الرئيسيةبحث

الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية/كتاب القاضي إلى القاضي

علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي
  ► كتاب القضاء كتاب القاضي إلى القاضي كتاب الشهادات ☰  


كتاب القاضي إلى القاضي


ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص وهو قول مالك وأبي ثور في الحدود وقول مالك والشافعي وأبي ثور ورواية عن أحمد في القصاص، والمحكوم إذا كان عينا في بلد الحاكم فإنه يسلمه إلى المدعي ولا حاجة إلى كتاب وأما إن كان دينا أو عينا في بلد أخرى فهنا يقف على الكتاب وههنا ثلاث مسائل متداخلات مسألة إحضار الخصم إذا كان غائبا ومسألة الحكم على الغائب ومسألة كتاب القاضي إلى القاضي ولو قيل: إنما نحكم على الغائب إذا كان المحكوم به حاضرا لأن فيه فائدة وهي تسليمه. وأما إذا كان المحكوم به غائبا فينبغي أن يكاتب الحاكم بما ثبت عنده من شهادة الشهود حتى يكون الحكم في بلد التسليم لكان متوجها وهل يقبل كتاب القاضي بالثبوت أو الحكم من حاكم غير معين مثل أن يشهد شاهدان أن حاكما نافذ الحكم حكم بكذا وكذا. القياس أنه لا يقبل بخلاف ما إذا كان المكاتب معروفا لأن مراسلة الحاكم ومكاتبته بمنزلة شهادة الأصول للفروع وهذا لا يقبل في الحكم والشهادات وإن قبل في الفتاوى والإخبارات. وقد ذكر صاحب " المحرر ": ما ذكره القاضي من أن الخصمين إذا أقر بحكم حاكم عليهما خير الثاني بين الإمضاء والاستئناف لأن ذلك بمنزلة قول الخصم شهد علي شاهدان ذوي عدل فهنا قد يقال بالتخيير أيضا ومن عرف خطه بإقراره أو إنشاء أو عقد أو شهادة عمل به كالميت، فإن حضر وأنكر مضمونه فكاعترافه بالصوت وإنكار مضمونه وللحاكم أن يكتب للمدعى عليه إذا ثبت براءته محضرا بذلك إن تضرر بتركه وللمحكوم عليه أن يطالب الحاكم عليه بتسمية البينة ليتمكن من القدح فيها باتفاق.

باب القسمة

وما لا يمكن قسمة عينه إذا طلب أحد الشركاء بيعه بيع وقسم ثمنه وهو المذهب المنصوص عن أحمد في رواية الميموني وذكره الأكثرون من الأصحاب فيقال على هذا إذا وقف قسطا مشاعا مما لا يمكن قسمة عينه فأنتم بين أمرين إما بيع النصيب الموقوف وإما إبقاء شركة لازمة وجوابه إما الفرق أو إما الالتزام أما الفرق فيقال الوقف منع من نقل الملك في العين فلا ضرر في شركة عينه وأما الشركة في المنافع فيزول بالمحاباة أو المؤاجرة عليهما، والالتزام أن يجوز مثل هذا أو جعل الوقف مفرزا تقديما لحق الشريك كما لو طلب قسمة العين وأمكن فإنا نقدم حق الإقرار على حق الوقف ومن قال هذا فينبغي له أن يقول: بقسم الوقف. وإن قلنا: القسمة بيع ضرورة وقد نص أحمد على بيع الشائعة في الوقف والاعتياض عنها ومن تأمل الضرر الناشئ من الاشتراك في الأموال الموقوفة لم يخف عليه هذا ولو طلب أحد الشريكين الإجارة أجبر الآخر معه ذكره الأصحاب في الوقف. ولو طلب أحدهم العلو لم يجب بل يكري عليهما على مذهب جماهير العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وإذا أوجبنا على الشريك أن يؤاجر مع صاحبه فأجر أحد الشريكين العين المؤجرة بدون إذن شريكه مدة فينبغي أن يستحق أكثر الأمرين من أجرة المثل والأجرة المسماة لأن الأجرة المسماة إذا كانت أكثر فالمستأجر رضي أن ينتفع بها، وعلى قياس ذلك كل من اكترى مال غيره بغير إذنه ويلزم إجابة من طلب المحاباة بالزمان والمكان وليس لأحدهما أن يفسخ حتى ينقضي الدور ويستوفي كل واحد منهما حقه منه ولو استوفى أحدهما نوبته ثم تلفت المنافع في مدة الإجارة فإنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها ما لم يكن قد رضي بمنفعة الرهن المتأخر على أي حال كأن جعلا التالف قبل القبض كالتالف في الإجارة وسواء قلنا: القسمة إفراز أو بيع فإن المعادلة معتبرة فيها على القولين فلهذا يثبت فيها خيار البيع والتدليس. وإذا كان بينهما أشجار فيها الثمرة أو أغنام فيها اللبن أو الصوف فهو كاقتسام الماء الحادث والمنافع الحادثة وجماع ذلك انقسام المعدوم لكن لو نقص الحادث المعتاد فللآخر الفسخ قال القاضي رأيت في تعليق أبي حفص العكبري عن أبي عبد الله بن بطة في قوم بينهم كروم فيها ثمرة لم تبلغ مثلي الحصرم فأرادوا قسمتها فقال لا تجوز قسمتها وفيها غلة لم تقلع لأن القسمة لا تجوز إلا بالقيمة القسمة كالبيع وكما لا يجوز بيعه كذلك لا تجوز قسمته قال وهذا يدل من كلام أحمد على أنها بيع. قال أبو العباس: هذا من ابن بطة يقتضي أن بيع الشجر الذي عليه ثمرة لم تبلغ لا يصح لتضمنه بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وهو خلاف المعروف من المذهب وخلاف قوله من باع ثمرة قد أبرأت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومفهوم كلامه أن الحصرم إذا بلغ جازت القسمة مع أنها إنما تقسم خرصا كأنه بيع شاة ذات لبن بشاة ذات لبن وعلى قياسه يجوز عنده بيع نخلة ذات رطب بنخلة ذات رطب لأن الربوي تابع وإذا طلب أحد الشركاء القسمة فيما يقسم لزم الحاكم إجابته ولو لم يثبت عنده أنه ملكه كبيع المرهون والجاني وكلام أحمد في بيع ما لا ينقسم وقسم ثمنه أم فيما يثبت عنده أنه ملكه وما لا يثبت كجميع الأموال التي تباع وإن مثل ذلك لو جاءته امرأة فزعمت أنها خلفة لا ولي لها هل يزوجها بلا بينة. وقد نص أحمد في رواية حرب فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم بعدا منه تقسم عليهم ويدفع إليه حقه فقد أمر الإمام أحمد الحاكم أن يقسم على الغائب إذا طلب الحاضر وإن لم يثبت ملك الغائب. والمكيلات والموزونات المتساوية من كل وجه إذا قسمت لا يحتاج فيها إلى قرعة، نعم الابتداء بالكيل أو الوزن لبعض الشركاء ينبغي أن يكون بالقرعة ثم إذا خرجت القرعة لصاحب الأكثر فهل يوفى جميع حقه أو بقدر نصيب الأقل. الأوجه أن يوفى الجميع كما يوفى مثله في العقار بين أنصبائه لأن عليه في التفريق ضررا وحقه من جنس واحد بخلاف الحكومات فإن الخصم لا يقدم إلا بواحدة لعدم ارتباط بعضها ببعض نعم إن تعدد سبب استحقاق مثل أن يكون ورث ثلث صبرة وابتاع ثلثها فهنا يتوجه وجهان وإذا تهايأ فلاحو القرية الأرض وزرع كل واحد منهم حصته فالزرع له ؛ ولرب الأرض نصيبه إلا من نزل من نصيب مالك فله أخذ أجرة الفضيلة أو مقاسمتها وأجرة وكيل القرى والأمين لحفظ الزرع على المالك والفلاح كسائر الأملاك فإذا أخذوا من الفلاح بقدرها عليه أو ما يستحقه الضيف حل لهم وإن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع، فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين، والوقف على جهة واحدة لا تقسم عينه اتفاقا. والله أعلم.

باب الدعاوى

ويجب أن يفرق بين فسق المدعى عليه وعدالته فليس كل مدعى عليه يرضى منه باليمين ولا كل مدع يطالب بالبينة فإن المدعى به إذا كان كبيرة والمطلوب لا تعلم عدالته فمن استحل أن يقتل أو يسرق استحل أن يحلف لا سيما عند خوف القتل أو القطع ويرجح باليد العرفية إذا استويا في الخشية أو عدمها وإن كانت العين بيد أحدهما فمن شاهد الحال معه كان ذلك لونا فيحكم له بيمينه قال الأصحاب ومن ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده وادعى آخر وكذلك أو ادعى العبد العتق وأقام بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا تعارضتا فيتساقطان أو يقتسم أو يقرع على الخلاف وعن أحمد تقدم بينة العتق. قال أبو العباس: الأصوب أن البينتين لم يتعارضا فإنه من الممكن أن يقع العقدان لكن يكون بمنزلة ما لو زوج الوليان المرأة وجهل السابق فإما أن يقرع أو يبطل العقدان بحكم أو بغير حكم ولو قامت بينة بأن الولي أجر حصته بأجرة مثلها، وبينة بنصفها أخذ بأعلى البينتين وقاله طائفة من العلماء قال في المحرر ولو شهد شاهدان أنه أخذ من صبي ألفا وشاهدان على رجل آخر أنه أخذ من الصبي ألفا لزم الولي أن يطالبهما بالألفين إلا أن تشهد البينتان على ألف بعينها فيطلب الولي ألفا من أيهما شاء. قال أبو العباس: الواجب أن يقرع هنا إذا لم يكن فعل كل منهما مضمنا نقل مهنا عن أحمد في عبد شهد له رجلان بأن مولاه باعه نفسه بألف درهم وشهد لمولاه رجل آخر أنه باعه بألفين يعتق العبد ويحلف لمولاه أنه لم يبعه إلا بألف قال القاضي فقد نص على الشاهد واليمين في قدر العوض الذي وقع العتق عليه. قال أبو العباس: بل اختلف الشاهدان وليس هذا مما يتكرر فليس للسيد أن يحلف مع شاهده الأكبر لاختلافهما كما لا يحلف مع شاهده بالقيمة الكثيرة قال أصحابنا ومن تغليظ اليمين بالمكان عند صخرة بيت المقدس وليس له أصل في كلام أحمد ونحوه من الأئمة بل السنة أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر. والتغليظ بالمكان والزمان واللفظ لا يستحب على قول أبي البركات ويستحب على قول أبي الخطاب مطلقا وكلام أحمد في رواية الميموني التغليظ مطلقا من غير تعليق باجتهاد الإمام ولنا قول ثالث يستحب إذا رآه الحاكم مصلحة. ومتى قلنا التغليظ مستحب إذا رآه الحاكم مصلحة فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم صار ناكلا ولا يحلف المدعى عليه بالطلاق وفاقا