باب ما يفطر الصائم والسحور والخلاف فيه |
[ قال الشافعي ] رحمه الله تعالى: الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم حين يتبين الفجر الآخر معترضا في الأفق.
[ قال الشافعي ]: وكذلك بلغنا عن النبي ﷺ إلى أن تغيب الشمس وكذلك قال الله عز وجل: { ثم أتموا الصيام إلى الليل }.
[ قال الشافعي ]: فإن أكل فيما بين هذين الوقتين أو شرب عامدا للأكل والشرب ذاكرا للصوم فعليه القضاء.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر في رمضان في يوم ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس فقال عمر " الخطب يسير ".
[ قال الشافعي ]: كأنه يريد بذلك والله أعلم قضاء يوم مكانه.
[ قال الشافعي ]: واستحب التأني بالسحور ما لم يكن في وقت مقارب يخاف أن يكون الفجر طلع فإني أحب قطعه في ذلك الوقت، فإن طلع الفجر وفي فيه شيء قد أدخله ومضغه لفظه؛ لأن إدخاله فاه لا يصنع شيئا إنما يفطر بإدخاله جوفه، فإن ازدرده بعد الفجر، قضى يوما مكانه، والذي لا يقضي فيه من ذلك الشيء يبقى بين أسنانه في بعض فيه مما يدخله الريق لا يمتنع منه، فإن ذلك عندي خفيف فلا يقضي، فأما كل ما عدا إدخاله مما يقدر على لفظه فيفطره عندي والله أعلم [ وقال بعد ] نفطره بما بين أسنانه، إذا كان يقدر على طرحه. [ قال الربيع ]: إلا أن يغلبه ولا يقدر على دفعه فيكون مكرها فلا شيء عليه وهو معنى قول الشافعي.
[ قال الشافعي ]: وأحب تعجيل الفطر وترك تأخيره وإنما أكره تأخيره إذا عمد ذلك كأنه يرى الفضل فيه.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم يؤخروه ).
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب حين ينظران الليل اسود ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان.
[ قال الشافعي ]: كأنهما يريان تأخير ذلك واسعا لا أنهما يعمدان الفضل لتركه بعد أن أبيح لهما وصارا مفطرين بغير أكل ولا شرب؛ لأن الصوم لا يصلح في الليل ولا يكون به صاحبه صائما، وإن نواه.
[ قال الشافعي ]: فقال بعض أصحابنا: لا بأس أن يحتجم الصائم ولا يفطره ذلك.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك.
[ قال الشافعي ]: وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه لم ير أباه قط احتجم وهو صائم.
[ قال الشافعي ]: وهذا فتيا كثير ممن لقيت من الفقهاء وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وروي عنه ( أنه احتجم صائما ).
[ قال الشافعي ]: ولا أعلم واحدا منهما ثابتا ولو ثبت واحد منهما عن النبي ﷺ قلت به فكانت الحجة في قوله، ولو ترك رجل الحجامة صائما للتوقي كان أحب إلي، ولو احتجم لم أره يفطره.
[ قال الشافعي ]: من تقيأ وهو صائم وجب عليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه، وبهذا أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر.
[ قال الشافعي ]: ومن أكل أو شرب ناسيا: فليتم صومه ولا قضاء عليه وكذلك بلغنا عن أبي هريرة وقد قيل: إن أبا هريرة قد رفعه من حديث رجل ليس بحافظ.
[ قال الشافعي ]: وقد قال بعض أصحابنا يقضي ولسنا نأخذ بقوله، وقال بعض الناس بمثل قولنا لا يقضي والحجة عليهم في الكلام في الصلاة ساهيا وتفريقه بين العمد والنسيان في الصوم حجة عليهم في الصلاة بل الكلام في الصلاة ناسيا أثبت وأولى؛ لأنه عن النبي ﷺ فكيف فرق بين العمد والنسيان في الصوم ؟ وإنما فرق بينهما بأن أبا هريرة لم ير على من أكل ناسيا لصومه قضاء فرأي أبي هريرة حجة فرق بها بين العمد والنسيان وهو عندنا حجة ثم ترك رواية أبي هريرة وابن عمر وعمران بن حصين وطلحة بن عبيد الله وغيرهم عن رسول الله ﷺ حديث ذي اليدين وفيه ما دل على الفرق بين العمد والنسيان في الصلاة فهذا عن رسول الله ﷺ ثابت وما جاء عن رسول الله ﷺ أوجب مما جاء عن غيره فترك الأوجب والأثبت وأخذ بالذي هو أضعف عنده وعاب غيره إذ زعم أن العمد في الصوم والنسيان سواء ثم قال بما عاب في الصلاة فزعم أن العمد والنسيان سواء ثم لم يقم بذلك.
[ قال الشافعي ]: من احتلم في رمضان اغتسل ولم يقض وكذلك من أصاب أهله ثم طلع الفجر قبل أن يغتسل اغتسل ثم أتم صومه.
[ قال الشافعي ]: وإن طلع الفجر وهو مجامع فأخرجه من ساعته أتم صومه؛ لأنه لا يقدر على الخروج من الجماع إلا بهذا، وإن ثبت شيئا آخر أو حركه لغير إخراج وقد بان له الفجر كفر.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة رضي الله عنها ( أن رجلا قال لرسول الله ﷺ وهي تسمع: إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله ﷺ وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل ثم أصوم ذلك اليوم فقال الرجل: إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله ﷺ وقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ).
[ قال الشافعي ]: وقد جاء هذا من غير هذا الوجه وهو قول العامة عندنا وفي أكثر البلدان، فإن ذهب ذاهب إلى أنه جنب من جماع في رمضان فإن الجماع كان وهو مباح والجنابة باقية بمعنى متقدم والغسل ليس من الصوم بسبيل، وإن وجب بالجماع فهو غير الجماع.
[ قال الشافعي ]: وهذا حجة لنا على من قال في المطلقة لزوجها عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وقد قال الله تبارك وتعالى { ثلاثة قروء } والقرء عنده الحيضة فما بال الغسل ؟ وإن وجب بالحيض فهو غير الحيض فلو كان حكمه إذا وجب به حكم الحيض كان حكم الغسل إذا وجب بالجماع حكم الجماع فأفطر وكفر من أصبح جنبا.
[ قال الشافعي ]: فإن قال: فقد روي فيه شيء فهذا أثبت من تلك الرواية لعل تلك الرواية كانت بأن سمع صاحبها من أصبح جنبا أفطر على معنى إذا كان الجماع بعد الفجر أو عمل فيه بعد الفجر كما وصفنا.
[ قال الشافعي ]: ومن حركت القبلة شهوته كرهتها له، وإن فعلها لم ينقض صومه ومن لم تحرك شهوته فلا بأس له بالقبلة، وملك النفس في الحالين عنها أفضل؛ لأنه منع شهوة يرجى من الله تعالى ثوابها.
[ قال الشافعي ]: وإنما قلنا لا ينقض صومه؛ لأن القبلة لو كانت تنقض صومه لم يقبل رسول الله ﷺ ولم يرخص ابن عباس وغيره فيها كما لا يرخصون فيما يفطر ولا ينظرون في ذلك إلى شهوة فعلها الصائم لها ولا غير شهوة.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ( إن كان رسول الله ﷺ ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ) ثم تضحك.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك أن عائشة كانت إذا ذكرت ذلك قالت وأيكم أملك لإربه من رسول الله ﷺ.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: لم أر القبلة تدعو إلى خير.
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب.
[ قال الشافعي ]: وهذا عندي والله أعلم على ما وصفت، ليس اختلافا منهم: ولكن على الاحتياط، لئلا يشتهي فيجامع، وبقدر ما يرى من السائل أو يظن به.