→ الباب الأول | إحياء علوم الدين كتاب الأوراد - الباب الثاني المؤلف: أبو حامد الغزالي |
كتاب آداب الأكل ← |
فضيلة إحياء ما بين العشاءين
قال رسول الله ﷺ فيما روت عائشة رضي الله عنها "إن أفضل الصوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها عن مسافر ولا عن مقيم فتح بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله له قصر في الجنة" وقال الراوي: لا أدري من ذهب أو فضة? "ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر له ذنب عشرين سنة أو قال أربعين سنة" وروت أم سلمة وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال "من صلى ست ركعات بعد المغرب عدلت له عبادة سنة كاملة أو كأنه صلى ليلة القدر" وعن سعيد بن جبير عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ "من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو قرآن كان حقاً على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ويغرس له بينهما غراساً لو طافه أهل الدنيا لوسعهم" وقال ﷺ "من ركع عشر ركعات ما بين المغرب والعشاء بنى الله له قصراً في الجنة فقال عمر رضي الله عنه: إذاً تكثر قصورنا يا رسول الله فقال: الله أكثر وأفضل - أو قال - أطيب" وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ "من صلى المغرب في جماعة ثم صلى بعدها ركعتين ولم يتكلم بشيء فيما بين ذلك من أمر الدنيا ويقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وعشر آيات من أول سورة البقرة وآيتين من وسطها وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السموات والأرض إلى آخر الآية وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ثم يركع ويسجد فغذا قام في الركعة الثانية قرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآيتين بعدها إلى قوله "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" وثلاث آيات من آخر سورة البقرة من قوله لله ما في السموات وما في الأرض إلى آخرها وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة" وصف من ثوابه في الحديث ما يخرج عن الحصر وقال كرز بن وبرة وهو من الأبدال: قلت للخضر عليه السلام علمني شيئاً أعمله في كل ليلة فقال إذا صليت المغرب فقم إلى وقت صلاة العشاء مصلياً من غير أن تكلم أحداً وأقبل على صلاتك التي أنت فيها وسلم من كل ركعتين واقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد - ثلاثاً - فإن فرغت من صلاتك انصرف إلى منزلك ولا تكلم أحداً وصل ركعتين واقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد سبع مرات في كل ركعة ثم اسجد بعد تسليمك واستغفر الله تعالى سبع مرات وقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع مرات، ثم ارفع رأسك من اسجود واستو جالساً وارفع يديك وقل يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا إله الأولين والآخرين يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يا رب يا رب يا رب يا الله يا الله يا الله، ثم قم وأنت رافع يديك وادع بهذا الدعاء، ثم نم حيث شئت مستقبل القبلة على يمينك وصل على النبي ﷺ وأدم الصلاة عليه حتى يذهب بك النوم. فقلت له: أحب أن تعلمني ممن سمعت هذا? فقال: إني حضرت محمداً ﷺ حيث علم هذا الدعاء وأوحي إليه به فكنت عنده وكان ذلك بمحضر مني فتعلمته ممن علمه إياه ويقال إن هذا الدعاء وهذه الصلاة من دوام عليهما بحسن يقين وصدق نية رأى رسول الله ﷺ في منامه قبل أن يخرج من الدنيا؛ وقد فعل ذلك بعض الناس فرأى أنه أدخل الجنة ورأى فيها الأنبياء ورأى فيها رسول الله ﷺ وكلمه وعلمه. وعلى الجملة ما ورد في فضل إحياء ما بين العشاءين كثير حتى قيل لعبيد الله مولى رسول الله ﷺ: هل كان رسول الله ﷺ يأمر بصلاة غير المكتوبة? قال: ما بين المغرب والعشاء" وقال ﷺ "من صلى ما بين المغرب والعشاء تلك صلاة الأوابين" وقال الأسود ما أتيت ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الوقت إلا ورأيته يصلي فسألته فقال: نعم هي ساعة الغفلة: وكان أنس رضي الله عنه يواظب عليها ويقول: هي ناشئة الليل، ويقول: فيها نزل قوله تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان الداراني أصوم النهار وأتعشى بين المغرب والعشاء أحب إليك أو أفطر بالنهار وأحيي ما بينهما? فقال: اجمع بينهما، فقلت: إن لم يتيسر? قال أفطر وصل ما بينهما.
فضيلة قيام الليل
أما من الآيات: فقوله تعالى "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل" الآية وقوله تعالى "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً" وقوله سبحانه وتعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وقوله تعالى "أمن هو قانت آناء الليل" الآية وقوله عز وجل "والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً" وقوله تعالى "واستعينوا بالصبر والصلاة" قيل هي قيام الليل يستعان بالصبر عليه على مجاهدة النفس. ومن الأخبار: قوله ﷺ "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" وفي الخبر "أنه ذكر عنده رجل ينام كل الليل حتى يصبح فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" وفي الخبر "إن للشيطان سعوطاً ولعوقاً وذروراً فإذا أسعط العبد ساء خلقه وغذا ألعقه ذرب لسانه بالشر وإذا ذره نام الليل حتى يصبح" وقال ﷺ "ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم" وفي الصيحح عن جابر أن النبي ﷺ قال "إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلا أعطاه إياه" وفي رواية "يسأل الله تعالى خيراً من الدنيا والآخرة وذلك في كل ليلة" وقال المغيرة بن شعبة: قام رسول الله ﷺ حتى تفطرت قدماه فقيل له: أما قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر? فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً ويظهر من معناه أن ذلك كناية عن زيادة الرتبة فإن الشكر سبب المزيد قال تعالى "لئن شكرتم لأزيدنكم" وقال ﷺ "يا أبا هريرة أتريد أن تكون رحمة الله عليك حياً وميتاً ومقبوراً ومبعوثاً من الليل فصل وأنت تريد رضا ربك يا أبا هريرة صل في زوايا بيتك يكن نور بيتك في السماء كنور الكواكب والنجم عند أهل الدنيا" وقال ﷺ "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم. فإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل وتكفير للذنوب ومطردة للداء عن الجسد ومنهاة عن الإثم" وقال ﷺ "ما من امرىء تكون له صلاة بالليل فغله عليها النوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه" وقال ﷺ لأبي ذر "لو أردت سفراً أعددت له عدة? قال: نعم، قال: فكيف سفر طريق القيامة ألا أنبئك يا أبا ذر بما ينفعك ذلك اليوم? قال: بلى بأبي أنت وأمي، قال: صم يوماً شديد الحر ليوم النشور وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور وحج حجة لعظائم الأمور وتصدق بصدقة على مسكين أو كلمة حتى تقولها أو كلمة شر تسكت عنها" وروي "أنه كان على عهد النبي ﷺ رجل إذا أخذ الناس مضاجعهم وهدأت العيون قام يصلي ويقرأ القرآن ويقول: يا رب النار أجرني منها، فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال: إذا كان ذلك فآذنوني فأتاه فاستمع فلما أصبح قال: يا فلان هلا سألت الله الجنة? قال: يا رسول الله إني لست هناك ولا يبلغ عملي ذاك فلم يلبث إلا يسيراً حتى نزل جبرائيل عليه السلام وقال: أخبر فلاناً أن الله قد أجاره من النار وأدخله الجنة"
ويروى "أن جبرائيل عليه السلام قال للنبي ﷺ: نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلي بالليل، فأخبره النبي ﷺ بذلك فكان يداوم بعده على قيام الليل" قال نافع: كان يصلي بالليل ثم يقول: يا نافع أسحرنا? فأقول: لا، فيقوم لصلاته ثم يقول يا نافع أسحرنا? فأقول: نعم، فيقعد فيستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر. وقال علي بن أبي طالب شبع يحيى بن زكريا عليهما السلام من خبز شعير فنام على ورده حتى أصبح فأوحى الله تعالى إليه: يا يحيى أوجدت داراً خيراً ك من داري? أم وجدت جواراً خيراً لك من جواري? فوعزتي وجلالي يا يحيى لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعه لذاب شحمك ولزهقت نفسك اشتياقاً ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لذاب شحمك ولبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الجلد بعد المسوح". وقيل لرسول الله ﷺ: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق فقال: سينهاه ما يعمل" وقال ﷺ "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء" وقال ﷺ "من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" وقال ﷺ "أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال ﷺ "من نام عن حزبه أو عن شيء منه بالليل فقرأه بين صلاة الفجر والظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" الآثار: روي أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية من ورده بالليل فيسقط حتى يعاد منها أياماً كثيرة كما يعاد المريض. وكان ابن معسود رضي الله عنه إذا هدأت العيون قام فيسمع له دوي كدوي النحل حتى يصبح ويقال: إن سفيان الثوري رحمه الله شبع ليلة فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام تلك الليلة حتى أصبح. وكان طاوس رحمه الله إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة ثم يثب ويصلي إلى الصباح ثم يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين. وقال الحسن رحمه الله: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً? قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره. وقدم بعض الصالحين من سفره فمهد له فراش فنام عليه حتى فاته ورده فحلف ألا ينام بعدها على فراش أبداً. وكان عبد العزيز بن رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه ويقول: إنك للين ووالله إن في الجنة لألين منك ولا يزال يصلي الليل كله. وقال الفضيل: إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأصبح وما قضيت نهمتي. وقال الحسن: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل. وقال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم وقد كثرت خطيئتك. وكان صلة بن أشيم رحمه الله يصلي الليل كله فإذا كان في السحر قال: إلهي ليس مثلي يطلب الجنة ولكن أجرني برحمتك من النار. وقال رجل لبعض الحكماء: إني لأضعف عن قيام الليل، فقال له "يا أخي لا تعص الله تعالى ولا تقم بالليل. وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم فلما كان في جوف الليل قامت الجارية فقالت؛ يا أهل الدار الصلاة الصلاة! فقالوا: أصبحنا أطلع الفجر? فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة? قالوا: نعم؛ فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة? ردني. فردها، وقال الربيع: بت في منزل الشافعي رضي الله عنه ليالي كثيرة فلم يكن ينام من الليل إلا يسيراً. وقال أبو الجويرية. لقد صحبت أبا حنيفة رضي الله عنه ستة أشهر فما فيها ليلة وضع جنبه على الأرض. وكان أبو حنيفة يحيي نصف الليل فمر بقوم فقالوا: إن هذا يحيي الليل كله: فقال: إني أستحيي أن أوصف بما لا أفعل فكان بعد ذلك يحيي اليل كله. ويروى أنه ما كان له فراش بالليل. ويقال: إن مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الآية ليلة حتى أصبح "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات" الآية: وقال المغيرة بن حبيب رمقت مالك بن دينار فتوضأ بعد العشاء ثم قام إلى مصلاه فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل يقول حرم شيبة مالك على النار إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك? وأي الدارين دار مالك? فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر. وقال مالك بن دينار: سهوت ليلة عن وردي ونمت فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة فقالت لي: أتحسن تقرأ? فقلت: نعم، فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها:
وقيل حج مسروق فما بات ليلة إلا ساجداً. ويروى عن أزهر بن مغيث وكان من القوامين أنه قال: رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا فقلت لها: من أنت? قالت: حوراء؛ فقلت: زوجيني نفسك؛ فقالت اخطبني إلى سيدي وأمهرني؛ فقلت: وما مهرك? قالت: طول التهجد. وقال يوسف بن مهران: بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك براثنه من لؤلؤ وصئصئه من زبرجد أخضر فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم القائمون فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم المتهجدون؛ فإذا مضى ثلثا الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم المصلون؛ فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم. وقيل إن وهب بن منبه اليماني ما وضع جنبه إلى الأرض ثلاثين سنة وكان يقول: لأن أرى في بيتي شيطاناً أحب إلي من أن أرى في بيتي وسادة لأنها تدعو إلى النوم، وكانت له مسورة من أدم إذا غلبه النوم وضع صدره عليها وخفق خفقات ثم يفزع إلى الصلاة. وقال بعضهم: رأيت رب العزة في النوم فسمعته يقول: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى لي الغدا بوضوء العشاء أربعين سنة. ويقال كان مذهبه أن النوم إذا خامر القلب بطل الوضوء، وروي في بعض الكتب القديمة عن الله تعالى أنه قال: إن عبدي الذي هو عبدي حقاً الذي لا ينتظر بقيامه صياح الديكة.
بيان الأسباب التي بها يتيسر قيام الليل اعلم أن قيام الليل عسير عن الخلق إلا على من وفق للقيام بشروطه الميسرة له ظاهراً وباطناً
فأما الظاهرة فأربعة أمور الأول أن لا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام. كان بعض الشيوخ يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتتحسروا عند الموت كثيراً. وهذا هو الأصل الكبير وهو تخفيف المعدة عن ثقل الطعام الثاني أن لا يتعب نفسه بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح وتضعف بها الأعصاب فإن ذلك أيضاً مجلبة للنوم الثالث أن لا يترك القيلولة بالنهار فإنها سنة للاستعانة على قيام الليل الرابع أن لا يحتقب الأوزار بالنهار فإن ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة. قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم? فقال: ذنوبك قيدتك. وكان الحسن رحمه الله إذا دخل السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول: أظن أن ليل هؤلاء ليل سوء فإنهم لا يقيلون. وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل وما ذاك الذنب? فقال: ذنوبك قيدتك. وكان الحسن رحمه الله إذا دخل السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول: أظن أن ليل هؤلاء ليل سوء فإنهم لا يقيلون. وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل وما ذاك الذنب? قال: رأيت رجلاً يبكي فقلت في نفسي هذا مراء وقال بعضهم: دخلت على كرز بن وبرة وهو يبكي فقلت أتاك نعي بعض أهلك? فقال: اشد؛ فقلت: وجع يؤلمك? قال: أشد؛ قلت: فما ذاك? قال: بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته. وهذا لأن الخير يدعو إلى الخير والشر يدعو إلى الشر والقليل من كل واحد منهما يجر إلى الكثير. ولذلك قال أبو سليمان الداراني: لا تفوت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب وكان يقول الاحتلام بالليل عقوبة والجنابة بعد. وقال بعض العلماء: إذا صمت يا مسكين فانظر عند من تفطر وعلى أي شيء تفطر فإن العبد ليأكل أكلة فينقلب قلبه عما كان عليه ولا يعود إلى حالته الأولى. فالذنوب كلها تورث قساوة القلب وتمنع من قيام الليل، وأخصها بالتأثير تناول الحرام. وتؤثر اللقمة الحلال في تصفية القلب وتحريكه إلى الخير ما لا يؤثر غيرها ويعرف ذلك أهل المراقبة للقلوب بالتجربة بعد شهادة الشرع له. ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قراءة سورة? وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة. وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات. وقال بعض السجانين كنت سجاناً نيفاً وثلاثين سنة أسأل كل مأخوذ بالليل أنه هل صلى العشاء في جماعة فكانوا يقولون: لا? وهذا تنبيه على أن بركة الجماعة تنهى عن تعاطي الفحشاء والمنكر.
وأما الميسرات الباطنة فأربعة أمور: الأول سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا فالمستغرق الهم بتدبير الدنيا لا يتيسر له القيام، وإن قام فلا يتفكر في صلاته إلا في مهماته ولا يجول إلا في وساوسه وفي مثل ذلك يقال: يخبرني البـواب أنـك نـائم وأنت إذا استيقظت أيضاً فنائم
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل فإنه إذا تفكر في أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره كما قال طاوس: إن ذكر جهنم طير نوم العابدين. وكما حكي أن غلاماً بالبصرة اسمه صهيب كان يقوم الليل كله فقالت له سيدته: إن قيامك بالليل يضر بعملك بالنهار، فقال: إن صهيباً إذا ذكر النار لا يأتيه النوم وقيل لغلام آخر وهو يقوم كل الليل فقال: إذا ذكرت النار اشتد خوفي وإذا ذكرت الجنة اشتد شوقي فلا أقدر أن أنام وقال ذو النون المصري رحمه الله:
وأنشدوا أيضاً:
وقال ابن المبارك:
الثالث أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات الجنان؛ كما حكي أن بعض الصالحين رجع من غزوته فمهدت امرأته فراشها وجلست تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلي حتى أصبح فقالت له زوجته: كنا ننتظرك مدة فلما قدمت صليت إلى الصبح? قال: والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليل فنسيت الزوجة والمنزل فقمت طول ليلتي شوقاً إليها.
الرابع وهو أشرف البواعث؛ الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة بالحبيب على طول القيام. ولا ينبغي أن يستبعد هذه اللذة إذ يشهد لها العقل والنقل. فأما العقل فليعتبر حال المحب لشخص بسبب جماله أو الملك بسبب إنعامه وأمواله أنه كيف يتلذذ به في الخلوة ومناجاته حتى لا يأتيه النوم طول ليله. فإن قلت: إن الجميل يتلذذ بالنظر إليه وإن الله تعالى لا يرى? فاعلم أنه لو كان الجميل المحبوب وراء ستر أو كان في بيت مظلم لكان المحب يتلذذ بمجاورته المجردة دون النظر ودون الطمع في أمر آخر سواه. وكان يتنعم بإظهار حبه عليه وذكره بلسانه بمسمع منه وإن كان ذلك أيضاً معلوماً عنده. فإن قلت: إنه ينتظر جوابه فليتلذذ بسماع جوابه وليس يسمع كلام الله تعالى? فاعلم أنه إن كان يعلم أنه لا يجيبه ويسكت عنه فقد بقيت له أيضاً لذة في عرض أحواله عليه ورفع سريرته إليه كيف والموقن يسمع من الله تعالى كل ما يرد على خاطره في أثناء مناجاته فيتلذذ به? وكذا الذي يخلو بالملك ويعرض عليه حاجاته في جنح الليل يتلذذ به في رجاء إنعامه. والرجاء في حق الله تعالى أصدق وما عند الله خير وأبقى وأنفع مما عند غيره فكيف لا يتلذذ بعرض الحاجات عليه في الخلوات?
وأما النقل فيشهد له أحوال قوام الليل في تلذذهم بقيام الليل واستقصارهم له كما يستقصر المحب ليلة وصال الحبيب حتى قيل لبعضهم: كيف أنت والليل? قال: ما راعيته قط يريني وجهه ثم ينصرف وما تأملته بعد. وقال آخر: أنا والليل فرسا رهان مرة يسبقني إلى الفجر ومرة يقطعني عن الفكر. وقيل لبعضهم: كيف الليل عليك? فقال: ساعة أنا فيها بين حالتين أفرح بظلمته إذا جاء وأغتم بفجره إذا طلع، ما تم فرحي به قط وقال علي بن بكار: منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر. وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي وإذا طلعت حزنت لدخول الناس علي. وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا. وقال أيضاً: لو عوض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه من اللذة لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم. وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة. وقال بعضهم: لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم، وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام لليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة. وقال بعض العارفين: إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنواراً فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين. وقال بعض العلماء من القدماء: إن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لي عباداً من عبادي أحبهم ويحبونني ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك، قال يا رب وما علامتهم? قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ وباكي وبين متأوه وشاكي بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي أول ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم. والثانية: لو كانت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما في موازينهم لاستقللتها لهم. والثالثة: أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما أريد أن أعطيه? وقال مالك بن دينار رحمه الله إذا قام العبد يتهجد من الليل قرب منه الجبار عز وجل. وكانوا يرون ما يجدون من الرقة والحلاوة في قلوبهم والأنوار من قرب الرب تعالى من القلب وهذا له سر وتحقيق ستأتي الإشارة إليه في كتاب المحبة. وفي الأخبار عن الله عز وجل "أي عبدي أنا الله الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري" وشكا بعض المريدين إلى أستاذه طول سهر الليل وطلب حيلة يجلب بها النوم فقال أستاذه: يا بني إن لله نفحات في الليل والنهار تصيب القلوب المتيقظة وتخطىء القلوب النائمة فتعرض لتلك النفحات؛ فقال: يا سيدي تركتني لا أنام بالليل ولا بالنهار.
واعلم أن هذه النفحات بالليل أرجى لما في قيام الليل من صفاء القلب واندفاع الشواغل وفي الخبر الصحيح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ أنه قال "إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلا أعطاه إياه" وفي رواية أخرى "يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه وذلك كل ليلة" ومطلوب القائمين تلك الساعة وهي مهمة في جملة الليل كليلة القدر في شهر رمضان وكساعة يوم الجمعة وهي ساعة النفحات المذكورة والله أعلم.
بيان طرق القسمة لأجزاء الليل
اعلم أن إحياء الليل من حيث المقدار له سبع مراتب الأولى إحياء الليل وهذا شأن الأقوياء الذين تجردوا لعبادة الليل وتلذذوا بمناجاته وصار ذلك غذاء لهم وحياة لقلوبهم فلم يتعبوا بطول القيام وردوا المنام إلى النهار وفي وقت اشتغال الناس، وقد كان ذلك طريق جماعة من السلف كانوا يصلون الصبح بوضوء العشاء. حكى أبو طالب المكي أن ذلك حكي على سبيل التواتر والاشتهار عن أربعين من التابعين وكان فيهم من واظب عليه أربعين سنة، قال: منهم سعيد بن المسيب وصفوان بن سليم - المدنيان - وفضيل بن عياض ووهيب بن الورد - المكيان - وطاوس ووهب بن منبه - اليمانيان - والربيع بن خيثم والحكم - الكوفيان - وأبو سليمان الداراني وعلي بن بكار - الشاميان - وأبو عبد الله الخواص وأبو عاصم - العباديان - وحبيب أبو محمد وأبو جابر السلماني - الفارسيان - ومالك بن دينار سليمان التيمي ويزيد الرقاشي وحبيب بن أبي ثابت ويحيى البكاء - البصريون - وكهمس بن المنهال وكان يختم في الشهر تسعين ختمة وما لم يفهمه رجع وقرأه مرة أخرى.
وأيضاً من أهل المدينة: أبو حازم ومحمد بن المنكدر في جماعة يكثر عددهم المرتبة الثانية أن يقوم نصف الليل: وهذا لا ينحصر عدد المواظبين عليه من السلف. وأحسن فيه أن ينام الثلث الأول من الليل والسدس الأخير منه حتى يقع قيامه في جوف الليل ووسطه فهو الأفضل المرتبة الثالثة أن يقوم ثلث الليل: فينبغي أن ينام النصف الأول والسدس الأخير، وبالجملة نوم آخر الليل محبوب لأنه يذهب النعاس بالغداة، وكانوا يكرهون ذلك، ويقلل صفرة الوجه والشهرة به فلو قام أكثر الليل ونام سحراً قلت صفرة وجهه وقل نعاسه. وقالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله ﷺ إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة إلى أهله دنا منهن وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال فيؤذنه للصلاة" وقالت أيضاً رضي الله عنها "ما ألفيته بعد السحر إلا نائماً" حتى قال بعض السلف: هذه الضجعة قبل الصبح سنة، منهم أبو هريرة رضي الله عنه. وكان نوم هذا الوقت سبباً للمكاشفة والمشاهدة من وراء حجب الغيب وذلك لأرباب القلوب وفيه استراحة تعين على الورد الأول من أوراد النهار وقيام ثلث الليل من النصف الأخير. ونوم السدس الأخير قيام داود ﷺ المرتبة الرابعة أن يقوم سدس الليل أو خمسه وأفضله أن يكون في النصف الأخير وقبل السدس الأخير منه المرتبة الخامسة أن لا يراعي التقدير فإن ذلك إنما يتيسر لنبي يوحى إليه أو لمن يعرف منازل القمر ويوكل به من يراقبه ويواظبه ويوقظه ثم ربما يضطرب في ليالي الغيم، ولكنه يقوم من أول الليل إلى أن يغلبه النوم فإذا انتبه قام فإذا غلبه النوم عاد إلى النوم.
فيكون له في الليل نومتان وقومتان وهو من مكابدة الليل وأشد الأعمال وأفضلها، وقد كان هذا من أخلاق رسول الله ﷺ، وهو طريقة ابن عمر وأولي العزم من الصحابة وجماعة من التابعين رضي الله عنهم. وكان بعض السلف يقول: هي أول نومة فإذا انتبهت ثم عدت إلى النوم فلا أنام الله لي عيناً. فأما قيام رسول الله ﷺ من حيث المقدار فلم يكن على ترتيب واحد بل ربما كان يقوم نصف الليل أو ثلثه أو سدسه يختلف ذلك في الليالي ودل عليه قوله تعالى في الموضعين من سورة المزمل "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه" فأدنى من ثلثي الليل كأنه نصفه ونصف سدسه فإن كسر قوله "ونصفه وثلثه" كان نصف الثلثين وثلثه فيقرب من الثلث والربع. وإن نصب كان نصف الليل وقالت عائشة رضي الله عنها كان ﷺ يقوم إذا سمع الصارخ" يعني الديك وهذا يكون السدس فما دونه. وروى غير واحد أنه قال "راعيت صلاة رسول الله ﷺ في السفر ليلاً فنام بعد العشاء زماناً ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال "ربنا ما خلقت هذا باطلاً" حتى بلغ "إنك لا تخلف الميعاد" ثم استل من فراشه سواكاً فاستاك به وتوضأ وصلى حتى قلت: صلى مثل الذي نام. ثم اضطجع حتى قلت نام مثل ما صلى. ثم استيقظ فقال ما قال أول مرة وفعل ما فعل أول مرة" المرتبة السادسة وهي الأقل: أن يقوم مقدار أربع ركعات أو ركعتين أو تتعذر عليه الطهارة فيجلس مستقبل القبلة ساعة مشتغلاً بالذكر والدعاء فيكتب في جملة قوام الليل برحمة الله وفضله. وقد جاء في الأثر: صل من الليل ولو قدر حلب شاة فهذه طرق القسمة فليختر المريد لنفسه ما يراه أيسر عليه. وحيث يتعذر عليه القيام في وسط الليل فلا ينبغي أن يهمل إحياء ما بين العشاءين والورد الذي بعد العشاء. ثم يقوم قبل الصبح وقت السحر فلا يدركه الصبح نائماً ويقوم بطرفي الليل "وهذه هي المرتبة السابعة ومهما كان النظر إلى المقدار فترتيب هذه المراتب بحسب طول الوقت وقصره: وأما في الرتبة الخامسة والسابعة لم ينظر فيهما إلى القدر فليس يجري أمرهما في التقدم والتأخر على الترتيب المذكور إذ السابعة ليست دون ما ذكرناه في السادسة، ولا الخامسة دون الرابعة.
بيان الليالي والأيام الفاضلة اعلم أن الليالي المخصوصة بمزيد الفضل التي يتأكد فيها استحباب الإحياء في السنة خمس عشرة ليلة لا ينبغي أن يغفل المريد عنها فإنها مواسم الخيرات ومظان التجارات. ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل المريد عن فضائل الأوقات لم ينجح. فستة من هذه الليالي في شهر رمضان: خمس في أوتار العشر الأخير إذ فيها يطلب ليلة القدر. وليلة سبع عشرة من رمضان - فهي ليلة صبيحتها يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، فيه كانت وقعة بدر، وقال ابن الزبير رحمه الله: هي ليلة القدر - وأما التسع الأخر: فأول ليلة من المحرم. وليلة عاشوراء وأول ليلة من رجب وليلة النصف منه. وليلة سبع وعشرين منه وهي ليلة المعراج وفيها صلاة مأثورة فقد قال ﷺ "للعامل في هذه الليلة حسنات مائة سنة" فمن صلى في هذه الليلة اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن ويتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن ثم يقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة ثم يستغفر الله مائة مرة ويصلي على النبي ﷺ مائة مرة ويدعو لنفسه بما شاء من أمر دنياه وآخرته ويصبح صائماً فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في معصية - وليلة النصف من شعبان - ففيها مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص عشر مرات كانوا لا يتركونها كما أوردناه في صلاة التطوع - وليلة عرفة. وليلتا العيدين: قال ﷺ "من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب".
وأما الأيام الفاضلة فتسعة عشر يستحب مواصلة الأوراد فيها: يوم عرفة. ويوم عاشوراء. ويوم سبعة وعشرين من رجب - له شرف عظيم روى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال "من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهراً" وهو اليوم الذي أهبط الله فيه جبرائيل عليه السلام على محمد ﷺ بالرسالة - ويوم سبعة عشر من رمضان - وهو يوم وقعة بدر - ويوم النصف من شعبان. ويوم الجمعة، ويوما العيدين والأيام المعلومات وهي عشر من ذي الحجة. والأيام المعدودات وهي أيام التشريق. وقد روى أنس عن رسول الله ﷺ أنه قال "إذا سلم يوم الجمعة سلمت الأيام وإذا سلم شهر رمضان سلمت السنة" وقال بعض العلماء: من أخذه مهناة في الأيام الخمسة في الدنيا لم ينل مهناة في الآخرة وأراد به العيدين والجمعة وعرفة وعاشوراء ومن فواضل الأيام في الأسبوع يوم الخميس والاثنين ترفع فيهما الأعمال إلى الله تعالى: وقد ذكرنا فضائل الأشهر والأيام للصيام في كتاب الصوم فلا حاجة إلى الإعادة والله أعلم، وصلى الله على كل عبد مصطفى من كل العالمين.