الرئيسيةبحث

النبذ في أصول الفقه الظاهري/الصفحة الرابعة


  • فصل وكل عمل في الشريعة فهو اما معلق بوقت محدود الطرفين أو بوقت محدود المبدأ غير محدود الآخر

فما كان معلقا بوقت محدود الطرفين لم يجز ان يوفي به في غير وقته ولا قبل وقته ولا بعده الا بنص او اجماع بالمجيء به في غير وقته فيوقف عنده والا فلا كالصلاة وصيام رمضان والحج والأضحية ونحو ذلك وما كان معلقا بوقت محدود الأول غير محدود الآخر فلا يجزي قبل وقته فاذا وجب لدخول وقته لم يسقط ابدا كالزكاة والكفارات وقضاء المسافر والمريض والحائض والنفساء والمبقى في رمضان وما أشبه ذلك برهان ذلك قول الله عز وجل { تلك حدود الله فلا تعتدوها } وقوله تعالى { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وقول رسول الله ﷺ {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} .

وبيقين يدري كل ذي حس أن من صلى الصلاة قبل وقتها أو بعد خروج وقتها عامدا أو صام رمضان قبل وقته أو بعد خروجه عامدا أو أدى الزكاة قبل وقتها أو حج قبل الوقت أو بعد الوقت فقد تعدى حدود الله فهو ظالم في ذلك وعمله ظلم والظلم لا يجزي من الطاعة وكذلك بلا شك أنه قد عمل عملا ليس عليه أمر الله تعالى ووضع عمله في غير موضعه فهو مردود بلا شك .

  • فصل وما صح وجوبه غير موقت بنص أو اجماع ففلا يسقط الا بنص او اجماع وما لم يحب فلا يجب الا بنص او اجماع

والبرهان في ذلك قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } .

فصح أنه لا يجب شيء الا بنص او اجماع فاذا وجب شيء بنص او اجماع فمن ادعى اسقاطه بغير نص او اجماع فقد عارض أمر الله تعالى بالرد من قبل نفسه فأمره هو المردود قطعا والمطرح وأما أمر الله فمقبول لازم وكذلك من أراد الزام شيء بغير نص أو اجماع فهو شارع في الدين ما لم يأذن به الله فهو باطل قال الله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب } هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب .

  • فصل ولا يلزم الخطأ الا عاقلا بالغا قد بلغه الامر

قال الله تعالى { لأولي الألباب } وقال تعالى { لأنذركم به ومن بلغ } .

وقال رسول الله ﷺ {رفع القلم عن ثلاث} , فذكر الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق وهذا في شرائغ أعمال الأبدان وأما في لوازم الأموال فخلاف ذلك لأن الحكام هم المخاطبون بأخراجها .

  • فصل والأستثناء جائز من جنس الشيء ومن غير جنسه

قال تعالى { إلا إبليس كان من الجن } وهذا ابتداء كلام وكذلك الاستثناء من جملة يبقى منها أصلها لأن الاستثناء معروف في لغة العرب فلا يجوز المنع منه بغير نص ولا أجماع .

  • فصل وكل من روى عن صاحب ولم يسمه

فان كان ذلك الراوي ممن لا يجهل صحة قول مدعي الصحبه من بطلانه فهو خبر مسند تقوم به حجة لأن جميع الصحابة عدول قال الله تعالى { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

فشهد الله تعالى لجميع المهاجرين والانصار بالصدق والفلاح فقد تيقنا عدالتهم .

وان كان الراوي ممن يمكن ان يجهل صحة قول مدعي الصحبة فهو حديث مرسل اذ لا يؤمن فاسق من الناس ان يدعي لمن لا يعرف الصحابه أنه صاحب وهو كاذب في ذلك فأما اذا روى الراوي الثقة عن بعض أزواج النبي ﷺ خبرا فهو حجه لأنهن لا يمكن ان يخفين شيئا عن احد من أهل التمييز في ذلك الوقت .

  • فصل الأخذ برواية الصحابي لا بفعله أو فتياه

واذا روى الصاحب حديثنا عن النبي ﷺ وروى عن ذلك الصاحب أنه فعل خلافا لما روى فالفرض الحق أخذ روايته وترك ما روى عنه يعني أن يؤخذ بما رواه لا بما رآه من فعله أو فتياه , لبراهين :

  • أحدهما :ان الفرض علينا قبول نقله عن النبي ﷺ لا قبول اختياره اذ لا حجه في أحد دون النبي ﷺ.
  • وثانيها أن الصاحب قد ينسى ما روى في ذلك الوقت وربما ينساه جمله كما نسى عمر قول الله تعالى { إنك ميت وإنهم ميتون } وقوله تعالى { وآتيتم إحداهن قنطارا } حتى قال ( ما مات رسول الله ﷺ ولا يموت حتى يكون آخرنا ), فلما ذكر بالاية خر الى الأرض .

وحتى قال على المنبر لا يزيدن أحدكم في صدقات النساء على أربع مائة درهم فلما ذكرته امرأة بالآية ذكر وأذعن .

وقد يذكر الصاحب ما روى الا أنه تأول فيه تأويلا يصرفه به عن ظاهره كما تأول قدامة بن مظعون رضى الله عنه قول الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية .

  • وثالثها أنه لا يحل لأحد البته أن يظن بالصاحب أن يكون عنده نسخ لما روى فيسكت عنه ويبلغ الينا المنسوخ لأن الله تعالى يقول { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } وقد نزههم الله تعالى عن هذا.
  • ورابعها ان الله تعالى يقول { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .

فضمان الله تعالى قد صح في حفظ كل ما قاله رسول الله ﷺ فبطل أن يكون عند أحد من الصحابه رضي الله عنهم شيء عن النبي ﷺ فلا يبلغه والصاحب ليس معصوما من الوهم في اختياره وهو معصوم من طي الهدي وكتمانه .

  • وخامسها ان يقال لا بد من توهين احدى الروايتين وتوهين الرواية عن الصاحب في خلافه لما روى اولى من توهين روايته عن النبي ﷺ لأن هذه هي المفترض علينا قبولها وأما ما كان موقوفا على الصاحب فليس فرضا علينا الطاعة به وبالله التوفيق .

والقول بالدليل الذي لا يحتمل الا وجها واحدا واجب وذلك مثل قوله تعالى { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } فصح أنه ليس سفيها ومثل قول النبي ﷺ {كل مسكر خمر وكل خمر حرام} فصح ان كل مسكر حرام فهذا الدليل هو النص بنفسه .

  • فصل

والمتشابه من القرآن هو الحروف المقطعة والأقسام فقط اذ لا نص في شرحها ولا اجماع وليس فيما عدا ذلك متشابه على الاطلاق قال رسول الله ﷺ {الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس} فصح أنه يعلمها بعض الناس قال تعالى { تبيانا لكل شيء } .

  • فصل

ولا يلزم الفرض الا من اطاقه الا ان يأتي نص أو اجماع بأنه يلزمه ويؤديه عنه غيره فيجزيه قال الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }

وقال تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولما أمر النبي ﷺ المرأة أن تحج عن أبيها وهو شيخ زمن لا يطيق النقلة وقال النبي ﷺ من مات وعليه صيام صام عنه وليه وأمر بقضاء الحج عن الميت وقال دين الله أحق أن يقضى أو أحق بالقضاء وجب الأنقياد لكل ذلك فيقضي الحج فرضه ونذره عن الميت وعن الحي العاجز ويقضي صوم النذور والفرض عن الاستحاضة وتقضي الصلاة المنسية والمنوم عنها وسائر النذور .

  • فصل أقرار الرسول ﷺ حُجة

وكل ما صح أنه كان في عصر النبي ﷺ فلا حجة فيه حتى ندري أنه ﷺ عرفه ولم ينكره لأنه لا حجة في سواه قال الله تعالى { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } .

  • فصل

والحجة لا تكون الا في نص قرآن أو نص خبر مسند ثابت عن رسول الله ﷺ أو في شيء رآه ﷺ فأقره لأنه ﷺ مفترض عليه البيان قال تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس }

وقال تعالى { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } .

والآيات ما أنزل تعالى من القرآن , والحكمة ما أوحى من السنة .

فصح يقينا انه ﷺ لا يدع شيئا من الدين الا يبينه من الكتاب بالكتاب أو من الكتاب بالسنة أو من السنة بالسنة وهو ﷺ لا يقر على منكر فاذا علم ﷺ شيئا ولم ينكره فهو مباح حلال وليس غيره كذلك لأن غيره يخطيء وينسى وينفي ويتثقف لبعض الأمر .

  • فصل

والحق من الأقوال كلها ف واحد وسائرها خطأ قال الله تعالى { فماذا بعد الحق إلا الضلال } وقال تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وبالله تعالى التوفيق .

واذا كان في المسأله أقوال متعددة محصورة فبطلت كلها الا واحدا فذلك الواحد هو الحق بيقين لأنه لم يبق غيره والحق لا يخرج عن أقوال جميع الأمة لما ذكرنا من عصمة الآجماع .

  • فصل شرع من قبلنا ليس شرعا لنا

ولا يحل الحكم بشريعة نبي من قبلنا لقوله تعالى { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } .

فان ذكروا قول الله تعالى { فبهداهم اقتده }

قلنا : نعم فيما اتفقوا فيه لا فيما اختلفت فيه شرائعهم قال الله تعالى { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم } .

فما اتفقوا فيه كالتوحيد ونحوه فهو حق وما اختلفوا فيه فلا يمكن الأخذ بجميع ذلك ولا يجوز ان يؤخذ بعض دون بعض لأنه تحكم بلا برهان فان قيل نأخذ بشريعة عيسى ﷺ لانه آخرهم قلنا هذا خطأ ببرهانين :

  • أحدهما ان الله تعالى منع من هذا بقوله { ملة أبيكم إبراهيم } فأخبرنا ان الذي الزمنا هو ملة ابراهيم ﷺ وهي ملة محمد ﷺ قال تعالى { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون } فقد منع عز وجل من الأخذ بالتوراة والانجيل المنزل على عيسى ﷺ بالزامه ايانا شريعة ابراهيم ﷺ .
  • والبرهان الثاني قوله ﷺ فضلت على الأنبياء بست فذكر منها أن النبي كان يبعث الى قومه خاصة وأنه ﷺ بعث الى الأحمر والأسود والناس كافة واذ قد صح هذا فقد بطل ان يلزمنا شريعة أحد من الأنبياء عليهم السلام حاشي شريعة محمد ﷺ فقط لأنه لم يبعث الله تعالى الينا أحد من الأنبياء غيره ﷺ وأنما كان غيره يبعث الى قومه فقط لا الى غير قومه.
  • فصل

والفرض ان يحكم على كل مؤمن وكافر بأحكام الاسلام أحبوا أم كرهوا لقول الله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ولقوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } .

  • فصل في الرأي

لا يحل لأحد الحكم بالرأي قال الله تعالى { ما فرطنا في الكتاب من شيء } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } وقال رسول الله ﷺ {فاتخذ الناس رؤسا جهالا فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا} أو كما قال ﷺ . وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره .

وحدثناه أبو بكر حمام بن أحمد القاضي قال حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد التاجي قال ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن قال أبو ثور ابراهيم بن خالد قال وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ﷺ {لا ينزع العلم من صدر الرجال ولكن ينزع العلم بموت العلماء فاذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤسا جهالا فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا} .

قال عبد الله بن عمرو بن العاص (لم يزل أمر بني اسرائيل مستقيما حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا)

قال أبو محمد رضى الله عنه وصح عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال اتهموا الرأي وقال سهل بن حنيف اتهموا آراءكم على دينكم وقال على بن أبي طالب رضى الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخفين أحق بالمسح وهكذا جاء عن غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم .

فان ذكروا حديث معاذ : (أجتهد رأيي ولا آلو) فانه حديث باطل لم يروه احد الا الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يدري من هو عن رجال من أهل حمص لم يسمهم ومن باطل المقطوع به أن يقول رسول الله ﷺ لمعاذ : {فان لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله} وهو يسمع وحي الله اليه { ما فرطنا في الكتاب من شيء } و { اليوم أكملت لكم دينكم } .

فما كمل بشهادة الله تعالى فمن الباطل أن لا يوجد فيه حكم نازله من النوازل فبطل الرأي في الدين مطلقا .