→ فصل ويقع الطلاق بالكناية مع النية | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الطلاق باب الخلع صديق حسن خان القنوجي |
باب الإيلاء ← |
وفيه شناعة ما ، لأن الذي أعطاه من المال قد وقع في مقابلة المسيس وهو قوله تعالى وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً واعتبر النبي (ﷺ) هذا المعنى في اللعان حيث قال : إن صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ومع ذلك فربما تقع الحاجة إلى ذلك فذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به قلت : دلت الآية الأولى على النهي عن الخلع والثانية على جوازه فتكلم الفقهاء في ترتيبهما . قال البغوي وغيره إذا آذاها بمنع بعض حقوقها حتى ضجرت فاختلعت نفسها فهذا الفعل منه حرام . ولكن الخلع نافد لأن الله تعالى قال في صورة النهي ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن والعضل التضييق والمنع . وقال : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وهذا إشارة طموح بصره إلى غيرها من غير أن يرى منها التقصير . والخلع المباح بلا كراهية أن تكره المرأة صحبة الزوج ولا يمكنها القيام بأداء حقوقه فتخرج فتخلع نفسها لقوله تعالى إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله إلى أن قال : فلا جناح عليهما ولتقريره (ﷺ) حبيبة بنت سهل على الخلع حين ذكرت الشقاق . ولو اختلعت نفسها بلا سبب فجائز مع الكراهة لأن النبي (ﷺ) وأصحابه لم يفتشوا عن سبب الإختلاع من جانبها . وقد ثبت أن رسول الله (ﷺ) قال : أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق .
أقول : في قولهم هذا الفعل منه حرام ولكن الخلع نافذ نظراً لأن قوله تعالى : لا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وقوله : لا يحل لكم نصان في تحريم أخذ البدل وهو يقتضي بطلان العقد كما في كثير من مسائل البيوع فإما أن يكون العقد باطلاً من أصله أو يمضي الطلاق ويرد عليها ما لها كما قال مالك والله تعالى أعلم .
واتفق أهل العلم على أنه إن طلقها على مال فقبلت فهو طلاق بائن . واختلفوا في الخلع فقال أبو حنيفة : تطليقة بائنة وهو أصح قولي الشافعي وله قول أنه فسخ وليس بطلاق ولا ينقص به العدد كذا في المسوى .
وإذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها بعد الخلع لا ترجع إليه بمجرد الرجعة ويجوز بالقليل والكثير ما لم يجاوز ما صار إليها منه لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت إلى النبي (ﷺ) فقالت : يارسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله (ﷺ) : أتردين عليه حديقته ، قالت : نعم فقال رسول الله (ﷺ) : اقبل الحديقة وطلقها وفي رواية لابن ماجة والنسائي بإسناد رجاله ثقات أنها قالت : لا أطيقه بغضاً فقال النبي (ﷺ) : أتردين عليه حديقته قالت : نعم فأمره رسول الله (ﷺ) أن يأخذ الحديقة ولا يزداد وفي رواية للدارقطني بإسناد صحيح أن أبا الزبير قال إنه كان أصدقها حديقه فقال النبي (ﷺ) : أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت : نعم وزيادة فقال النبي (ﷺ) : أما الزيادة فلا ولكن حديقته قال : نعم فهذه الفرقة إنما كانت بسبب ماافتدت به المرأة فلو لم يكن أمرها إليها كانت الفدية ضائعة . وقد أفاد ما ذكرناه أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر مما صار إليها منه . وقد ذهب إلى هذا علي وطاوس وعطاء والزهري وأبو حنيفة وأحمد واسحق . وذهب الجمهور إلى أنه يجوز أن يأخذ منها زيادة على ما أخذت منه استدلالاً بقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به فإنه عام للقليل والكثير . ويجاب بأن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لذلك كحديث أما الزيادة فلا صححه الدارقطني فصلح لتخصيص ذلك العموم كما هو الحق عند الماتن رحمه الله من جواز تخصيص عموم القرآن بالآحاد . ومذاهب الصحابة فمن بعدهم في هذا مختلفة مبسوطة في المطولات . وأما ما أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : كانت أختى تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله (ﷺ) فقال لها : أتردين حديقته قالت : وأزيد عليها فردت عليه حديقته وزادته ففي إسناده ضعف مع أنه لا حجة فيه لأنه لم يقررها على تسليم الزيادة وأيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله يدل على منع الأخذ مما آتوهن إلا مع ذلك الأمر فلا بأس بأن يأخذوا مما آتوهن لا كله فضلاً عن زيادة عليه .
ولا بد من التراضي بين الزوجين على الخلع أو إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما لقوله تعالى : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأما اعتبار الزام الحاكم فلارتفاع ثابت وامرأته إلى النبي (ﷺ) وإلزامه بأن يقبل الحديقة ويطلق ولقوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها وهذه الآية كما تدل على بعث حكمين تدل على اعتبار الشقاق في الخلع . ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ويدل عليه قصة امرأة ثابت المذكورة وقولها أكره الكفر بعد الإسلام ، وقولها لا أطيقه بغضاً . فلهذا اعتبرنا الشقاق في الخلع .
وهو فسخ وليس بطلاق . ولكن قال الماتن رحمه الله في حاشية الشفاء بخلاف ما قال ههنا ، ورجح أن الخلع طلاق وليس بفسخ وقال هذا هو الحق لأن الله سبحانه ذكر أحكام الخلع بعد قوله : الطلاق مرتان والضمائر من آيات الإختلاع راجعة إلى ذلك كقوله : إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله وقوله : فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقد سماه النبي (ﷺ) طلاقاً كما في صحيح البخاري وغيره . فإنه قال لثابت بن قيس اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ولا يعارضه ما روي في سنن النسائي أنه (ﷺ) أمرها أن تعتد بحيضة وكذلك في سنن أبي داود لأنه ملازمة بين الاعتداد بحيضة وبين الفسخ بل إذا ورد في بعض المطلقات ما يدل على مخالفة عدتها لعدة سائر المطلقات المصرح بها في القرآن كان ذلك مخصصاً لعموم العدة ، وقد أطال ابن القيم الكلام على ذلك ورجح أن الخلع فسخ ولم يأت ببرهان يشفى سوى ما ذكرنا من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لها أن تعتد بحيضة وهو في غير محل النزاع كما عرفت انتهى .
ثم رجح في فتاواه المسماة بالفتح الرباني كون الخلع فسخاً وقال : الظاهر أنه فسخ لا طلاق ، وهو قول جماعة من العلماء منهم ابن عباس رواه عنه ابن عبد البر في التمهيد ، وكذلك رواه عن أحمد واسحق وداود وهو قول الصادق والباقر ، وأحد قولي الشافعي ، ومن قال بذلك لم يشترط فيه أن يكون للسنة ، وأجازه في الحيض وأوقعه وإن كان لا يرى وقوع الطلاق البدعي ، واحتجوا لذلك بقول الله تعالى الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء ثم عقبة بقوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فلو كان الاقتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع . وبحديث الربيع أنها اختلعت على عهد رسول الله (ﷺ) فأمرها النبي (ﷺ) أو أمرت أن تعتد بحيضة أخرجه الترمذي . وبحديث ابن عباس الآتي في قصة امرأة ثابت بن قيس قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : بحثت عن رجال الحديثين معاً فوجدتهم ثقات . ولحديث رواه مالك عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها قالت للنبي (ﷺ) يارسول الله كل ما أعطاني عندي فقال النبي (ﷺ) لثابت : خذ منها فأخذ وجلست في أهلها قال ابن عبد البر لم يختلف على مالك في هذا الحديث وهو حديث مسند صحيح ووجه دلالته أنه لم يذكر فيه طلاقاً ولا زاد على الفرقة ، ويدل على ذلك من النظر أنه لا يجعله طلاقاً بائناً ولا رجعياً . أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة . وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة ولا يرد على هذا أعني الاكتفاء في العدة بحيضة قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء لأن الخلع عندهم فسخ لا طلاق فلا يندرج تحت عمومه سلمنا . فالآية في الطلاق الرجعي بدليل آخرها وهو قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن سلمنا . فالآية عامة وأدلتنا خاصة . وذهب الجمهور إلى أنه طلاق مستدلين بحديث ابن عباس عند البخاري ، وأبي داود بلفظ طلقها تطليقة قلنا ثبت من حديث المرأة نفسها عند الموطأ وأبي داود والنسائي بلفظ وخل سبيلها وعند أبي داود من حديث عائشة بلفظ وصاحب القصة أخص بها قال ابن القيم رحمه الله : لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة . وقال الخطابي في معالم السنن : أنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقوله تعالى الطلاق مرتان انتهى . ومخالفة الراوي لما روى دليل على علمه بناسخ لوجوب حمله على السلامة . قال الترمذي : قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (ﷺ) وغيرهم أن عدة المختلعة عدة الطلاق . قلت : قد عرفت أن ابن القيم قال أنه لم يصح عن صحابي ، وعرفت الأدلة الدالة على أن العدة بحيضة ، ولاحجة في أحد غير الشارع . قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : وقد استدل الزيدية في أنه طلاق بثلاثة أحاديث ، وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد ، وأنها معارضة بما هو أرجح ، وأن أهل الصحاح لم يذكروها . واختلف العلماء أيضاً في شروط الخلع ، فالزيدية جعلوا منها النشوز وهو قول داود الظاهري والجمهور على أنه ليس بشرط وهو الحق ، لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها ولذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق . قال العلامة ابن الوزير : ثم تأملت فإذا الأمر المشترط فيه خوف أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع لقوله تعالى : فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولم يقل في الخلع . يوضحه أنه لوضارها حرم عليه لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن انتهى . ثم قال في السيل الجرار بعد ذكر أدلة الفريقين الدالة على أن الخلع طلاق أو فسخ ما نصه: فهذه الآحاديث تدل على أنه فسخ لا طلاق . قال : والذي ينبغي الجمع به هو أن عدة الخلع حيضة لا غير ، وليس الغير سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره مما يشعر بتخلية السبيل أو بتركها وشأنها من دون أن يجري منه لفظ قط . قد يكون الوارد في هذا الطلاق الكائن في الخلع مخصصاً لما ورد في عدة المطلقة فتكون عدة الطلاق ثلاثة قروء إلا إذا كان الطلاق مع الإفتداء فإنه حيضة واحدة ، ولا تحسب عليه طلقة إلا إذا جاء بلفظ الطلاق أو بما يدل عليه ، لا إذا لم يقع منه لفظ البتة بل تركها وشأنها فإن هذا لا يحسب عليه طلاقاً بهذا التقرير تجتمع الأدلة ويرتفع الأشكال على كل تقدير ، وأما كونه يمنع الرجعة فلما قدمنا أن الطلاق لا يتبع الطلاق انتهى .
وعدته حيضة لحديث الربيع بنت معوذ عند النسائي في قصة امرأة ثابت أن النبي (ﷺ) قال له : خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال : نعم فأمرها رسول الله (ﷺ) أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها ورجال إسناده كلهم ثقات . ولها حديث آخر عند الترمذي والنسائي وأبن ماجه أن النبي (ﷺ) أمرها أن تعتد بحيضة وفي إسناده محمد بن اسحق وقد صرح بالتحديث . وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس إختلعت من زوجها فأمرها النبي (ﷺ) أن تعتد بحيضة وأخرج الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي الزبير وفيه فأخذها وخلى سبيلها قال الدارقطني : سمعه أبو الزبير من غير واحد فهذه الأحاديث كما تدل على أن العدة في الخلع حيضة ، تدل على أنه فسخ ، لأن عدة الطلاق ثلاث حيض ، وأيضاً تخلية السبيل هي الفسخ لا الطلاق ، وأما ما وقع في بعض روايات الحديث أنه طلقها تطليقة فقد أجيب عن ذلك بجوابات طويلة قد أودعها الماتن في شرح المنتقى فليرجع إليه . قال ابن القيم : واختلف الناس في عدة المختلعة فذهب اسحق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلاً أنها تعتد بحيضة واحدة وهو مذهب عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وقد حكى إجماع الصحابة ولا يعلم لهما مخالف وقد دلت عليه سنة رسول الله (ﷺ) الصحيحة دلالة صريحة وعذر من خالفها أنها لم تبلغه أو لم تصح عنده أوظن الإجماع على خلاف موجبها . فهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر . أما رجحانه أثراً فإن النبي (ﷺ) لم يأمر المختلعة قط أن تعتد بثلاث حيض بل قد روى أهل السنن عنه من حديث الربيع بنت معوذ وحديث امرأة ثابت بن قيس المتقدمة وهذه الأحاديث لها طرق يصدق بعضها بعضاً فيكفي في ذلك فتاوي رسول الله (ﷺ) . قال أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ هو إجماع من الصحابة انتهى حاصله