الرئيسيةبحث

كتاب الأم/كتاب قسم الصدقات/الاختلاف

الاختلاف

[ قال الشافعي ]: رحمه الله قال بعض أصحابنا: لا مؤلفة فيجعل سهم المؤلفة وسهم سبيل الله في الكراع والسلاح في ثغر المسلمين حيث يراه الوالي، وقال بعضهم: ابن السبيل من يقاسم الصدقات في البلد الذي به الصدقات من أهل الصدقات أو غيرهم وقال أيضا: إنما قسم الصدقات دلالات فحيث كانت الكثرة أو الحاجة فهي أسعد به، كأنه يذهب إلى أن السهمان لو كانت ألفا وكان غارم غرمه ألف ومساكين يغنيهم عشرة آلاف، وفقراء مثلهم يغنيهم ما يغنيهم، وابن السبيل مثلهم يغنيهم ما يغنيهم، جعل للغارم سهم واحد من هؤلاء، فكان أكثر المال في الذين معه، لأنهم أكثر منه عددا وحاجة، كأنه يذهب إلى أن المال فوضى بينهم فيقتسمونه على العدد والحاجة لا لكل صنف منهم سهم ومن أصحابنا من قال: إذا أخذت صدقة قوم ببلد وكان آخرون ببلد مجدبين فكان أهل السهمان من أهل البلد الذين أخذت صدقاتهم إن تركوا تماسكوا ولم يجهدوا جهد المجدبين الذين لا صدقة ببلادهم، أو لهم صدقة يسيرة لا تقع منهم موقعا، نقلت إلى المجدبين إذا كانوا يخاف عليهم الموت هزلا إن لم ينقل إليهم، كأنه يذهب أيضا إلى أن هذا المال مال من مال الله عز وجل قسمه لأهل السهمان لمعنى صلاح عباد الله فينظر إليهم الوالي فينقل هذه إلى هذه السهمان حيث كانوا على الاجتهاد، قربوا أو بعدوا، وأحسبه يقول: وتنقل سهمان أهل الصدقات إلى أهل الفيء إن جهدوا وضاق الفيء عليهم. وينقل الفيء إلى أهل الصدقات إن جهدوا وضاقت الصدقات، على معنى إرادة صلاح عباد الله تعالى، وإنما قلت بخلاف هذا القول؛ لأن الله عز وجل جعل المال قسمين، أحدهما قسم الصدقات التي هي طهور قسمها لثمانية أصناف ووكدها وجاءت سنة رسول الله ﷺ بأن تؤخذ من أغنياء قوم وترد على فقرائهم لا فقراء غيرهم ولغيرهم فقراء، فلم يجز عندي والله أعلم أن يكون فيها غير ما قلت من أن لا تنقل عن قوم إلى قوم وفيهم من يستحقها، ولا يخرج سهم ذي سهم منهم إلى غيره وهو يستحقه، وكيف يجوز أن يسمي الله عز وجل أصنافا فيكونوا موجودين معا فيعطى أحدهم سهمه وسهم غيره لو جاز هذا عندي جاز أن تجعل في سهم واحد فيمنع سبعة فرضا فرض لهم ويعطي واحدا ما لم يفرض له، والذي يقول هذا القول لا يخالفنا في أن رجلا ولو قال: أوصى لفلان وفلان وفلان وأوصى بثلث ماله لفلان وفلان وفلان كانت الأرض أثلاثا بين فلان وفلان، وفلان وكذلك الثلث، ولا مخالف علمته في أن رجلا لو قال: ثلث مالي لفقراء بني فلان وغارم بني فلان رجل آخر وبني سبيل بني فلان رجل آخر أن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه وأن ليس أوصى ولا لوال أن يعطي أحد هؤلاء الثلث دون صاحبه. وكذلك لا يكون جميع المال للفقراء دون الغارمين ولا للغارمين دون بني السبيل ولا صنف ممن سمى دون صنف منهم أفقر وأحوج من صنف ثم يعطيهموه دون غيرهم ممن سمى الموصي، لأن الموصي أو المتصدق قد سمى أصنافا فلا يصرف مال صنف إلى غيره، ولا يترك من سمى له لمن لم يسم له معه، لأن كلا ذو حق لما سمى له، فلا يصرف حق واحد إلى غيره ولا يصرف حقهم إلى غيرهم ممن لم يسم له، فإذا كان هذا عندنا وعند قائل هذا القول فما أعطى الآدميون لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطوا، فعطاء الله عز وجل أحق أن يجوز وأن يمضي على ما أعطى، ولو جاز في أحد العطاءين أن يصرف عمن أعطيه إلى من لم يعطه أو يصرف حق صنف أعطي إلى صنف أعطيه منهم كان في عطاء الآدميين أجوز ولكنه لا يجوز في واحد منهما، وإذا قسم الله عز وجل الفيء فقال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية. وسن رسول الله ﷺ أن أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة للفارس من ذلك ثلاثة أسهم وللراجل سهم، فلم نعلم رسول الله ﷺ فضل الفارس ذا الغناء العظيم على الفارس الذي ليس مثله، ولم نعلم المسلمين إلا سووا بين الفارسين؛ حتى قالوا: لو كان فارس أعظم الناس غناء وآخر جبان سووا بينهما، وكذلك قالوا في الرجالة، أفرأيت لو عارضنا وإياهم معارض فقال: إذا جعلت أربعة أخماس الغنيمة لمن حضر، وإنما معنى الحضور للغناء عن المسلمين والنكاية في المشركين فلا أخرج الأربعة أخماس لمن حضر ولكنني أحصي أهل الغناء ممن حضر، فأعطي الرجل سهم مائة رجل أو أقل إذا كان يغنى مثل غنائهم أو أكثر، وأترك الجبان وغير ذي النية الذي لم يغن فلا أعطيه أو أعطيه جزءا من مائة جزء من سهم رجل ذي غناء أو أكثر قليلا أو أقل قليلا بقدر غنائه هل الحجة عليه إلا أن يقال له: لما قسم رسول الله ﷺ للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما، فكان مخرج الخبر منه عاما، ولم نعلمه خص أهل الغناء، بل أعطى من حضر على الحضور والحرية والإسلام فقط، دون الغناء. ومن خالفنا في قسم الصدقات لا يخالفنا في قسم ما أوجف عليه من الأربعة الأخماس. فكيف جاز له أن يخالفنا في الصدقات وقد قسم الله عز وجل لهم أبين القسم فيعطي بعضا دون بعض ؟ وإذا كان لا يجوز عندنا ولا عنده في الموجفين لو أوجفوا وهم أهل لا غناء لهم على أهل ضعف من المشركين لا غناء عندهم وكان بإزائهم أهل غناء يقاتلون عدوا أهل شوكة شديدة أن يعطوا مما أوجف عليه الضعفاء من المسلمين من الضعفاء من المشركين ولا يعطاه المسلمون ذوو الغناء الذين يقاتلون المشركين ذوي العدد والشوكة نظرا للإسلام وأهله حتى يعطى بالنظر ما أوجف عليه المسلمون الضعفاء على المشركين الضعفاء إلى المسلمين الأقوياء المقاتلين للشرك الأقوياء لأن عليه مؤنة عظيمة في قتالهم وهم أعظم غناء عن المسلمين، ولكني أعطي كل موجف حقه، فكيف جاز أن تنقل صدقات قوم يحتاجون إليها إلى غيرهم إن كانوا أحوج منهم أو يشركهم معهم، أو ينقلها من صنف منهم إلى صنف، والصنف الذين نقلها عنهم يحتاجون إلى حقهم ؟ أو رأيت لو قال قائل لقوم أهل يسر كثير أوجفوا على عدو: أنتم أغنياء فآخذ ما أوجفتم عليه فأقسمه على أهل الصدقات المحتاجين إذا كان عام سنة لأن أهل الصدقات مسلمون من عيال الله تعالى، وهذا مال من مال الله تعالى، وأخاف إن حبست هذا عنهم وليس يحضرني مال غيره أن يضر بهم ضررا شديدا، وأخذه منكم لا يضر بكم هل تكون الحجة عليه إلا أن يقال له: من قسم له أحق بما قسم ممن لم يقسم له، وإن كان من لم يقسم له أحوج، وهكذا ينبغي أن يقال في أهل الصدقات: إنها بقسمة مقسومة لهم بينة القسم، أو رأيت لو قال قائل في أهل المواريث الذين قسم الله تعالى لهم أو الذين جاء أثر بالقسم لهم أو فيهما معا، إنما ورثوا بالقرابة والمصيبة بالميت. فإن كان منهم أحد خيرا للميت في حياته ولتركته بعد وفاته وأفقر إلى ما ترك أوثر بميراثه؛ لأن كلا ذو حق في حال هل تكون الحجة عليه إلا أن يقال لا نعدو ما قسم الله تبارك وتعالى فهكذا الحجة في قسم الصدقات.

[ قال الشافعي ]: الحجة على من قال هذا القول أكثر من هذا وفيه كفاية وليست في قول من قال هذا شبهة ينبغي عندي أن يذهب إليها ذاهب؛ لأنها عندي والله تعالى أعلم إبطال حق من جعل الله عز وجل له حقا وإباحة أن يأخذ الصدقات الوالي فينقلها إلى ذي قرابة له واحد أو صديق ببلد غير البلد الذي به الصدقات إذا كان من أهل السهمان.

[ قال الشافعي ]: فاحتج محتج في نقل الصدقات بأن قال: إن بعض من يقتدى به قال: إن جعلت في صنف واحد أجزأ والذي قال هذا القول لا يكون قوله حجة تلزم وهو لو قال هذا لم يكن قال إن جعلت في صنف وأصناف موجودة، ونحن نقول كما قال إذا لم يوجد من الأصناف إلا صنف أجزأ أن توضع فيه، واحتج بأن قال: إن طاوسا روى أن معاذ بن جبل قال لبعض أهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذها منكم مكان الشعير والحنطة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة.

[ قال الشافعي ]: صالح رسول الله ﷺ أهل ذمة اليمن على دينار على كل واحد كل سنة فكان في سنة رسول الله ﷺ أن يؤخذ من الرجل دينار أو قيمته من المعافر كان ذلك إذا لم يوجد الدينار فلعل معاذا لو أعسروا بالدينار أخذ منهم الشعير والحنطة؛ لأنه أكثر ما عندهم وإذا جاز أن يترك الدينار لغرض فلعله جاز عنده أن يأخذ منهم طعاما وغيره من العرض بقيمة الدنانير فأسرعوا إلى أن يعطوه من الطعام لكثرته عندهم يقول الثياب خير للمهاجرين بالمدينة وأهون عليكم؛ لأنه لا مؤنة كثيرة في المحمل للثياب إلى المدينة والثياب بها أغلى ثمنا. فإن قال قائل: هذا تأويل لا يقبل إلا بدلالة عمن روى عنه فإنما قلناه بالدلائل عن معاذ وهو الذي رواه عنه هذا، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن معاذا قضى: ( أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته ).

[ قال الشافعي ]: فبين في قصة معاذ أن هذا في المسلمين خاصة وذلك أن العشر والصدقة لا تكون إلا للمسلمين.

[ قال الشافعي ]: وإذا رأى معاذ في الرجل المأخوذ منه الصدقة ينتقل بنفسه وأهله عن مخلاف عشيرته أن تكون صدقته وعشره إلى مخلاف عشيرته وذلك ينتقل بصدقة ماله الناض والماشية فيجعل معاذ صدقته وعشره لأهل مخلاف عشيرته لا لمن ينتقل إليه بقرابته دون أهل المخلاف الذي انتقل عنه، وإن كان الأكثر أن مخلاف عشيرته لعشيرته، وإنما خلطهم غيرهم وكانت العشيرة أكثر، والآخر أنه رأى أن الصدقة إذا ثبتت لأهل مخلاف عشيرته لم تحول عنهم صدقته وعشره بتحوله وكانت لهم كما تثبت بدءا.

[ قال الشافعي ]: وهذا يحتمل أن يكون عشره وصدقته التي هي بين ظهراني مخلاف عشيرته لا تتحول عنهم دون الناض الذي يتحول، ومعاذ إذ حكم بهذا كان من أن ينقل صدقة المسلمين من أهل اليمن الذين هم أهل الصدقة إلى أهل المدينة الذين أكثرهم أهل الفيء أبعد، وفيما روينا من هذا عن معاذ ما يدل على قولنا: لا تنقل الصدقة من جيران المال المأخوذ منه الصدقة إلى غيرهم.

[ قال الشافعي ]: وطاوس لو ثبت عن معاذ شيء لم يخالفه إن شاء الله تعالى، وطاوس يحلف ما يحل بيع الصدقات قبل أن تقبض ولا بعد أن تقبض ولو كان ما ذهب إليه من احتج علينا بأن معاذا باع الحنطة والشعير الذي يؤخذ من المسلمين بالثياب كان بيع الصدقة قبل أن تقبض ولكنه عندنا إنما قال: ائتوني بعرض من الثياب، فإن قال قائل: كان عدي بن حاتم جاء أبا بكر بصدقات والزبرقان بن بدر وهما، وإن جاءا بما فضل عن أهله ما فقد نقلاها إلى المدينة فيحتمل أن يكون بالمدينة أقرب الناس نسبا ودارا ممن يحتاج إلى سعة من مضر وطيئ من اليمن ويحتمل أن يكون من حولهم ارتد فلم يكن لهم حق في الصدقة ويكون بالمدينة أهل حق هم أقرب من غيرهم ويحتمل أن يؤتى بها أبو بكر ثم يأمر بردها إلى غير أهل المدينة، وليس في ذلك عن أبي بكر خبر نصير إليه، فإن قال قائل: إنه بلغنا أن عمر كان يؤتى بنعم من نعم الصدقة.

[ قال الشافعي ]: فبالمدينة صدقات النخل والزرع والناض والماشية وللمدينة ساكن من المهاجرين والأنصار وحلفائهما وأشجع وجهينة ومزينة بها وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب، فعيال ساكن المدينة بالمدينة، وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد يكون عيال ساكن أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها ويكونون مجمعا لأهل السهمان كما تكون المياه والقرى مجمعا لأهل السهمان من العرب ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم دارا ونسبا وكان أقرب الناس بالمدينة دارا ونسبا، فإن قال قائل: فإن عمر كان يحمل على إبل كثيرة إلى الشام والعراق، قيل له: ليست من نعم الصدقة والله أعلم، وإنما هي من نعم الجزية؛ لأنه إنما يحمل على ما يحتمل من الإبل، وأكثر فرائض الإبل لا تحمل أحدا. أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر كان يؤتى بنعم كثيرة من نعم الجزية، أخبرنا بعض أصحابنا عن محمد بن عبد الله بن مالك الدار عن يحيى بن عبد الله بن مالك عن أبيه أنه سأله: أرأيت الإبل التي كان يحمل عليها عمر الغزاة وعثمان بعده ؟ قال: أخبرني أبي أنها إبل الجزية التي كان يبعث بها معاوية وعمرو بن العاص، قلت: وممن كانت تؤخذ ؟ قال: من أهل جزية أهل المدينة تؤخذ من بني تغلب على وجهها فبيعت فيبتاع بها إبل جلة فيبعث بها إلى عمر فيحمل عليها أخبرنا الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند قال: بعث عبد الملك بعض الجماعة بعطاء أهل المدينة وكتب إلى والي اليمامة أن يحمل من اليمامة إلى المدينة ألف ألف درهم يتم بها عطاءهم فلما قدم المال إلى المدينة أبوا أن يأخذوه وقالوا: أيطعمنا أوساخ الناس وما لا يصلح لنا أن نأخذه لا نأخذه أبدا، فبلغ ذلك عبد الملك فرده وقال: لا تزال في القوم بقية ما فعلوا هكذا، قلت لسعيد بن أبي هند ؟ ومن كان يومئذ يتكلم: قال أولهم سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله في رجال كثيرة.

[ قال الشافعي ]: وقولهم لا يصلح لنا أي لا يحل لنا أن نأخذ الصدقة ونحن أهل الفيء وليس لأهل الفيء في الصدقة حق ومن أن ينقل عن قوم إلى قوم غيرهم.

[ قال الشافعي ]: وإذا أخذت الماشية في الصدقة ووسمت وأدخلت الحظير، ووسم الإبل والبقر في أفخاذها والغنم في أصول آذانها وميسم الصدقة مكتوب لله عز وجل، وتوسم الإبل التي تؤخذ في الجزية ميسما مخالفا لميسم الصدقة، فإن قال قائل: ما دل على أن ميسم الصدقة مخالف لميسم الجزية ؟ قيل: فإن الصدقة أداها مالكها لله وكتبت لله عز وجل على أن مالكها أخرجها لله عز وجل، وإبل الجزية أديت صغارا لا أجر لصاحبها فيها. أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر: إن في الظهر ناقة عمياء قال: " أمن نعم الجزية أم من نعم الصدقة ؟ " قال: بل من نعم الجزية وقال له: إن عليها ميسم الجزية، وهذا يدل على فرق بين الميسمين أيضا.

وقال بعض الناس مثل قولنا أن كل ما أخذ من مسلم فسبيله سبيل الصدقات وقالوا: سبيل الركاز سبيل الصدقات ورووا مثل ما روينا أن رسول الله ﷺ قال: في الركاز الخمس.

[ قال الشافعي ]: والمعادن من الركاز وفي كل ما أصيب من دفن الجاهلية مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب فهو ركاز ولو أصابه غني أو فقير كان ركازا فيه الخمس.

[ قال الشافعي ]: ثم عاد لما شدد فيه كله فأبطله فزعم أن الرجل إذا وجد ركازا فواسع فيما بينه وبين الله عز وجل أن يكتمه الوالي وللوالي أن يرده عليه بعد ما يأخذه منه ويدعه له.

[ قال الشافعي ]: أو رأيت إذ زعم أن رسول الله ﷺ جعل في الركاز الخمس وزعم أن كل ما أخذ من مسلم قسم على قسم الصدقات فقد أبطل الحق بالسنة في أخذه وحق الله عز وجل في قسمه. والخمس إنما يجب عندنا وعنده في ماله لمساكين جعله الله عز وجل لهم فكيف جاز للوالي أن يترك حقا أوجبه الله عز وجل في ماله، وذلك الحق لمن قسمه الله عز وجل له ؟ أرأيت لو قال قائل: هذا في عشر الطعام أو زكاة الذهب أو زكاة التجارة أو غير ذلك مما يؤخذ من المسلمين ما الحجة عليه ؟ أليس أن يقال: إن الذي عليك في مالك إنما هو شيء وجب لغيرك فلا يحل للسلطان تركه لك ولا لك حبسه إن تركه لك السلطان عمن جعله الله تبارك وتعالى له ؟

[ قال الشافعي ]: ولست أعلم من قال هذا في الركاز ولو جاز هذا في الركاز جاز في جميع من وجب عليه حق في ماله أن يحبسه وللسلطان أن يدعه له فيبطل حق من قسم الله عز وجل له من أهل السهمان الثمانية فقال: إنا روينا عن الشعبي أن رجلا وجد أربعة آلاف أو خمسة آلاف فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " لاقضين فيها قضاء بينا، أما أربعة أخماس فلك وخمس للمسلمين " ثم قال: " والخمس مردود عليك ".

[ قال الشافعي ]: وهذا الحديث ينقض بعضه بعضا إذ زعم أن عليا قال وخمس للمسلمين فكيف يجوز أن يكون الوالي يرى للمسلمين في مال رجل شيئا ثم يرده عليه أو يدعه له والواجب على الوالي أن لو منع رجل من المسلمين شيئا لهم في ماله أن يجاهده عليه.

[ قال الشافعي ]: وهذا عن علي مستنكر، وقد روي عن علي بإسناد موصول أنه قال " أربعة أخماس لك واقسم الخمس على فقراء أهلك " وهذا الحديث أشبه بعلي لعل عليا علمه أمينا وعلم في أهله فقراء من أهل السهمان فأمره أن يقسمه فيهم.

[ قال الشافعي ]: وهم مخالفون ما روي عن الشعبي من وجهين: أحدهما: أنهم يزعمون أن من كانت له مائتا درهم فليس للوالي أن يعطيه ولا له أن يأخذ شيئا من السهمان المقسومة بين من سمى الله عز وجل ولا من الصدقة تطوعا والذي زعموا أن عليا ترك له خمس ركازه، وهذا رجل له أربعة آلاف درهم ولعله أن يكون له مال سواها ويزعمون أن الوالي إذا أخذ منه واجبا في ماله لم يكن للوالي أن يعود بما أخذ منه عليه ولا على أحد ويزعمون أن لو وليها هو دون الوالي لم يكن له حبسها ولا دفعها إلى أحد يعوله.

[ قال الشافعي ]: والذي روي عن علي رضي الله عنه إعادتها عليه بعد أن أخذها منه، أو تركها له قبل أن يأخذها منه، وهذا إبطالها بكل وجه وخلاف ما يقولون وإذا صار له أن يكتمها وللوالي أن يردها عليه فليست بواجبة عليه وتركها لا تؤخذ منه وأخذها سواء، وقد أبطل بهذا القول السنة في أن في الركاز الخمس وأبطل به حق من قسم الله عز وجل له من أهل السهمان الثمانية. فإن قال لا يصلح هذا إلا في الركاز قيل، فإذا قال قائل: فإذا صلح في الركاز وهو من الصدقات صلح في كلها ولو جاز لك أن تخص بعضها دون بعض قلت يصلح في العشور وصدقات الماشية، وقال غيري وغيرك يصلح في صدقة الرقة ولا يصلح في هذا، فإن قال: فإنما هو خمس وكذلك الحق فيه كما الحق في الزرع العشر، وفي الرقة ربع العشر، وفي الماشية مختلفة، وهي مخالفة كل هذا، وإنما يؤخذ من كل بقدر ما جعل فيه ويقسم كل حيث قسم الصدقات.

[ قال الشافعي ]: ثم خالفنا بعض الناس فيما يعطى من الصدقات فقال: لا يأخذ منها أحد له مال تجب فيه الزكاة ولا يعطى منها أحد مائتي درهم ولا شيء تجب فيه الزكاة.

[ قال الشافعي ]: وإذا كان الرجل لا يكون له مائتا درهم ولا شيء تجب فيه الزكاة فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا إذا لم يكن محتاجا بضعف حرفة أو كثرة عيال، وكان الرجل يكون له أكثر منها فيكون محتاجا بضعف الحرفة أو بغلبة العيال فكانت الحاجة إنما هي ما عرف الناس على قدر حال الطالب للزكاة وماله لا على قدر المال فقط فكيف إذا كان الرجل له مائة من العيال ومائتا درهم لا يعطى، وهذا المحتاج البين الحاجة، وآخر إن لم يكن له مائتا درهم ولا عيال له وليس بالغنى أعطي والناس يعلمون أن هذا الذي أمر بإعطائه أقرب من الغنى والذي نهي عن إعطائه أبعد من الغنى ولم إذا كان الغارم يعطى ما يخرجه من الغرم لا يعطى الفقير ما يخرجه من الفقر وهو أن يقول إن أخرجه من الفقر إلى الغنى مائة درهم أو أقل لم يزد عليها فلم إذا لم يخرجه من الفقر إلى الغنى إلا مائتا درهم لا يعطاها وهو يوم يعطاها لا زكاة عليه فيها إنما الزكاة عليه فيها إذا حال عليها حول من يوم ملكها.