→ فصل أخبار الرسل | الروح - المسألة السابعة - فصل مراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المؤلف: ابن القيم |
فصل أقسام الدور ← |
فصل مراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم |
الأمر الثاني: أن يفهم عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم مراده غير علو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده، وما قصده من الهدى والبيان.
و قد حصل بإهمال ذلك، والعدل عنه من الضلال، والعدول عن الصواب ما لا يعلمه، إلا اللّه، بل سوء الفهم عن اللّه ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولا سيما أن أضيف إليه سوء القصد، فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع في محنة الدين وأهله واللّه المستعان.
و هل أوقع القدرية [1] والمرجئة [2] والخوارج [3] والمعتزلة [4] والجهمية [5] وسائر طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن اللّه ورسوله حتى صار الدين بأيدي أكثر الناس هو موجب هذه الأفهام، والذي فهمه الصحابة ومن تتبعهم عن اللّه ورسوله فمهجور لا يلتفت إليه ولا يرفع هؤلاء به رأسا، ولكثرة أمثلة هذه القاعدة تركناها، فإننا لو ذكرناها لزادت على عشرة ألوف، حتى أنك لتمر على الكتاب من أوله إلى آخره فلا تجد صاحبه فهم عن اللّه ورسوله ومراده كما ينبغي في موضع واحد.
و هذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس وعرضه على ما جاء به الرسول، وأما من عكس الأمر بعرض ما جاء به الرسول على ما اعتقده وانتحله وقلد فيه من أحسن به الظن فليس يجدي الكلام معه شيئا فدعه، وما اختاره لنفسه وعليه ما تولى وأحمد الذي عافاك مما ابتلاه به.
هامش
- ↑ هم الذين أنكروا القدر وقالوا أن الإنسان هو من يخلق أفعاله.
- ↑ منهم من زعم أن الإيمان هو معرفة اللّه عز وجل ومحبته والخضوع إليه بالقلب، والإقرار أنه واحد لا مثيل له، ومعرفة الرسل وجميع ما جاء من عند اللّه، وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة للّه ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح ليس بإيمان، ويزعمون أن الكفر هو الجهل باللّه. ومنهم من يزعم أن الإيمان هو المعرفة باللّه والخضوع له وترك الاستكبار عليه، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن، ومنهم من زعم أن الإيمان هو المعرفة باللّه ورسله وفرائضه والخضوع له بجميع ذلك، والإقرار باللسان، ومنهم الغيلانية أتباع غيلان الدمشقي الذي رمي بالإرجاء كما رمي فأفكار أخرى.
- ↑ هم الذين خرجوا على الإمام علي كرّم اللّه وجهه قبل التحكيم مع معاوية.
- ↑ ذكر الشهرستاني في المشهور في سبب إطلاق لقب المعتزلة قال: دخل أحدهم على الحسن البصري وهو يدرس في مسجد البصرة، فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر، والكبائر عندهم لا تضر مع الإيمان، بل العمل في فكرهم ليس ركنا من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ ففكر الحسن البصري، وقبل أن يجيب تكلم واصل فقال: أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر، ثم قام واصل واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به جماعة ممن ترك مجلس الحسن البصري، ولما رأى الحسن ذلك نادى بأعلى صوته:
اعتزل عنا واصل، اعتزل عنا واصل، فسارت هذه التسمية في المجتمعات. - ↑ ينتسبون إلى الجهم بن صفوان مولى بني راسب: وآراء الجهم ترتد إلى ثلاث آيات قرآنية أخذ منها كل أفكاره وفسر بها القرآن، وهي:
أ- قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ.
ب- قوله تعالى: وهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وفِي الْأَرْضِ.
ج- قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ.
فرفض الجهم كل وصف للّه لم يصف به نفسه، فهؤلاء يعتقدون أن كل إثبات للصفات في حق اللّه يخرج ذات اللّه عن قدمها الأزلي.