الرئيسيةبحث

كتاب الأم/كتاب قسم الصدقات/قسم الصدقات الثاني

قسم الصدقات الثاني

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال: فرض الله عز وجل على أهل دينه المسلمين في أموالهم حقا لغيرهم من أهل دينه المسلمين المحتاجين إليه لا يسع أهل الأموال حبسه عمن أمروا بدفعه إليه من أهله، أو ولاته، ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال؛ لأنهم أمناء على أخذه لأهله منهم، قال الله عز وجل لنبيه ﷺ: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم }. ففي هذه الآية دلالة على ما وصفت من أن ليس لأهل الأموال منع ما جعل الله عز وجل عليهم ولا لمن وليهم ترك ذلك لهم، ولا عليهم [ أخبرنا ]: إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال: لم يبلغنا أن أبا بكر وعمر أخذا الصدقة مثناة ولكن كانا يبعثان عليها في الخصب والجدب والسمن والعجف ولا يضمنانها أهلها ولا يؤخرانها عن كل عام؛ لأن أخذها في كل عام سنة من رسول الله ﷺ.

[ قال الشافعي ] رحمه الله تعالى: ولم نعلم رسول الله ﷺ أخرها عاما لا يأخذها فيه، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليها لا تفرقوا بين ما جمع الله ".

[ قال الشافعي ]: هذا إنما هو فيما أخذ من المسلمين خاصة؛ لأن الزكاة والطهور إنما هو للمسلمين والدعاء بالأجر والبركة.

[ قال الشافعي ]: وإذا أخذ صدقة مسلم دعا له بالأجر والبركة كما قال الله عز وجل: { وصل عليهم } أي ادع لهم فما أخذ من مسلم فهو زكاة والزكاة صدقة والصدقة زكاة وطهور أمرهما ومعناهما واحد. وإن سميت مرة زكاة ومرة صدقة هما اسمان لها بمعنى واحد، وقد تسمي العرب الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وهذا بين في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله ﷺ وفي لسان العرب، قال الله عز وجل: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } قال أبو بكر: " لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله " يعني والله أعلم قول الله عز وجل: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } واسم ما أخذ من الزكاة صدقة وقد سماها الله تعالى في القسم صدقة فقال: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية تقول: إذا جاء المصدق يعني الذي يأخذ الماشية وتقول إذا جاء الساعي، وإذا جاء العامل.

[ قال الشافعي ]: قال رسول الله ﷺ ( ليس فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ولا فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ).

[ قال الشافعي ]: والأغلب على أفواه العامة أن في التمر العشر وفي الماشية الصدقة وفي الورق الزكاة، وقد سمى رسول الله ﷺ هذا كله صدقة، والعرب تقول له صدقة وزكاة ومعناهما عندهم معنى واحد، فما أخذ من مسلم من صدقة ماله ضأنا كان، أو ماشية، أو زرعا، أو زكاة فطر، أو خمس ركاز، أو صدقة معدن، أو غيره مما وجب عليه في ماله في كتاب، أو سنة، أو أمر أجمع عليه عوام المسلمين فمعناه واحد أنه زكاة، والزكاة صدقة وقسمه واحد لا يختلف كما قسمه الله. الصدقات ما فرض الله عز وجل على المسلمين فهي طهور.

[ قال الشافعي ]: وقسم الفيء خلاف قسم هذا والفيء ما أخذ من مشرك هو به لأهل دين الله هو موضوع في غير هذا الموضع.

قال: يقسم ما أخذ من حق مسلم وجب في ماله بقسم الله في الصدقات سواء قليل ما أخذ منه وكثيره، وعشر ما كان، أو خمس، أو ربع عشر، أو بعدد مختلف أن يستوي؛ لأن اسم الصدقة يجمعه كله قال الله تبارك وتعالى: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية. فبين الله عز وجل لمن الصدقات ثم وكدها وشددها فقال { فريضة من الله والله عليم حكيم } فقسم كل ما أخذ من مسلم على قسم الله عز وجل وهي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شيء منه عن أهله ما كان من أهله أحد يستحقه ولا تخرج صدقة قوم منهم عن بلدهم وفي بلدهم من يستحقها، أخبرنا وكيع عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( أن رسول الله ﷺ قال لمعاذ بن جبل حين بعثه، فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) أخبرنا يحيى بن حسان الثقة من أصحابنا عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك ( أن رجلا قال لرسول الله ﷺ: نشدتك الله آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا ؟ قال: نعم ).

[ قال الشافعي ]: والفقراء ها هنا كل من لزمه اسم حاجة ممن سمى الله تعالى من الأصناف الثمانية، وذلك أن كلهم إنما يعطى بموضع الحاجة إلا بالاسم فلو أن ابن السبيل كان غنيا لم يعط، وإنما يعطى ابن السبيل المحتاج إلى السلاح في وقته الذي يعطى فيه، فإن لم يوجد من أهل الصدقات الذين يوجد منهم أحد من أهل السهمان الذين سمى الله عز وجل ردت حصة من لم يوجد على من وجد، كأن وجد فيهم فقراء ومساكين وغارمون ولم يوجد غيرهم، فقسم الثمانية الأسهم على ثلاثة أسهم وبيان هذا في أسفل الكتاب فأهل السهمان يجمعهم أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها كلهم وأسباب حاجاتهم مختلفة، وكذلك أسباب استحقاقهم بمعان مختلفة يجمعها الحاجة ويفرق بينها صفاتها، فإذا اجتمعوا فالفقراء الزمنى الضعفاء الذين لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا يسألون الناس والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله، فإن طلب الصدقة بالمسكنة رجل جلد فعلم الوالي أنه صحيح مكتسب يغني عياله بشيء إن كان له وبكسبه إذ لا عيال له فعلم الوالي أنه يغني نفسه بكسبه غنى معروفا لم يعطه شيئا، فإن قال السائل لها يعني الصدقة الجلد لست مكتسبا، أو أنا مكتسب لا يغنيني كسبي، أو لا يغني عيالي ولي عيال وليس عند الوالي يقين من أن ما قال على غير ما قال، فالقول قوله ويعطيه الوالي، أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن ( عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله ﷺ فسألاه من الصدقة فصعد فيهما وصوب وقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب ).

[ قال الشافعي ]: رأى النبي ﷺ جلدا وصحة يشبه الاكتساب وأعلمهما رسول الله ﷺ أنه لا يصلح لهما مع الاكتساب الذي يستغنيان به أن يأخذا منها ولا يعلم أمكتسبان أم لا ؟ فقال: إن شئتما بعد أن أعلمتكما أن لا حظ فيها لغني ولا مكتسب فعلت، وذلك أنهما يقولان: أعطنا، فإنا ذوا حظ؛ لأنا لسنا غنيين ولا مكتسبين كسبا يغني، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ريحان بن يزيد قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: " لا تصلح الصدقة لغني ولا لذي مرة قوي ".

[ قال الشافعي ]: ورفع هذا الحديث عن سعد عن أبيه. والعاملون عليها من ولاه الوالي قبضها وقسمها من أهلها كان، أو غيرهم ممن أعان الوالي على جمعها وقبضها من العرفاء ومن لا غنى للوالي عنه ولا يصلحها إلا مكانه، فأما رب الماشية يسوقها فليس من العاملين عليها، وذلك يلزم رب الماشية، وكذلك من أعان الوالي عليها ممن بالوالي الغنى عن معونته فليس من العاملين عليها الذين لهم فيها حق، والخليفة ووالي الإقليم العظيم الذي يلي قبض الصدقة، وإن كانا من العاملين عليها القائمين بالأمر بأخذها فليسا عندنا ممن له فيها حق من قبل أنهما لا يليان أخذها، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر شرب لبنا فأعجبه فقال للذي سقاه: " من أين لك هذا اللبن ؟ " فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه، فإذا بنعم من نعم الصدقة وهم يستقون فحلبوا لي من لبنها فجعلته في سقائي فهو هذا، فأدخل عمر إصبعه فاستقاءه أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله ﷺ قال: ( لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة غاز في سبيل الله والعامل عليه، أو الغارم، أو الرجل اشتراها بماله، أو الرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني ).

[ قال الشافعي ]: والعامل عليها يأخذ من الصدقة بقدر غنائه لا يزاد عليه، وإن كان العامل موسرا إنما يأخذ على معنى الإجارة، والمؤلفة قلوبهم في متقدم من الأخبار فضربان ضرب مسلمون مطاعون أشراف يجاهدون مع المسلمين فيقوى المسلمون بهم ولا يرون من نياتهم ما يرون من نيات غيرهم، فإذا كانوا هكذا فجاهدوا المشركين فأرى أن يعطوا من سهم النبي ﷺ هو خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهمانهم مع المسلمين إن كانت نازلة في المسلمين، وذلك أن الله عز وجل جعل هذا السهم خالصا لنبيه فرده النبي ﷺ في مصلحة المسلمين وقال: ﷺ ( مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ) يعني بالخمس حقه من الخمس وقوله مردود فيكم يعني في مصلحتكم وأخبرني من لا أتهم عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه ( أن رسول الله ﷺ أعطى المؤلفة قلوبهم يوم حنين من الخمس ).

[ قال الشافعي ]: وهم مثل عيينة والأقرع وأصحابهما ولم يعط النبي ﷺ عباد بن مرداس وكان شريفا عظيم الغناء حتى استعتب فأعطاه.

[ قال الشافعي ]: لما أراد ما أراد القوم واحتمل أن يكون دخل رسول الله ﷺ منه شيء حين رغب عما صنع بالمهاجرين والأنصار فأعطاه على معنى ما أعطاهم واحتمل أن يكون رأى أن يعطيه من ماله حيث رأى؛ لأنه له خالص ويحتمل أن يعطي على النفل وغير النفل؛ لأنه له وقد أعطى صفوان بن أمية قبل أن يسلم ولكنه قد أعار رسول الله ﷺ أداة وسلاحا وقال فيه عند الهزيمة أحسن مما قال فيه بعض من أسلم من أهل مكة عام الفتح، وذلك أن الهزيمة كانت في أصحاب رسول الله ﷺ يوم حنين في أول النهار فقال له رجل: " غلبت هوازن وقتل محمد " فقال " صفوان بفيك الحجر فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب هوازن " وأسلم قومه من قريش وكان كأنه لا يشك في إسلامه والله أعلم "، وهذا مثبت في كتاب قسم الفيء "، فإذا كان مثل هذا رأيت أن يعطى من سهم النبي ﷺ وهذا أحب إلي للاقتداء بأمر رسول الله ﷺ. لو قال قائل: كان هذا السهم لرسول الله ﷺ فكان له أن يضع سهمه حيث رأى، فقد فعل رسول الله ﷺ هذا مرة وأعطى من سهمه بخيبر رجالا من المهاجرين والأنصار؛ لأنه ماله يضعه حيث شاء فلا يعطى اليوم أحد على هذا من الغنيمة ولم يبلغنا أن أحدا من خلفائه أعطى أحدا بعده وليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم مع أهل السهمان، لو قال هذا أحد، كان مذهبا والله أعلم، وللمؤلفة قلوبهم في سهم الصدقات سهم، والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر أن عدي بن حاتم جاء أبا بكر الصديق - أحسبه - بثلثمائة من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد بمن أطاعه من قومه فجاءه بزهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا وليس في الخبر في إعطائه إياها من أين أعطاه إياها غير أن الذي يكاد أن يعرف القلب بالاستدلال بالأخبار والله أعلم أنه أعطاه إياها من قسم المؤلفة فإما زاده ليرغبه فيما يصنع، وإما أعطاه ليتألف به غيره من قومه ممن لا يثق منه بمثل ما يثق من عدي بن حاتم فأرى أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة مما ينزل إن شاء الله تعالى، وذلك أن يكون فيها العدو بموضع شاط لا تناله الجيوش إلا بمؤنة ويكون العدو بإزاء قوم من أهل الصدقات فأعان عليهم أهل الصدقات إما بنية فأرى أن يقوى بسهم سبيل الله من الصدقات، وأما أن يكون لا يقاتلون إلا بأن يعطوا سهم المؤلفة، أو ما يكفيهم منه، وكذلك إن كان العرب أشرافا ممتنعين غير ذي نية إن أعطوا من صدقاتهم هذين السهمين، أو أحدهما إذا كانوا إن أعطوا أعانوا على المشركين فيما أعانوا على الصدقة، وإن لم يعطوا لم يوثق بمعونتهم رأيت أن يعطوا بهذا المعنى إذا انتاط العدو وكانوا أقوى عليه من قوم من أهل الفيء يوجهون إليه تبعد دارهم وتثقل مؤنتهم ويضعفون عنه، فإن لم يكن مثل ما وصفت مما كان في زمان أبي بكر مع امتناع أكثر العرب بالصدقة على الردة وغيرها لم أر أن يعطى أحد منهم من سهم المؤلفة قلوبهم، ورأيت أن يرد سهمهم على السهمان معه، وذلك أنه لم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليا أعطوا أحدا تألفا على الإسلام وقد أعز الله - وله الحمد - الإسلام عن أن يتألف الرجال عليه، وقوله وفي الرقاب يعني المكاتبين والله أعلم، ولا يشترى عبد فيعتق. والغارمون كل من عليه دين كان له عرض يحتمل دينه، أو لا يحتمله، وإنما يعطى الغارمون إذا ادانوا في حمل دية، أو أصابتهم جائحة، أو كان دينهم في غير فسق ولا سرف ولا معصية، فأما من ادان في معصية فلا أرى أن يعطى من سهم سبيل الله كما وصفت يعطى منه من أراد الغزو، فلو امتنع قوم كما وصفت من أداء الصدقة فأعان عليهم قوم رأيت أن يعطى من أعان عليهم، فإن لم يكن مما وصفت شيء، رد سهم سبيل الله إلى السهمان معه، وابن السبيل عندي، ابن السبيل من أهل الصدقة الذي يريد البلد غير بلده، لا من لزمه.