→ الأصل في الأطعمة الحل | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الأطعمة باب الصيد صديق حسن خان القنوجي |
باب الذبح ← |
وكان الاصطياد ديدناً للعرب وسيرة فاشية فيهم حتى كان ذلك أحد المكاسب التي عليها معاشهم فأباحه النبي (ﷺ) .
ما صيد بالسلاح الجارح والجوارح كان حلالاً إذا ذكر اسم الله عليه لحديث أبي ثعلبة الخشني في الصحيحين قال : قلت يا رسول الله : أنا بارض صيد أصيد بقوسي وبكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي ؟ فقال : ماصدت بقوسك فذكرت إسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت إسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكائه فكل وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم قال : قلت يارسول الله : إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر إسم الله قال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت إسم الله فكل ما أمسك عليك قلت : وأن قتلن ؟ قال : وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس معها قال : قلت فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيد قال : إذا رميت بالمعراض فخزق فكل وإن أصابه بعرضه فلا تأكل وفي رواية إذا أرسلت كلبك فاذكر إسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة وفي لفظ من حديثه عند أحمد وأبو داود قلت : وإن قتل ؟ قال : وإن قتل ولم يأكل منه شيئاً فإنما أمسكه عليك وفي الصحيحين من حديثه فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وفي حديث ابن عباس عند أحمد قال : قال رسول الله (ﷺ) : إذا أرسلت الكلب فأكل من الصيد فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل إنما أمسكه على صاحبه وقد أخرج أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر وأن أبا ثعلبة الخشبي قال : يا رسول الله إن لي كلاباً مكلبة فافتني في صيدها قال : إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك فقال يا رسول الله : ذكي وغير ذكي قال : ذكي وغير ذكي قال : وإن أكل منه قال يا رسول الله : أفتني في قوسي قال : كل ما أمسك عليك قوسك قال : ذكي وغير ذكي . قال وغير ذكي قال : فإن تغيب عني قال : وإن تغيب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك وقد قال ابن حجر : أنه لا بأس بإسناده وفيه نظر لأن في إسناده داود بن عمر الأودي الدمشقي وفيه مقال وخلاف . وقد أخرج نحو هذا الحديث أبو داود من حديث أبي ثعلبة نفسه ولا ينتهض هذا لمعارضة ما في الصحيحين من النهي عن أكل ما أكل منه الكلب . وأخرج أحمد وأبو داود من حديث عدي بن حاتم أن رسول الله (ﷺ) قال : ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت إسم الله فكل ما أمسك عليك وقد أكل (ﷺ) من حمار الوحش الذي صاده أبو قتادة طعناً برمحه وهو في الصحيح وقد تقدم في الحج . وقد ذكر الله في كتابه العزيز تحليل ما صيد بالجوارح فقال : وما علمتم من الجوارح الآية . وأباح الأكل فقال : فكلوا مما أمسكن عليكم وقد دل ما ذكرناه من هذه الأدلة على ما اشتمل عليه المتن من أن ما صيد بالجارح والجوارح كان حلالاً إذا ذكر إسم الله عليه .
وما صيد بغير ذلك فلا بد من التذكية وقد نزل (ﷺ) المعراض إذا أصاب فخزق منزلة الجارح واعتبر مجرد الخزق كما في حديث عدي بن حاتم المذكور وفي لفظ لأحمد من حديث عدي قال : قلت يارسول الله : إنا قوم نرمي فما يحل لنا قال : يحل لكم ما ذكيتم وما ذكرتم إسم الله عليه فخرقتم فكلوا فدل على أن المعتبر مجرد الخزق وإن كان القتل بمثقل فيحل ما صاده. من يرمي بهذه البنادق الجديدة التي يرمي بها بالبارود والرصاص لأن الرصاص تخزق خزقاً زائداً على خزق السلاح فلها حكمه وإن لم يدرك الصائد بها ذكاة الصيد إذا ذكر إسم الله على ذلك وعبارة الماتن في حاشية الشفاء .
أقول : ومن جملة ما يحل الصيد به من الآلات هذه البنادق الجديدة التي يرمي بها بالبارود والرصاص فإن الرصاصة يحصل بها خزق زائد على خزق السهم والرمح والسيف ولها في ذلك عمل يفوق كل آلة . ويظهر لك ذلك بأنك لو وضعت ريشاً أو نحوه فوق رماد دقيق أو تراب دقيق وغرزت فيه شيئاً يسيراً من أصلها ثم ضربتها بالسيف المحدد ونحو ذلك من الآلات لم يقطعها وهي على هذه الحالة ولو رميتها بهذه البنادق لقطعتها فلا وجه لجعلها قاتلة بالصدم لا من عقل ولا من نقل . وما روي من النهي عن أكل ما رمي بالبندقة كما في رواية من حديث عدي بن حاتم عند أحمد بلفظ ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت فالمراد بالبندقة هنا هي التي تتخذ من طين فيرمى بها بعد أن تيبس . وفي صحيح البخاري قال ابن عمر في المقتولة بالبندقية تلك الموقوذة وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن . وهكذا ما صيد بحصى الخذف فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله (ﷺ) نهى عن الخذف وقال : أنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً لكنها تكسر السن وتفقأ العين ومثل هذا ما قتل بالرمي بالحجارة غير المحدودة إذا لم تخزق فإنه وقيذ لا يحل وأما إذا خزقت حل . قال في المسوى : يحل ما اصطاد بكلبه إذا ذكر إسم الله عليه وعند إرساله وكان الكلب معلماً قال تعالى : وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه . والتعليم هو أن يوجد فيه ثلاثة أشياء : إذا أشليت استشلت ، وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل . فإذا وجد ذلك منها مراراً وأقله ثلاث مرات كانت معلمة يحل صيدها . وعلى هذا كله أهل العلم في الجملة . وأكثر أهل العلم على أن المراد بالجوارح الكواسب من سباع البهائم كالفهد والكلب ، ومن سباع الطير كالبازي والصقر مما يقبل التعليم فيحل صيد جميعها . والمكلب هو الذي يغري الكلاب على الصيد ويعلمها فكلوا مما أمسكن أراد أن الجارحة المعلمة إذا جرحت بإرسال صاحبها فأخذت الصيد وقتلته كان حلالاً . قلت : وهذا هو مذهب مالك ، والقول القديم للشافعي ثم تعقبه الشافعي بحديث عدي ابن حاتم المذكور وهو مذهب أبي حنيفة ، وسمع مالك أهل العلم يقولون في البازي والعقاب والصقر وما أشبه ذلك أنه إذا كان معلماً يفقه كما تفقه الكلاب المعلمة فلا بأس بأكل ما قتلوه مما صادت إذا ذكر إسم الله على إرسالها . قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري فصاد أو قتل أنه إذا كان معلماً فأكل ذلك الصيد حلال لا بأس به وإن لم يذكه المسلم وإنما مثل ذلك مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي أو يرمي بقوسه أو بنبله فيقتل بها فصيده ذلك وذبيحته حلال لا بأس بأكله . قال مالك : إذا أرسل المجوسي كلب المسلم الضاري على صيد فأخذه فإنه لا يؤكل ذلك الصيد إلا أن يذكي ، وإنما مثل ذلك قوس المسلم ونبله يأخذها المجوسي فيرمي بها الصيد فيقتله ، وبمنزلة شفرة المسلم يذبح به المجوسي فلا يحل أكل شئ من ذلك انتهى .
وإذا شارك الكلب المعلم كلب آخر لم يحل صيدهما لما تقدم في حديث عدي من قوله (ﷺ) : ما لم يشركها كلب ليس معها وفي لفظ له في الصحيحين قال : قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي وأسمي قال : إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل ، وإن أكل منه فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه . قلت : أني أرسل كلبي أجد معه كلباً لا أدري أيهما أخذه قال فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره وفي لفظ له فإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله .
وإذا أكل الكلب المعلم ونحوه من الصيد لم يحل فإنما أمسك على نفسه لما تقدم من الأدلة على ذلك وتقدم أيضاً ترجيحها على حديث عبد الله بن عمرو .
وإذا وجد الصيد بعد وقوع الرمية فيه ميتاً ولو بعد أيام في غيرماء كان حلالاً ما لم ينتن أو يعلم أن الذي قتله غير سهمه لحديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي (ﷺ) قال : إذا رميت سهمك فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن أخرجه مسلم وغيره . وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم قال سألت رسول الله (ﷺ) عن الصيد قال : إذا رميت سهمك فاذكر إسم الله فإن وجدته قد قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك وفي لفظ من حديثه لأحمد والبخاري عن النبي (ﷺ) قال : إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل وفي لفظ لمسلم نحوه وفي لفظ للبخاري من حديثه إنا نرمي الصيد فنقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم نجده ميتاً وفيه سهمه قال : يأكل إن شاء وفي لفظ للترمذي وصححه قال : قلت يارسول الله : أرمي الصيد فأجد فيه سهمي من الغد قال : إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل قلت : وعلى هذا أهل العلم في الجملة