مقدمة الكتاب
الحمد لله الذي جعل الدين دينا على البشر وصيره كرأس مال، لنربح به عبادة ذاته العلية الفائقة كل طهر وبر، المنزهة عن التجسيم والتثليث والتجسد المبتدع، ممن لا يرهبون سقر، ليقابلنا بجزاء أثماره يوم القيامة والنشر، بجنة يعلو سموها على الأوهام والفكر، أثماره صلاح نابت من الأفئدة والفطر، يجمعه بعاد عن ضر القريب، وعن الشرك بالله الحذر، فأرجوك ربي تسقه من سلسال جودك المطر، ومعه فأنعم بإزالة الكفر، كما يعلم عن حنوك ويشتهر، وأضف عليه صلاة وسلاما على حبيبك ورسولك سيد الخلق والبشر، وعلى آله وأصحابه السادات القادة الغرر.
أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى ربه الغني الشيخ زيادة بن يحيى النصب الراسي المهتدي، المتشرف في الدين المحمدي:[1] إنني لما كنت متفرغا للبحث والمطالعة عن أيما هو الدين الصحيح، بكل جهد وبغاية التنقيح، فنظرت إلى أصحاب الملل، التي من دأبها أن تفخر على بعضها بسمو اعتقادها، وكل منهم يتصور أن ما ذهبت إليه آل ملته هو الدين الصحيح، وسواه على كل فهو قبيح، وقد رأيت أيضا أن بعضهم راض بدينه من دون فحص ولا معرفة، والبعض مباشر الفحص في قواعد ديانته فقط، من دون أن يقابلها على غيرها، والنادر منهم من يقابلها على غيرها مع أوليائها.
ففي الوجهين الأولين رأيت أن فيهما يدخل التعصب المذهبي والغرض، بحيث لا يمكن للإنسان أن يميز فيما بين الحق والباطل، أعني: أنه لا يعود يقدر أن يعين إلا أن دينه الموجود فيه هو الدين الحق الحقيقي، وإن كان بالخلاف.
فحمدت أنا الرأي الأخير، وحددته حالا من دون تأخير، وبدأت أن أقابل كتابي ومعتقدي على كتابي المعتقد الشهيرين، وأراجعهما على أولي العلم، من دون تعصب مذهبي بكل مكنتي، من دون مين، وغب الفحص والتفتيش في ذلك، قصدت أن أحرر ما قد حصلته من المقابلة في تلك المسالك، وأبينه لدى ذوي البصائر القادحة، خواض بحور هذه المعاني الشاسعة، لكي يتفحصوه بكل جهد وتدقيق، ويمعنوا نظرهم فيه من دون غرض وتمحيق، ويفهموا أن الدين المحمدي هو الذي ترجحت عليه البينات، وأنه هو الدين الصحيح، ومن اتخذ سواه دينا فهو من الخاسرين صريح.
وحيث قد تيسر لي بعد مطالعتي في كتب القواعد وتفاسيرهم، أني وجدت أيضا ملخصات أجوبة في رد الملل على بعضهم بأقوال مختصرة صريحة، فضممت إلى كتابي هذا مايناسب منها، وسميته كتاب: «البحث الصريح في (أيما هو) الدين الصحيح». وقسمته إلى خمسة أبواب وخاتمة.
فأرجو من المطالعين فيه بأن يكرروا عبارته وقراءته بكل جهد وإمعان، ويتوسلوا معي إلى الرحيم الرحمن نبيه الهادي، سميد الأكوان، أن يكشف لهم المعاني، إذ هو الكريم المنان، والمفيض على عباده الإحسان.
الفهرس
يفيد أن سيدنا عيسى عليه السلام ليس هو بإله حقيقي بالذات، وغير مساو لله تعالى في الجوهر، وأن تسميته إلها هو نعت ووصف كحسب عادة كتب العهدين، أعني: التوراة والإنجيل، اللذين كانا يسميان أشراف الشعب وأفاضلهم آلهة، فهو أي المسيح عليه السلام كان من أشراف الأنبياء وأكابرهم، وكانت تحق له هذه التسمية بنوع خصوصي.
رد على الافتخار الذي يفتخر به النصارى، أي بسمو آيات عيسى عليه السلام وأنها فائقة، وقصدهم بذلك لكي يثبتوا بدعتهم منها أعني: الألوهية له، وقد قابلت آياته فإذا هي آيات خارقة للعادة، إلا أن الأنبياء الذين سبقوه قد عملوا مثلها وما يعلوها ويفوقها أيضا، ثم إن آل زمانهم واتباعهم لم يعتقدوا فيهم أنهم آلهة بالذات ولا مساوون لله تعالى في الجوهر.
رد على ما تدعيه النصارى ضد الله تعالى ويتوهمونه، بأن نبينا الأعظم ﷺ قد حصل منه أمور منافية وغير حسنة، ومنقولة عن القرآن الشريف المعجز، مع كون أن مثل هذه الدعاوى والأمور الملحوظة قد وجدت من الأنبياء الذين سبقوه وأبلغ منها، كما تشهد بذلك كتبهم، ولم تحسب منافية ولا غير حسنة.
نورد فيه بينات من كتب العهدين أعني: من التوراة والإنجيل على أن نبينا محمدا ﷺ هو النبى الموعود به أيضا، والمشار إليه والمنبأ عنه - كعيسى عليه السلام - بالأدلة الواضحة والبراهين المكينة، كما قد تراها صريحة.
في الشكوك الناتجة من القضايا المتناقضة، والقصور الحاصل من ركاكة الجمل الغير مرتبطة، الموجودة في كتب العهدين، المفيدة بأن التوراة والإنجيل مزوران وذلك بأصرح عبارة وأجلى ييان.
جمعت نتائج هذه الخمسة أبواب بوجه الاختصار، وبعض ملحقات لها مفيدات.
هامش
- ↑ حاشية: اعلم أن هذا العالم المؤلف لهذا الكتاب النفيس يشرح في هذه المقدمة اسمه وأسباب دخوله في الدين المحمدي، وأنه مادخل إليه عن ترغيب دنيوي ولا تخويف ولا لغبن ولا لحيف صار له ولا لأسباب فساد، بل بالمطالعات بالكتب والمقابلات كما تراه مفندا أمامك، وقد يلاحظ بأنه ما سبق له سابق في رفيع معانيه ودقتها.