الرئيسيةبحث

النبذ في أصول الفقه الظاهري/الصفحة السادسة


  • فصل من خالف السنة فقد تعدى وظلم

واذا نص النبي ﷺ على ان حكم كذا في أمر كذا لم يجز ان يتعدى بذلك الحكم ذلك الشيء المحكوم فيه فمن خالف ذلك فقد تعدى حدود الله ونعود بالله من ذلك وهذا مثل قوله ﷺ أما السن فانه عظم وأما الظفر فانه مدى الحبشة فلا يجوز أن نتعدى بهذا الحكم السن والظفر .

  • فصل في دليل الخطاب والخصوص

ولا يحل القول بدليل الخطاب وهو أن يقول القائل اذا جاء نص من الله تعالى أو رسوله عليه السلام على صفة أو حال أو زمان او مكان وجب أن يكون غيره يخالفة كنصه ﷺ على السائمة فوجب ان يكون غيره يخالفه بخلاف السائمة في الزكاة وكنصه تعالى على انكاح الفتيات المؤمنات لمن لم يجد طولا وخشى العنت فوجب أن تكون غر المؤمنات بخلاف المؤمنات وكنصه تعالى على وجوب الكفارة في قتل الخطأ فوجب أن يكون غير الخطأ بخلاف الخطأ .

واعلم ان هذا المذهب والقياس ضدان متفاسدان لأن القياس هو ان يحكم للمسكوت عنه بحكم المنصوص عليه وكلا المذهبين باطل لأنها تعدى لحدود الله وتقدم بين يدي الله ورسوله .

وقد قال الله تعالى { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله }

وانما الحق ان تؤخذ الأوامر كما وردت وان لا يحكم لما ليس فيها بمثل حكمها لكن يطلب الحكم في ذلك من نص آخر فلم يفرط الله تعالى في الكتاب شيئا وكذلك القول في الخصوص فهو باطل وهو ضد القياس ودليل الخطاب لأن القياس ادخال المسكوت عنه في حكم المنصوص عليه ودليل الخطاب اخراج المسكوت عنه عن حكم المنصوص عليه عن حكم نفسه وهذا ايضا لا يحل .

وكل هذه الأقوال افتراء على الله تعالى وحاش لله تعالى ان يريد ان يخرج بعض ما نص لنا على حكمه عن الجملة التي نصها لنا ولا يبين ذلك فصح ضرورة ان النص اذا ورد فالفرض ان يؤخذ كما هو ولا يخص منه شيء الا بنص آخر او اجماع ولا يضاف اليه ما ليس فيه نص آخر او اجماع فهذه هي طاعة الله تعالى والأمان من معصيته والحجة القائمة لنا يوم القيامة فليحذر كل امريء على نفسه ان يحرم ما لم يخبره الله تعالى ولا رسوله ﷺ أنه منهى عنه او يسقط وجوب ما أمر الله تعالى به أو ﷺ فيلقي الله تعالى عاصيا له مخالفا أمره شارعا في الدين ما لم يأذن به الله عز وجل قائلا على الله عز وجل ما لا علم له به وقائلا على رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل لئلا يتبوأ معقده من النار او حاكما عليه بالظن الذي هو أكذب الحديث والذي لا يغني من الحق شيئا ونعوذ بالله تعالى من البلاء .

  • فصل كل أمر من الله له ولأمته مالم يأت دليل الخصوصية

واذا أمر الله تعالى رسوله ﷺ بأمر فهو لازم لكل مسلم الا اذا صح أن يأتي نص او اجماع متيقن بتخصيصه بذلك برهان ذلك قوله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }.

فقوله تعالى { عن أمره } يقتضي أن الأمر المضاف اليه هو كان الآمر به فلا تخصيص للآية الا ببرهان .

  • فصل في التقليد

والتقليد حرام ولا يحل لأحد ان يأخذ بقول أحد بلا برهان برهان ذلك قوله تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون } وقوله تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا }

وقال تعالى مادحا لقوم لم يقلدوا { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } .

فلا يزهد أمرء في ثناء الله تعالى بأنه قد هداه وانه من اولى الألباب وقال تعالى { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } .

فلم يبح الله تعالى الرد الى احد عند التنازع دون القرآن وسنة نبيه ﷺ .

وقد صح اجماع جميع الصحابه رضى الله عنهم اولهم عن آخرهم واجماع جميع التابعين اولهم عن آخرهم على الامتناع والمنع من ان يقصد منهم احد الى قول انسان منهم او ممن قبلهم فيأخذه كله فليعلم من أخذ بجميع قول ابي حنيفه او جميع قول مالك او جميع قول الشافعي او جميع قول احمد بن حنبل رضى الله عنهم ممن يتمكن من النظر ولم يترك من اتبعه منهم الى غيره انه قد خالف اجماع الأمه كلها عن آخرها واتبع غير سبيل المؤمنين نعوذ بالله من هذه المنزله .

وأيضا فان هؤلاء الأفاضل قد نهوا عن تقليدهم وتقليد غيرهم فقد خالفهم من قلدهم وايضا فما الذي جعل رجلا من هؤلاء أو من غيرهم اولى بأن يقلد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب او على بن ابي طالب او بن عباس او عائشة ام المؤمنين فلو ساغ التقليد لكان هؤلاء اولى بأن يتبعوا من أبي حنيفه ومالك والشافعي وأحمد ومن ادعى من المنتسبين الى هؤلاء أنه ليس مقلدا فهو نفسه اول عالم بأنه كاذب ثم سائر من سمعه لأنا نراه ينصر كل قوله بلغته لذلك الذي انتمى اليه وان لم يعرفها قبل ذلك وهذا هو التقليد بعينه .

  • فصل العامي والعالم في ترك التقليد سواء

قال ابو محمد رحمه الله تعالى والعامي والعالم في ذلك سواء وعلى كل احد حظه الذي يقدر عليه من الاجتهاد برهان ذلك اننا ذكرنا آنفا النصوص في ذلك ولم يخص الله تعالى عاميا من عالم وما كان ربك نسيا فان ذكروا قول الله تعالى { فاسألوا أهل الذكر }

قيل لهم : ليس أهل الذكر واحدا بعينه فالكذب على الله عز وجل لا يجوز وانما نسأل اهل الذكر ليخبرونا بما عندهم من أوامر الله تعالى الواردة على لسان رسوله ﷺ لا عن شرع يشرعونه لنا .

وأيضا فنقول لمن أجاز التقليد للعامي أخبرنا من تقلد فان قال عالم مصر فلنا فان كان في مصر عالمان مختلفان كيف يصنع ايأخذ أيهما شاء ؟ فهذا دين جديد وحاش لله ان يكون حكمان مختلفان في مسئلة واحدة حرام حلال معا من عند الله تعالى .

ثم العجب كله ان يكون فرض للعامي الذي مقامه بالأندلس تقليد مالك وباليمن تقليد الشافعي وبخراسان تقليد ابي حنيفه وفتاويهم متضادة أهذا دين الله تعالى منه ؟ فو الله ما أمر الله تعالى بهذا قط بل الدين واحد وحكم الله تعالى قد بين لنا { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }

ولكن العامي والأسود المجلوب من غانة ومن هو مثلهم اذا اسلم فقد عرف بلا شك ما الاسلام الذي دخل فيه وانه اقر بالله انه الا له الا اله غيره وان محمدا رسول الله اليه وانه قد دخل في الدين الذي أتى به محمد رسول الله ﷺ وهذا مالا يخفي على أحد أسلم الآن .

فكيف من شدا من الفهم شيئا فإذ لا شك في هذا فالسائل انما يسأل عما الزمه الله تعالى في الدين الذي دخل فيه بلا شك فإذ ذلك كذلك فقد فرض الله عليه ان يقول للمفتي اذا أفتاه أكذا أمر الله تعالى أو رسوله ﷺ فان قال له المفتي نعم لزمه القبول وان قال له لا أو سكت او انتهره او ذكر له قول انسان غير النبي ﷺ فاذا زاد فهمه فقد زاد اجتهاده وعليه ان يسأل أصح هذا عن النبي ﷺ أم لا فان زاد فهمه يسأل عن المسند والمرسل والثقة وغير الثقه فان زاد سأل عن الأقاويل وحجة كل قائل ويفضي ذلك الى التدرج في مراتب العلم نسأل الله تعالى ان يجعلنا من أهلها آمين أمين رب العالمين .

  • فصل من أجتهد فأصاب فله أجران ومن أجتهد فأخطأ فله أجر

وانما افترض الله تعالى علينا اتباع رسوله محمد ﷺ فمن اتبعه وأقر به مصدقا بقلبه ولسانه فقد وفق وهو مؤمن حقا باستدلال كان او بغير استدلال اذ لم يكلف الله تعالى قط غير ذلك ولا أمرنا بدعاء الى غير ذلك ولا دعا الخلفاء والصالحون الى غير ذلك .

فمن روى له حديث لم يصح عن النبي ﷺ وهو لا يدري أنه غير صحيح فهو مأجور أجرا واحدا لقوله ﷺ {اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر واذا اجتهد فأصاب فله أجران} أو كما قال ﷺ وكل من أخذ بمسئلة فقد حكم بقبولها واجتهد في ذلك وهذا هو المجتهد لا غيره لأن الاجتهاد انما هو انفاد الجهد في طلب الحكم في الدين في القرآن والسنة والاجماع حيث أمر الله تعالى بأخذ احكامة لا من غير هذه الوجوه فمن أصاب في ذلك فله أجران ومن أخطأ فله أخر واحد ولا أثم عليه .

  • فصل لاأجر لمن قلد دون النبي ﷺ وإن أصاب الحق

وأما من قلد دون النبي ﷺ فان صادف أمر النبي ﷺ به فهو عاص لله تعالى آثم بتقليده ولا سلامه ولا أجر له على موافقته للحق وما يدري كيف هذا فأنه لم يقصد الى الحق وان أخطأ فيه أثم اثمان اثم تقليده واثم خلافه للحق ولا أجر له البتة ونعوذ بالله من الخذلان .

  • فصل من لم تقم عليه الحجة فمعذور

ومن لم تقم عليه الحجة فمعذور وأما من قامت عليه الحجة فلا عذر له قال تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .

  • فصل من علم مسألة في الدين جاز له الإفتاء بها

ومن عرف مسألة واحدة فصاعدا على حقها من القرآن والسنة جاز له ان يفتي بها ومن علم جمهور الدين كذلك ومن خفى عليه ولو مسألة تحل له الفتيا فيما علم ولا يحل الفتيا فيما لم يعلم ولو لم يفت الا من احاط بالدين كله علما لما حل لأحد أن يفتي بعد رسول الله ﷺ : { وفوق كل ذي علم عليم } { حسبنا الله ونعم الوكيل } .

تم كتاب النبذ بحمد الله وعونه وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين , وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه .