل ولا يحبس إلا ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث وإن لم يقلد هديه ولم يشعره قارنا كان أو غيره أجزأه أن يشتري هديا من " منى " أو مكة ثم يذبحه مكانه لأنه ليس على الهدي عمل إنما العمل على الآدميين والنسك لهم وإنما هذا مال من أموالهم يتقربون به إلى الله عز وجل ولا بأس أن يشترك السبعة المتمتعون في بدنة أو بقرة وكذلك لو كانوا سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة أو محصرين ويخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر قال: (نحرنا مع رسول الله ﷺ بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة).