الرئيسيةبحث

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الأطعمة/باب الذبح


باب الذبح


هو ما أنهر الدم أي أساله وفرى أي قطع الأوداج وهما عرقان بينهما الحلقوم .

وذكر إسم الله عليه ولو بحجر أو نحوه كخشب وغيره ما لم يكن سناً أو ظفراً لحديث رافع بن خديج في الصحيحين وغيرهما قال : قلت يارسول الله : إنا نلقى العدو غداً وليس معنا مدي فقال النبي (ﷺ) : ما أنهر الدم وذكر إسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً سأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة وأخرج أبو داود من حديث ابن عباس وأبي هريرة قالا : نهى رسول الله (ﷺ) عن شريطة الشيطان ، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج وفي إسناده عمرو بن عبد الله الصنعاني وهو ضعيف . وأخرج أحمد والبخاري من حديث كعب بن مالك أنها كانت لهم غنم ترعى بسلع فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتاً فكسرت حجراً فذبحتها فقال لهم لا تأكلوا حتى أسأل رسول الله (ﷺ) أو أرسل إليه من يسأله عن ذلك وأنه سأل رسول الله (ﷺ) عن ذلك أو أرسل غليه فأمره بأكلها وفيه دليل على أن ذبح النساء والرقيق جائز وعليه أهل العلم . وأخرج أحمد والنسائي وأبن ماجه من حديث زيد بن ثابت أن ذئباً نيب في شاة فذبحوها بمروة فرخص لهم رسول الله (ﷺ) في أكلها وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وأبن ماجه والحاكم وابن حبان من حديث عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله : إنا نصيد الصيد فلا نجد سكيناً إلا الظرار وشقة العصا فقال (ﷺ) : أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه والظرار الحجر أو المدر . وأخرج البخاري وغيره من حديث عائشة أن قوماً قالوا يارسول الله : إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا . فقال : سموا عليه أنتم وكلوا . قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر وهذا لا ينافي وجوب التسمية على الذابح بل فيه الترخيص لغير الذابح إذا شك في اللحم هل ذكر عليه إسم الله عند الذبح أم لا فإنه يجوز له أن يسمي ويأكل . وأما إستقبال القبلة فليس في السنة ما يدل على هذا فإن كان الدال على إستقبال القبلة هو قوله في الحديث فما وجههما فليس فيه أنه وجههما إلى القبلة ، بل المراد وجههما للذبح ، وقد تقرر أن حذف المتعلق مشعر بالعموم . وإن كان الإستدلال بقوله وجهت وجهي فكذلك أيضاً ليس فيه دلالة على ذلك . ولا أعلم دليلاً على مشروعية الإستقبال حال الذبح . قال الماتن في السيل الجرار : ليس على هذا دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من قياس . وما قيل من أن القول بندب الإستقبال في الذبح قياس على الأضحية فليس بصحيح لأنه لا دليل على الأصل حتى يصلح للقياس عليه بل النزاع فيه كائن كما هو كائن في الفرع . والندب حكم من أحكام الشرع فلا يجوز إثباته إلا بدليل تقوم به الحجة انتهى .

ويحرم تعذيب الذبيحة لحديث شداد بن أوس عن رسول الله (ﷺ) قال : إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحكم شفرته وليرح ذبيحته أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبن ماجه . وأخرج أحمد وأبن ماجه من حديث ابن عمر أن رسول الله (ﷺ) أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم. وقال : إذا ذبح أحدكم فليجهز أي يتمها . وفي إسناده ابن ليهعة وفيه مقال معروف قلت في اختيار أقرب طريق لإزهاق الروح اتباع داعية الرحمة وهي خلة يرضى بها رب العالمين ويتوقف عليها أكثر المصالح المنزلية والمدنية .

والمثلة بها لما ورد في تحريمها من الأحاديث الثابتة في الصحيح وغيره وهي عامة .

و تحريم ذبحها لغير الله لما ثبت عنه (ﷺ) من لعن من ذبح لغير الله كما في صحيح مسلم وغيره ، ولقوله تعالى : وما أهل به لغير الله وكان أهل الجاهلية يتقربون إلى الأصنام والنجوم بالذبح لأجلهم أما بالإهلال عند الذبح بأسمائهم ، وإما بالذبح على الأنصاب المخصوصة لهم فنهوا عن ذلك ، وهذا أحد مظان الشرك . وأما الذبح للسطان وهل هو داخل في عموم ما أهل به لغير الله أم لا ؟ فقد أجاب الماتن رحمه الله في بحث له . على ذلك بما لفظه : اعلم أن الأصل الحل كا صرحت به العمومات القرآنية والحديثية . فلا يحكم بتحريم فرد من الأفراد ، أو نوع من الأنواع إلا بدليل ينقل ذلك الأصل المعلوم من الشريعة المطهرة مثل : تحريم ما ذبح على النصب والميتة والمتردية والنطيحة والموقوذة وما أهل به لغير الله ولحم الخنزيز وكل شئ خرج من ذلك الأصل بدليل من الكتاب أو السنة المطهرة . كتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وتحريم الحمر الأنسية . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أصول التحريم الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، أو وقوع الأمر بالقتل أو النهي عنه ، أو الإستخباث أو التحريم على الأمم السالفة إذا لم ينسخ فلا بد للقائل بتحريم فرد من الأفراد ، أو نوع من الأنواع من إندراجه تحت أصل من هذه الأصول فإن تعذر عليه ذلك فليس له أن يتقول على الله ما لم يقل . فإن من حرم ما أحله الله كمن حلل ما حرم الله لا فرق بينهما ، وفي ذلك من الإثم ما لا يخفى على عارف . ولا شك أن البراءة الأصلية بمجردها كافية على ما هو الحق فكيف إذا انضم إليها من العمومات مثل : قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية وقوله : أحل لكم الطيبات وقوله : والطيبات من الرزق وقوله : كلوا من طيبات ما رزقناكم وقوله : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً وقوله : يحل لهم الطيبات .

والحاصل : أن الواجب وقف التحريم على المنصوص على حرمته والتحليل على ما عداه . وقد صرح بذلك حديث سلمان عند الترمذي أن النبي (ﷺ) قال : الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه وأخرج أبو داود عن ابن عباس موقوفاً كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً فبعث الله تعالى نبيه وأنزل كتابه فأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وتلا قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما وأخرج الترمذي وأبو داود من حديث قبيصة بن هلب عن أبيه قال سمعت رسول الله (ﷺ) وقد قال له رجل أن من الطعام طعاماً أتحرج منه فقال ضارعت النصرانية لا يختلجن في نفسك شئ إذا تقرر هذا فمسألة السؤال أعني ما ذبح من الأنعام لقدوم السلطان ، والإستدلال على تحريم ذلك بقول تعالى : وما أهل به لغير الله فاسد . فإن الإهلال رفع الصوت للصنم ونحوه . وذلك قول أهل الجاهلية باسم اللات والعزى كذا قال الزمحشري في الكشاف . والذابح عند قدوم السلطان لا يقول عند ذبحه بإسم السلطان ، ولو فرض وقوع ذلك كان محرماً بلا نزاع . ولكنه يقول باسم الله . وقد استدل على ذلك بما رواه أحمد و مسلم والنسائي من حديث أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أنه سمع النبي (ﷺ) يقول : لعن الله من ذبح لغير الله الحديث . وليس ذلك الإستدلال بصحيح . فإن الذبح لغير الله كما بينه شراح هذا الحديث من العلماء أن يذبح بإسم غير الله كمن ذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى أو للكعبة أو نحو ذلك فكل هذا حرام ، ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً كما نص على ذلك الشافعي وأصحابه . قال النووي في شرح مسلم : فإن قصد الذابح مع ذلك تعظيم المذبوح له وكان غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً ، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً انتهى . وهذا إذا كان الذبح بإسم أمر من تلك الأمور لا إذا كان لله وقصد به الإكرام لمن يجوز إكرامه ، فإنه لا وجه لتحريم الذبيحة ههنا كما سلف . وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحاب الشافعي أن ما يذبح عند إستقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله . قال الرافعي : هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ، ومثل هذا لا يوجب التحريم انتهى . وهذا هو الصواب . وفي روضة الإمام النووي من ذبح للكعبة تعظيماً لها لكونها بين الله أو لرسول الله لأنه رسول الله (ﷺ) فهذا لا يمنع الذبيحة بل تحل . قال : ومن هذا القبيل الذبح الذي يذبح عند استقبال السلطان إستبشاراً بقدومه فإنه نازل منزلة الذبح للعقيقة لولادة انتهى . وقد أشعر أول كلامه أن من ذبح للسلطان تعظيماً له لكونه سلطان الإسلام كان ذلك جائزاً مثل : الذبح له لأجل الإستبشار بقدومه إذ لا فرق بين ذلك وبين الذبح للكعبة تعظيماً لها لكونها بيت الله . وقد ذكر الدواري أن من ذبح للجن وقصد به التقرب إلى الله تعالى ليصرف عنه شرهم فهو حلال ، وإن قصد الذبح لهم فهو حرام انتهى . وهذا يستفاد منه حل ما ذبح لإ كرام السلطان بالأولى . وذلك هو الحق لما أسلفناه من أن الأصل الحل وأن الأدلة العامة قد دلت عليه وعدم وجود ناقل عن ذلك الأصل ، ولا مخصص لذلك العموم والله أعلم انتهى كلام الشوكاني وفيه دليل على التفرقة بين ما يذبح للتقرب إلى غير الله تعالى وبين ما يذبح لغيره من الإستبشار ونحوه ، كالذبح للعقيقة والوليمة والضيافة ونحوها . فالأول يحرم ، والثاني يحل . قال ابن حجر المكي في الزواجر : وجعل أصحابنا مما يحرم الذبيحة أن يقول باسم الله واسم محمد ، أو محمد رسول الله (ﷺ) بجر إسم الثاني ، أو محمد أن عرف النحو فيما يظهر ، أو أن يذبح كتابي لكنيسة أو لصليب أو لموسى أو لعيسى ، ومسلم للكعبة أو لمحمد (ﷺ) أو تقرباً لسلطان أو غيره أو للجن . فهذا كله يحرم المذبوح وهو كبيرة . قال : ومعنى ما أهل به لغير الله ما ذبح للطواغيت والأصنام قاله جمع . وقال آخرون : يعني ما ذكر عليه غير إسم الله . قال الفخر الرازي : وهذا القول أولى لأنه أشد مطابقة للفظ الآية . قال العلماء : لو ذبح مسلماً ذبيحة وقصد بذبحه التقرب بها إلى غير الله تعالى صار مرتداً وذبيحته ذبيحة مرتد انتهى كلام الزواجر . وقال صاحب الروض : إن المسلم إذا ذبح للنبي (ﷺ) كفر انتهى . قال الشوكاني في الدر النضيد : وهذا القائل من أئمة الشافعي ة ، وإذا كان الذبح لسيد الرسل (ﷺ) كفراً عنده فكيف الذبح لسائر الأموات انتهى . قال الشيخ الفاضل مفتي الديار النجدية عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب بن سليمان بن علي في كتابه فتح المجيد شرح كتاب التوحيد في باب ما جاء في الذبح لغير الله : قال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم : في الكلام على قوله تعالى : وما أهل به لغير الله أن الظاهر أنه ما ذبح لغير الله مثل أن يقال : هذا ذبيحة لكذا . وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه . كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله . فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح أو الزهرة وقصد به ذلك أولى ، فإن العبادة لغير الله أعظم كفراً من الإستعانة بغير الله . وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقرباً إليه يحرم وإن قال فيه باسم الله كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين قد يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك . وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال لكونه يجتمع في الذبيحة ما نعان : الأول أنه مما أهل لغير الله به . والثاني أنها ذبيحة مرتد . ومن هذا الباب ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجن ، ولهذا روي عن النبي (ﷺ) أنه نهى عن ذبائح الجن انتهى . قال الزمخشري : كانوا إذا اشتروا داراً أو بنوها أو إستخرجوا عيناً ذبحوا ذبيحة خوفاً أن تصيبهم الجن فأضيفت إليهم الذبائح لذلك انتهى كلام فتح المجيد . وقد نقل الشوكاني أيضاً العبارة المتقدمة لشيخ الإسلام في رسالته الدر النضيد واستدل به على تحريم ما ذبح لغير الله تعالى سواء لفظ به الذابح عن الذبح أو لم يلفظ وهذا هو الحق .

وإذا تعذر الذبح لوجه جاز الطعن والرمي وكان ذلك كالذبح لحديث أبي العشراء عن أبيه قلت يا رسول الله : أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة قال : لو طعنت في فخذها لا جزأك أخرجه أحمد وأهل السنن وفي إسناده مجهولون ، وأبو العشراء لا يعرف من أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة فهو مجهول فلا تقوم الحجة بروايته . والذي يصلح للإستدلال به حديث رافع بن خديج في الصحيحين وغيرهما قال : كنا مع رسول الله (ﷺ) في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله (ﷺ) إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا .

وذكاة الجنين ذكاة أمه لحديث أبي سعيد عند أحمد وأبن ماجه وأبو داود والترمذي والدارقطني وابن حبان وصححه عن النبي (ﷺ) أنه قال في الجنين : ذكاته ذكاة أمه وللحديث طرق يقوي بعضها بعضاً . وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة تشهد له . قلت : وعليه الشافعي ووافقه محمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة : لا يجوز حتى يخرج حياً فيذكي .

أقول : وأما التمسك بالآية الكريمة فلا يخفى أنه من معارضة الخاص بالعام وقد تقرر أن الخاص مقدم على العام . وقد قال ابن المنذر ، أنه لم يرو عن أحمد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ماروي عن أبي حنيفة رحمه الله قال ابن القيم : وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة بأن ذكاة الجنين ذكاة أمه بأنها خلاف الأصول وهو تحريم الميتة فيقال الذي جاء على لسانه تحريم الميتة استثنى السمك والجراد من الميتة فكيف وليست بميتة فإنها جزء من أجزاء الأم ، والذكاة قد أتت على جميع أعضائها فلا يحتاج أن يفرد كل جزء منها بذكاة ، والجنين تابع للأم جزء منها فهذا هو مقتضى الأصول الصحيحة ولو لم ترد السنة بالإباحة فكيف وقد ورد بالإباحة الموافقة للقياس والأصول فقد إتفق النص والأصل والقياس ولله الحمد .

وما أبين من الحي فهو ميتة لحديث ابن عمر أن النبي (ﷺ) قال : ما قطع من بهيمة وهي حية فما قطع منها فهو ميتة أخرجه أبن ماجه والبزار والطبراني وقد قيل : أنه مرسل هذا يدل على تحريم الأكل ولا ملازمة بينه وبين النجاسة كما عرفت غير مرة . وأخرج أحمد والترمذي وأبو داود والدارمي من حديث أبي واكد الليثي عن النبي (ﷺ) من قطع من البهيمة وهي حية فهو مية وأخرج أبن ماجه والطبراني وابن عدي نحوه من حديث تميم الداري . قلت : وكان أهل الجاهلية يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم فنهوا عن ذلك لأنه فيه تعذيباً ومناقضة لما شرع الله تعالى من الذبح .

وتحل ميتتان ودمان السمك والجراد وعليه أهل العلم .

والكبد والطحال وهما عضوان من أعضاء بدن البهيمة لكنهما يشبهان الدم فأزاح النبي (ﷺ) الشبهة فيهما وليس في الحوت والجراد دم مسفوح فلذلك لم يشرع فيهما الذبح ، ووجهه حديث ابن عمر عند أحمد وأبن ماجه والدارقطني والشافعي والبيهقي قال : قال رسول الله (ﷺ) : أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن أبي أوفى قال . غزونا مع رسول الله (ﷺ) سبع غزوات نأكل الجراد وفيهما أيضاً من حديث جابر أن البحر ألقى حوتاً ميتاً فأكل منه الجيش فلما قدموا قالوا للنبي (ﷺ) فقال : كلوا رزقاً أخرج الله لكم أطعمونا منه إن كان معكم فأتاه بعضهم بشئ وفي البخاري عن عمر في قوله تعالى : أحل لكم صيد البحر قال : صيده مااصطيد وطعامه ما رمى به . وفيه عن ابن عباس قال طعامه ميتته إلا ما قذرت منها . وفيه قال ابن عباس كل من صيد البحر صيد يهودي أو نصراني أو مجوسي انتهى . وإلى هذا ذهب الجمهور فقالوا : ميتة البحر حلال سواء ماتت بنفسها أو بالإصطياد . وذهبت الحنفية إلى أنه لا يحل إلا ما مات بسبب آدمي أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه ، وأما ما مات أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحل . واستدلوا بما أخرجه أبو داود من حديث جابر مرفوعاً بلفظ ما ألقاء البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه وفي إسناده يحيى بن سليم وهو ضعيف الحفظ وقد روي من غير هذا الوجه وفيه ضعف . قلت : ظاهر القرآن والحديث إباحة ميتات البحر كلها والمراد منها كل ما يعيش في البحر ، فإذا أخرج منه كان عيشه عيش المذبوح كالسمك ، فكل ذلك حلال بأنواعه ولاحاجة إلى ذبحه سواء يؤكل مثله في البر كالبقر والغنم أولا يؤكل كالكلب والخنزير ، والكل سمك وإن اختلفت الصور بخلاف ما يعيش في الماء ، فإذا أخرج دام حياً ، فإن كان طائراً كالبط فذبح فحلال ولا يحل ميتتها . وإن كان غيرها كالضفدع والسرطان والسلحفاة وذوات السموم كالحية والعقرب فحرام وعليه الشافعي .

أقول : وعلى هذا فقوله تعالى : أحل لكم صيد البحر المراد منه ما يصطاد بالقصد والإختيار وقوله : وطعامه المراد منه ميتات البحر مما لم يصد بالإختيار كنى به عن الميتة كراهية لذكر الميتة في مقام التحليل . وقوله : متاعاً لكم إباحته لأهل الحضر . وقوله : وللسيارة المراد منه إباحته لأهل السفر . وقال أبو حنيفة : جميع حيوانات البحر حرام إلا السمك المعروف .

أقول : الحق أن كل حيوان بحري حلال على أي صورة كان أحل لكم صيد البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته فمن جاءنا بدليل يصلح لتخصيص هذا العموم قبلناه .

وتحل الميتة للمضطر لقوله تعالى : إلا ما اضطررتم إليه وقد ثبت تحليل الميتة عن الجوع من حديث أبي وافد الليني عند أحمد والطبراني برجال ثقات ، ومن حديث جابر بن سمرة عند أحمد وأبو داود بإسناد لا مطعن فيه ، ومن حديث الفجيع العامري عند أبو داود . وقد اختلف في المقدار الذي يحل تناوله . وظاهر الآية أنه يحل ما يدفع الضرورة لأن من اندفعت ضرورته فليس بمضطر . قال في المستوى : أما ذبائح أهل الكتاب فتحل بنص الكتاب وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم أقول : معنى الآية باتفاق المفسرين ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم وذبائحكم حلال لهم . قيل : أي فائدة في الحل لهم وهم كفار ليسوا من أهل الشرع . فقال الزجاج : معناه حلال لكم أن تطعموهم . وأقول معناه : حلال لهم إذا إلتزموا شريعتنا أكلوها . وكان اليهود يزعمون أن بني اسرائيل لا يحل لهم ذبائح العرب فبين الله تعالى أن الأحكام الشرعية لا تتفاوت بالنسبة إلى قوم دون قوم . وعليه أهل العلم أن ذبائح اليهود والنصارى حلال لنا ، وذبائح المجوس لا تحل . وفي الموطأ سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب فقال : لا بأس بها وتلا هذه الآية ومن يتولهم منكم فإنه منهم قلت عليه أبو حنيفة . وقال الشافعي  : لا تحل ذبيحة المنتصر بعد التحريف والنسخ والمشكوك فيه .

أقول : ذبائح جميع المسلمين على اختلاف نحلهم وتباين طرائقهم حلال لأن الله جل جلاله إنما نهانا عن أكل ما لم يذكر عليه اسمه وكل مسلم لا يذبح إلا ذاكراً لإسم الله تحقيقاً أو تقديراً على أي مذهب كان . وذبائح أهل الكتاب تابعة لتحليل أطعمتهم إما لصدق إسم الطعام عليها أو لأنها من الأدام اللاحق للطعام . ويؤيده أكله (ﷺ) للشاة التي أهدتها له اليهودية من خيبر بعد طبخها لها ولا نسلم أن ذبائحهم مما لم يذكر عليه اسم الله ، فإنهم يذبحون لله وليسوا كأهل الكفر من غيرهم .

فالحاصل : أن الذبح الذي تحل به الذبيحة ما في حديث رافع بن خديج بلفظ ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا أخرجه الجماعة كلهم . وذبيحة المسلم على أي مذهب كان وفي أي بدعة وقع هي مما يذكر عليه اسم الله ، ومع الإلتباس هل وقعت التسمية من المسلم أولا قد دل الدليل على الحل لما أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود وأبن ماجه من حديث عائشة قالت يا رسول الله : إن قوماً حديثو عهد بجاهلية يأتوننا باللحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا أنأكل منها أم لا ؟ فقال رسول الله (ﷺ) : اذكروا إسم الله وكلوا فأمره (ﷺ) بإعادة التسمية مشعر بأن ذبيحة من لم يسم سواء كان مسلماً أو غيره مسلم حلال . ويحمل قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه على عدم الذكر الكلي عند الذبح وعند الأكل وهو الظاهر من نفي ذكر إسم الله . فاللحم إذا سمى عليه الآكل عند الأكل والذابح كافر لم يسم يكون مما ذكر عليه إسم الله تعالى وهذا من الوضوح بمكان ، ولا عبرة بخصوص السبب وهو كون عائشة كان سؤالها عن اللحمان التي يأتي بها من المسلمين من كان حديث عهد بالجاهلية . بل الاعتبار بعموم اللفظ كما تقرر في الأصول . والحق أن ذبيحة الكافر حلال إذا ذكر عليها إسم الله ولم يهل بها لغير الله كالذبح للأوثان ونحوها . فإن قلت الكافر لا يذكر إسم الله على الذبيحة وقد قال تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وقال : فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه وقال (ﷺ) : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه قلت : هذا لا يتم إلا بعد العلم بأن الكافر لا يذكر إسم الله على ذبيحته . وأما الإحتجاج لعدم اشتراط التسمية بحديث اللحمان المتقدم فليس فيه دليل على عدم إشتراط التسمية مطلقاً بل عدم اشتراطها عند الذبح . وأما حديث ذبيحة المسلم حلال ذكر إسم الله أو لم يذكر فهو إما مرسل أو موقوف فكيف ينتهض لمعارضة الكتاب العزيز ثم هو خاص بالمسلم والنزاع في الكافر . وكذلك الحديث الأول خاص بالمسلم لقوله : إن قوماً حديثو عهد بالجاهلية فلا يتم الإستدلال به على عدم التسمية مطلقاً .

وحاصل البحث : أنه إذا ذبح الكافر ذاكراً لإسم الله عز وجل غير ذابح لغير الله وأنهر الدم وفرى الأوداج فليس في الآية ما يدل على تحريم هذه الذبيحة الواقعة على هذه الصفة . فمن زعم أن الكافر خارج من ذلك بعد أن ذبح لله تعالى وسمي فالدليل عليه . وأما ذبح الكافر لغير الله فهذه الذبيحة حرام ولو كانت من مسلم . وهكذا إذا ذبح غير ذاكر لإسم الله عز وجل فإن إهمال التسمية منه كإهمال التسمية من مسلم حيث ذبحا جميعاً لله عز وجل . وإذا عرفت هذا لاح لك أن الدليل على من قال باشتراط إسلام الذابح لا على من قال بأنه لا يسقط ، فلا حاجة إلى الإستدلال على عدم الإشتراط بما لا دلالة فيه على المطلوب كالإحتجاج بقوله (ﷺ) لم ينه عن ذبائح المنافقين فإن المنافقين كان يعاملهم (ﷺ) معاملة المسلمين في جميع الأحكام عملاً بما أظهروه من الإسلام وجرياً على الظاهر. وأما ما يقال من حكاية الإجماع على عدم حل ذبيحة الكافر فدعوى الإجماع غير مسلمة وعلى تقدير أن لها وجه صحة فلا بد من حملها على ذبيحة كافر ذبح لغير الله أو لم يذكر إسم الله تعالى . وأما ذبيحة أهل الذمة فقد دل على حلها القرآن الكريم وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ومن قال أن اللحم لا يتناوله الطعام فقد قصر في البحث ولم ينظر في كتب اللغة ولا نظر في الأدلة الشرعية المصرحة بأن النبي (ﷺ) أكل ذبائح أهل الكتاب كما في أكله (ﷺ) للشاة التي طبختها يهودية وجعلت فيها سماً والقصة أشهر من أن تحتاج إلى التنبيه عليها . ولا مستند للقول بتحريم ذبائحهم إلا مجرد الشكوك والأوهام التي يبتلي بها من لم يرسخ قدمه في علم الشرع . فإن قلت قد يذبحونه لغير الله أو بغير تسمية أو على غير الصفة المشروعة في الذبح . قلت : إن صح شئ من هذا فالكلام في ذبيحته كالكلام في ذبيحة المسلم إذا وقعت على أحد هذه الوجوه ، وليس النزاع إلا في مجرد كون كفر الكتابي مانعاً لا كونه أخذ بشرط معتبر إنتهى