الرئيسيةبحث

تفسير المراغي/سورة ق




سورة ق


هي مكية إلا آية 38 فمدنية، وآيها خمس وأربعون، نزلت بعد المرسلات.

ومناسبتها لما قبلها - أنه أشار في آخر السورة السابقة إلى أن إيمان أولئك الأعراب لم يكن إيمانا حقا، وذلك يقتضى إنكار النبوة وإنكار البعث، وافتتح هذه السورة بما يتعلق بذلك.

حدّث مسلم وغيره عن جابر بن سمرة أنه عليه الصلاة والسّلام كان يقرأ هذه السورة في الركعة الأولى من صلاة الفجر.

وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي واقد الليثي « أنه ﷺ كان يقرأ في العيد بقاف واقتربت ».

وأخرج أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن أم هشام ابنة حارثة قالت « ما أخذت (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إلا من في رسول الله ﷺ كان يقرأ بها في كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس ».

وكل ذلك دليل على أنه كان يقرأ بها في المجامع الكبيرة كالعيدين والجمع، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب.

[سورة ق (50): الآيات 1 الى 5]

بسم الله الرحمن الرحيم

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)

تفسير المفردات

المجيد من المجد، وهو كما قال الراغب: السعة في الكرم من قولهم: مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى كثير واسع، وصف به القرآن لكثرة ما تضمنه من المكارم الدنيوية والأخروية، رجع بعيد: أي بعث بعد الموت بعيد عن الأوهام، ما تنقص الأرض: أي ما تأكل من لحوم موتاهم وعظامهم، حفيظ: أي حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، بالحق: أي بالنبوة الثابتة بالمعجزات، مريج: أي مضطرب من قولهم: مرج الخاتم في إصبعه إذا قلق من الهزال.

"المعنى الإجمالي"

(ق) تقدم أن قلنا غير مرة إن الحروف المفردة. التي جاءت في أوائل السور حروف لتنبيه السامع إلى ما يرد بعدها، وأكثر ما جاء ذلك إذا ورد بعدها وصف القرآن كما هنا.

(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أقسم الله سبحانه بكتابه الكثير الخير والبركة - إنك أيها الرسول جئتهم منذرا بالبعث، يدل على ذلك قوله تعالى « يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ - إلى أن قال - لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ».

(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي إنك جئتهم منذرا بالبعث، فلم يقبلوا ولم يكتفوا بالشك في أمرك وردّ رسالتك، بل جزموا بنفيها، وجعلوها من عجائب الأمور التي تستحق الدهشة، وكثير التأمل والاعتبار.

ثم فسر تعجبهم وفصّل محل التعجب وهو إنذاره بالقرآن فقال:

(فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أي فقال المكذبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم: هذا شيء عجيب، أي إن مجىء رجل منا برسالة من الله إلينا أمر عجيب، هلا أنزل إلينا ملكا فيكون لنا نذيرا، كما حكى عنهم من قولهم: « أَبَشَرًا مِنَّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ » وقوله حكاية عنهم « قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ».

وبعد أن أظهروا التعجب من رسالته أظهروا استبعاد ما جاء به فقالوا:

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي أحين نموت ونصير ترابا نرجع كما يقول النذير؟ إن ذلك الرجوع بعد الموت لبعيد عن الأوهام، لا يصدّقه العقل وتحيله العادة.

ثم أشار إلى دليل جواز البعث وقدرته تعالى عليه فقال:

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) أي قد علمنا ما تأكل الأرض من لحوم موتاهم وعظامهم، ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت، وإلى أين صارت؟ فلا يصعب علينا البعث ولا يستبعد.

ثم أكد علمه بجميع الأشياء فقال:

(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) أي وعندنا كتاب حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، وهذا تمثيل لحال علمه تعالى للكائنات جميعا علما كاملا بعلم من عنده كتاب حفيظ يتلقى منه كل شيء، فيضبط ما يعلم أتم الضبط ويحصيه أكمل الإحصاء.

ثم حكى عنهم ما هو أفظع من تعجبهم وهو تكذيبهم بالنبوة الثابتة بالمعجزات من أول وهلة بلا تدبر ولا تفكر فقال:

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أي بل كذبوا، بالنبوة التي قامت الأدلة على صدقها وأيدتها المعجزات الباهرة، وهم إذا كذبوا بها فقد كذبوا بما أنبأ به الرسول من البعث وغيره، ولا شك أن هذا الإنكار أعظم جرما وأشد بلية من الإنكار بما جاء به الرسول، إذ به أنكروا الصلة الروحية بين الله ومن يصطفيه من خلقه من ذوي النفوس الصافية، وأرباب الأرواح العالية.

(فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي فهم في قلق واضطراب، فتارة ينفون الرسالة عن البشر، وأخرى يزعمون أنها لا تليق إلا بأهل الجاه والرياسة كما ينبئ بهذا قولهم: « لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ » وثالثة يقولون: إنها سحر أو كهانة، إذ قالوا للنبي ﷺ: ساحر أو كاهن إلى نحو ذلك من أقاويلهم التي تدل على اضطراب في الأمر، وقلق في الفكر، فهم لا يدرون ما ذا يفعلون حين جاءهم النذير الذي أقضّ مضاجعهم، وجعلهم حيارى دهشين، إلام هم صائرون؟ وإلى أي منقلب ينقلبون؟

[سورة ق (50): الآيات 6 الى 11]

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكًا فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11)

تفسير المفردات

بنيناها: أي أحكمنا بناءها، فجعلناها بغير عمد، وزيناها: أي بالكواكب، فروج: أي شقوق، مددناها: أي بسطناها، رواسي: أي جبالا ثوابت تمنعها من الميد والاضطراب، زوج: أي صنف، بهيج: أي ذي بهجة وحسن، تبصرة وذكرى: أي تبصيرا وتذكيرا، منيب: من أناب إذا رجع وخضع، حب الحصيد: أي حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبرّ والشعير، باسقات: أي طويلات، والطلع ما ينمو ويصير بلحا ثم رطبا ثم تمرا، ونضيد: أي منضود بعضه فوق بعض، الخروج: أي من القبور.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر أنهم استبعدوا البعث فقالوا رجع بعيد - أردف ذلك الدليل الذي يدحض كلامهم، فإن من خلق السماء وزينها بالكواكب، وبسط الأرض وجعل فيها رواسي وأنبت فيها صنوف النبات، وجعل ذلك تذكرة وتبصرة لأولى الألباب، ونزل من السماء ماء فأنبت به ناضر الجنان، والزرع المختلف الأصناف والألوان، والنخل الباسق ذا الطلع المتراكم بعضه فوق بعض رزقا لعباده، وأحيا به الأرض الموات - أفلا يستطيع من هذا شأنه أن يخرج الناس من قبورهم بعد بلاهم، وبعد أن يصيروا عظاما ورفاتا، وينشئهم خلقا آخر في حياة أخرى وعالم غير هذا العالم؟

الإيضاح

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت، المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد البلى - إلى السماء فوقهم كيف رفعناها بلا عمد، وزيناها بالكواكب ومالها من فتوق، فهي ملساء متلاصقة الطباق، وهذا هو الرأي الحديث في عالم السموات، إذ يقولون: إن هناك عالما لطيفا أرق من الهواء وألطف من كل ما نراه وهو مبدأ كل شيء وأول كل شيء وهو العالم المسمى بالأثير، وهذا العالم وإن لم يره الناس فقد عرفوه من وصول أضواء الكواكب إلينا، فإن من الكواكب ما لا يصل ضوءه إلينا إلا فيما يزيد على ألف ألف سنة، ونور الشمس (التي تبعد عنا مقدار سير القطار إليها لو أمكن في نحو خمس ستين وثلاثمائة سنة) يصل إلينا في مدة ثمان دقاق وثماني عشرة ثانية.

فانظر كيف يكون بعد تلك الكواكب التي تحتاج بسير النور إلى مليون سنة ونصف مليون ألا يدل هذا على أن ذلك الضوء محمول على شيء موجود وهو الأثير فلو أن طبقة من الطبقات لم يكن فيها الأثير لا نقطع سير النور إلى الأرض ولم نره.

وهذا ما يشير إليه الكتاب بقوله « وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ » فلو كان هناك فروج تتخلل السموات لا نقطع سير النور إلينا.

وآراء الجهلة في كل أمة أن كل سماء منفصلة عن الأخرى وبينهما فضاء كما يظن لأول وهلة فيما بيننا وبين السماء، فجاء الكتاب الكريم وعكس هذه القضية وقال لا فروج في السماء أي لا خلاء في العالم.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي والأرض بسطناها وألقينا فيها جبالا ثوابت لئلا تميد وتضطرب، وأنبتنا فيها من كل صنف من صنوف النبات ما حسن منظره، وراق مخبره.

(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي فعلنا ذلك لتبصرة العبد المنيب وادكاره فإن رفعنا السماء، أو زيناها بالكواكب فلاستبصاره، وإن بسطنا الأرض أو أرسيناها بالجبال أو أنبتنا النبات زينة للأرض فلاعتباره.

ثم شرع يبين كيفية ما ذكر من إنبات كل زوج بهيج فقال:

(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكًا فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) أي ونزلنا من السماء ماء كثير المنافع، إذ أنبتنا به جنات غناء، وحدائق فيحاء، وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالشعير والقمح وغيرهما.

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقًا لِلْعِبادِ) أي وأنبتنا به النخل الطوال التي لها طلع منضود متراكم بعضه فوق بعض، لأقوات العباد وأرزاقهم.

عن قطبة قال: « سمعت النبي ﷺ يقرأ في الصبح ق فلما أتى على هذه الآية - والنّخل باسقات - فجعلت أقول ما بسوقها؟ قال طولها » أخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه.

ولم يقيد هنا العباد بالإنابة كما قيد به في قوله: « تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ » لأن التذكرة لا تكون إلا لمنيب، والرزق يعم كل أحد، غير أن المنيب يأكل ذاكرا وشاكرا للإنعام، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام، ومن ثم لم يخصص الرزق بقيد.

(وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) أي وأحيينا بذلك الماء الأرض المجدبة التي لا نبات فيها فتربو وتنبت من كل زوج بهيج.

ثم جعل ما سلف كالدليل على البعث لأنه شبيه به فقال:

(كَذلِكَ الْخُرُوجُ) أي ومثل هذه الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور.

وفي التعبير عن إخراج النبات من الأرض بالإحياء، وعن إحياء الموتى بالخروج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث: وتحقيق للمماثلة بين إخراج النبات وإحياء الموتى لتوضيح منهاج القياس، وتقريبه لأفهام الناس..

[سورة ق (50): الآيات 12 الى 15]

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)

تفسير المفردات

الرس: البئر التي لم تطو أي لم تبن، وأصحابه هم من بعث إليهم شعيب عليه الصلاة والسلام، والأيكة: الغيضة الملتفة الشجر، تبّع: هو تبع الحميري، والعي عن الأمر. العجز عنه: قال الكسائي تقول أعييت من التعب، وعييت من العجز عن الأمر وانقطاع الحيلة، ولبس: أي شك شديد وحيرة واختلاط.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر تكذيب المشركين للرسول ﷺ - أردف ذلك ذكر المكذبين للرسل من قبله وبيان ما آل إليه أمرهم، تسلية لرسوله ﷺ وعبرة لهم، وتنبيها إلى أن حاله معهم كحال من تقدمه من الرسل كذّبوا فصبروا فأهلك الله مكذبيهم ونصرهم وأعلى كلمتهم كما قال: « وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ » وقال: « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ».

ثم ذكر الدليل على البعث الذي أنكرته الأمم التي كذبت رسلها بأن من خلق العالم بادىء ذي بدء فهو على إعادته أقدر.

الإيضاح

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ. وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ. وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ، كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) هدد سبحانه كفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم من المكذبين قبلهم من النقم والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فقد أغرق قوم نوح بالطوفان، وأهلك جميع من ذكروا بعدهم من الأمم التي كذبت رسلها بضروب شتى من العذاب، وحق عليهم وعيده، ونصر رسله، وأعلى كلمتهم وكانت العاقبة لهم كما قال (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) وقد تقدمت هذه القصص في مواضع متفرقة من الكتاب الكريم.

ثم ذكر ما يؤكد صحة البعث فقال:

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ؟ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي أفأعجزنا ابتداء الخلق حتى يشكّوا في الإعادة؟ أي إن ابتداء الخلق لم يعجزنا والإعادة أسهل من الابتداء، فلا حق لهم في تطرق الشبهة إليهم والشك فيه، كما قال: « وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ » وقال: « وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ » وجاء في الحديث القدسي: « يقول الله تعالى: يؤذينى ابن آدم يقول لن يعيدنى كما بدأنى، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ».

[سورة ق (50): الآيات 16 الى 22]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)

تفسير المفردات

الوسوسة: الصوت الخفي ومنه وسواس الحلي والمراد بها هنا حديث النفس وما يخطر بالبال من شتى الشئون، وحبل الوريد: عرق كبير في العنق، وللانسان وريدان مكتنفان بصفحتى العنق في مقدمهما متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه، وقعيد: بمعنى مقاعد كالجليس بمعنى المجالس، والرقيب: ملك يرقب قوله ويكتبه، فإن كان خيرا فهو صاحب اليمين، وإن كان شرا فهو صاحب الشمال، عتيد: أي مهيأ لكتابة ما يؤمر به من الخير والشر، سكرة الموت: شدته، بالحق: أي بحقيقة الحال، تحيد: أي تميل وتعدل، يوم الوعيد: أي يوم إنجاز الوعيد، السائق والشهيد: ملكان أحدهما يسوق النفس إلى أمر الله، والآخر: يشهد عليها بعملها، والغطاء: الحجاب المغطى لأمور المعاد، وهو الغفلة والانهماك في اللذات وقصر النظر عليها، حديد: أي نافذ، لزوال المانع للابصار.

المعنى الجملي

بعد أن استدل على إمكان البعث بقوله: أفعيينا بالخلق الأوّل - أردف ذلك دليلا آخر على إمكانه وهو علمه بما في صدورهم وعدم خفاء شيء من أمرهم عليه، فإن من كان كذلك لا يبعد أن يعيدهم كرة أخرى، ثم أخبر بأنهم سيعلمون بعد الموت أن ما جاء به الدين حق لا شك فيه، وأنه يوم القيامة تأتى كل نفس ومعها ملكان أحدهما سائق لها إلى المحشر والثاني شهيد عليها، وأن الخزنة سيقولون لأهل النار: لقد كنتم في غفلة عن حلول هذا اليوم الذي توفّى فيه كل نفس جزاء ما عملت، والآن أزلنا عنكم هذه الغفلة فأبصرتم عاقبة أمركم.

الإيضاح

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي إنه تعالى قادر على بعث الإنسان، لأنه خالقه وعالم بجميع أموره حتى إنه ليعلم ما توسوس به نفسه من الخير والشر ولا عقاب على حديث النفس.

وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: « إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل ».

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي ونحن أعلم به وبخفيات أحواله لا يخفى علينا شيء من أمره، من علمكم بحبل الوريد، لأن العرق تحجبه أجزاء من اللحم، وعلم الله لا يحجب عنه شيء.

أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال « نزل الله من ابن آدم أربع منازل، هو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصية كل دابة، وهو معهم أينما كانوا ».

قال القشيري: في هذه الآية - هيبة وفزع وخوف لقوم، وروح وأنس وسكون قلب لقوم.

ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان ويحفظان عليه عمله إلزاما للحجة فقال:

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) أي نحن أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به، مع أننا أغنياء عن استحفاظ الملكين لشدة قربنا منه.

(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد أي مقاعد ومجالس له يترصد ما يقول ويعمل، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات.

قال الحسن وقتادة: المتلقيان ملكان يتلقيان عملك: أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك.

ثم ذكر عملهما واستعدادهما لأدائه فقال:

(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي لا يلفظ بكلمة من فيه إلا لديه ملك حاضر معه مراقب لأعماله، يكتب ما فيه ثوابه أو عقابه.

قال الحسن البصري وتلا هذه الآية: « عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ » يا بن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا متّ طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول الله تعالى: « وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا » ثم قال: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.

وروى أبو أسامة أن رسول الله ﷺ قال: « كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر ».

والحكمة في هذا أن الله لم يخلق الناس لتعذيبهم، بل خلقهم لتربيتهم وتهذيبهم، فكل ألم فهو لرقي النفس. والعالم المادي من طبعه أن يكون نفعه أكثر من ضره، والله تعالى خلقنا لغاية شريفة لنا، والحسنات هي الأصل والسيئات عارضة كما أن المنافع في الطبيعة هي الأصل والمضارّ عارضة، فالنار خلقت لنفعه، والماء لنفعه، والهواء لنفعه فإذا أحرق ثوب الناسك، أو أغرق رب صبية لا عائل لهم، فهذا عارض، والأصل في ذلك المنافع، وهكذا خلق نوع الإنسان للخير، والشر عارض، ولفعل الحسنات، والسيئات عارضة.

وبعد أن ذكر استبعادهم البعث للجزاء، وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه، أعلمهم بأنهم يلاقون صدق ذلك حين الموت وحين قيام الساعة فقال:

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) أي وكشفت لك سكرة الموت عن اليقين الذي كنت تمترى فيه، وأن البعث لا شك فيه.

(ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي ذلك الحق الذي كنت تفر منه قد جاءك، فلا محيد ولا مناص، ولا فكاك ولا خلاص.

ولما ثقل أبو بكر جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بقول حاتم:

لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف رضي الله عنه عن وجهه وقال: ليس كذلك، ولكن قولي: « وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ».

وفي الصحيح « أن النبي ﷺ لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: سبحان الله، إن للموت لسكرات ».

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) أي ونفخ في الصور نفخة البعث، وذلك الزمان العظيم الأهوال هو اليوم الذي أوعد الله الكفار أن يعذبهم فيه.

وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: « كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له؟ قالوا يا رسول الله ماذا نقول؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ».

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) أي وجاءت في هذا اليوم كل نفس ربها ومعها سائق يسوقها إليه، وشهيد يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير أو شر.

(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن هذا الذي عاينت من الأهوال والشدائد، فجلّينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك حتى رأيته وعاينته، فزالت عنك هذه الغفلة.

وقد جعل سبحانه الغفلة غطاء غطّى به الجسد كله، أو غشاوة غشّى بها عينيه فلا يبصر شيئا، فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت عنه الغفلة وغطاؤها، فأبصر ما لم يكن يبصره من الحق.

[سورة ق (50): الآيات 23 الى 30]

وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)

تفسير المفردات

القرين: هو الملك الموكّل بالمرء، عتيد: أي معدّ محضر، عنيد: أي مبالغ في العناد وترك الانقياد للحق، مناع للخير: أي كثير المنع للمال في الحقوق المفروضة عليه، معتد: أي متجاوز للحق ظالم، مريب: أي شاكّ في الله وفى دينه، القرين هنا: الشيطان المقيّض له، بعيد: أي من الحق، لا تختصموا لدي: أي لا يجادل بعضكم بعضا عندي، بالوعيد: أي على الطغيان في دار الدنيا في كتبى وعلى ألسنة رسلي، ما يبدل القول لدى: أي لا يقع فيه الخلف والتغيير فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي، مزيد: زيادة.

الإيضاح

(وَقالَ قَرِينُهُ: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) أي وقال الملك الموكل به: هذا الذي وكلتني به من بنى آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان أعماله.

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ. الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ) أي قال تعالى للسائق والشهيد: ألقيا في جهنم كل من كفر بالله، أو أشرك به معبودا سواه من خلقه أو كذب الحق وعارضه بالباطل، ومنع الحقوق المفروضة عليه، واعتدى الناس بلسانه بالبذاء والفحش، وبيده بالسطوة والبطش ظلما.

ثم كرر ما سلف توكيدا فقال:

(فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) أي فألقياه في النار ذات العذاب الشديد.

(قالَ قَرِينُهُ: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي قال الكافر معتذرا: رب إن قرينى من الشياطين أطغانى، فقال الشيطان المقيّض له: ربنا ما أطغيته، ولكن كان طبعه وديدنه الضلال والبعد عن الحق، فسار على النهج الذي يشاكل أخلاقه.

وخلاصة ذلك - إنه في ضلال بعيد المدى لا يرجع عنه إلى الحق.

ونحو الآية قوله: « وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ».

(قالَ: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ، وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) أي قال عز اسمه للإنسي وقرينه من الجن حين اختصما - فقال الإنسي: رب إن هذا أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءني، وقال الشيطان: ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد عن منهج الحق - لا تختصموا عندي، فقد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج.

والخلاصة - إنهم اعتذروا بغير ما يصلح أن يكون عذرا، فأبطل الله حجتهم وردّ عليهم بقوله:

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) أي لا يغيّر قضائى الذي قضيته، ووعيدي الذي أوعدته بتخليد الكفار في النار ومجازاة العصاة على قدر ما يستحقون.

(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا أعذب أحدا بغير جرم اجترمه، ولا ذنب جناه ولا أعذب أحدا مكان أحد.

ثم ذكر مكان حلول الوعيد فقال:

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟) أي وأنذر قومك يوم نقول لجهنم: هل امتلأت بما ألقى إليك فوجا بعد فوج؟ فتقول: لا مزيد بعد ذلك.

وفي هذا بيان لأنها مع اتساعها وتباعد أقطارها، يطرح فيها من الجنّة والناس جماعات بعد جماعات حتى تمتلىء ولا تقبل الزيادة.

وهذا السؤال والجواب جىء بهما للتمثيل وتصوير المعنى بإبرازه في لباس المحسوس ليتضح أمره.

روي عن ابن عباس أنه قال: سبقت كلمته: لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين، فلما سيق أعداء الله إليها صارت لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء فتقول ألست قد أقسمت لتملأنّى؟ فيضع قدمه عليها فيقول: هل امتلأت؟ فتقول: قطّ قطّ (كفى كفى) قد امتلأت لا مزيد.

[سورة ق (50): الآيات 31 الى 35]

وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ(34)لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ(35)

قربت الجنة للمسلمين وهذا ماوعد به الله الذي يرجع اليه بتوبة من خفى الله ومقبل على طاعته فهو يدخل الجنة بسلام المعنى الجملي

بعد أن ذكر الحوار بين الكافر وقرينه من الشياطين، واعتذار الكافر وردّ القرين عليه، وأن الله سبحانه نهاهم عن الاختصام لديه، لأنه لا فائدة فيه بعد أن أوعدهم على ألسنة رسله - أردف هذا ذكر حال المتقين، فذكر أن الجنة تكون قريبة منهم بحيث يرونها رأي العين، فتطمئن إليها نفوسهم وتثلج لمرآها صدورهم، ويقال لهم هذا هو الثواب الذي وعدتم به على ألسنة الأنبياء والرسل، وهو دائم لا نفاد له ولا حصر، فكل ما يريدون من لذة ونعيم فهو حاضر، ولهم فوق هذا رضوان من ربهم « وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ».

'الإيضاح'

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي وأدنيت الجنة للذين اتقوا ربهم، واجتنبوا معاصيه، بحيث تكون بمرأي العين منهم، إكراما لهم، واطمئنانا لنفوسهم، فيرون ما أعدّ لهم من نعيم وحبور، ولذة وسرور، لا نفاد له ولا فناء.

(هذا ما تُوعَدُونَ) أي وتقول لهم الملائكة: هذا هو النعيم الذي وعدكم به ربكم على ألسنة رسله، وجاءت به كتبه.

ثم بين المستحق لهذا النعيم فقال:

(لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) أي هذا الثواب للمتقين الذين يرجعون من معصية الله إلى طاعته تائبين من ذنوبهم ويلقون الله بقلوب منيبة إليه، خاضعة له.

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي وتقول لهم الملائكة تكرمة لهم: ادخلوا الجنة سالمين من العذاب والهموم والأكدار، فلا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.

ثم يبشّرون ويقال لهم:

(ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) أي فاطمئنوا وقرّوا عينا، فهذا يوم الخلود الذي لا موت بعده، ولا ظعن ولا رحيل.

ثم زاد في البشرى فقال:

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) أي لهم إجابة لسؤالهم كل ما يشتهون، ثم نزيدهم فوق ما سألوا مما لم تره أعينهم ولم يدر بخلدهم.

ونحو الآية قوله: « لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ».

[سورة ق (50): الآيات 36 الى 45]

وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعًا ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)

تفسير المفردات

القرن: الجيل من الناس، بطشا: أي قوة، فنقبوا في البلاد: أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمكاسب، ويقال لمن طوّف في الأرض نقّب فيها، قال امرؤ القيس:

فقد نقّبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب

محيص: أي مهرب، لذكرى: أي لعبرة، قلب: أي لبّ يعى به، أو ألقى السمع: أي أصغى إلى ما يتلى عليه من الوحي، شهيد: أي حاضر فهو من الشهود بمعنى الحضور، والمراد به الفطن، إذ غيره كأنه غائب، لغوب: أي تعب، سبح بحمد ربك: أي نزهه عن كل نقص، أدبار السجود: أي أعقاب الصلوات، واحدها دبر (بضم فسكون وبضمتين) واستمع أي لما أخبرك به من أهوال يوم القيامة، يوم ينادى المنادى: أي يخرجون من القبور يوم ينادى المنادى، من مكان قريب: أي بحيث لا يخفى الصوت على أحد، والمنادى هو جبريل عليه السلام، على ما ورد في الآثار، يقول: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزّقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. والصيحة: النفخة الثانية. بالحق: أي بالبعث والجزاء، يوم الخروج: أي من القبور، تشقق: أي تتصدع، بجبار: أي بمسيطر ومسلط، إنما أنت داع ومنذر.

المعنى الجملي

بعد أن أنذرهم بما بين أيديهم من اليوم العظيم والعذاب الأليم - أنذرهم بما يعجل لهم في الدنيا من ضروب العذاب، سنة الله فيمن تقدمهم من المكذبين قبلهم ممن ساروا في البلاد طولا وعرضا وكانوا ذوي قوة وأيد، ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئا، ووسط بين ذلك ذكر المتقين وما يلاقونه من النعيم، ليكون أمرهم بين الخوف والطمع، ومن ثم ذكر حال الكفور المعاند، وحال الشكور العابد، ثم ذكر أن هذا عظة وذكرى لكل ذي لبّ واع سميع لما يلقى إليه، ثم أعاد الدليل مرة أخرى على إمكان البعث، فأبان أنه قد خلق السموات والأرض في ستة أطوار مختلفة وما أصابه تعب ولا لغوب كما قال: « أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ؟ » ثم أمره بالصبر على ما يقولون، وتنزيه الله عن كلّ نقص آناء الليل وأطراف النهار، فها هو ذا قد اقترب يوم البعث والنشور، وسمع صوت الداعي لذلك بعد النفخ في الصور، وتشققت الأرض سراعا وخرج الناس من القبور، وما ذلك بالصعب على رب العالمين، خالق السموات والأرضين، وإنا لنعلم ما يقول المشركون في البعث والنشور، فدعهم في غيّهم يعمهون، فما أنت عليهم بجبار تلزمهم الإيمان بهذا اليوم، وما فيه من هول، إن أنت إلا نذير، ولا يؤمن بك إلا من يخاف عقابي، وشديد وعيدي، ولا تنفع العظة إلا ذوي الأحلام الراجحة، والقلوب الواعية.

الإيضاح

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ؟) أي وكثير من الأمم التي قبلك أهلكناهم وكانوا أشد من قومك بطشا، وأكثر منهم قوة، كعاد وثمود وتبّع، فتقلبوا في البلاد وسلكوا كل طريق ابتغاء للرزق، ولم يجدوا لهم من أمر الله مهربا ولا ملجأ حين حمّ القضاء، وهكذا حالكم، فحذار أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب العاجل في الدنيا، والآجل يوم القيامة.

وبعد أن ذكر في هذه السورة وما قبلها بارع الحكم ونفائس المعارف الإلهية جملة وتفصيلا، فمن أدب للأمة مع نبيها، إلى أدب للأمة بعضها مع بعض، إلى حفظ للسلام بين الناس والصلح بينهم، وصيانة اللسان من الهزؤ والسخرية والهمز واللمز، ثم إلى النظر في ملكوت السموات والأرض، وبذا يحل التواصل محل التقاطع، ويتعلم الجهال، ويجتمع الشمل، ويخيم الأمن في ربوع البلاد، أبان أن تلك الزواجر لا ينتفع بها إلا ذوو الألباب فقال:

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي إن فيما تقدم لتذكرة وعبرة لمن كان له قلب واع يتدبر به الحقائق، ويعى ما يقال له.

ثم أعقب ذلك بذكر ما هو كالدليل على ما سلف فقال:

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي قسما بربك إنا خلقنا السموات والأرض وملأناهما بالعجائب في ستة أطوار مختلفة وما مسنا تعب ولا إعياء، ولا تزال عجائبنا تترى كل يوم، فانظروا إليها، وناملوا في محاسنها، فهي لا تحصى، ولا يبلغها الاستقصاء، وكذّبوا اليهود الذين قالوا: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام أوّلها الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش، فنحن لا يمسنا لغوب ولا إعياء.

ونحو الآية قوله: « أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي فاصبر على ما يقوله المشركون في شأن البعث من الأباطيل التي لا مستند لها إلا الاستبعاد، فإن من خلق الخلق في تلك المدة اليسيرة بلا إعياء - قادر على بعثهم وجزائهم على ما قدموا من الحسنات والسيئات.

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) أي ونزه ربك عن العجز عن كل ممكن كالبعث ونحوه، حامدا له أنعمه عليك، وقت الفجر ووقت العصر وبعض الليل، وفى أعقاب الصلوات.

وقال ابن عباس: الصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل الغروب الظهر والعصر، ومن الليل العشاءان، وأدبار السجود النوافل بعد الفرائض.

روى البخاري عن ابن عباس قال: أمر رسول الله ﷺ أن يسبح في أدبار الصلوات كلها، يعني قوله: « وَأَدْبارَ السُّجُودِ »

وفي حديث مسلم تحديد التسبيح بثلاث وثلاثين، والتحميد بثلاث وثلاثين، والتكبير بثلاث وثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، دبر كل صلاة.

(وَاسْتَمِعْ) أيها الرسول لما أخبرك به من أهوال يوم القيامة، وفى إبهام أمره، تعظيم لشأنه.

ثم بين ذلك الخبر وزمانه بقوله:

(يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي يوم ينادى المنادى من موضع قريب فيصل نداؤه إلى كل الخلائق على السوية، ويقول: هلموا إلى الحساب، فيخرجون من قبورهم ويقبلون. كأنهم جراد منتشر.

ثم زاد الأمر تفصيلا فقال:

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ) أي يوم يسمعون النفخة الثانية منذرة بالبعث والجزاء على ما قدموا من الأعمال.

ثم ذكر ما يقال لهم حينئذ فقال:

(ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) أي هذا اليوم هو يوم الخروج من القبور.

ثم لخص ما تقدم من أول السورة إلى هنا فقال:

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) أي إنا نحن نحيى في الدنيا ونميت فيها حين انقضاء الآجال، وإلينا الرجوع للحساب والجزاء في الآخرة.

(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعًا ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) أي إلينا المصير في ذلك اليوم الذي تتصدع فيه الأرض فتخرج الموتى من صدوعها مسرعة، وذلك جمع هين علينا، لا عسر فيه ولا مشقة.

ثم سلى رسوله وهدد المشركين بقوله:

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي نحن أعلم بما يقولون من فريتهم على ربهم وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قدرته على البعث بعد الموت.

(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي وما أنت بمسلّط عليهم تقسرهم على الإيمان وتسيرهم على ما تهوى وتريد، إنما أنت نذير، وما عليك إلا التبليغ وعلينا الحساب.

ثم أكد أنه مذكّر لا مسيطر وأن التذكير لا ينفع إلا من خشى ربه فقال:

(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) أي فذكر أيها الرسول بهذا القرآن الذي أنزلته عليك من يخاف وعيدي الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري، أي بلغ رسالة ربك، وما يتذكر بها إلا من يخاف وعيد الله وشديد عذابه.

ونحو الآية قوله: « فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ » وقوله: « لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ. وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ».

وكان قتادة يقول: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك، ويرجو موعودك، يا برّ يا رحيم.

موجز لما تضمنته السورة الكريمة من الموضوعات

(1) إنكار المشركين للنبوة والبعث والتوحيد

(2) الحث على النظر في السماء وزينتها وبهجة بنائها، وفى الأرض وجبالها الشامخات، وزروعها النضرات، وأمطارها الثجّاجات

(3) العبرة بالدول الهالكات كعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبّع وما استحقوا من وعيد وعذاب.

(4) تقريع الإنسان على أعماله، وأنه مسئول عن دخائل نفسه، في مجلس أنسه، وعند إخوته، وفى خلوته، وأنه محوط بالكرام الكاتبين، يحصون أعماله، ويرقبون أحواله حتى إذا جاءت سكرته، وحانت منيته، حوسب على كل قول وكل عمل، وشهدت عليه الشهود وكشفت له الحجب.

(5) إنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا.

(6) إن القرآن عظة وذكرى لمن كان له قلب واع يستمع ما يلقى إليه.

(7) تسلية رسوله على ما يقول المشركون من إنكار البعث وتهديدهم على ذلك (8) أمر الرسول ﷺ بالتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.

(9) أمر الرسول بالتذكير بالقرآن من يخاف وعيد الله ويخشى عقابه.

تفسير المراغي
مقدمة التفسير | الفاتحة | البقرة | آل عمران | النساء | المائدة | الأنعام | الأعراف | الأنفال | التوبة | يونس | هود | يوسف | الرعد | إبراهيم | الحجر | النحل | الإسراء | الكهف | مريم | طه | الأنبياء | الحج | المؤمنون | النور | الفرقان | الشعراء | النمل | القصص | العنكبوت | الروم | لقمان | السجدة | الأحزاب | سبأ | فاطر | يس | الصافات | ص | الزمر | غافر | فصلت | الشورى | الزخرف | الدخان | الجاثية | الأحقاف | محمد | الفتح | الحجرات | ق | الذاريات | الطور | النجم | القمر | الرحمن | الواقعة | الحديد | المجادلة | الحشر | الممتحنة | الصف | الجمعة | المنافقون | التغابن | الطلاق | التحريم | الملك | القلم | الحاقة | المعارج | نوح | الجن | المزمل | المدثر | القيامة | الإنسان | المرسلات | النبأ | النازعات | عبس | التكوير | الانفطار | المطففين | الانشقاق | البروج | الطارق | الأعلى | الغاشية | الفجر | البلد | الشمس | الليل | الضحى | الشرح | التين | العلق | القدر | البينة | الزلزلة | العاديات | القارعة | التكاثر | العصر | الهمزة | الفيل | قريش | الماعون | الكوثر | الكافرون | النصر | المسد | الإخلاص | الفلق | الناس | خاتمة التفسير | فهارس الأجزاء