| → أراك الحمى | في رثاء أمه المؤلف: محمود سامي البارودي |
أبشروا بمحمد ← |
| هوى كانَ لي أنْ ألبسَ المجدَ معلما | فلما ملكتُ السبقَ عفتُ التقدما |
| وَمَنْ عَرفَ الدُّنْيَا رَأَى مَا يَسُرُّه | منَ العيشِ هماً يتركُ الشهدَ علقما |
| وَ أيُّ نعيمٍ في حياة ٍ وراءها | مَصَائِبُ لَوْ حَلَّتْ بِنجْمٍ لأَظْلَمَا |
| إذا كانَ عقبى كلَّ حيًّ منيةٌ | فَسِيَّانِ مَنْ حَلَّ الْوِهَادَ، وَمَنْ سَمَا |
| وَ منْ عجبٍ أنا نرى الحقَّ جهرةٌ | وَنَلْهُو، كَأَنَّا لاَ نُحَاذِرُ مَنْدَمَا |
| يودُّ الفتى في كلَّ يومٍ لبانةً | فإنْ نالها أنحى لأخرى ، وصمما |
| طماعة ُ نفسٍ توردُ المرءَ مشرعاً | منَ البؤسِ لا يعدوهُ أوْ يتحطما |
| أَرَى كُلَّ حَيٍّ غَافِلاً عَنْ مَصِيرِهِ | وَلَوْ رَامَ عِرْفَانَ الْحَقِيقَة ِ لانْتَمَى |
| فَأَيْنَ الأُلَى شَادُوا، وَبَادُوا؟ أَلَمْ نَكُنْ | نحلُّ كما حلوا ، وَ نرحلُ مثلما ؟ |
| مَضَوْا، وَعَفَتْ آثارُهُمْ غَيْرَ ذُكْرَة | تُشِيدُ لَنَا مِنْهُمْ حَدِيثاً مُرَجَّمَا |
| سلِ الأورقَ الغريدَ في عذباتهِ | أَنَاحَ عَلَى أَشْجَانِهِ، أَمْ تَرَنَّمَا؟ |
| تَرَجَّحَ فِي مَهْدٍ مِنَ الأَيْكِ، لا يَنِي | يميلُ عليهِ مائلاً وَ مقوما |
| ينوحُ على َ فقدِ الهديلِ ، وَ لمْ يكنْ | رآهْ ، فيا للهِ ! كيفَ تهكما؟ |
| وَشَتَّانَ مَنْ يَبْكِي عَلَى غَيْرِ عِرْفَة | جزافاً ، وَ منْ يبكي لعهدٍ تجرما |
| لَعَمْرِي لَقَدْ غَالَ الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ | وَ كانَ بودي أنْ أموتَ وَ يسلما |
| وَ أيُّ حياة ٍ بعدَ أمًّ فقدتها | كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلاَلَ عَلَى الظَّمَا |
| تَوَلَّتْ، فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي، وَعَادَنِي | غرامٌ عليها، شفَّ جسمي، وأسقما |
| وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ ذُكْرَة ٌ تَبْعَثُ الأَسى | وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا |
| وَ كانتْ لعيني قرةً، وَ لمهجتي | سروراً ، فخابَ الطرفُ وَ القلبُ منهما |
| فَلَوْلاَ اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ | لقطعتُ نفسي لهفة ً وَ تندما |
| فيا خبراً شفَّ الفؤادَ ؛ فأوشكتْ | سويدَاؤهُ أنْ تستحيلَ، فتسجما |
| إِلَيْكَ؛ فَقَدْ ثَلَّمْتَ عَرْشاً مُمنَّعاً | وَ فللتَ صمصاماً ، وَ ذللتَ ضيغما |
| أشادَ بهِ الناعي ، وَ كنتُ محارباً | فألقيتُ منْ كفى الحسامَ المصمما |
| وَطَارَتْ بِقَلْبِي لَوْعَة ٌ لَوْ أَطَعْتُهَا | لأَوْشَكَ رُكْنُ الْمَجْدِ أَنْ يَتَهَدَّمَا |
| وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي، لأَنْثَنِي | عنِ الحربِ محمودَ اللقاءِ مكرما |
| فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الْجُنْدَ صِبْغٌ مِنَ الدُّجَى | وَعَادَ كِلاَ الْجَيْشَيْنِ يَرْتَادُ مَجْثِمَا |
| صَرَفْتُ عِنَانِي رَاجِعاً، وَمَدَامِعِي | على َ الخدَّ يفضحنَ الضميرَ المكتما |
| فَيَا أُمَّتَا؛ زَالَ الْعَزَاءُ، وَأَقْبَلَتْ | مَصَائِبُ تَنْهَى الْقَلْبَ أَنْ يَتَلَوَّمَا |
| وَكُنْتُ أَرَى الصَّبْرَ الْجَمِيلَ مَثُوبَةً | فَصِرْتُ أَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَأْثَمَا |
| وَ كيفَ تلذُّ العيشَ نفسٌ تدرعتْ | منَ الحزنِ ثوباً بالدموعِ منمنما؟ |
| تألمتُ فقدانَ الأحبة ِ جازعاً | وَ منْ شفهُ فقدُ الحبيبِ تألما |
| وَ قدْ كنتُ أخشى أنْ أراكِ سقيمةً | فكيفَ وَ قدْ أصبحتِ في التربِ أعظما؟ |
| بَلَغْتِ مَدَى تِسْعِينَ فِي خَيْرِ نِعْمَةٍ | وَ منْ صحبَ الأيامَ دهراً تهدما |
| إِذَا زَادَ عُمْرُ الْمَرْءِ قَلَّ نَصِيبُهُ | منَ العيش وَ النقصانُ آفة ُ من نما |
| فيا ليتنا كنا تراباً ، وَ لمْ نكنْ | خلقنا ، وَ لمْ نقدمْ إلى الدهرِ مقدما |
| أَبَى طَبْعُ هَذَا الدَّهْرِ أَنْ يَتَكَرَّمَا | وَكَيْفَ يَدِي مَنْ كَانَ بِالْبُخْلِ مُغْرَمَا؟ |
| أَصَابَ لَدَيْنَا غِرَّة ً؛ فَأَصَابَنَا | وَأَبْصَرَ فِينَا ذِلَّة ً؛ فَتَحَكَّمَا |
| وَ كيفَ يصونُ الدهرُ مهجةَ عاقلٍ | وَ قدْ أهلكَ الحيينِ : عاداً ، وَ جرهما |
| هوَ الأزلمُ الخداعُ ، يحفرُ إنْ رعى | وَيَغْدِرُ إِنْ أَوْفَى ، وَيُصْمِي إِذَا رَمَى |
| فَكَمْ خَانَ عَهْداً، واسْتَبَاحَ أَمَانَةً | وَ أخلفَ وعداً، وَاستحلَّ محرما |
| فإنْ تكنِ الأيامُ أخنتْ بصرفها | عَلَيَّ، فَأَيُّ النَّاسِ يَبْقَى مُسَلَّمَا؟ |
| وَ إني لأدري أنَّ عاقبة َ الأسى | ـ وإِنْ طَالَ ـ لاَ يُرْوِي غَلِيلاً تَضَرَّمَا |
| وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَرَى الصَّبْرَ سُبَّةً | عَلَيْهَا، وَتَرْضَى بِالتَّلَهُّفِ مَغْنَمَا |
| وَكَيْفَ أَرَانِي نَاسِياً عَهْدَ خُلَّةٍ | ألفتُ هواها : ناشئاً ، وَ محكما |
| وَلَوْلاَ أَلِيمُ الْخَطْبِ لَمْ أَمْرِ مُقْلَةً | بِدَمْعٍ، وَلَمْ أَفْغَرْ بِقَافِيَة ً فَمَا |
| فيا ربة َ القبرِ الكريمِ بما حوى | وَقَتْكِ الرَّدَى نَفْسِي وَأَيْنَ؟ وَقَلَّمَا |
| وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ فِدْيَةَ رَاحِلٍ | تَخَرَّمَهُ الْمِقْدَارُ فِيمَنْ تَخَرَّمَا؟ |
| سقتكِ يدُ الرضوانِ كأسَ كرامةٍ | منَ الكوثرِ الفياضِ معسولةَ اللمى |
| وَ لاَ زالَ ريحانُ التحية ِ ناضراً | عليكِ ، وَ هفافُ الرضا متنسما |
| لِيَبْكِ عَلَيْكِ الْقَلْبُ، لاَ الْعَينُ؛ إِنَّنِي | أرى القلبَ أوفى بالعهودِ وَ أكرما |
| فواللهِ لاَ أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ | وَمَا حَنَّ طَيْرٌ بِالأَرَاكِ مُهَيْنِمَا |
| عَلَيْكَ سَلاَمٌ لاَ لِقَاءَة َ بَعْدَهُ | إِلَى الْحَشْرِ إِذْ يَلْقى الأَخِيرُ الْمُقَدَّمَا |