الرئيسيةبحث

الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية/كتاب النكاح

علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي
  ► كتاب العتق كتاب النكاح كتاب الخلع ☰  


كتاب النكاح


والإعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو دين الأنبياء قال الله تعالى: { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } والنكاح في الآيات حقيقة في العقد والوطء والنهي لكل منهما وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد فلا يكون عاقا كأكل ما لا يريد ويحرم النظر بشهوة إلى النساء والمراد أن من استحله كفر إجماعا ويحرم النظر مع وجود ثوران الشهوة وهو منصوص الإمام أحمد والشافعي. ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وقال لا أنظر بشهوة كذب في دعواه وقاله ابن عقيل ومن نظر إلى الخيل والبهائم والأشجار على وجه استحسان الدنيا والرئاسة والمال فهو مذموم لقوله تعالى: { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه } وأما إن كان على وجه لا ينقص الدين وإنما فيه راحة النفس فقط كالنظر إلى الأزهار فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق وكل قسم متى كان معه شهوة كان حراما بلا ريب سواء كانت شهوة تمتع بالنظر أو كانت شهوة الوطء واللمس كالنظر وأولى وتحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد. وذكره ابن عقيل وتحرم الخلوة بأمرد غير حسن ومضاجعته كالمرأة الأجنبية ولو لمصلحة التعليم والتأديب، والمقر موليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث. ومن عرف بمحبتهم أو معاشرة بينهم منع من تعليمهم، وإن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب، وإن لم يخف قدم الحج ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح وغيره واختاره أبو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت على النكاح إن لم يخش العنت. قلت: وما قاله أبو العباس رضي الله عنه ظاهر إن قلنا: إن النكاح سنة وأما إن قلنا: إنه لا يقع إلا فرض كفاية كما قاله أبو يعلى الصغير وابن المنى في تعليقهما فقد تعارض مع فرض كفاية ففيه نظر وإن قلنا: إن النكاح واجب قدمه لأن فروض الأعيان مقدمة على فروض الكفايات، والله أعلم.

ويباح التصريح والتعريض من صاحب العدة فيها إن كانا ممن يحل له التزويج بها في العدة كالمختلعة فأما إن كانا ممن لا يحل له إلا بعد انقضاء العدة كالمزني بها والموطوءة شبهة فينبغي أن يكون كالأجنبي والمعتدة باستبراء كأم الولد أو مات سيدها أو أعتقها فينبغي أن تكون في حكم الأجنبية كالمتوفى عنها والمطلقة ثلاثا والمنفسخ نكاحها برضاع أو لعان فيجوز التعريض دون التصريح، والتعريض أنواع تارة يذكر صفات نفسه مثل ما ذكر النبي ﷺ لأم سلمة رضي الله عنها وتارة يذكر لها صفات نفسها، وتارة يذكرها طلبا لا يعينه: كرب راغب فيك، وطالب لك، وتارة يذكر أنه طالب للنكاح ولا يعينها، وتارة يطلب منها ما يحتمل النكاح، وغيره كقوله أي شيء كان ولو خطبت المرأة أو وليها الرجل ابتداء فأجابهما فينبغي أن لا يجعل لرجل آخر خطبتها إلا أنه أضعف من أن يكون هو الخاطب وكذا لو خطبته أو وليها بعد أن خطب هو امرأة فالأول أبدى للخاطب والثاني أبدى للمخطوب. وهذا بمنزلة البيع على بيع أخيه قبل انعقاد البيع ومن خطب تعريضا في العدة أو بعدها فلا ينهى غيره عن الخطبة ولو أذنت المرأة لوليها أن يزوجها من رجل بعينه احتمل أن يحرم على غيره خطبتها كما لو خطبت فأجابت واحتمل أنه لا يحرم لأنه لم يخطبها أحد، كذا قال القاضي أبو يعلى وهذا دليل منه على أن سكوت المرأة عند الخطبة ليس بإجابة بحال.

فصل وينعقد النكاح بما عده الناس نكاحا بأي لغة ولفظ وفعل كان ومثله كل عقد والشرط بين الناس ما عدوه شرطا. نص الإمام أحمد في رواية أبي طالب في رجل مشى إليه قومه فقالوا: زوج فلانا فقال: زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا قال نعم قال ابن عقيل هذا يعطي أن النكاح الموقوف صحيح. وقد أحسن ابن عقيل فيما قاله وهو طريقة أبي بكر فإن هذا ليس تراخيا للقبول كما قاله القاضي وإنما هو تراخ للإجازة ومسألة أبي طالب وكلام أبي بكر فيما إذا لم يكن الزوج حاضرا في مجلس الإيجاب وهذا أحسن أما إذا تفرقا عن مجلس الإيجاب فليس في كلام أحمد وأبي بكر ما يدل على ذلك. ويجوز أن يقال: إن العاقد الآخر إن كان حاضرا اعتبر قبوله وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن الإيجاب كما قلنا في ولاية القضاء مع أن أصحابنا قالوا في الوكالة: إنه يجوز قبولها على الفور والتراخي وإنما الولاية نوع من جنس الوكالة وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في تتمة رواية أبي طالب فقال الزوج قبلت صح إذا حضر شاهدان. قال أبو العباس: وهو يقضي بأن إجازة العقد الموقوف إذا قلنا بانعقاده تفتقر إلى شاهدين وهو مستقيم حسن.

وصرح الأصحاب بصحة نكاح الأخرس إذا فهمت إشارته قال في المجرد و الفصول يجوز تزويج الأخرس لنفسه إذا كانت له إشارة تفهم ومفهوم هذا الكلام أن لا يكون الأخرس وليا ولا وكيلا في النكاح وهو مقتض له تعليل القاضي في الجامع لأنه يستفاد من غيره، ويحتمل أن يكون وليا لا وكيلا وهو أقيس والجد كالأب في الإجبار وهو رواية عن الإمام أحمد وليس للأب إجبار بنت التسع بكرا كانت أو ثيبا وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر ورضا الثيب الكلام والبكر الصمات. قال أبو العباس: بعد ذكره لقول أبي حنيفة ومالك تزوج المثابة بالجبر كما تزوج البكر هذا قول قوي وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وهو المراد بالدهقان وأمير القافلة ونحوه. قال الإمام أحمد في رواية المروزي في البلد يكون فيه الوالي، وليس فيه قاض يزوج: إن الولي ينظر في المهر وإن أمره ليس مفوضا إليها وحدها كما أن أمر الكفء لكفء ليس مفوضا إليها وحدها وقال في رواية الأثرم وصالح وأبي الحارث عن المهر لا نجد فيه حدا هو ما تراضوا عليه الأهلون، وهو في رواية المروذي ما تراضى عليه الأهلون في النكاح جائز. وهو يقتضي أن للأهلين نظرا في الصداق ولو كان أمره إليها فقط لما كان لذكر الأهلين معنى وتزويج الأيامى فرض كفاية إجماعا فإن أباه حاكم أن لا يظلم كطلبه جعلا لتستحقه صار وجوده كعدمه ويزوج وصي المال الصغير واشترط الجد في المحرر في الولي رشدا والرشد في الولي هنا هو المعرفة بالكفء ومصالح النكاح ليس حفظ المال ويتخرج لنا مثل قول أبي حنيفة أن الولي كل وارث بفرض أو تعصيب ولغير العصبة من الأقارب التزويج عند عدم العصبة ويخرج ذلك مما إذا قدمنا التوريث لذوي الأرحام على التوريث بالولاء. ولو كانت المرأة يهودية ووليها نصراني أو بالعكس فينبغي أن يخرج على الروايتين لذوي الأرحام على التوريث في توارثهما وقبول شهادته عليها إذا قلنا تقبل أهل الذمة بعضهم على بعض وكذلك في ولاية المال والعقل ويضم للولي الفاسق أمين كالوصي في رواية، ولو قيل: إن الابن والأب سواء في ولاية النكاح كما إذا أوصى لأقرب قرابته لكان متوجها ويتخرج لنا أن الابن أولى من الأب إذا قلنا الأخ أولى من الجد. وقد حكى ذلك ابن المغني في تعاليقه فقال يقدم الابن على الأب على قول عندنا وإن لم يعلم وجود الأقرب في الكل حتى زوج الأبعد فقد يقال بطرد القاعدة والقياس أن لا يصح النكاح كالجهل الشرعي مثل أن يعتقد صحة النكاح بلا ولي أو بالولي الأبعد أو بلا شهود وقد يقال يصح النكاح. كما أن المعتبر في الشهود والولي هو العدالة الظاهرة على الصحيح فلو ظهر فيما بعد أنهم كانوا فاسقين وقت العقد ففيه وجهان ثابتان يؤيد هذا أن الولي الأقرب إنما يشترط إذا أمكن فأما تعذره فيسقطه كما لو عضل أو غاب وبهذا قيد ابن أبي موسى وغيره قول الجماعة إذا زوج الأبعد مع القدرة على الأقرب لم يصح ومن لم يعلم أنه موجود فهو غير مقدور على استئذانه فيسقط بعدم العلم كما يسقط بالبعد وهذا إذا لم ينتسب في عدم العلم إلى تفريط ومع هذا لو زوجت بنت الملاعن ثم استلحقها الأب فلو قلنا بالأول لكان يتعين أن لا يصح النكاح وهو بعيد بل الصواب أنه يصح. قال الإمام أحمد في رواية حنبل: لا يعقد نصراني ولا يهودي عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة ولا يكونان وليين بل لا يكون إلا مسلما وهذا يقتضي أن الكافر لا يزوج مسلمة بولاية ولا وكالة وظاهره يقتضي أن لا ولاية للكافر على ابنه الكافر متوليا لنكاح ولكن لا يظهر بطلان العقد فإنه ليس على بطلانه دليل شرعي. قال الإمام أحمد في رواية محمد بن الحسن في الأخوين صغير وكبير ينبغي أن ينظر إلى العقل والرأي، وكذلك قال في رواية الأثرم في الأخوين الصغير والكبير كلاهما سواء إلا أنه ينبغي أن ينظر في ذلك إلى الفضل والرأي وظاهر كلام الإمام أحمد هذا لأنه أثر للبس هنا واعتبره أصحابنا.

ولو زوج المرأة وليان وجهل أسبق العقدين ففيه روايتان إحداهما يتميز الأسبق بالقرعة والذي يجب أن يقال على هذه الرواية: إن من خرجت له القرعة فهي زوجته بحيث يجب عليه نفقتها وسكناها وورثته لكن لا يطأ حتى يجدد العقد لحل الوطء فقط هذا قياس المذهب أو يقال إنه لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد ويكون التجديد واجبا عليه وعليها كما كان الطلاق واجبا على الآخر والرواية الثانية يفسخ النكاحان ومن أصحابنا من ذكر أنهما يطلقانها فعلى هذا هل يكون الطلاق واقعا بحيث تنقضي العدة ولو بزوجها ينبغي أن لا يكون كذلك لأنه لا ينبغي وقوع الطلاق به فإن ماتت المرأة قبل الفسخ والطلاق فذكر أبو محمد المقدسي احتمالين أحدهما لأحدهما نصف الميراث وربع النفقة حتى يصطلحا عليها والثاني يقرع بينهما فمن قرع حلف أنه استحق وورث. قال أبو العباس: وكلا الوجهين لا يخرج على المذهب أما الأول فلأنه لا يتفق الخصمان وأما الثاني فكيف يحلف من قال لا: أعرف الحال وإنما المذهب على رواية أنه قرع فله الميراث بلا يمين وأما على قولنا لا يقرع فإذا قلنا: إنها تأخذ من أحدهما نصف المهر بالقرعة فكذلك يرثها أحدهما بالقرعة بطريق الأولى، وإن قلنا لا مهر فهنا قد يقال بالقرعة أيضا. وإذا قال قد جعلت عتق أمتي صداقها أو قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها صح بذلك العتق والنكاح وهو مذهب الإمام أحمد ويتوجه أن لا يصح العتق إذا قال قد جعلت عتقك صداقك فلم تقبل لأن العتق لم يصر صداقا وهو لم يوقع غير ذلك ويتوجه أن لا يصح، وإن قبلت لأن هذا القبول لا يصير به العتق صداقا فلم يتحقق ما قال ويتوجه في الصورة الثانية أنها إن قبلت صارت زوجة وإلا عتقت مجانا أو لم تعتق بحال وإذا قلنا: إلحاق الشرط لا يغير الطلاق فإلحاق العطف في النكاح بطريق الأولى وتجب قيمة نفسها ويتخرج ثبوت الخيار أو اعتبار إذنها من عتقها بجنب حر فإن الخيار يثبت لها في رواية. وكذلك إذا عتقا معا فإذا كان حدوث الحرية بعد العتق يثبت الفسخ فالمقارنة أولى أن تثبت الفسخ ولو أعتقها وزوجها من غيره وجعل عتقها صداقها فقياس المذهب صحته لأنهم قالوا الوقت الذي جعل فيه العتق صداقا كان يملك إجبارها في حق الأجنبي فلم يبق إلا أنه جعل ملك بعضا وقت حريتها وهذا لا يؤثر كما لو كان هو المتزوج ويدل على ذلك أن أصحابنا قالوا: إذا قال: زوجتك هذه على أنها حرة صح وإن لم يعلمه أنه أعتقها قبل ذلك ويكون هو المصدق لها عن الزوج ويحتمل أن يقال هو السيد خاصة لأنه لا يمكنه أن يتزوجها وهي رقيقة وعلى هذا فسواء قال أعتقتها وزوجتها منك أو زوجتها منك وأعتقتها ولو قال: أعتقت أمتي وزوجتكها على ألف درهم فقياس المذهب جوازه فهو مثل أن يقول: أعتقتها وأكريتها منك سنة بألف درهم. وهذا بمنزلة استثناء الخدمة مثل أن يقول: أعتقك على خدمة سنة ولو قال عتقتك وتزوجتك على ألف درهم صح هذا النكاح بطريق الأولى لأنه لم يجعل العتق صداقا ولو قال وهبتك هذه الجارية وزوجتها من فلان أو وهبتك وأكريتها من فلان أو بعتكها وزوجتها أو أكريتها من فلان قياس المذهب صحته لأنه في معنى استثناء المنفعة وحاصله. إنا كما جوزنا العتق والوقف والهبة والبيع مع استثناء منفعة الخدمة جوزنا أن يكون الإعتاق والإنكاح في زمن واحد وجعلنا ذلك بمنزلة الإنكاح قبل الإعتاق لأنها حين الإعتاق لم تخرج عن ملكه والذي يقتضيه كلام أحمد أن الرجل إذا تبين له ليس بكفء فرق بينهما وأنه ليس للولي أن يزوج المرأة من غير كفء ولا للزوج أن يتزوج ولا للمرأة أن تفعل ذلك وأن الكفاءة ليست بمنزلة الأمور المالية مثل مهر المرأة إن أحبت المرأة والأولياء طلبوه وإلا تركوه ولكنه أمر ينبغي لهم اعتباره وإن كانت منفعته تتعلق بغيرهم وفقد النسب والدين لا يقر معهما النكاح بغير خلاف عن أحمد وفقد الجزية غير مبطل بغير خلاف عنه بل يثبت بها الخيار بعد الكفاءة للمرأة أو لوليها وعلى هذا التراخي في ظاهر. فعلى هذا يسقط خيارها بما يدل على الرضى من قول أو فعل، وأما الأولياء فلا يسقط إلا بالقول ويفتقر الفسخ به إلى حاكم في قياس المذهب كالفسخ للعيوب للاختلاف فيه. ولو كان ناقصا من وجه آخر مثل أن كان دونها في النسب فرضوا به ثم بان فاسقا وهي عدل فيها ينبغي ثبوت الخيار كما رضيت به لعلة مثل الجذام فظهر به عيب آخر كالجنون والعنة، فأما إن رضوا بفسقه من وجه فبان فاسقا من آخر مثل أن ظنوه يشرب الخمر فظهر أنه يلوط أو يشهد بالزور أو يقطع الطريق وبيض لذلك أبو العباس. وإن حدثت له الكفاءة مقارنة بأن يقول سيد العبد بعد إيجاب النكاح له قبلت له النكاح وأعتقته فقياس المذهب صحة ذلك وتخرج رواية أخرى على مسألة إذا أعتقهما معا وعلى مسألة أعتقتك وجعلت عتقك صداقك لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان مع الكتمان والإشهاد فهذا بما ينظر فيه وإذا انتفى الإشهاد والإعلان فهو باطل عند عامة العلماء وإن قدر فيه خلاف فهو قليل وقد يظن أن في ذلك خلافا في مذهب الإمام أحمد.

باب المحرمات في النكاح

وتحرم بنته من الزنا قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته عليه القتل بمنزلة المرتد على أنه لم يقع له الخلاف فاعتقد أن المسألة إجماع أو على أن هذا فيمن عقد عليها غير متأول ولا مقلد فيجب عليه الحد. وقال أبو العباس: كلام أحمد يقتضي أنه أوجب حد المرتد لاستحلال ذلك لا حد الزنى وذلك أنه استدل بحديث البراءة، وهذا يدل على أن استحلال هذا كفر عنده. قال القاضي في التعليق والشيخ في " المغني " يكفي في التحريم أن يعلم أنها بنته ظاهرا وإن كان النسب لغيره. قال أبو العباس: وظاهر كلام الإمام أحمد أن الشبهة تكفي في ذلك لأنه قال: أليس أمر النبي ﷺ سودة أن تحتجب من ابن زمعة ؟ وقال: { الولد للفراش } وقال: { إنما حجبها للشيء الذي رأى بعينه }. قال القاضي: والخلوة إن تجردت عن نظر أو مباشرة دون الفرج فروايتان قال وفيما أطلق القول في رواية أبي الحارث إذا خلا بها وجب الصداق، والعدة ولا يحل أن يتزوج أمها وبنتها ولا تحل المرأة لأبيه وابنه. قال: وهذا محمول على أنه حصل مع الخلوة نظرا أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين. قال أبو العباس: وهذا ضعيف، وإنما الخلوة هنا إن اتصلت بعقد النكاح قامت مقام الوطء، فأما الخلوة بالأمة والأجنبية فلا أثر لها، وسحاق النساء قياس المذهب المنصوص أنه يخرج على الخلاف في مباشرة الرجل الرجل بشهوة، ويحرم بنت الربيبة لأنها ربيبة وبنت الربيب أيضا نص عليهما الإمام أحمد في رواية صالح. قال أبو العباس: ولا أعلم في ذلك نزاعا وتحرم زوجة الربيب نص عليه أحمد في رواية ابن مشيش. وكذا في الربيب يتزوج امرأة رابه لأنه ليس من الأبناء. والمنصوص عن الإمام أحمد في مسألة التلوط إنما هو أن الفاعل لا يتزوج بنت المفعول وكذلك أمه وهذا قياس جيد، فأما تزوج المفعول بأم الفاعل وابنته ففيه [ خلاف ]، ولم ينص عليه، وذلك لأن واحدا منهما تمتع بأصل وفرع والأصل أنه يتمتع بالرجل أصل وفرع أو يتمتع بالمرأة أصل وفرع وهذا المفعول به يتمتع في أحد الطرفين وهو يتمتع في الطرف الآخر والوطء الحرام لا يثير تحريم المصاهرة. واعتبر أبو العباس: في موضع آخر التوبة حتى في اللواط ويحرم الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين كقول جمهور العلماء، وقيل لأحمد في رواية ابن منصور الجمع بين المملوكتين أتقول إنه حرام ؟ قال: لا أقول إنه حرام ولكن ينهى عنه قال القاضي ظاهر هذا أنه لا يحرم الجمع وإنما يكره. قال أبو العباس: الإمام أحمد لم يقل ليس هذا حراما، وإنما قال لا أقول هو حرام وكانوا يكرهون أن يقولوا هو فرض ويقولون يؤمر به وهذا الأدب في الفتوى مأثور عن جماعة من السلف وذلك إما لتوقف في التحريم أو استهابة لهذه الكلمة كما يستهب لفظ الفرض إلا فيما علم وجوبه فإذا كان المفتي يمتنع أن يقول هو فرض إما لتوقفه أو لكون الفرض ما ثبت وجوبه بالقاطع أو ما بين وجوبه في الكتاب فكذلك الحرام وأما أن يجعل عن أحمد أنه لا يحرم بل يكره فهذا غلط عليه ومأخذه الغفلة عن دلالة الألفاظ ومراتب الكلام وقد ذكر القاضي هذا في العدة بعينه في مسألة الفرض هل هو أعلى من الواجب وذكر لفظ الإمام أحمد في هذه الرواية ولفظه في الميقات فعلم أنه لم يجعل في المسألة خلافا فلو وطئ إحدى الأختين المملوكتين لم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإخراج عن ملكه أو تزويج قال ابن عقيل ولا يكفي في إباحتها مجرد إزالة الملك حتى تمضي حيضة الاستبراء وتنقضي فتكون الحيضة كالعدة. وقال أبو العباس: وليس هذا القيد في كلام أحمد وجماعة الأصحاب، وليس هو في كلام علي وابن عمر مع أن عليا لا يجوز وطء الأخت في عدة أختها ولو زال ملكه عن بعضها كفى وهو قياس قول أصحابنا، فإن حرم إحداهما بنقل الملك فيها على وجه يمكن استرجاعه مثل أن يهبهما لولده أو يبيعها بشرط. فقد ذكر الجد الأعلى في البيع والرهن بشرط الخيار وجهين، فإن أخرج الملك لازما ثم عرض له المبيح للفسخ أن يبيعها سلعة فتبين أنها كانت مبيعة أو يفلس المشتري بالثمن أو يظهر في العوض تدليس أو يكون مغبونا فالذي يجب أن يقال في هذه المواضع أنه يباح وطء الأخت بكل حال على عموم كلام الصحابة والفقهاء أحمد وغيره. والبيع والهبة يوجبان التفريق بين ذوي الرحم المحرم وهو لا يجوز بين الصغار، وفي جوازه بين الكبار روايتان. وقد أطلق علي وابن عمر والفقهاء أحمد وغيره أن يبيعها أو يهبها مع أن عليا هو الذي روى النهي عن التفريق بين الأختين ولم يتعرضوا لهذا الأصل فإن بنى عليه لم يجز البيع والهبة رواية واحدة قبل البلوغ. وإنما يجوز العتق أو التزويج وفي جوازهما بعد البلوغ روايتان أو يجوز له التفريق هنا لأجل الحاجة لأنه يحرم الجمع في النكاح ويحرم التفريق فلا بد من تقديم أحدهما. وكلام الصحابة والفقهاء بعمومه يقتضي هذا ولو أزال ملكه عنها بغير العتق مثل أن يبيعها أو يهبها فينبغي أن لا يجوز له أن يتزوج أختها في مدة الاستبراء كما لا يحل له وطؤها على ما تقدم إلا أن هذا ينبغي أن يزيد على تزوجه بأختها مع بقاء الملك لإمكان أن يدعي المشتري والمتهب ولدها بخلاف المعتقة، وشبهة الملك حقيقة لا كالنكاح فعلى هذا إذا وطئ أمة بشبهة ملك ففي تزوج أختها في مدة استبرائها ما في تزوج أختها المستبرأة بعد زوال ملكه عنها.

ومن وطئت بشبهة حرم نكاحها على غير الواطئ في عدتها منه لا عليه فيها إن لم تكن لزمتها عدة من غيره وهو رواية عن الإمام واختارها المقدسي وللأب تزويج ابنته في عدة النكاح الفاسد عند أكثر العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه. وتحريم المصاهرة لا يثبت بالرضاع فلا يحرم على الرجل نكاح أم زوجته وابنتها من الرضاع ولا على المرأة نكاح أبي زوجها وأمه من الرضاع قال أبو محمد المقدسي في المغني إذا تزوج أختين ودخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة أختها لئلا يكون واطئا لإحدى الأختين في عدة الأخرى. وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لأكثر من أربع فإن كن خمسا ففارق إحداهن لم يطأ واحدة من المختارات قالوا هذا قياس المذهب. قال أبو العباس: وفي هذا نظر فإن ظاهر السنة يخالف ذلك لم يذكر فيها هذا الشرط ويمكن الفرق بين هذه وبين غيرها وتأملت كلام أحمد وعامة أصحابنا فوجدتهم قد ذكروا أنه يمسك منهن أربعا ولم يشترطوا في جواز وطئه انقضاء العدة لا في جمع الرهم ولو كان لهذا أصل عندهم لم يغفلوه فإنهم دائما في مثل هذا ينبهون على اعتزال الزوجة كما ذكره الإمام أحمد فيما إذا وطئ أخت امرأته بنكاح فاسد أو زنى بها وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى فإن العدة تابعة لنكاحها وقد عفا الله عن جميع نكاحها فكذلك يعفو عن توابع ذلك النكاح لكن قياس هذا القول أنه لو أسلم وتحته سريتان أختان فحرم واحدة على نفسه بعد الإسلام جاز وطء الأخرى قبل استبراء تلك فأما لو طلق زوجته في الشرك ثم أراد أن يتزوج أختها في الإسلام قبل انقضاء عدة المطلقة فهذا لا يجوز وتحرير هذه المسائل أن العدة إما أن تكون من نكاح صحيح فلا يجوز تزوج أختها ولا وطؤها بملك وإن كان ملك يمين لم يصح النكاح على المشهور ولا توطأ بنكاح ولا بملك يمين حتى تنقضي العدة ولا يجوز في عدة النكاح تزوج أربع سواها قولا واحدا ويجوز ذلك في عدة ملك اليمين وإن كانت العدة من نكاح فاسد أو شبه نكاح فهي كحقيقة النكاح في المشهور من المذاهب وإن كانت العدة من نكاح فاسد أو شبهة ملك فإنما الواجب الاستبراء وذلك لا يزيد على حقيقة الملك.

وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها وهو مذهب الإمام أحمد وغيره وصفة توبتها أن يراودها عن نفسها فإن أجابت لم تتب وإن لم تجبه فقد تابت وهو مروي عن عمر وابنه وابن عباس ومنصوص الإمام أحمد وعلى هذا كل من أراد مخالطة إنسان اتهمه حتى يعرف بره وفجوره أو توبته ويسأل عن ذلك من يعرفه ويمنع الزاني من تزويج العفيفة حتى يتوب. قال أبو العباس: بعد أن حكى عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته وقد زنى قبل أن يدخل بها. وعن جابر بن عبد الله والحسن والنخعي أنه يفرق بينهما ويؤيد هذا من أصلنا أنه يعضل الزانية لتختلع منه وأن الكفاءة إذا زالت في أثناء العقد فإن لها الفسخ في أحد الوجهين وإذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها وإلا كان ديوثا وكلام الإمام أحمد عامة يقتضي تحريم التزويج بالحربيات وله فيما إذا خاف على نفسه روايتان، والمنع من النكاح في أرض الحرب عام في المسلمة والكافرة ولو تزوج المرتد كافرة مرتدة كانت أو غيرها أو تزوج المرتدة كافرا ثم أسلما فالذي ينبغي أن يقال هنا أنا نقرهم على نكاحهم أو مناكحتهم كالحربي إذا نكح نكاحا فاسدا ثم أسلما فإن المعنى واحد وهذا جيد في القياس إذا قلنا: إن المرتد لا يؤمن بفعل ما تركه في الردة من العبادات لكن طرده أنه لا يحد على ما ارتكبه في الردة من المحرمات وفيه خلاف في المذهب وإن كان المنصوص أنه يحد فإذا قلنا: إنه يؤمن بقضاء ما تركه من الواجبات ويضمن ويعاقب على ما فعله من المحرمات ففيه نظر ومما يدخل في هذا كل عقود المرتدين إذا أسلموا قبل التقابض أو بعده وهذا باب واسع يدخل فيه خمسة أحكام: أهل الشرك في النكاح وتوابعه، والأموال وتوابعها أو تمالئوا على مال مسلم أو تقاسموا ميراثا ثم أسلموا بعد ذلك والدماء وتوابعها وقال القاضي في الجامع فإن كان الحر كتابيا لم يجز له أن يتزوج الأمة الكتابية. وقال أبو العباس: مفهوم كلام الجد أنه يباح للكافر نكاح الأمة الكافرة وتباح الأمة لواجد الطول غير خائف العنت إذا شرط على السيد عتق كل من يولد منها وهو مذهب الليث لامتناع مفسدة إرقاق ولده وكذا لو تزوج أمة كتابية شرط له عتق ولدها منه والآية إنما دلت على تحريم غير المؤمنات بالمفهوم ولا عموم له بل يصدق بصورة ولو خشي القادر على الطول على نفسه الزنا بأمة غيره لمحبته لها ولم يبذلها سيدها له بملك أبيح له نكاحها. وهو مروي عن الحسن البصري وغيره من السلف ولو تزوج الأمة في عدة الحرة جاز عند أصحابنا إذا كانت العدة من طلاق بائن وكان خائفا للعنت عادما لطول حرة بناء على أن علة المنع ليست هي الجمع بينهما وبين الحرة ويخرج المنع إذا منعنا من الجمع بينهما وكذلك خرج الجد في الشرح.

ذكر أصحابنا أن الزوج إذا اشترى زوجته انفسخ النكاح. وقال الحسن: إذا اشترى زوجته للعتق فأعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما وهذا قوي فيما إذا قال إذا ملكتك فأنت حرة وصححنا الصفة لأنه إذا ملكها فالملك لا يوجب بطلان النكاح لأن الحرية لا تنافيه وإنما التنافي أن تكون مملوكته زوجته فإذا زال الملك عقب ثبوته لم يجامع النكاح فلا يبطله لأنه حين زال كان ينبغي زوال النكاح، والملك في حال زواله لا ثبوت له وهذا الذي لحظه الحسن فإنه إذا اشتراها ليعتقها فأعتقها لم يكن للملك قوة تفسخ النكاح ويؤيد هذا القول أن حدوث الملك بمنزلة اختلاف الدين وإذا لم يدم تغير الدين فهما على نكاحهما فكذلك هنا إذ النكاح يقع سابقا وهذا إنما يكون إذا كان العتق حصل بعد الملك هاهنا لم يتقدم الانفساخ على العتق

ويكره نكاح الحرائر الكتابيات مع وجود الحرائر المسلمات قاله القاضي وأكثر العلماء كما يكره أن يجعل أهل الكتاب ذباحين مع كثرة ذباحين مسلمين ولكن لا يحرم ولو قتل رجل رجلا ليتزوج امرأته حرمت على القاتل مع حلها لغيره ولو جبر امرأته على زوجها حتى طلقها ثم تزوجها وجب أن يعاقب هذا عقوبة بليغة وهذا النكاح باطل في أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ويجب التفريق بين هذا الظالم المعتدي وبين هذه المرأة الظالمة وإذا أحب امرأة في الدنيا ولم يتزوجها وتصدق بمهرها وطلبها من الله تعالى أن تكون له زوجة في الآخرة رجي له ذلك من الله تعالى ولا يحرم في الآخرة ما يحرم في الدنيا من التزويج بأكثر من أربع والجمع بين الأختين ولا يمنع أن يجمع بين المرأة وبنتها.

باب الشروط والعيوب في النكاح

إذا شرط الزوج للزوجة في العقد أو اتفقا قبله أن لا يخرجها من ديارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو إن تزوج عليها فلها تطليقها صح الشرط وهو مذهب الإمام أحمد ولو خدعها فسافر بها ثم كرهته لم يكرهها وإذا أراد أن يتزوج عليها أو يتسرى وقد شرط لها عدم ذلك فقد يفهم من إطلاق أصحابنا جوازه بدون إذنها لكونهم إنما ذكروا أن لها الفسخ ولم يتعرضوا للمنع. قال أبو العباس: وما أظنهم قصدوا ذلك، وظاهر الأثر والقياس يقتضي منعه كسائر الشروط الصحيحة وإذا فعل ذلك ثم قبل أن تفسخ طلق أو باع فقياس المذهب أنها لا تملك الفسخ وأما إن شرط إن كان له زوجة أو سرية فصداقها ألفان ثم طلق الزوجة أو أعتق السرية بعد العقد قبل أن تطالبه ففي إعطائها ذلك نظر ومن شرط لها أن يسكنها منزل أبيه فسكنت ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز لم يلزمه ما عجز عنه بل لو كان قادرا فليس لها عند مالك وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره غير ما شرط لها.

وعليه بطلان نكاح الشغار من اشتراط عدم المهر فإن سموا مهرا صح وقياس المذهب أنه شرط لازم لأنه شرط استحل به الفرج ولولا لزومه لم يك قول المجيب والقابل مصححا لنكاح الأول وإن شرط الزوجان أو أحدهما فيه خيارا صح العقد والشرط وإن شرطها بكرا أو جميلة أو ثيبا فبانت بخلافه ملك الفسخ وهو رواية عن الإمام أحمد وقول مالك وأحد قولي الشافعي ولو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد فتركته فيما بعد ملك الفسخ كما لو شرطت عليه ترك التسري فتسرى فيكون فوات الصفة إما مقارنا وإما حادثا كما أن العنت إما مقارن أو حادث. وقد يتخرج في فوات الصفة في المستقبل قولان كما في فوات الكفاءة في المستقبل وحدوث العنت لكن المشروط هنا فعل تحدثه أو تركها فعلا ليس هو صفة ثابتة لها ولو شرطت مقام ولدها عندها ونفقته على الزوج فهو مثل اشتراط الزيادة في الصداق ويرجع في ذلك إلى العرف كالأجير بطعامه وكسوته ولو شرطت أنه يطؤها في وقت دون وقت ذكر القاضي في الجامع أنه من الشروط الفاسدة ونص الإمام أحمد في الأمة يجوز أن يشترط أهلها أن تخدمهم نهارا ويرسلوها ليلا يتوجه منه صحة هذا الشرط إن كان فيه غرض صحيح مثل أن يكون لها بالنهار عمل فتشترط أن لا يستمتع بها إلا ليلا ونحو ذلك، وشرط عدم النفقة فاسد ويتوجه صحته لا سيما إذا قلنا: إنه إذا أعسر الزوج ورضيت الزوجة به لم تملك المطالبة بعد وإذا شرطت أن لا تسلم نفسها إلا في وقت بعينه فهو نظير تأخير التسليم في البيع والإجارة وقياس المذهب صحته وذكر أصحابنا أنه لا يصح ولو شرطت زيادة في النفقة الواجبة فقياس المذهب وجوب الزيادة. وكذلك إذا شرطت زيادة على المنفعة التي يستحقها بمطلق العقد مثل أن تشترط أن لا يترك الوطء إلا شهرا أو أن لا يسافر عنها أكثر من شهر فإن أصحابنا القاضي وغيره قال في تعليل المسألة لأنها شرطت عليه شرطا لا يمنع المقصود بعقد النكاح ولها فيه منفعة فيلزم الزوج الوفاء به كما لو شرطت من غير نقد البلد وهذا التعليل يقتضي صحة كل شرط لها فيه منفعة ولا يمنع مقصود النكاح ولا يصح نكاح المحلل ونية ذلك كشرطه وأمانيه الاستمتاع وهو أن يتزوجها. ومن نيته أن يطلقها في وقت أو عند سفره فلم يذكرها القاضي في المجرد ولا الجامع ولا ذكرها أبو الخطاب. وذكرها أبو محمد المقدسي وقال النكاح صحيح لا بأس به في قول عامة العلماء إلا الأوزاعي. قال أبو العباس: ولم أر أحدا من أصحابنا ذكر أنه لا بأس به تصريحا إلا أبا محمد وأما القاضي في التعليق فسوى بين نيته على طلاقها في وقت بعينه وبين التحليل وكذلك الجد وأصحاب الخلاف وإذا ادعى الزوج الثاني أنه نوى التحليل أو الاستمتاع فينبغي أن لا يقبل منه في بطلان نكاح المرأة إلا أن تصدقه أو تقوم بينة إقرار على التواطؤ قبل العقد ولا ينبغي أن يقبل على الزوج الأول فتحل في الظاهر بهذا النكاح إلا أن يصدق على إفساده فأما إن كان الزوج الثاني ممن يعرف بالتحليل فينبغي أن يكون ذلك لتقدم اشتراطه إلا أن يصرح له قبل العقد بأنه نكاح رغبة. وأما الزوج الأول فإن غلب على ظنه صدق الزوج الثاني حرمت عليه فيما بينه وبين الله تعالى ولو تقدم شرط عرفي أو لفظي بنكاح التحليل وادعى أنه قصد إلى نكاح الرغبة قبل في حق المرأة إن صححنا هذا العقد وإلا فلا وإن ادعاه بعد المفارقة ففيه نظر وينبغي أن لا يقبل قوله لأن الظاهر خلافه ولو صدقت الزوجة أن النكاح الثاني كان فاسدا فلا تحل للأول لاعترافها بالتحريم عليه. وولد المغرور بأمة حر بفدية والدة وإن كان عبدا تعلق برقبته وجها واحدا لأنه ضمان جناية محضة ولو لم يكن ضمان جناية لم يلزمه الضمان بحال لانتفاء كونه ضمان عقد أو ضمان يد فيعتبر أن يكون ضمان إتلاف أو منع لما كان ينعقد ملكا للسيد كضمان الجنين وفارق ما لو استدان العبد فإنه حينئذ قبض المال بإذن صاحبه وهنا قبض مالية الأولاد بدون إذن السيد فهي جناية محضة ولو أذن له السيد في نكاح حرة فالضمان عليه لأنه أذن له في الإتلاف أو الاستدانة على رواية.

فصل في العيوب المثبتة للفسخ والاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح في أظهر الوجهين وإذا كان الزوج صغيرا أو به جنون أو جذام أو برص فالمسألة التي في الرضاع تقتضي أن لها الفسخ في الحال ولا ينتظر وقت إمكان الوطء وعلى قياسه الزوجة إذا كانت صغيرة أو مجنونة أو عقلاء أو قرناء ويتوجه أن لا فسخ إلا عند عدم إمكان الوطء في الحال وإذا لم يقر بالعنة ولم ينكر أو قال لست أدري أعنين أنا أم لا. فينبغي أن يكون كما لو أنكر العنة ونكل عن اليمين فإن النكول عن الجواب كالنكول عن اليمين فإن قلنا يحبس الناكل عن الجواب فالتأجيل أيسر من الحبس ولو نكل عن اليمين فيما إذا ادعى الوطء قبل التأجيل فينبغي أن يؤجل هنا كما لو نكل عن اليمين في العنة، والسنة المعتبرة في التأجيل هي الهلالية هذا هو المفهوم من كلام العلماء لكن تعليلهم بالفصول يوهم خلاف ذلك لكن ما بينهما متقارب ويتخرج إذا علمت بعنته أو اختارت المقام معه على عسرته هل لها الفسخ على روايتين ولو خرج هذا في جميع العيوب لتوجه وترد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الاستمتاع ولو بان الزوج عقيما فقياس قولنا بثبوت الخيار للمرأة أن لها حقا في الولد ولهذا قلنا لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها وعن الإمام أحمد ما يقتضيه. وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا وتعليل أصحابنا توقف الفسخ على الحاكم باختلاف أهل العلم فإنه إن أريد كل خيار مختلف فيه قومه يتوقف على الحاكم فخيار المعتقة يجب وهو مختلف فيه وخيارها بعد الثلاث مختلف فيه وهما لا يتوقفان على الحاكم ثم خيار امرأة المجبوب متفق عليه وهو من جملة العيوب التي قال: لا تتوقف على الحاكم ولا لما يعني الاعتذار فإن أصل خيار العنت الشرط مختلف فيه بخلاف أصل خيار المعتقة لأن أصل خيار العيب ثم خيارات البيع لا تتوقف على الحاكم مع الاختلاف والواجب أولا التفريق بين النكاح والبيع ثم لو علل بخفاء الفسخ وظهوره فإن العيوب وفوات الشرط قد تخفى وقد يتنازعون فيها بخلاف إعتاق السيد لكان أولى من تعليله بالاختلاف. ولو قيل بأن الفسخ يثبت بتراضيهما تارة وبحكم الحاكم أخرى أو بمجرد فسخ المستحق ثم الآخر إن أمضاه وإلا أمضاه الحاكم لتوجه وهو الأقوى ومتى أذن الحاكم أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ مأذون لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته بلا نزاع لكن لو عقد الحاكم أو فسخ فهو فعله وإلا صح أنه حكم وإذا اعتبر تفريق الحاكم ولم يكن في الموضع حاكم، فالأشبه أن لها الامتناع، وكذلك تملك الانتقال من منزله، فإن من ملك الفسخ ملك الامتناع من التسليم وينبغي أن تملك النفقة في هذه المدة لأن المانع منه وإذا أعتقت الأمة تحت عبد ثبت لها الخيار اتفاقا وكذلك تحت حر وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة وإن كان الزوج عبدا لملكها رفقها وبضعها ولو شرط عليها سيدها دوام النكاح تحت حر أو عبد فرضيت لزمها ذلك ومذهب الإمام أحمد يقتضيه فإنه يجوز العتق بشرط. ذكر أبو محمد المقدسي إذا أسلمت الأمة أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها إرضاعه قبل الدخول سقط المهر وجعله أصلا قائما عليه ما إذا أعتقت قبل الدخول واختارت الفراق معه أن المهر يسقط على رواية لنا. قال أبو العباس: والتنصيف في مسألة الإسلام ونظائرها أولى فإنها إنما فسخت لإعتاقه لها فالإعتاق سبب للفسخ ومن أتلف حقه متسببا سقط وإن كان المباشر غيره بخلاف ما إذا كان السبب والمباشرة من الغير فإذا قيل في مسألة العتق بالتنصيف فالردة والإسلام والرضاع أولى بلا شك وإذا دخل النقص على الزوج بالمرأة وفوات صفة أو شرط صحيح أو باطل فإنه ينقص من المسمى بنسبة ما نقص وهذا النقص من مهر المثل لو لم يسلم لها ما شرطته أو كان الزوج معيبا فيقال ألف درهم وإذا أسلم لها ذلك أو كان الزوج سليما فيقال ثمانمائة درهم فيكون فوات الصفة والعيب قد صار من مهر المثل الخمس فينقصها من المسمى بحسب ذلك فيكون بقيمته مال ذهب منه فيزاد عليه مثل ربعه فإذا كان ألفين استحق ألفين وخمسمائة وهذا هو المهر الذي رضيت به ولو كان الزوج معيبا أو لم يشترط صفة وهذا هو العدل ويرجع الزوج المغرور بالصداق على من غره من المرأة أو الولي في أصح قول العلماء.

باب نكاح الكفار

والصواب أن أنكحتهم المحرمة في دين الإسلام حراما مطلقا إذا لم يسلموا عوقبوا عليها وإن أسلموا عفي لهم ذلك لعدم اعتقادهم تحريمه واختلف في الصحة والفساد والصواب أنها صحيحة من وجهين فإن أريد بالصحة إباحة التصرف فإنما يباح لهم بشرط الإسلام وإن أريد نفوذه وترتيب أحكام الزوجية عليه من حصول الجمل به للمطلق ثلاثا ووقوع الطلاق فيه وثبوت الإحصان به فصحيح وهذا مما يقوي طريقة من فرق بين أن يكون التحريم لغير المرأة أو لوصف لأن ترتيب هذه الأحكام على نكاح المحارم بعيد جدا وقد أطلق أبو بكر وابن أبي موسى وغيرهما صحة أنكحتهم من تصريحهم بأنه لا يحصل الإحسان بنكاح ذوات المحارم ولو قيل إن من لم يعلم التحريم فهو في ملك المحرمات بمنزلة أهل الجاهلية كما قلنا على إحدى الروايتين أن من لم يعلم الواجبات فهو فيها كأهل الجاهلية فلا يجب عليهم القضاء. كذلك أولئك تكون عقودهم وفعلهم بمنزلة عقود أهل الجاهلية فإذا اعتقدوا أن النكاح بلا ولي ولا شهود وفي العدة صحيح كان بمنزلة أهل الجاهلية ويحمل ما نقل عن الصحابة على أن المعاند لم يعذر لتركه تعلمه العلم مع تقصيره بخلاف أهل البوادي والحديث العهد بالإسلام ومن قلد فقيها فيتوارثون بهذه الأنكحة ولو تقاسموا ميراثا جهلا فهذا شبيه بقسم ميراث المفقود إذا ظهر حيا لا يضمنون ما أنفقوا لأنهم معذورون وأما الباقي فيفرق بين المسلم والكافر كما فرقنا في أموال القتال بينهما فإن الكافر لا يرد باقيا ولا يضمن تالفا والمسلم يرد الباقي ويضمن التالف وعلى قياسه كل متلف معذور في إتلافه لتأويل أو جهل وإذا أسلم الكافر وتحته معتدة فإن كان لم يدخل بها منع من وطئها حتى تنقضي العدة وإن كان دخل بها لم يمنع الوطء إلا أن تكون قبل وطئه وعلى التقديرين فلا ينفسخ النكاح ويحتمل أن يقال في أنكحة الكفار التي نقضي بفسادها إن كان حصل بها دخول استقر وإن لم يكن دخل وقبضته فرض لها مثل المهر ونص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور لأنا إنما نقرر تقابض الكفار في المشهور إذا كان من الطريقين. فإذا قبضت الخمر أو الخنزير قبل الدخول لم يحصل التقابض من الطرفين فأشبه ما لو باع خمرا بثمن وقبضها ثم أسلما فإنا لا نحكم له بالثمن فكذا هنا وإذا لم يقبضه فرض لها مهر المثل، فإن كان عين لها محرما مثل إن كان عادتهم التزويج على خمر أو خنزير أو دراهم مع خمر وخنزير يحتمل ذلك وجهين: أحدهما: أنه يجعل ذلك وجوده كعدمه ويكون كمن لا أقارب لها فينظر في عادة أهل البلد وإلا فأقرب البلاد. والثاني: تعتبر قيمة ذلك عندهم وفرق أصحابنا في غير هذا الموضع بين الخمر والخنزير، فكذلك هاهنا فيتخرج أن لها في الخنزير مهر المثل وفي الخمر القيمة وحيث وجبت القيمة فلا كلام وإن اختلفا فإن قامت بينة للمسلمين بالقيمة عندهم بأن يكون ذلك المسلم يعرف بسعر ذلك عندهم قضى به وإلا فالقول قول الزوج مع يمينه وإن لم يكن سمى لها صداقا فرض لها مهر المثل ويتوجه أن الإسلام والترافع إن كانا قبل الدخول فلها ذلك كما لو كان على محرم وأولى وإن كان بعد الدخول. فإيجاب مهرها فيه نظر فإن الذين أسلموا على عهد رسول الله ﷺ كان بعض أنكحتهم ذلك ولم يأمر أحدهم بإعطاء مهر وإذا أسلمت الزوجة والزوج كافر ثم أسلم قبل الدخول أو بعد الدخول فالنكاح باق ما لم تنكح غيره والأمر إليها ولا حكم له عليها ولا حق عليه لأن الشارع لم يفصل وهو مصلحة محضة وكذا إن أسلم قبلها، وليس له حبسها فمتى أسلمت ولو قبل الدخول أو بعده فهي امرأته إن اختار. وكذا إن ارتد الزوجان أو أحدهما ثم أسلما أو أحدهما وإن كان الزوجان سبق أحدهما بالإسلام ولم يعلم عينه فللزوجة نصف المهر قاله أبو الخطاب تغريما على رواية أن لها نصف المهر إن كان هو المسلم. وقال القاضي: إن لم تكن قبضته لم يجز أن تطالبه بشيء وإن كانت قبضته ثم يرجع عليها فيما فوق النصف قياس المذهب هنا القرعة. قال أبو العباس: وقياس المذهب فيما أراه أن الزوجة إذا أسلمت قبل الزوج فلا نفقة لها لأن الإسلام سبب يوجب البينونة والأصل عدم السلامة في العدة فإذا لم يسلم حتى انقضت العدة تبينا وقوع البينونة بالإسلام ولا نفقة عندنا للبائن، وإن أسلم الكافر وله ولد صغير تبعه في الإسلام فإذا كان تحت الصغير أكثر من أربع نسوة، فقال القاضي ليس لوليه الاختيار منهن لأنه راجع إلى الشهوة والإرادة ثم قال في " الجامع ": يوقف الأمر حتى يبلغ فيختار وقال في المحرر حتى يبلغ عشر سنين، وقال ابن عقيل حتى يراهق ويبلغ أربعة عشر سنة. وقال أبو العباس: الوقف هنا ضعيف لأن الفسخ واجب فيقوم الولي مقامه في التعيين، كما يقوم مقامه في تعيين الواجب عليه من المال من الزكاة وغيرها. أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه اختار منهن أربعا وفارق سائرهن وليس طلاق إحداهن اختيارا لها في الأصح.

باب الصداق

ولا يجوز كتابة الصداق على الحرير وقاله ابن عقيل، وكلام الإمام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه يستحب أن يكون الصداق أربعمائة درهم، وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه. وكلام القاضي وغيره يقتضي أنه لا يستحب بل يكون بلوغه مباحا ولو قيل إنه يكره جعل الصداق دينا سواء كان مؤخر الوفاء وهو حال أو كان مؤجلا لكان متوجها لحديث الواهبة والصداق المقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك. فأما إذا كان عاجزا عن ذلك كره بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته فينبغي أن يكره هذا كله لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة والأوجه أنه إذا تزوج بنية أن يعطيها صداقا محرما أو لا يوفيها الصداق أن الفرج لا يحل له فإن هذا لم يستحل الفرج بماله فلو تاب من هذه النية ينبغي أن يقال حكمه حكم ما لو تزوجها يعني بحرمة والمرأة لا تحرر محرما قال في المحرر كل ما صح عوضا في بيع أو إجارة صح مهرا إلا منافع الزوج الحر المقدرة بالزمان فإنها على روايتين وأما القاضي في التعليق فأطلق الخلاف في منافع الحر من غير تقييده بزوج وكذلك ابن عقيل. وأما أبو الخطاب والشيخ أبو محمد في المقنع فلفظهما إذا تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين فاعتبر صاحب المحرر القيدين الزوجية والحرية ولعل مأخذ المنع أنها ليس بمال كقول الحنفية وسلمه القاضي ولم يمنعه في غير موضع وقال أبو محمد هذا ممنوع بل هي مال وتجوز المعاوضة عليها. قال أبو العباس: والذي يظهر في تعليل رواية المنع أنه لما فيه من كون كل من الزوجين يصير ملكا للآخر فكأنه يقضي إلى تنافي الأحكام كما لو تزوجت عبدها وعلى هذا التعليل فينبغي إذا كانت المنفعة لغيرها أن تصح وعلى هذا تخرج قصة شعيب وموجب هذا التعليل أن المرأة لا تستأجر زوجها إجارة معينة مقدرة بالزمان وأن كل واحد من الأجيرين لا يستأجر الآخر ويجوز أن يكون المنع مختصا بمنفعة الخدمة خاصة لما فيه من المهنة والمناجاة وإذا لم تصح المنافع صداقا فقياس المذهب أنه تجب قيمة المنفعة المشروطة إلا إذا علما أن هذه المنفعة لا تكون صداقا فيشبه ما لو أصدقها مالا مغصوبا في أن الواجب مهر المثل في أحد الوجهين وإذا تزوجها على أن يعلمها أو يعلم غلامها صنعة صح ذكره القاضي والأشبه جوازه أيضا ولو كان المعلم أخاها أو ابنها أو أجنبيا وإن لم يحصل للمرأة ما أصدقها لم يكن النكاح لازما ولو أعطيت بدله كالبيع وإنما يلزم ما ألزم الشارع به أو التزمه المكلف وما خالف هذا القول ضعيف مخالف للأصول. فإذا نقل بامتناع العقد يتعذر تسليم المعقود عليه فلا أقل من أن تملك المرأة الفسخ فإذا أصدقها شيئا معينا وتلف قبل قبضه ثبت للزوجة فسخ النكاح وإن كان الشرط باطلا ولم يعلم المشترط ببطلانه لم يكن العقد لازما بل إن رضي بدون الشرط وإلا فله الفسخ وإذا تزوجها أن يشتري لها عبد زيد فامتنع زيد من بيعه فأعطاها قيمته ثم باعه زيد العبد فهل لها رد البدل وأخذ العبد، تردد فيه أبو العباس ولو أصدقها عبدا بشرط أن تعتقه. فقياس المشهور من المذهب أنه يصح كالبيع والذي ينبغي في أصناف سائر المال كالعبد والشاة والبقرة والثياب ونحوهما أنه إذا أصدقها شيئا من ذلك أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها كما نقول في الدراهم والدنانير المطلقة في العقد وإن كان بعض ذلك غالبا أخذ به كالبيع أو كان من عادتها اقتناؤه أو لبسه فهو كالملفوظ به. ونص الإمام أحمد في رواية جعفر، والنسائي: أنه إذا أصدقها عبدا من عبيده أنه يصح ولها الوسط على قدر ما يخدمها ونقلها دليل على ذلك فإنه لم يعتبر الخادم مطلقا وإنما اعتبر ما يناسبها. قال أبو العباس: في الخلع ولو خالعها على عبد مطلق لو قيل يجب ما يجزئ عتقه في الكفارة وما يجب في النذر المطلق لكان أقرب إلى القياس إلا أنه لا يعتبر فيه الإيمان. أطلق القاضي أنه إذا تزوجها على بيت أنه لا يصح واستدل بمسألة تفاوتها في الحضر ومفهومها أن البدوية ليست كذلك وهذا أشبه لأن بيوت البادية من جنس واحد كالخادم بخلاف الحضر فإن بيوتهم تختلف جنسا وقدرا وصفة اختلافا متفاوتا. ولو علم السورة أو القصيدة غير الزوج ينوي بالتعليم أنه عن الزوج من غير أن يعلم الزوجة فهل يقع عن الزوج فيتوجه أن يقال: إن قلنا لا يجبر الغريم على استيفاء الدين من غير المدين لم يلتفت إلى نيته إذ لم يظهرها لأن هذا الاستيفاء شرط بالرضا والغريم المستحق لم يرض أنه يستوفي دينه من غير المدين وإن قلنا يجبر المستحق على الاستيفاء من غير الغريم فيتوجه أن يؤثر مجرد دينه الموفى ويقبل قوله فيما بعد. ولو تزوجها على مائة مقدما ومائة مؤجلة صح ولا تستحق المطالبة بالمؤجلة إلا بموت أو فرقة. ونص عليه الإمام أحمد في رواية جماعة، واختاره شيوخ المذهب كالقاضي وغيره جاء عن ابن سيرين عن شريح أنه تزوج رجل امرأة على عاجل وآجل إلى الميسرة فقدمته إلى شريح فقال دلنا على ميسرة فآخذه لك وقياس المذهب أن هذا شرط صحيح لأن الجهالة فيه أقل من جهالة الفرقة وكان في الحقيقة هذا الشرط مقتضى العقد، ولو قيل بصحته في جميع الآجال لكان متجها صرح الإمام أحمد والقاضي وأبو محمد وغيرهم بأنه إذا أطلق الصداق كان حالا. قال أبو العباس: إن كان الفرق جاريا بين أهل الأرض أن المطلق يكون مؤجلا فينبغي أن يحمل كلامهم على ما يعرفونه ولو كانوا يفرقون بين لفظ المهر والصداق فالمهر عندهم ما يعجل والصداق ما يؤجل كان حكمهم على مقتضى عرفهم ولو امرأة اتفق معها على صداق عشرة دنانير وأنه يظهر عشرين دينارا أو أشهد عليها بقبض عشرة فلا يحل لها أن تغدر به بل يجب عليها الوفاء بالشرط ولا يجوز تحليف الرجل على وجود القبض في مثل هذه الصورة لأن الإشهاد بالقبض في مثل هذا يتضمن الإبراء ولو تزوجها على أن يعطيها في كل سنة تبقى معه مائة درهم فقد يؤخذ من كلام كثير من أصحابنا أن هذه تسمية فاسدة لجهالة المسمى وتتوجه صحته بل هو الأشبه بأصولنا كما لو باعه الصبرة كل قفيز بدرهم، أو أكراه الدار كل شهر بدرهم، ولأن تقدير المهر بمدة النكاح بمنزلة تأجيله بمدة النكاح إذ لا فرق بين جهالة القدر وجهالة الأجل. وعلى هذا لو تزوجها على أن يخيط لها كل شهر ثوبا صح أيضا إذ لا فرق بين الأعيان والمنافع وإن تزوجها على منفعة داره أو عبده ما دامت زوجته وفيها قد تبطل المنفعة قبل زوال النكاح فإن شرط لها مثلا إذا تلفت فهنا ينبغي أن يصح، وإن لم يشترط ففيه نظر، ولو قيل في كل موضع تبرعت المرأة بالصداق ثم وقع الطلاق وهو باق بعينه أنه يرجع بالنصف على من هو في يده. وكذلك في جميع الفسوخ لم يبعد بخلاف ما لو خرج بمعاوضة ولو ادعى الزوج أن الصداق في عقد واحد تكرر، وقالت بل هو عقدان بينهما فرقة فالقول قولها ولها المهران هذا قول أبي الخطاب والجد وينبغي أن يكون القول قوله لأن الأصل عدم الفرقة بينهما والأصل براءة ذمته مما زاد على المهر الثاني ولا يستحق إلا نصفه لأن الأصل عدم الدخول ولم يثبت بينة ولا إقرار، وقال أبو محمد إن أنكر الدخول فالقول قوله وإن لم ينكره ولم يعترف به فالقول قولها في وجود الدخول. قال أبو العباس: وهكذا يحق في كل صورة ادعت عليه صداقا في نكاح فأنكر الزوج وقامت به البينة ووقع منه الطلاق هل يحكم عليه بجميع المسمى أو بنصفه أو يفرق بين ادعائه المسقط وعدمه على الأوجه ومأخذ المسألة أن الصداق إذا تبين بالعقد وحصلت الفرقة فهل يحكم به عليه ما لم يدع عدم الدخول ولو صالحت عن صداقها المسمى بأقل جاز لأنه إسقاط لبعض حقها ولو صالحته على أكثر من ذلك بطل الفضل لأن في ذلك ربا لأنه زيادة على حقها وقياس المذهب جوازه لأنه زيادة على المهر بعد العقد وذلك جائز، وصححنا أنه يصح أن يصطلحا على مهر المثل بأقل منه وأكثر مع أنه واجب بالعقد، والزيادة في المهر هل يفتقر لزومها إلى قبول الزوجة ينبغي أن يكون كإتيانه الفرض بعد الفرض فلو فرض لها أكثر من مهر المثل فهل يلزم بمجرد فرضه كلام أحمد زادها في مهرها مطلق لم يفصل بين أن تكون قبلتها أم لا.

ولو أراد أن يغير المهر مثل تبديل نقد بنقد، أو تأجيل الحال أو إحلال المؤجل ونحو ذلك فموجب تعليل أصحابنا في الفرق بين النكاح والبيع والإجارة أن هذا لا يصح لأن هذا ليس تبديل فرض، وإنما هو تغيير لذلك الفرض، وقد يحتمل كلامهم صحته أيضا لأن هذه الحالة بمنزلة ابتداء العقد وهو أشبه بكلامهم. وقال أبو العباس: وقد كتبت عن الإمام أحمد فيما إذا أهدى لها هدية بعد العقد فإنها ترد ذلك إليه إذا زال العقد الفاسد فهذا يقتضي أن ما وهبه لها سببه النكاح، فإنه يبطل إذا زال النكاح وهو خلاف ما ذكره أبو محمد وغيره. وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة وهو أن كل من أهدي أو وهب له شيء بسبب يثبت بثبوته ويزول بزواله ويحرم بحرمته ويحل بحله حيث جاز في تولي الهدية مثل من أهدى له للفرض، فإنه يثبت فيه حكم بدل الفرض. وكذلك من أهدى له لولاية مشتركة بينه وبين غيره كالإمام وأمير الجيش وساعي الصدقات فإنه يثبت في الهدية حكم ذلك الاشتراك ولو كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيره رجع بها. والنقد المقدم محسوب من الصداق وإن لم يكتب في الصداق إذا تواطئوا عليه ويطالب بنصفه عند الفرقة قبل الدخول لأنه كالشرط المقدم إلا أن يفتوا بخلاف ذلك وإذا أعتق أمته على أن تزوجه نفسها ويكون عتقها صداقها قال القاضي هي بالخيار إن شاءت تزوجته وإن شاء لم تتزوجه وتابعه أبو محمد وأبو الخطاب وغيرهما لأنه سلف في النكاح فلا يلزم الوفاء به ويتوجه صحة السلف في العقود كلها كما يصح في العتق، ويصير العتق مستحقا على المسلف إن فعله وإلا قام الحاكم مقامه في توفية العقد المستحق كما يقوم مقامه في توفية الأعيان والمنافع ؛ لأن العقد منفعة من المنافع فجاز السلم فيه كالصناعات. وهذا بمنزلة الهبة المشروط فيها الثواب. والمنصوص عن الإمام أحمد في اشتراط التزويج على الأمة إذا أعتقها لزوم هذا الشرط قبلت أم لم تقبل كاشتراط الهدية قال أحمد بن القاسم سئل أحمد عن الرجل يعتق الجارية على أن يتزوجها يقول: قد أعتقتك وجعلت عتقك صداقك أو يقول: قد أعتقتك على أن أتزوجك قال: هو جائز وهو سواء أعتقتك وتزوجتك، وعلى أن أتزوجك إذا كان كلاما واحدا إذا تكلم به وهو جائز. وهذا نص من الإمام أحمد على أن قوله أن أتزوجك بمنزلة قوله وتزوجتك. وكلامه يقتضي أنها تصير زوجة بنفس هذا الكلام، وعلى قول الأولين إذا لم يتزوجها ذكروا أنه يلزمها قيمة نفسها سواء كان الامتناع منه أو منها وهذا فيه نظر إذا كان الامتناع منه، ويتخرج على قولهم أنها تعتق مجانا ويتخرج أنه يرجع إلى بدل العوض لا إلى بدل العتق وهو قياس المذهب وأقرب إلى العدل إذ الرجل طابت نفسه بالعتق إذا أخذ هذا العوض وأخذ بدله قائم مقامه. ومن أعتقت عبدها على أن يتزوج بها أو بسواها أو بدونه عتق ولم يلزمه شيء ذكره أصحابنا وعلله ابن عقيل بأنها اشترطت عليه تمليك البضع وهو لا قيمة له وعلله القاضي بأنه سلف في النكاح والحظ في النكاح للزوج، وهذا الكلام فيه نظر، فإن الحظ في النكاح للمرأة، ولهذا ملك الأولياء أن يجبروها عليه دون الرجل وملك الولي في الجملة أن يطلق على الصغير والمجنون ولم يملك ذلك من الصغيرة ولو أراد أن يفسخ نكاحها. ومعلوم أنها اشترطت نفقة ومهرا أو استمتاعا وهذا مقصود كما أنه إذا أعتقها على أن يتزوجها شرط عليها استمتاعا تجب عليه النفقة، وأما إذا خير بين الزواج وعدمه فيتوجه أن عليه قيمة نفسه وإذا بدل التزويج فليس عليه إلا مهر المثل فإنه مقتضى النكاح المطلق، وإنما أوجبنا عليه بالمفارقة قيمة نفسه لأن العوض المشروط في العقد هو تزوجه بها ولا قيمة له في الشرع فيكون كمن أعتق على عوض لم يسم لها ويتوجه أنه إذا لم يتزوجها يعطيها مهر المثل أو نصفه لأنه هو الذي تستحقه عليه إذا تزوجها فإنه يملك الطلاق بعد ذلك وإنما يجب لها بالعقد مهر المثل وهذا البحث يجري فيما إذا أعتق عبده على أن يزوجه أخته أو يعتقها وإذا لم نصحح الطلاق مهرا. فذكر القاضي في " الجامع " وأبو الخطاب وغيرهما أنها تستحق مهرا بضده وقاله ابن عقيل وهو أجود فإن الصداق وإن كان له بدل عنه تعذره فله بدل عند فساد تسميته هذا قياس المذهب ولو قيل ببطلان النكاح لم يبعد لأن المسمى فاسد لا بدل له فهو كالخمر وكنكاح السفاح وإذا صححنا إصداق الطلاق فماتت الضرة قبل الطلاق فقد يقال حصل مقصودها من الفرقة بأبلغ الطرق فيكون كما لو وفى عنه المهر أجنبي وفيه نظر والذي ينبغي في الطلاق أنه إذا كان السائل له ليخلص المرأة جاز له بدل عوضه سواء كان نكاحا أو مالا كأن كانت له امرأة يضربها ويؤذيها فقال طلق امرأتك على أن أزوجك بنتي فهذا سلف في النكاح، أو قال: زوجتك بنتي على طلاق امرأتك فهذه مسألة إصداق الطلاق والأشبه أن يقال في مثل هذا: إن الطلاق يصير مستحقا عليه كما لو قال خذ هذا الألف على أن تطلق امرأتك وهذا سلف في الطلاق وليس يمتنع كما تقدم. وأما إن كان باذل العوض لغرض ضرر المرأة فها هنا لا يجوز للحديث فعلى هذا فلو خالعت الضرة عن ضرتها بمال أو خالع أبوها فهنا ينبغي أن لا يجوز هذا كما لا يجوز أن يخالع الرجل أو كان مقصوده التزويج بالمرأة فالأجنبي ينظر في مسألة الطلاق إن كانت محرمة فله حكم وإن كانت مباحة أو مستحقة فله حكم وإذا كان الأجنبي قد حرم عليه أن يسأل الطلاق فهل يحل للزوج أن يجيبه ويأخذ العوض وهذا نظير بيعه إياه على بيع أخيه ولو زوج موليته بدون مهر مثلها ولم يكن أبا لزم الزوج المسمى والتمام على الولي وهو رواية عن الإمام كالوكيل في البيع.

ويتحرر لأصحابنا فيما إذا زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أزيد روايات. إحداهن: أنه على الابن مطلقا إلا أن يضمنه الأب فيكون عليهما. الثانية: أن يضمنه فيكون عليه وحده. الثالثة: أنه على الأب ضمانا. الرابعة: أنه عليه أصالة. الخامسة: أنه إذا كان الابن مقرا فهو على الأب أصالة. السادسة: الفرق بين رضا الابن وعدم رضاه وضمان الأب المهر والنفقة على الابن قد يكون بلفظ الضمان وقد يكون بلفظ آخر. مثل أن يقول الذي لي لابني أو أنا وابني شيء واحد، وهل يترك والد ولده ونحو ذلك من الألفاظ التي تغرهم حتى يزوجوا ابنه، وقد يكون بدلالة الكلام وقد يذكر الأب ما يقتضي أنه قد ملك ابنه مالا أو يخبرهم بذلك فيزوجوه على ذلك، مثل أن يقول أنا أعطيته عشرة آلاف درهم أو له عشرة آلاف درهم ونحو ذلك، فهذا ينبغي أن يتعلق حقهم بهذا القدر من مال الأب ونفقة الزوجة قبل بلوغ الزوج أو قبل رضاه ينبغي أن تكون كالمهر قال القاضي في الجامع إذا مات الأب الذي عليه مهر ابنه فأخذ من تركته فإنه يرجع به على الابن نص عليه في رواية ابن منصور والبرزلي قال القاضي: يحتمل أن يكون أثبت له ذلك بناء على الرواية الأخرى وأنه تطوع بذلك لكن لم يحصل القبض منه وعلى هذا حمله أبو حفص. قال أبو العباس: ولا يتم الجواب إلا بالمأخذين جميعا وذلك أن الأب قائم مقام ابنه فلو ضمنه أجنبي بإذنه صح فإذا ضمنه هو فأولى أن يكون ضمانا لازما للابن وإذا كان له أن يثبت المال في ذمته بدون ضمانه فضمانه وقضاؤه أولى قال القاضي في الجامع إذا ضمنه الأب لزمه كما لو ضمنه أجنبي وإذا أقبضها إياه فهل يملك الرجوع به على الأب على روايتين أصلهما ضمان الأجنبي عن غيره بغير إذنه. قال أبو العباس: بل يرجع قولا واحدا لأنه قائم مقام ابنه في الإذن لنفسه كما لو ضمن أجنبي بإذن نفسه وإذا وفى الإنسان عن غيره دينا من صداق أو غيره كان للمستوفي أخذه له وفاء عن دينه وبدلا عنه وأما الموفى عنه إذا لم يرجع به عليه فهو متبرع عليه ثم هل يقال لو انفسخ يثبت الاستحقاق أو بعضه كالطلاق قبل الدخول وفسخ البيوع للموفى عنه أو لم يملك فيعود إلى الموفى. الراجح أن لا يجب انتقاله ويتقرر المهر بالخلوة وإن منعته الوطء وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حرب، وقيل له فإن أخذها وعندها نسوة وقبض عليها ونحو ذلك من غير أن يخلو بها قال: إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره فعليه المهر، وإن قلنا لا مهر بالخلوة في النكاح الفاسد على قولنا بوجوب العدة فيه والفسخ لاعتبار الزوج بالمهر أو النفقة نظير الفسخ لعنة بالزوج فيتخرج منه التنصيف على الرواية المنصوصة عنه فيه فإن لها نصف المهر لكونها معذورة في الفسخ ويتخرج ذلك ويلزم من قال إن خروج البضع من ملك الزوج يتقوم وتجب المتعة لكل مطلقة وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها حنبل وهو ظاهر دلالة القرآن. واختار أبو العباس في " الاعتصام بالكتاب والسنة ": أن لكل مطلقة متعة إلا التي لم يدخل بها وقد فرض لها وهو رواية عن الإمام أحمد وقاله عمر وإذا أوجبنا المتعة للمدخول بها وكان الطلاق بائنا أو رجعيا فينبغي أن تجب لها أيضا مع نفقة العقد حيث أوجبناها وتكون نفقة الرجعية متعينة عن متاع آخر بحيث لا تجب لها كسوتان. ولا بد من اعتبار العصر في مهر المثل فإن الزمان إن كان زمان رخص رخص وإن زادت المهور، وإن كان زمن غلاء وخوف نقص وقد تعتبر عادة البلد والقبيلة في زيادة المهر ونقصه وينبغي أيضا اعتبار الصفات المعتبرة في الكفاءة فإذا كان أبوها موسرا ثم افتقر أو ذا صنعة جيدة ثم تحول إلى دونها أو كانت له رئاسة أو ملك ثم زالت عنه تلك الرئاسة والملك فيجب اعتبار مثل هذا وكذلك لو كان أهلهما لهم عز في أوطانهم ورئاسة فانقلبوا إلى بلد ليس لهم عز فيه ولا رئاسة فإن المهر يختلف بمثل ذلك في العادة وإن كانت عادتهم يسمون مهرا ولكن لا يستوفونه قط مثل عادة أهل الجفاء مثل الأكراد وغيرهم فوجوده كعدمه والشرط المتقدم كالمقارن والإطراد العرفي كالمقضي. وقال أبو العباس: وقد سئلت عن مسألة من هذا وقيل لي ما مهر مثل هذه فقلت ما جرت العادة بأنه يؤخذ من الزوج فقالوا إنما يؤخذ المنحل قبل الدخول فقلت هو مهر مثلها.

والأب هو الذي بيده عقدة النكاح وهو رواية عن الإمام أحمد وقاله طائفة من العلماء وليس في كلام الإمام أحمد أن عفوه صحيح لأن بيده عقدة النكاح بل لأن له أن يأخذ من مالها ما شاء وتعليل الإمام أحمد بالأخذ من مالها ما شاء يقتضي جواز العفو بعد الدخول عن الصداق كله وكذلك سائر الديون والأشبه في مسألة الزوجة الصغيرة أنه يستحق وليها المطالبة لها بنصف الصداق والنصف الآخر لا يطالب به إلا إذا مكنت من نفسها لأن النصف مستحق بإزاء الحبس وهو حاصل بالعقد والنصف الآخر بإزاء الدخول فلا يستحق إلا ببذله وإذا اختلفا في قبض المهر فالمتوجه إن كانت العادة الغالبة جارية بحصول القبض في هذه الديون أو الأعيان فالقول قول من يوافق العادة وهو جار على أصولنا وأصول مالك في تعارض الأصل والعادة والظاهر أنه يرجح وفرق بين دلالة الحال المطلقة العامة وبين دلالة الحال المقيدة المخصوصة فأما إن كانت الزوجة وقت العقد فقيرة ثم وجد معها ألف درهم فقال هذا هو الصداق وقالت أخذته من غيره ولم تعين ولم يحدث لها قبض مثله فهو نظير تعليم السورة المشروطة وفيها وجهان، ونظيره الاتفاق عليها والكسوة وفي هذه المواضع كلها إذا أبدت جهة القبض الممكن منها كالممكن من الزوج فينبغي أن القول قولها وإلا فلا. قال أصحابنا وغيرهم يجب مهر المثل للموطوءة بشبهة وينبغي أنه إن أمكن أن يكون في وطء الشبهة مسمى فيكون هو الواجب فإن الشبهة ثلاثة أقسام: شبهة عقد وشبهة اعتقاد وشبهة ملك. فأما عقد النكاح فلا ريب فيه وأما عقد البيع فإنه إذا وطئ المرأة المشتراة شراء فاسدا فالأشبه أن لا مهر ولا أجرة لمنافعها وأما شبهة الاعتقاد فإن كان الاشتباه عليه فقط فينبغي أن لا يجب لها مهر وإن كان عليها فقط فإن اعتقدت أنه زوجها فلا يبعد أن يجب المهر المسمى. وأما شبهة الملك مثل مكاتبته وأمة مكاتبته والأمة المشتركة فإن كان قد اتفق مع مستحق المهر على شيء فينبغي أن لا يجب سواه وهذا قياس ضمان الأعيان والمنافع فإنها تضمن بالقيمة إلا أن يكون المالك قد اتفق مع المتلف على غير ذلك سواء كان الإتلاف حلالا أو حراما وإذا تكرر الوطء في نكاح الشبهة فلا ريب أن الواجب مهر واحد كما تجب عدة واحدة ولا يجب المهر للمكرهة على الزنا وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة واختيار أبي البركات. وذكر أبو العباس في موضع آخر: عن أبي بكر التفرقة فأوجبه البكر دون الثيب ورواه ابن منصور عن الإمام أحمد لكن الأمة البكر إذا وطئت مكرهة أو شبهة أو مطاوعة فلا ينبغي أن يختلف في وجوب أرش البكارة وهو ما نقص قيمتها بالثيوبة وقد يكون بعض القيمة أضعاف مهر مثل الأمة ومتى خرجت منه زوجته بغير اختياره بإفسادها أو بإفساد غيرها أو بيمينه لا يفعل شيئا ففعله فله مهرها وهو رواية عن الإمام أحمد كالمفقود بناء على الصحيح أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم وهو رواية عن الإمام أحمد والفرقة إذا كانت من وجهتها فهي كإتلاف البائع فيخير على المشهور بين مطالبتها بمهر المثل وضمان المسمى لها وبين إسقاط المسمى.

باب الوليمة

وتختص بطعام العرس في مقتضى كلام أحمد في رواية المروزي وقيل تطلق على كل طعام لسرور حادث وقاله في " الجامع ": وقيل: تطلق على ذلك إلا أنه في العرس أظهر ووقت الوليمة في حديث زينب وصفته تدل على أنه عقب الدخول والأشبه جواز الإجابة لا وجوبها إذا كان في مجلس الوليمة من يهجر وأعدل الأقوال أنه إذا حضر الوليمة وهو صائم إن كان ينكسر قلب الداعي بترك الأكل فالأكل أفضل وإن لم ينكسر قلبه فإتمام الصوم أفضل ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في الطعام للمدعو إذا امتنع فإن كلا الأمرين جائز فإذا ألزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة المنهي عنها ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع فإن فطره جائز، فإن كان ترك الجائز مستلزما لأمور محذورة ينبغي أن يفعل ذلك الجائز وربما يصير واجبا وإن كان في إجابة الداعي مصلحة الإجابة فقط وفيها مفسدة الشبهة فالمنع أرجح. قال أبو العباس: هذا فيه خلاف فيما أظنه والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول قاله في المغني وقال في المحرر لا يباح الأكل إلا بصريح إذن أو عرف، وكلام الشيخ عبد القادر يوافقه وما قالاه مخالف قاله عامة الأصحاب: والحضور مع الإنكار المزيل على قول عبد القادر هو حرام، وعلى قول القاضي والشيخ أبي محمد هو واجب وإلا قيس بكلام الإمام أحمد في التخيير عند المنكر المعلوم غير المحسوس أن يتخيرهما أيضا وإن كان الترك أشبه بكلامه لزوال المفسدة بالحضور والإنكار لكن لا يجب لما فيه من تكليف الإنكار ولأن الداعي أسقط حرمته باتخاذه المنكر ونظير هذا إذا مر بمتلبس بمعصية هل يسلم عليه أو يترك التسليم وإن خافوا أن يأتوا بالمحرم ولم يغلب على ظنهم أحد الطرفين فقد تعارض الموجب وهو الدعوة والمبيح وهو خوف شهود الخطيئة فينبغي أن لا يجب لأن الموجب لم يسلم عن المعارض المساوي ولا يحرم لأن المحرم كذلك فينتفي الوجوب والتحريم وينبغي الجواز. ونصوص الإمام أحمد كلها تدل على المنع من اللبث في المكان المضر وقاله القاضي وهو لازم للشيخ أبي محمد حيث جزم بمنع اللبث في مكان فيه الخمر وآنية الذهب والفضة ولذلك مأخذان أحدهما أن إقرار ذلك في المنزل منكر فلا يدخل إلى مكان فيه ذلك وعلى هذا فيجوز الدخول إلى دور أهل الذمة وكنائسهم وإن كانت فيها صور لأنهم يقرون على ذلك فإنهم لا ينهون عن ذلك كما ينهون عن إظهار الخمر وبهذا يخرج الجواب عن جميع ما احتج به أبو محمد ويكون منع الملائكة سببا لمنع كونها في المنزل وعلى هذا فلو كان في الدعوة كلب لا يجوز اقتناؤه لم تدخل الملائكة أيضا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يطول بقاؤه جنبا فلا تمتنع الملائكة عن الدخول إذا كان هناك زمنا يسيرا والثاني أن يكون نفس اللبث محرما أو مكروها ويستثنى من ذلك أوقات الحاجة كما في حديث عمر وغيره وتكون العلة ما يكتسبه المنزل من الصورة المحرمة حتى أنه لا يدخل منازل أهل الذمة. ورجح أبو العباس في موضع آخر عدم الدخول إلى بيعة فيها صور وأنها كالمسجد على القبر، والكنائس ليست ملكا لأحد وأهل الذمة ليس لهم منع من يعبد الله فيها لأنا لحناهم عليه والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ونقله مهنا عن أحمد وبيعة لهم فيه ويخرج من رواية منصوصة عن الإمام أحمد في منع التجارة إلى دار الحرب إذا لم يلزموه بفعل محرم أو ترك واجب وينكر ما يشاهده من المنكر بحسبه ويحرم بيعهم ما يعلمونه كنيسة أو تمثالا ونحوه وكل ما فيه تخصص لعيدهم أو ما هو بمنزلته. قال أبو العباس: لا أعلم خلافا أنه من التشبه بهم والتشبه بهم منهي عنه إجماعا وتجب عقوبة فاعله ولا ينبغي إجابة هذه الدعوة. ولما صارت العمامة الصفراء أو الزرقاء من شعارهم حرم لبسها ويحرم الأكل والذبح الزائد على المعتاد في بقية الأيام ولو العادة فعله أو لتفريح أهله ويعزر إن عاد ويكره موسم خاص: كالرغائب، وليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، وهو بدعة، وأما ما يروى في الكحل يوم عاشوراء، أو الخضاب أو الاغتسال، أو المصافحة، أو مسح رأس اليتيم، أو أكل الحبوب، أو الذبح، ونحو ذلك: فكل ذلك كذب على النبي ﷺ ومثل ذلك بدعة لا يستحب منه شيء عند أئمة الدين، وما يفعله أهل البدع فيه من النياحة والندب والمأتم، وسب الصحابة رضي الله عنهم هو أيضا من أعظم البدع والمنكرات وكل بدعة ضلالة، هذا وهذا وإن كان بعض البدع والمنكرات أغلظ من بعض والخلاف في كسوة الحيطان إذا لم تكن حريرا أو ذهبا، فأما الحرير والذهب فيحرم كما تحرم سيور الحرير والذهب على الرجال والحيطان والأثواب التي تختص بالمرأة ففي كون ستورها وكسوتها كفرشها نظر إذ ليس هو من اللباس ولا ريب في تحريم فرش الثياب تحت دابة الأمير لا سيما إن كانت خزا أو مغصوبة ورخص أبو محمد ستر الحيطان لحاجة من وقاية حر أو برد ومقتضى كلام القاضي المنع لإطلاقه على مقتضى كلام الإمام أحمد ويكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة لوجود أغلاق غيرها من أبواب ونحوها. وكذلك الستور في الدهليز لغير حاجة فإن ما زاد على الحاجة فهو سرف وهل يرتقي إلى التحريم ؟ فيه نظر قال المروزي: سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون أو يقسم عليهم وقال في رواية إسحاق بن هانئ لا يعجبني انتهاب الجوز وأن يوكل السكر كذلك قال القاضي يكره الأكل التقاطا من النثار سواء أخذه أو أخذه ممن أخذه، وقول الإمام أحمد هذه نهبة تقتضي التحريم وهو قوي وأما الرخصة المحضة فتبعد جدا ويكره الأكل والشرب قائما لغير حاجة ويكره القران فيما جرت العادة بتناوله إفرادا واختلف كلام أبي العباس في أكل الإنسان حتى يتخم هل يكره أو يحرم. وجزم أبو العباس: في موضع آخر بتحريم الإسراف وفسر بمجاوزة الحد وإذا قال عند الأكل بسم الله الرحمن الرحيم كان حسنا فإنه أكمل بخلاف الذبح فإنه قد قيل إن ذلك لا يناسب ويلم الإنسان من بيت صديقه وقريبه بغير إذنه إذا لم يحزه عنه.

باب عشرة النساء

ولو شرط الزوج أن يتسلم الزوجة وهي صغيرة ليحصنها فقياس المذهب على إحدى الروايتين اللتين خرجهما أبو بكر أنها إذا استثنت بعض منفعتها المستحقة بمطلق العقد أنه يصح هذا الشرط كما لو اشترط في الأمة التسليم ليلا أو نهارا وإذا اشترط في الأمة أن تكون نهارا عند السيد وقلنا: إن ذلك موجب العقد المطلق أو لم نقل فأحد الوجهين أن هذا الشرط للسيد لا عليه كاشتراطها دارها وهو شرط له وعليه ولو خرج هذا على اشتراط دارها وهو أنه إذا اشترطت دارها لم يكن عليه أجرة تلك الدار لكان متوجها وإذا كان موجب العقد من التقابض مرده إلى العرف فليس العرف أن المرأة تسلم إليه صغيرة ولا تستحق ذلك لعدم التمكن من الانتفاع. ولا تجب عليه النفقة فإنه إذا لم يكن له حق في بدنها لعدم تمكنه فلا نفقة لها إذ النفقة تتبع الانتفاع. وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة ويتخرج من نص الإمام أحمد على أنه يتزوج الأمة لحاجته إلى الخدمة لا إلى الاستمتاع وكلام الإمام أحمد يدل على أنه ينهى عن الإذن للذمية بالخروج إلى الكنيسة والبيعة بخلاف الإذن للمسلمة إلى المسجد فإنه مأمور بذلك وكذا قال في المغني إن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة وللزوج منع الزوجة من الخروج من منزله فإذا نهاها لم تخرج لعيادة مريض محرم لها أو شهود جنازته فأما عند الإطلاق فهل لها أن تخرج لذلك إذا لم يأذن ولم يمنع كعمل الصناعة أو لا تفعل إلا بإذن كالصيام، تردد فيه أبو العباس، وكلام القاضي في التعليق يقتضي أن التمكين من القبلة ليس بواجب على الزوجة. قال أبو العباس: وما أراه صحيحا بل تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة ولو تطاوع الزوجان على الوطء في الدبر فرق بينهما وقاله أصحابنا وعلى قياسه المطاوعة على الوطء في الحيض.

وتهجر المرأة زوجها في المضجع لحق الله بدليل قصة الذين خلفوا وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال أن المنع منه كما لو امتنع عن أداء الصداق ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه أو تشغله عن معيشته غير مقدر بأربعة أشهر كالأمة فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة وكوطئه إذا زاد ويتوجه أن لا يتقدر قسم الابتداء الواجب كما لا يتقدر الوطء بل يكون بحسب الحاجة فإنه قد يقال جواز التزوج بأربع لا يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة يكون لها حال الانفراد ما لها حال الاجتماع وعلى هذا فتحمل قصة كعب بن سور على أنه تقدير شخص لا يراعى كما لو فرض النفقة وقول أصحابنا يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع وهذا المبيت يتضمن سنتين إحداهما المجامعة في المنزل والثانية في المضجع وقوله تعالى { واهجروهن في المضاجع } مع قوله ﷺ { ولا يهجر إلا في المضجع } دليل على وجوب المبيت في المضجع ودليل على أنه لا يهجر المنزل. ونص الإمام أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل يدل على وجوب المبيت في المضجع وكذا ما ذكره في النشوز إذا نشزت هجرها في المضجع دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعا وعلى هذا فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع كما قاله أبو محمد المقدسي قال أصحابنا ويجب على الزوج أن يبيت عند زوجته الحرة ليلة من أربع وعند الأمة ليلة من سبع أو ثمان على اختلاف الوجهين ويتوجه على قولهم أنه يجب للأمة ليلة من أربع لأن التنصيف إنما هو في قسم الابتداء فلا يملك الزوج بأكثر من أربع وذلك أنه إذا تزوج بأربع إماء فهن في غاية عدده فتكون الأمة كالحرة في قسم الابتداء وأما قسم التسوية فيختلفان إذا جوزنا للحر أن يجمع بين ثلاث حرائر وأمة في رواية وأما على الرواية الأخرى فلا يتصور ذلك. وأما العبد فقياس قولهم إنه يقسم للحرة ليلة من ليلتين والأمة ليلة من ثلاث وأربع ولا يتصور. أن يجمع عنده أربعا على قولنا وقول الجمهور وعلى قول مالك يتصور. قال أصحابنا ويجب للمعيبة كالبرصاء والجذماء إذا لم يجز الفسخ وكذلك عليهما تمكين الأبرص والأجذم والقياس وجوب ذلك، وفيه نظر ؛ إذ من الممكن أن يقال عليها وعليه في ذلك ضرر لكن إذا لم تمكنه فلا نفقة لها وإذا لم يستمتع بها فلها الفسخ ويكون المثبت للفسخ هنا عدم وطئه فهذا يقود إلى وجوبه وينفق على المجنون المأمون وليه والأشبه أنه من يملك الولاية على بدنه لأنه يملك الحضانة فالذي يملك تعليمه وتأديبه الأب ثم الوصي.

قال أصحابنا ويأثم إن طلق إحدى زوجتيه وقت قسمها وتعليلهم يقتضي أنه إذا طلقها قبل مجيء نوبتها كان له ذلك ويتوجه أن له الطلاق مطلقا لأن القسم إنما يجب ما دامت زوجة كالنفقة وليس هو شيء هو مستقر في الذمة قبل مضي وقته حتى يقال هو دين. نعم لو لم يقسم لها حتى خرجت الليلة التي لها وجب عليه القضاء فلو طلقها قبله كان عاصيا ولو أراد أن يقضيها عن ليلة من ليالي الشتاء ليلة من ليالي الصيف كان لها الامتناع لأجل تفاوت بين الزمانين ويجب على الزوج التسوية بين الزوجات في النفقة وكلام القاضي في التعليق يدل عليه وكذا الكسوة. قال أصحابنا ولا يجوز أن تأخذ الزوجة عوضا عن حقها من المبيت وكذا الوطء ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه. قال أبو العباس: وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ العوض عن حقه منها جاز لها أن تأخذ العوض عن حقها منه لأن كلا منهما منفعة بدنية. وقد نص الإمام أحمد في غير موضع على أنه يجوز أن تبذل المرأة العوض ليصير أمرها بيدها، ولأنها تستحق الزوج كما يستحق الزوج حبسها وهو نوع من الرق فيجوز أخذ العوض عنه وقد تشبه هذه المسألة الصلح عن الشفعة وحد القذف ولو سافر بإحداهن بغير قرعة قال أصحابنا يأثم ويقضي والأقوى أنه لا يقضي وهو قول الحنفية والمالكية. وإذا ادعت الزوجة أو وليها أن الزوج يظلمها، وكان الحاكم وليها وخاف ذلك، نصب الحاكم مشرفا وفيه نظر، ومسألة نصب المشرف لم يذكر الخرقي والقدماء ومقتضى كلامه إذا وقعت العداوة وخيف الشقاق بعث الحكمان من غير احتياج إلى نصب مشرف قال أصحابنا ويجوز أن يكون الحكماء أجنبيين ويستحق أن يكونا من أهلهما ووجوب كونهما من أهلهما هو مقتضى قول الخرقي فإنه اشترطه كما اشترط الأمانة وهذا أصح فإنه نص القرآن ولأن الأقارب أخبر بالعلل الباطنة وأقرب إلى الأمانة والنظر في المصلحة وأيضا فإنه نظر في الجمع والتفريق وهو أولى من ولاية عقد النكاح لا سيما إن جعلناهما حاكمين كما هو الصواب ونص عليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين وهو قول علي وابن عباس وغيرهما ومذهب مالك وهل للحكمين إذا قلنا هما حاكمان لا وكيلان أن يطلقا ثلاثا أو يفسخا كما في المولى قالوا هناك لما قام مقام الزوج في الطلاق ملك ما يملكه من واحدة وثلاث فيتوجه هنا كذلك إذا قلنا هما حاكمان وإن قلنا وكيلان لم يملكا إلا ما وكلا فيه وأما الفسخ، فلا يتوجه لأنه ليس حاكما أصليا.