→ باب ما يفطر الصائم والسحور والخلاف فيه | كتاب الأم - كتاب الصيام الصغير المؤلف: الشافعي |
باب صيام التطوع ← |
باب الجماع في رمضان والخلاف فيه |
[ قال الشافعي ] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ( أن رجلا أفطر في شهر رمضان فأمره النبي ﷺ بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا قال: إني لا أجد فأتى رسول الله ﷺ بعرق تمر فقال: خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أجد أحدا أحوج مني، فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت أنيابه ثم قال كله ).
[ قال الشافعي ]: أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال: ( أتى أعرابي النبي ﷺ ينتف شعره ويضرب نحره ويقول هلك الأبعد فقال النبي ﷺ: وما ذاك ؟ قال: أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله ﷺ: هل تسطيع أن تعتق رقبة ؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تهدي بدنة ؟ قال: لا، قال: فاجلس فأتى رسول الله ﷺ بعرق تمر فقال: خذ هذا فتصدق به فقال: ما أجد أحدا أحوج مني قال: فكله وصم يوما مكان ما أصبت ) قال عطاء: فسألت سعيدا كم في ذلك العرق ؟ قال: ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين.
[ قال الشافعي ]: وفي حديث غير هذا ( فأطعمه أهلك ).
[ قال الشافعي ]: فبهذا كله نأخذ يعتق، فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر أطعم ستين مسكينا.
[ قال الشافعي ]: وقول النبي ﷺ ( كله وأطعمه أهلك ) يحتمل معاني، منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب أهله فيه ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله ﷺ عنه بأن قال له في شيء أتى به: كفر به، فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال: ( كله وأطعمه أهلك ) وجعل له التمليك حينئذ ويحتمل أن يكون ملكه فلما ملكه وهو محتاج كان إنما يكون عليه الكفارة إذا كان عنده فضل فلم يكن عنده فضل فكان له أكله هو وأهله، ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أو شيئا منها، وإن كان ذلك ليس في الخبر، وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط، ويحتمل إن كان لا يقدر على شيء من الكفارات فكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يضعه عليه وعلى أهله إن كانوا محتاجين ويجزي عنهم ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر في حاله تلك على الكفارة أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما تسقط الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم، ويحتمل إذا كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة - ولكل وجهة.
قال: وأحب أن يكفر متى قدر وأن يصوم مع الكفارة.
[ قال الشافعي ]: وفي الحديث ما يبين أن الكفارة مد لا مدين.
[ قال الشافعي ]: وقال بعض الناس مدين وهذا خلاف الحديث والله أعلم.
[ قال الشافعي ]: وإن جامع يوما فكفر ثم جامع يوما فكفر وكذلك إن لم يكفر فلكل يوم كفارة؛ لأن فرض كل يوم غير فرض الماضي.
[ قال الشافعي ]: وقال بعض الناس: إن كفر ثم عاد بعد الكفارة كفر، وإن لم يكفر حتى يعود فكفارة واحدة ورمضان كله واحد.
[ قال الشافعي ]: فقيل لقائل هذا القول: ليس في هذا خبر بما قلت والخبر عن رسول الله ﷺ أنه أمر رجلا مرة بكفارة، وفي ذلك ما دل عندنا والله أعلم على أنه لو جامع يوما آخر أمر بكفارة؛ لأن كل يوم مفروض عليه فإلى أي شيء ذهبت ؟ قال: ألا ترى أنه لو جامع في الحج مرارا كانت عليه كفارة واحدة ؟ قلنا: وأي شيء الحج من الصوم ؟ الحج شريعة، والصوم أخرى، قد يباح في الحج الأكل والشرب ويحرم في الصوم ويباح في الصوم اللبس والصيد والطيب ويحرم في الحج.
[ قال الشافعي ]: والحج إحرام واحد ولا يخرج أحد منه إلا بكماله وكل يوم من شهر رمضان كماله بنفسه ونقصه فيه، ألا ترى أنه يصوم اليوم من شهر رمضان ثم يفطر وقد كمل اليوم وخرج من صومه ثم يدخل في آخر فلو أفسده لم يفسد الذي قبله والحج متى أفسد عندهم قبل الزوال من يوم عرفة فسد كله، وإن كان قد مضى كثير من عمله، مع أن هذا القول خطأ من غير وجه، الذي يقيسه بالحج يزعم أن المجامع في الحج تختلف أحكامه فيكون عليه شاة قبل عرفة ويفسد حجه، وبدنة إذا جامع بعد الزوال ولا يفسد حجه. وهذا عنده في الصوم لا يختلف في أول النهار وآخره إنما عليه رقبة فيهما ويفسد صومه فيفرق بينهما في كل واحدة منهما ويفرق بينهما في الكفارتين ويزعم أنه لو جامع يوما ثم كفر ثم جامع يوما آخر ثم كفر وهو لو كفر عنده في الحج عن الجماع ثم عاد لجماع آخر لم يعد الكفارة، فإذا قيل له: لم ذلك ؟ قال: الحج واحد وأيام رمضان متفرقة، قلت: فكيف تقيس أحدهما بالآخر وهو يجامع في الحج فيفسده ثم يكون عليه أن يعمل عمل الحج وهو فاسد وليس هكذا الصوم ولا الصلاة ؟
[ قال الشافعي ]: فإن قال قائل منهم فأقيسه بالكفارة قلنا: هو من الكفارة أبعد، الحانث يحنث غير عامد للحنث فيكفر ويحنث عامدا فلا يكفر عندك وأنت إذا جامع عامدا كفر، وإذا جامع غير عامد لم يكفر فكيف قسته بالكفارة والمكفر لا يفسد عملا يخرج منه، ولا يعمل بعد الفساد شيئا يقضيه إنما يخرج به عندك من كذبة حلف عليها وهذا يخرج من صوم ويعود في مثل الذي خرج منه.
[ قال الشافعي ]: ولو جامع صبية لم تبلغ أو أتى بهيمة فكفارة واحدة ولو جامع بالغة كانت كفارة لا يزاد عليها على الرجل، وإذا كفر أجزأ عنه وعن امرأته، وكذلك في الحج والعمرة وبهذا مضت السنة ألا ترى أن النبي ﷺ لم يقل تكفر المرأة وأنه لم يقل في الخبر في الذي جامع في الحج تكفر المرأة.
[ قال الشافعي ]: فإن قال قائل: فما بال الحد عليها في الجماع ولا تكون الكفارة عليها ؟ قيل الحد لا يشبه الكفارة، ألا ترى أن الحد يختلف في الحر والعبد والثيب والبكر ولا يختلف الجماع عامدا في رمضان مع افتراقهما في غير ذلك فإن مذهبنا وما ندعي إذا فرقت الأخبار بين الشيء أن يفرق بينه كما فرقت.
[ قال الشافعي ]: وإن جامع في قضاء رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أفسد صومه ولا كفارة عليه ولكن يقضي يوما مكان يومه الذي جامع فيه.
[ قال الشافعي ]: وهكذا قال بعض الناس وهذا كان عندنا أولى أن يكفر؛ لأن البدل في رمضان يقوم مقامه، فإذا اقتصر بالكفارة على رمضان؛ لأنها جاءت فيه في الجماع ولم يقس عليه البدل منه فكيف قاس عليه الطعام والشراب ولم تأت فيه كفارة ؟
[ قال الشافعي ]: وإن جامع ناسيا لصومه لم يكفر. وإن جامع على شبهة مثل أن يأكل ناسيا فيحسب أنه قد أفطر فيجامع على هذه الشبهة فلا كفارة عليه في مثل هذا.
[ قال الشافعي ]: وهذا أيضا من الحجة عليهم في السهو في الصلاة إذ زعموا أن من جامع على شبهة سقطت عنه الكفارة فمن تكلم وهو يرى أن الكلام في الصلاة كان له مباحا أولى أن يسقط عنه فساد صلاته.
[ قال الشافعي ]: وإن نظر فأنزل، من غير لمس ولا تلذذ بها: فصومه تام لا تجب الكفارة في رمضان إلا بما يجب به الحد أن يلتقي الختانان، فأما ما دون ذلك فإنه لا يجب به الكفارة، ولا تجب الكفارة في فطر في غير جماع، ولا طعام ولا شراب ولا غيره، وقال بعض الناس: تجب إن أكل أو شرب كما تجب بالجماع.
[ قال الشافعي ]: فقيل لمن يقول هذا القول: السنة جاءت في المجامع، فمن قال لكم في الطعام والشراب ؟ قال قلناه قياسا على الجماع فقلنا: أو يشبه الأكل والشرب الجماع فتقيسهما عليه ؟ قال: نعم. في وجه من أنهما محرمان يفطران فقيل لهم فكل ما وجدتموه محرما في الصوم يفطر قضيتم فيه بالكفارة ؟ قال نعم. قيل فما تقول فيمن أكل طيبا أو دواء ؟ قال: لا كفارة عليه قلنا: ولم ؟ قال: هذا لا يغذو الجسد قلنا: إنما قست هذا بالجماع؛ لأنه محرم يفطر وهذا عندنا وعندك محرم يفطر. قال: هذا لا يغذو الجسد، قلنا وما أدراك أن هذا لا يغذو البدن وأنت تقول إن ازدرد من الفاكهة شيئا صحيحا فطره ولم يكفر وقد يغذو هذا البدن فيما نرى وقلنا قد صرت من الفقه إلى الطب، فإن كنت صرت إلى قياس ما يغذو فالجماع يقص البدن وهو إخراج شيء ينقص البدن وليس بإدخال شيء فكيف قسته بما يزيد في البدن والجماع ينقصه ؟ وما يشبعه والجماع يجيع ؟ فكيف زعمت أن الحقنة والسعوط يفطران وهما لا يغذوان ؟، وإن اعتلك بالغذاء ولا كفارة فيهما عندك كان يلزمك أن تنظر كل ما حكمت له بحكم الفطر أن تحكم فيه بالكفارة إن أردت القياس.
[ قال الشافعي ]: قال منهم قائل إن هذا ليلزمنا كله ولكن لم لم تقسه بالجماع ؟ فقلت له: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عمر أنه قال: من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء عامدا فعليه القضاء.
[ قال الشافعي ]: وهكذا نقول نحن وأنتم فقد وجدنا رجلا من أصحاب النبي ﷺ يرى على رجل إن أفطر من أمر عمده القضاء ولا يرى عليه الكفارة فيه وبهذا قلت: لا كفارة إلا في جماع ورأيت الجماع لا يشبه شيئا سواه رأيت حده مباينا لحدود سواه ورأيت من رأيت من الفقهاء مجتمعين على أن المحرم إذا أصاب أهله أفسد حجه ومضى فيه وجاء بالبدل منه وقد يحرم عليه في الحج الصيد والطيب واللبس فأي ذلك فعله لم يفسد حجه غير الجماع ورأيت من جامع وجب عليه الغسل، وليس كذلك من صنع ما هو أقذر منه، فبهذا فرقنا بين الجماع وغيره.
[ قال الشافعي ]: إن تلذذ بامرأته حتى ينزل أفسد صومه وكان عليه قضاؤه وما تلذذ به دون ذلك كرهته ولا يفسد والله أعلم.
وإن أتى امرأته في دبرها فغيبه أو بهيمة أو تلوط أفسد وكفر مع الإثم بالله في المحرم الذي أتى مع إفساد الصوم، وقال بعض الناس في هذا كله لا كفارة عليه ولا يعيد صوما إلا أن ينزل فيقضي ولا يكفر.
[ قال الشافعي ]: فخالفه بعض أصحابه في اللوطي ومن أتى امرأته في دبرها فقال يفسد وقال هذا جماع، وإن كان غير وجه الجماع المباح ووافقه في الآتي للبهيمة قال وكل جماع، غير أن في هذا معصية لله عز وجل من وجهين فلو كان أحدهما يزاد عليه زيد على الآتي ما حرم الله من وجهين.
[ قال الشافعي ]: ولا يفسد الكحل، وإن تنخمه فالنخامة تجيء من الرأس باستنزال والعين متصلة بالرأس ولا يصل إلى الرأس والجوف علمي ولا أعلم أحدا كره الكحل على أنه يفطر.
[ قال الشافعي ]: ولا أكره الدهن، وإن استنقع فيه أو في ماء فلا بأس وأكره العلك أنه يجلب الريق، وإن مضغه فلا يفطره وبذلك إن تمضمض واستنشق ولا يستبلغ في الاستنشاق: لئلا يذهب في رأسه، وإن ذهب في رأسه لم يفطره، فإن استيقن أنه قد وصل إلى الرأس أو الجوف من المضمضة وهو عامد ذاكر لصومه فطره [ قال الربيع ]: وقد قال الشافعي مرة لا شيء عليه [ قال الربيع ]: وهو أحب إلي وذلك أنه مغلوب.
[ قال الشافعي ]: ولا أكره السواك بالعود الرطب واليابس وغيره: بكرة وأكرهه بالعشي لما أحب من خلوف فم الصائم، وإن فعل لم يفطره وما داوى به قرحة من رطب أو يابس فخلص إلى جوفه فطره إذا داوى وهو ذاكر لصومه عامد لإدخاله في جوفه وقال بعض الناس يفطره الرطب ولا يفطره اليابس.
[ قال الشافعي ]: فإن كان أنزل الدواء إذا وصل إلى الجوف: بمنزلة المأكول أو المشروب فالرطب واليابس من المأكول عندهم سواء، وإن كان لا ينزله إذا لم يكن من سبيل الأكل ولا الشرب بمنزلة واحد منهما فينبغي أن يقول لا يفطران، فأما أن يقول يفطر أحدهما ولا يفطر الآخر فهذا خطأ.
[ قال الشافعي ]: وأحب له أن ينزه صيامه عن اللغط والمشاتمة، وإن شوتم أن يقول: أنا صائم، وإن شاتم: لم يفطره.
[ قال الشافعي ]: وإن قدم مسافر في بعض اليوم وقد كان فيه مفطرا وكانت امرأته حائضا فطهرت فجامعها لم أر بأسا وكذلك إن أكلا أو شربا وذلك أنهما غير صائمين، وقال بعض الناس هما غير صائمين ولا كفارة عليهما إن فعلا وأكره ذلك؛ لأن الناس في المصر صيام.
[ قال الشافعي ]: إما أن يكونا صائمين فلا يجوز لهما أن يفعلا، أو يكونا غير صائمين فإنما يحرم هذا على الصائم.
[ قال الشافعي ]: ولو توقى ذلك لئلا يراه أحد فيظن أنه أفطر في رمضان من غير علة كان أحب إلي.
[ قال الشافعي ]: ولو اشتبهت الشهور على أسير فتحرى شهر رمضان فوافقه أو ما بعده من الشهور فصام شهرا أو ثلاثين يوما أجزأه، ولو صام ما قبله فقد قال قائل لا يجزيه إلا أن يصيبه أو شهرا بعده فيكون كالقضاء له وهذا مذهب. ولو ذهب ذاهب إلى أنه إذا لم يعرفه بعينه فتأخاه أجزأه قبل كان أو بعد، كان هذا مذهبا وذلك أنه قد يتأخى القبلة، فإذا علم بعد كمال الصلاة أنه قد أخطأها أجزأت عنه ويجزي ذلك عنه في خطأ عرفة والفطر، وإنما كلف الناس في المغيب الظاهر، والأسير إذا اشتبهت عليه الشهور فهو مثل المغيب عنه والله أعلم. [ قال الربيع ]: وآخر قول الشافعي أنه لا يجزيه إذا صامه على الشك حتى يصيبه بعينه أو شهرا بعده وآخر قوله في القبلة كذلك لا يجزيه وكذلك لا يجزيه إذا تأخى، وإن أصاب القبلة فعليه الإعادة إذا كان تأخيه بلا دلالة وأما عرفة ويوم الفطر والأضحى فيجزيه؛ لأن هذا أمر إنما يفعله باجتماع العامة عليه والصوم والصلاة شيء يفعله في ذات نفسه خاصة.
[ قال الشافعي ]: ولو أصبح يوم الشك لا ينوي الصوم ولم يأكل ولم يشرب حتى علم أنه من شهر رمضان فأتم صومه رأيت إعادة صومه، وسواء رأى ذلك قبل الزوال أو بعده إذا أصبح لا ينوي صيامه من شهر رمضان.
[ قال الشافعي ]: وأرى والله أعلم كذلك لو أصبح ينوي صومه تطوعا لم يجزه من رمضان ولا أرى رمضان يجزيه إلا بإرادته والله أعلم، ولا أعلم بينه وبين نذر الصلاة وغير ذلك مما لا يجزي إلا بنية فرقا.
[ قال الشافعي ]: ولو أن مقيما نوى الصيام قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه ذلك؛ لأنه قد دخل في الصوم مقيما [ قال الربيع ]: وفي كتاب غير هذا من كتبه إلا أن يصح حديث ( عن النبي ﷺ حين أفطر بالكديد أنه نوى صيام ذلك اليوم وهو مقيم ).
[ قال الشافعي ]: ولو نواه من الليل ثم خرج قبل الفجر كان كأن لم يدخل في الصوم حتى سافر وكان له إن شاء أن يتم فيصوم، وإن شاء أن يفطر.
[ قال الشافعي ]: وإذا تأخى الرجل القبلة بلا دلائل فلما أصبح علم أنه أصاب القبلة كانت عليه الإعادة؛ لأنه صلى حين صلى على الشك.
[ قال الشافعي ]: وقد نهي عن صيام السفر وإنما نهي عنه عندنا والله أعلم على الرفق بالناس لا على التحريم ولا على أنه لا يجزي وقد يسمع بعض الناس النهي ولا يسمع ما يدل على معنى النهي فيقول بالنهي جملة.
[ قال الشافعي ]: والدليل على ما قلت لك أنه رخصة في السفر أن مالكا أخبرنا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: يا رسول الله أصوم في السفر وكان كثير الصوم فقال رسول الله ﷺ إن شئت فصم، وإن شئت فافطر ) أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن ( أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله ﷺ في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ).
[ قال الشافعي ]: وهذا دليل على ما وصفت، فإن قال إنسان فإنه قد سمى الذين صاموا العصاة فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الصيام في السفر للتقوي للعدو، وذلك أنه كان محاربا عام نهي عن الصيام في السفر فأبى قوم إلا الصيام فسمى بعض من سمع النهي العصاة إذ تركوا الفطر الذي أمروا به، وقد يمكن أن يكون قد قيل لهم ذلك على أنهم تركوا قبول الرخصة ورغبوا عنها وهذا مكروه عندنا، إنما نقول يفطر أو يصوم وهو يعلم أن ذلك واسع له، فإذا جاز ذلك فالصوم أحب إلينا لمن قوي عليه.
[ قال الشافعي ]: فإن قيل فقد روي ( ليس من البر الصيام في السفر ) قيل ليس هذا بخلاف حديث هشام بن عروة ولكنه كما وصفت إذا رأى الصيام برا والفطر مأثما وغير برغبة عن الرخصة في السفر.
[ قال الشافعي ]: وإذا أدرك المسافر الفجر قبل أن يصل إلى بلده أو البلد الذي ينوي المقام به وهو ينوي الصوم أجزأه، وإن أزمع الفطر ثم أزمع الصوم بعد الفجر لم يجزه في حضر كان أو في سفر، وإن سافر فلم يصم حتى مات فليس عليه قضاء ما أفطر؛ لأنه كان له أن يفطر وإنما عليه القضاء إذا لزمه أن يصوم وهو مقيم فترك الصوم فهو حينئذ يلزم بالقضاء ويكفر عنه بعد موته وكذلك المريض لا يصح حتى يموت فلا صوم عليه ولا كفارة.