الرئيسيةبحث

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الطلاق/باب الظهار


باب الظهار


وهو قول الزوج لامرأته أنت علي كظهر أمي ، أو ظاهرتك ، أو نحو ذلك ، فيجب عليه قبل أن يمسها أن يكفر بعتق رقبة ، فإن لم يجد فليطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يجد فليصم شهرين متتابعين وإنما جعلت كفارة هذه لأن من مقاصد الكفارة أن يكون بين عيني المكلف ما يكبحه عن الإقتحام في الفعل خشية أن يلزمه ذلك ، ولا يمكن ذلك إلا بكونها طاعة شاقة تغلب على النفس إما من جهة كونها بذل ما تشح به ، أو من جهة مقاساة جوع أو عطش مفرطين . والدليل على ما اشتمل عليه هذا الباب من التكفير على هذا الترتيب ما في القرآن الكريم والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم وقد بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة سلمة بن صخر لما ظاهر من امرأته ثم وطئها فقال له رسول الله (ﷺ)  : أعتق رقبة فقال : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها وضرب صفحة رقبته قال : فصم شهرين متتابعين قال : قلت يارسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال : فتصدق قال : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا ما لنا عشاء . قال : اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم منها وسقا من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة ، وابن الجارود . وفي لفظ لأبي داود فقال رسول الله (ﷺ) كله أنت وأهلك وأخرج نحوه أهل السنن ، وصححه الترمذي من حديث ابن عباس ، وصححه أيضاً الحاكم . قال ابن حجر : رجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال . وقال ابن حزم : رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وللحديثين شواهد . وأخرج نحوه أبو داود ، وأحمد من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة . وأخرج أبن ماجه نحوه من حديث عائشة . وأخرجه الحاكم أيضاً ، وقد قام الإجماع على أن الكفارة تجب بعد العود لقوله تعالى ثم يعودون لما قالوا واختلف أهل العلم هل العلة في وجوبها العود أو الظهار . واختلفوا أيضاً هل المحرم الوطء فقط أم هو مع متقدماته . فذهب الجمهور إلى الثاني لقوله تعالى : من قبل أن يتماسا وذهب البعض إلى الأول قالوا : لأن المسيس كناية عن الجماع ، واختلفوا في العود ما هو ؟ فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه : أنه إرادة المسيس لما حرم بالظهار ، لأنه إذا أراد فقد عاد من عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا . وقال الشافعي : بل هو إمساكها بعد الظهار وقتاً يسع الطلاق ولم يطلق . إذ تشبيهها بالام يقتضي ابانتها ، وإمساكها نقيضه . وقال مالك وأحمد : بل هو العزم على الوطء فقط وأن لم يطأ . وقد وقع الخلاف أيضاً إذا وطيء المظاهر قبل التكفير فقيل : تجب عليه كفارتان وقيل : ثلاث وقيل : تسقط الكفارة ، وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة وهو الحق كما تفيده الأدلة المذكورة وأعلم أن الرقبة وإن كانت مطلقة في كفارة الظهار ، فقد ورد ما يدل على إعتبار كونها مؤمنة ، وليس ذلك الدال على إعتبار الإيمان هو ما وقع في القرآن في كفارة القتل ، لما تقرر في الأصول أن المختلفين سبباً لا يصح تقييد أحدهما بالآخر بل الدال على ذلك هو سؤاله (ﷺ) لمن قال عليه رقبة عن إيمانها ، وقوله لها أين الله ؟ ومن أنا ؟ ثم قال : أعتقها فإنها مؤمنة كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي ولم يستفصله (ﷺ) عن وجوب تلك الرقبة عليه هل هو عن كفارة ظهار ، أو قتل ، أو يمين ، أو غير ذلك ؟ وقد تقرر أن ترك الإستفصال ينزل منزلة العموم إذا كان في مقام الإحتمال .

ويجوز للإمام أن يعينه من صدقات المسلمين إذا كان فقيراً لا يقدر على الصوم وله أن يصرف منها لنفسه وعياله وإذا كان الظهار مؤقتاً فلا يرفعه إلا انقضاء الوقت

لتقريره (ﷺ) سلمة بن صخر لما قال له أنه ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ، وهو في مسند أحمد ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، وحسنة ، والحاكم ، وصححه ابن خزيمة ، وابن الجارود كما تقدم ، وظاهر القرآن أنه لا يوجب الكفارة إلا العود . فالظهار المؤقت إذا انقضى وقته لم يكن إرادة الوطء عوداً فلا تجب فيه كفارة ، وأما إذا كان الموجب للكفارة قول المنكر والزور فهي واجبة في مطلق ومؤقت لأنه قد وقع القول بمجرد إيقاع الظهار .

وإذا وطيء قبل انقضاء الوقت أو قبل التفكير كف حتى يكفر في المطلق أو ينقضي وقت المؤقت لحديث ابن عباس أن النبي (ﷺ) قال للمظاهر الذي وطيء امرأته : لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله أخرجه أهل السنن وصححه الترمذي والحاكم . وظهار العبد نحو ظهار الحر وصيام العبد في الظهار شهران كالحر بالإتفاق