► كتاب الزكاة | كتاب الصوم | كتاب الحج ☰ |
تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا، فإن اتفقت لزمه الصوم وإلا فلا وهو الأصح للشافعية وقول في مذهب أحمد ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لم يلزمه الصوم ولا غيره ونقله حنبل عن أحمد في الصوم وكما لا يعرف ولا يضحي وحده والنزاع مبني على أصل وهو أن الهلال هو اسم لما يطلع من السماء وإن لم يشتهر ولم يظهر أو لأنه لا يسمى هلالا إلا بالاشتهار والظهور كما يدل عليه الكتاب والسنة. والاعتبار فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد وإن نوى نذرا أو نفلا ثم بان من رمضان أجزأه إن كان جاهلا كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق الشرع ثم تبين إن كان حقه فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان بل يقول له: الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي.
ومن خطر بقلبه أنه صائم غدا فقد نوى، والصائم لما يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصيام ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان وتصح النية المترددة كقوله إن كان غدا من رمضان فهو فرض وإلا فهو نفل وهو إحدى الروايتين عن أحمد ويصح صوم الفرض بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل كما إذا شهدت النية بالنهار وإن حال دون منظرة لهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر فصومه جائز لا واجب ولا حرام وهو قول طوائف من السلف والخلف وهو مذهب أبي حنيفة والمنقولات الكثيرة المستفيضة عن أحمد إنما تدل على هذا ولا أصل للوجوب في كلامه، ولا في كلام أحد من الصحابة رضي الله عنهم وحكى أبو العباس أنه كان يميل أخيرا إلى أنه لا يستحب صومه ومن تجدد له صوم بسبب كما إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار فإنه يتم بقية يومه ولا يلزمه قضاء وإن كان قد أكل.
والمريض إذا خاف الضرر استحب له الفطر والمسافر الأفضل له الفطر فإن أضعفه عن الجهاد كره له بل يجب منعه عن واجب وأفتى أبو العباس لما نزل العدو دمشق في رمضان بالفطر في رمضان للتقوي على جهاد العدو وفعله وقال هو أولى للسفر.
ويصح صوم الجنب باتفاق الأئمة وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام فله الفطر وإذا نوى صيام التطوع بعد الزوال ففي ثوابه روايتان عن أحمد والأظهر الثواب وإن لم ينو الصوم ولكن إذا اشتهى الأكل واستمر به الجوع فهذا يكون جوعه من باب المصائب التي تكفر بها خطاياه ويثاب على صبره عليها ولا يكون من باب الصوم الذي هو عبادة يثاب عليها ثواب الصوم والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة وهو قول بعض أهل العلم ويفطر بإخراج الدم بالحجامة وهو مذهب أحمد وبالفصد والتشريط وهو وجه لنا أو بإرعاف نفسه وهو قول الأوزاعي ويفطر الحاجم إن مص القارورة ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس أو تكرار نظر وهو قول أبي حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا وأما إذا ذاق طعاما ولفظه أو وضع في فيه عسلا ومجه فلا بأس به للحاجة كالمضمضة والاستنشاق والكذب والغيبة والنميمة إذا وجدت من الصائم فمذهب الأئمة أنه لا يفطر ومعناه أنه لا يعاقب على الفطر كما يعاقب من أكل أو شرب والنبي ﷺ حيث ذكر { رب صائم حظه من الصوم الجوع والعطش } لما حصل من الإثم المقاوم للصوم وهذا أيضا لا تنازع فيه بين الأئمة ومن قال: إنها تفطر بمعنى أنه لم يحصل مقصود الصوم أو أنها قد تذهب بأجر الصوم فقوله يوافق قول الأئمة ومن قال إنها تفطر بمعنى أنه يعاقب على ترك الصيام فهذا مخالف لقول الأئمة.
وإذا شتم الصائم استحب أن يجيب بقوله: إني صائم وسواء كان الصوم فرضا أو نفلا وهو أحد الوجوه في مذهب أحمد وشم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم. وقال النبي ﷺ: { من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء } صححه الترمذي من حديث زيد بن خالد والمراد بتفطيره أن يشبعه. ومن أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل فبان نهارا فلا قضاء عليه وكذا من جامع جاهلا بالرفث أو ناسيا وهو إحدى الروايتين عن أحمد وإذا أكره الرجل زوجته على الجماع في رمضان يحمل عنها ما يجب عليها وهل تجب كفارة الجماع في رمضان لإفساد الصوم الصحيح أو لحرمة الزمان فيه قولان الصواب الثاني.
فصل وإن تبرع إنسان بالصوم عمن لا يطيقه لكبره ونحوه أو عن ميت وهما معسران توجه جوازه لأنه أقرب إلى المماثلة من المال. وحكى القاضي في صوم النذر في حياة الناذر نحو ذلك ومن مات وعليه صوم نذر أجزأ الصوم عنه بلا كفارة، ولا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة ولا تصح منه. وما روي أن النبي أمر المجامع في رمضان بالقضاء فضعيف لعدول البخاري ومسلم عنه، وإذا شرعت المرأة في قضاء رمضان وجب عليها إتمامه ولم يكن لزوجها تفطيرها، وإن أمرها أن تؤخر القضاء قبل الشروع فيه كان حسنا لحديث عائشة.
فصل يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر للأخبار الصحيحة وفي بعضها هو كصوم الدهر، والمراد بذلك أن من فعل هذا حصل له أجر صيام الدهر من غير حصول المفسدة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين. فلو غم هلال ذي الحجة أو شهد برؤيته من لا تقبل شهادته، إما لانفراده بالرؤية أو لكونه ممن لا يجوز قبوله ونحو ذلك، واستمر الحال على إكمال ذي القعدة فصوم يوم التاسع الذي هو يوم عرفة من هذا الشهر المشكوك فيه جائز بلا نزاع، قلت ولكن روى ابن أبي شيبة في كتابه عن النخعي في صوم يوم عرفة في الحضر إذا كان فيه اختلاف فلا يصومن، وعنه قال كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح. وروي عن مسروق وغيره من التابعين مثل ذلك وكلام هؤلاء قد يقال: إنه محمول على كراهة التنزيه دون التحريم، والله أعلم.
وأما إن شهد بهلال ذي الحجة من يثبت الشهر به لكن لم يقبله الحاكم إما لعذر ظاهر أو لتقصير في أمره، فأقول هذه الصورة تخرج على الخلاف المشهور في مسألة المنفرد بهلال شوال هل يفطر عملا برؤيته أم لا يفطر إلا مع الناس، في ذلك قولان مشهوران، فعلى قول من يقول لا يفطر المنفرد برؤية هلال شوال بل يصوم ولا يفطر إلا مع الناس، فإنه يقول لا يستحب صوم يوم عرفة للشاهد الذي لم تقبل شهادته بهلال ذي الحجة. ومن قال في الشاهد بهلال شوال يفطر سرا قال هنا إنه يفطر ولا يصوم لأنه يوم عيد في حقه، ولكن لا يضحي ولا يقف بعرفة بذلك، وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم، ومقتضى كلام أحمد أنه يكره وهو قول ابن عباس وأبي حنيفة، ووجب صومه ونسخ وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ورواية عن أحمد اختارها بعض أصحابنا.
وصوم الدهر الصواب قول من جعله تركا للأولى أو كرهه، ومن صام رجبا معتقدا أنه أفضل من غيره من الأشهر أثم وعزر، وعليه يحمل فعل عمر، وفي تحريم إفراده وجهان، ومن نذر صومه كل سنة أفطر بعضه وقضاه وفي الكفارة خلاف. وأما من صام الأشهر الثلاثة { فكان رسول الله ﷺ لا يصوم شهرا كاملا إلا شهر رمضان، وكان يصوم أكثر شعبان } ولم يصح عنه في رجب شيء، وإذا أفطر الصائم بعض رجب وشعبان كان حسنا، ولا يكره صوم العشر الأواخر من شعبان عند أكثر أهل العلم، ولا يكره إفراد يوم السبت بالصوم ولا يجوز تخصيص صوم أعياد المشركين ولا صوم يوم الجمعة ولا قيام ليلتها، قال أبو العباس في رده على الرافضي جاءت السنة بثوابه على ما فعله وعقابه على ما تركه ولو كان باطلا كعدمه لم يجبر بالنوافل، والباطل في عرف الفقهاء ضد الصحيح في عرفهم، وهو ما أبرأ الذمة، فقولهم بطلت صلاته وصومه لمن ترك ركنا بمعنى أنه لا يثاب عليها شيئا في الآخرة، وقال تعالى: { ولا تبطلوا أعمالكم } الإبطال هو بطلان الثواب، ولا يسلم بطلان جميعه بل قد يثاب على ما فعله فلا يكون مبطلا لعمله، وأما ثامن شوال فليس عيدا لا للأبرار ولا للفجار ولا يجوز لأحد أن يعتقده عيدا ولا يحدث فيه شيئا من شعائر الأعياد.
فصل في مسائل التفضيل وليلة القدر من أفضل الليالي وهي في الوتر في العشر الأخير من رمضان والوتر قد يكون باعتبار الماضي فيطلب إحدى وعشرين وليالي ثلاث إلى آخره. وقد يكون باعتبار الباقي لقوله ﷺ لتاسعة تبقى. الحديث، فإذا كان الشهر ثلاثين فتكون تلك من ليالي الإشفاع، وليلة الثانية والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع سابعة تبقى كما فسره أبو سعيد الخدري وإن كان تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي. ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع إجماعا، ويوم النحر أفضل أيام العام، وليلة الإسراء أفضل في حق النبي ﷺ وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة. وخديجة إيثارها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وإيثار عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها، ومريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، من أفضل النساء، والفواضل من نساء هذه الأمة كخديجة وعائشة وفاطمة أفضل منهما، والصواب الذي عليه عامة المسلمين وحكي الإجماع عليه أنهما ليستا بنبيتين، وأما أزواجهما في الآخرة فقد روي في مريم أنها زوجة رسول الله ﷺ قال أبو العباس ولا أعلم صحة ذلك ولا أعلم ما يقطع به. والغني الشاكر والفقير الصابر أفضلهما أتقاهما لله تعالى، فإن استويا في الدرجة، وصالحو البشر أفضل باعتبار النهاية، وصالحو الملك أفضل باعتبار البداية. وعشر ذي الحجة أفضل من غيره لياليه وأيامه، وقد يقال ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل وأيام تلك أفضل. قال أبو العباس: والأول أظهر، ورمضان أفضل الشهور ويكفر من فضل رجبا عليه، ومكة أفضل بقاع الله وهو قول أبي حنيفة والشافعي ونص الروايتين عن أحمد، قال أبو العباس ولا أعلم أحدا فضل تربة النبي ﷺ على الكعبة إلا القاضي عياض، ولم يسبقه إليه أحد ولا وافقه والصلاة وغيرها من القرب بمكة أفضل، والمجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان وتضاعف السيئة والحسنة بمكان أو زمان فاضل وذكره القاضي وابن الجوزي انتهى.
باب الاعتكاف
ومن نذر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة تعين ما امتاز على غيره بمزية شرعية كقدم وكثرة جمع اختاره أبو العباس في موضع آخر من وجهين في مذهبنا، ولا يجوز سفر الرجل إلى المشاهد والقبور والمساجد الثلاثة وهو قول مالك وبعض أصحابه، وقال ابن عقيل من أصحابنا وإن قرأ القرآن عند الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه فحسن، كقوله لمن دعاه إلى ذنب تاب منه { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } وقوله عندما أهمه أمر { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله }. والتحقيق في الصمت أنه إذا طال حتى يتضمن ترك الكلام الواجب صار حراما كما قال الصديق، وكذا إن بعد بالصمت عن الكلام المستحب. والكلام الحرام يجب الصمت عنه، وفضول الكلام ينبغي الصمت عنه، ولم ير أبو العباس لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه. والسياحة في البلاد لغير قصد شرعي كما يفعله بعض النساك أمر منهى عنه قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين والصالحين.
الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية | |
---|---|
الطهارة | الصلاة | الجنائز | الزكاة | الصوم | الحج | البيع | السبق | الغصب | الوقف | الوصية | الفرائض | العتق | النكاح | الخلع | الطلاق | الرجعة | الظهار | اللعان | العدد | الرضاع | النفقات | الجنايات | الديات | الحدود | الجهاد | الأطعمة | الذكاة | الأيمان | القضاء | القاضي إلى القاضي | الشهادات | الإقرار |