→ كتاب الأذكار والدعوات | إحياء علوم الدين كتاب الأذكار والدعوات - الباب الأول المؤلف: أبو حامد الغزالي |
الباب الثاني ← |
ويدل على فضيلة الذكر على الجملة من الآيات: قوله سبحانه وتعالى "فاذكروني أذكركم" قال ثابت البناني رحمه الله: إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل، ففزعوا منه وقالوا. كيف تعلم ذلك? فقال: إذا ذكرته ذكرني. وقال تعالى "اذكروا الله ذكراً كثيراً" وقال تعالى "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم" وقال عز وجل "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً" وقال تعالى "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" وقال تعالى "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي بالليل والنهار في البر والبحر والسفر والحضر والغنى والفقر والمرض والصحة والسر والعلانية. وقال تعالى في ذم المنافقين "ولا يذكرون الله إلا قليلاً" وقال عز وجل "واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين" وقال تعالى "ولذكر الله أكبر" قال ابن عباس رضي الله عنهما: له وجهان أحدهما أن ذكر الله تعالى لكم أعظم من ذكركم إياه، والآخر: أن ذكر الله أعظم من كل عبادة سواه. إلى غير ذلك من الآيات. وأما الأخبار فقد قال رسول الله ﷺ "ذاكر الله في الغافلين كالشجرة في وسط الهشيم" وقال ﷺ "يقول الله عز وجل أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه بي" وقال ﷺ "ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله? قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب به حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع فقال ﷺ "من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله عز وجل" وسئل رسول الله ﷺ "أي الأعمال أفضل? فقال: أن تموت ولسانك رطب بذكر الله عز وجل" وقال ﷺ "أصبح وأمس ولسانك رطب بذكر الله تصبح وتمسي وليس عليك خطيئة" وقال ﷺ "لذكر الله عز وجل بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله ومن إعطاء المال سحاً" وقال ﷺ "يقول الله تبارك وتعالى إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه وإذا تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا مشى إلي هرولت إليه" يعني بالهرولة سرعة الإجابة. وقال ﷺ "سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل غلا ظله - من جملتهم - رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله" وقال أبو الدرداء قال رسول الله ﷺ "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الورق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله? قال ذكر الله عز وجل دائماً" وقال ﷺ "قال الله عز وجل من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" وأما الآثار: فقد قال الفضيل: بلغنا أن الله عز وجل قال عبدي اذكرني بعد الصبح ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما. وقال بعض العلماء: إن الله عز وجل يقول أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه. وقال الحسن الذكر ذكران ذكر الله عز وجل بين نفسك وبين الله عز وجل ما أحسنه وأعظم أجره وأفضل من ذلك ذكر الله سبحانه عند ما حرم الله عز وجل. ويروى "إن كل نفس تخرج من الدنيا عطشى إلا ذاكر الله عز وجل" وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله سبحانه فيها، والله تعالى أعلم.
فضيلة مجالس الذكر
قال رسول الله ﷺ "ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده" وقال ﷺ "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفوراً لكم قد بدلت لكم سيئاتكم حسنات" وقال أيضاً ﷺ "ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله سبحانه وتعالى فيه ولم يصلوا على النبي ﷺ إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة" وقال داود ﷺ: إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي دونهم فإنها نعمة تنعم بها علي. وقال ﷺ "المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفي ألف مجلس من مجالس السوء" وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن أهل السماء ليتراءون بيوت أهل الأرض التي يذكر فيها اسم الله تعالى كما تتراءى النجوم. وقال سفيان بن عيينة رحمه الله إذا اجتمع قوم يذكرون الله تعالى اعتزل الشيطان والدنيا فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون? فتقول الدنيا: دعهم فإنهم إذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه دخل السوق وقال: أراكم ههنا وميراث رسول الله ﷺ يقسم في المسجد? فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا ميراثاً، فقالوا: يا أبا هريرة ما رأينا ميراثاً يقسم في المسجد? قال: فماذا رأيتم? قالوا: رأينا قوماً يذكرون الله عز وجل ويقرءون القرآن، قال. فذلك ميراث رسول الله ﷺ وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عنه ﷺ أنه قال "إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كتاب الناس فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء فيقول الله تبارك وتعالى هل رأوني فيقولون لا فيقول جل جلاله كيف لو رأوني فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تسبيحاً وتحميداً وتمجيداً. فيقول لهم من أي شيء يتعوذون فيقولون من النار فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول الله عز وجل فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد هرباً منها وأشد نفوراً. فيقول الله عز وجل وأي شيء يطلبون فيقولون الجنة فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول تعالى فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصاً. فيقول جل جلاله إني أشهدكم أني قد غفرت لهم فيقولون كان فيهم فلان لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول الله عز وجل هم القوم لا يشقى جليسهم".
فضيلة التهليل
قال ﷺ "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وقال ﷺ "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" وقال ﷺ "ما من عبد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء" وقال ﷺ "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم كأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور" وقال ﷺ أيضاً لأبي هريرة "يا أبا هريرة إن كل حسنة تعملها توزن يوم القيامة إلا شهادة لا إله إلا الله فإنها لا توضع في ميزان، لأنها لو وضعت في ميزان من قالها صادقاً ووضعت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن كان لا إله إلا الله أرجح من ذلك" وقال ﷺ "لو جاء قائل لا إله إلا الله صادقاً بقراب الأرض ذنوباً لغفر الله له ذلك" وقال ﷺ "يا أبا هريرة لقن الموتى شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب هدماً، قلت يا رسول الله هذا للموتى فكيف للأحياء قال ﷺ: هي أهدم وأهدم" وقال ﷺ "من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة" وقال ﷺ "لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد عن الله عز وجل شراد البعير عن أهله فقيل يا رسول الله من الذي يأبى ويشرد عن الله قال من لم يقل لا إله إلا الله" فأكثروا من قول لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها فإنها كلمة التوحيد وهي كلمة الإخلاص وهي كلمة التقوى وهي كلمة طيبة وهي دعوة الحق وهي العروة الوثقى وهي ثمن الجنة" وقال الله عز وجل "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" فقيل الإحسان في الدنيا قول لا إله إلا الله وفي الآخرة الجنة. وكذا قوله تعالى "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وروى البراء بن عازب أنه ﷺ قال "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - عشر مرات - كانت له عدل رقبة أو قال نسمة" وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله ﷺ "من قال في يوم مائتي مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لم يسبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد بعده إلا من عمل بأفضل من عمله" وقال ﷺ "من قال في سوق من الأسواق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف الف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة" ويروى "إن العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت إلى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلى محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إلى جنبها" وفي الصحيح عن أيوب عن النبي ﷺ أنه قال "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسمعيل ﷺ" وفي الصحيح أيضاً عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ أنه قال "من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي غفر له أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته".
فضيلة التسبيح والتحميد وبقية الأذكار
قال ﷺ "من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد ثلاثاً وثلاثين وكبر ثلاثاً وثلاثين وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" وقال ﷺ "من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" وروي "أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: تولت عني الدنيا وقلت ذات يدي فقال رسول الله ﷺ فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون? قال: فقلت وماذا يا رسول الله? قال: قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله مائة مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلي الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ويخلق الله عز وجل من كل كلمة ملكاً يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه" وقال ﷺ "إذا قال العبد الحمد لله ملأت ما بين السماء والأرض فإذا قال الحمد لله الثانية ملأت ما بين السماء السابعة إلى الأرض السفلى فإذا قال الحمد لله الثالثة قال الله عز وجل سل تعط" وقال رفاعة الزرقي "كنا يوماً نصلي وراء رسول الله ﷺ فلما رفع رأسه من الركوع وقال سمع الله لمن حمده قال رجل وراء رسول الله ﷺ: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف رسول الله ﷺ عن صلاته قال: من المتكلم آنفاً? قال: أنا يا رسول الله، فقال ﷺ: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً" وقال رسول الله ﷺ "الباقيات الصالحات هن لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" وقال ﷺ "ما على الأرض رجل يقول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" رواه ابن عمر وروى النعمان بن بشير عنه ﷺ أنه قال "الذين يذكرون من جلال الله وتسبيحه وتكبيره وتحميده ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن أو لا يحب أحدكم أن لا يزال عند الله ما يذكر به" وروى أبو هريرة أنه ﷺ قال "لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" وفي رواية أخرى زاد "لا حول ولا قوة إلا بالله وقال هي خير من الدنيا وما فيها" وقال ﷺ "أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت" رواه سمرة بن جندب.
وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله ﷺ كان يقول "الطهور شطر الميزان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر يملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائغ نفسه فموبقها أو مشتر نفسه فمعتقها" وقال أبو هريرة: قال رسول الله ﷺ "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وقال أبو ذر رضي الله عنه "قلت لرسول الله ﷺ: أي الكلام أحب إلى الله عز وجل قال ﷺ ما اصطفى الله سبحانه لملائكته: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وقال أبو هريرة قال رسول الله ﷺ "إن الله تعالى اصطفى من الكلام: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" فإذا قال العبد "سبحان الله" كتبت له عشرون حسنة وتحط عنه عشرون سيئة وإذا قال "الله أكبر" فمثل ذلك وذكر إلى آخر الكلمات. وقال جابر: قال رسول الله ﷺ "من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة" وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال الفقراء لرسول الله ﷺ "ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال: أوليس قد جعل لكم ما تصدقون به? إن بكل تسبيحة صدقة وتحميدة صدقة وتهليلة صدقة وتكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويضع أحدكم اللقمة في أهله فهي له صدقة. وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر? قال ﷺ: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر? قالوا: نعم. قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر" وقال أبو ذر رضي الله عنه: قلت لرسول الله ﷺ "سبق أهل الأموال بالأجر يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق فقال رسول الله ﷺ أفلا أدلك على عمل إذا أنت عملته أدركت من قبلك وفقت من بعدك إلا من قال مثل قولك? تسبح الله بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتكبر أربعاً وثلاثين" وروت بسرة عن النبي ﷺ أنه قال "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس فلا تغفلن واعقدن الأنامل فإنها مستنطقات" يعني بالشهادة في القيامة.
وقال ابن عمر: رأيته ﷺ يعقد التسبيح وقد قال ﷺ فيما شهد عليه أبو هريرة وأبو سعيد الخدري "إذا قال العبد لا إله إلا الله والله أكبر قال الله عز وجل صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال العبد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال تعالى صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول الله سبحانه صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي ومن قالهن عند الموت لم تمسه النار" وروى مصعب ابن سعد عن أبيه عنه ﷺ أنه قال "أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة فقيل: كيف ذلك يا رسول الله? فقال ﷺ: يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف سيئة". وقال ﷺ "يا عبد الله بن قيس - أو يا أبا موسى - أو لا أدلك على كنز من كنوز الجنة? قال: بلى، قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله" وفي رواية أخرى "ألا أعلمك كلمة من كنز تحت العرش: لا حول ولا قوة إلا بالله" وقال أبو هريرة: قال رسول الله ﷺ "ألا أدلك على عمل من كنوز الجنة من تحت العرش قول لا حول ولا قوة إلا باللهه يقول الله تعالى أسلم عبدي واستسلم" وقال ﷺ "من قال حين يصبح رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبمحمد ﷺ نبياً رسولاً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة" وفي رواية "من قال ذلك رضي الله عنه" وقال مجاهد إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، قال الملك: هديت: فإذا قال: توكلت على الله، قال الملك: كفيت. وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الملك: وقيت فتتفرق عنه الشياطين فيقولون ما تريدون من رجل قد هدي وكفي ووقي? لا سبيل لكم إليه. فإن قلت: فما بال ذكر الله سبحانه مع خفته على اللسان وقلة التعب فيه صار أفضل وأنفع من جملة العبادات مع كثرة المشقات فيها? فاعلم أن تحقيق هذا لا يليق إلا بعلم المكاشفة. والقدر الذي يسمح بذكره في علم المعاملة: أن المؤثر النافع هو الذكر على الدوام مع حضور القلب فأما الذكر باللسان والقلب لاه فهو قليل الجدوى. وفي الأخبار ما يدل عليه أيضاً وحضور القلب في لحظة بالذكر والذهول عن الله عز وجل مع الاشتغال بالدنيا أيضاً قليل الجدوى. بل حضور القلب مع الله تعالى على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على العبادات بل به تشرف سائر العبادات وهو غاية ثمرة العبادات العملية. وللذكر أول وآخر؛ فأوله يوجب الأنس والحب لله وآخره يوجب الأنس والحب ويصدر عنه، والمطلوب ذلك الأنس والحب. فإن المريد في بداية أمره قد يكون متكلفاً بصرف قلبه ولسانه عن الوسواس إلى ذكر الله عز وجل. فإن وفق للمداومة أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور. ولا ينبغي أن يتعجب من هذا فإن من المشاهد في العادات أن تذكر غائباً غير مشاهد بين يدي شخص وتكرر ذكر خصاله عنده فيحبه وقد يعشق بالوصف وكثرة الذكر. ثم إذا عشق بكثرة الذكر المتكلف أولاً صار مضطراً إلى كثرة الذكر آخراً بحيث لا يصبر عنه. فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره. ومن أكثر ذكر شيء - وإن كان تكلفاً - أحبه. فكذلك أول الذكر متكلف إلى أن يثمر الأنس بالمذكور والحب له ثم يمتنع الصبر عنه آخراً فيصير الموجب موجباً والثمر مثمراً. وهذا معنى قول بعضهم. كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة. ولا يصدر التنعم إلا من الأنس والحب. ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعاً. فكيف يستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول الطعام يسبشعه أولاً ويكابد أكله ويواظب عليه فيصير موافقاً لطبعه حتى لا يصبر عنه فالنفس معتادة متحملة لما تتكلف. هي النفس ما عودتها تتعود. أي ما كلفتها أولاً يصير لها طبعاً آخراً. ثم إذا حصل الأنس بذكر الله سبحانه انقطع عن غير ذكر الله وما سوى الله عز وجل هو الذي يفارقه عند الموت فلا يبقى معه في القبر أهل ولا مال ولا ولد ولا ولاية ولا يبقى إلا ذكر الله عز وجل. فإن كان قد أنس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه إذ ضرورات الحاجات في الحياة الدنيا تصد عن ذكر الله عز وجل، ولا يبقى بعد الموت عائق؛ فكأنه خلى بينه وبين محبوبه فعظمت غبطته وتخلص من السجن الذي
كان ممنوعاً فيه عما به أنسه. ولذلك قال ﷺ "إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه" أراد به كل ما يتعلق بالدنيا فإن ذلك يفنى في حقه بالموت ف "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وإنما تفنى الدنيا بالموت في حقه إلى أن تفنى في نفسها عند بلوغ الكتاب أجله. وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله عز وجل ويترقى من الذكر إلى اللقاء. وذلك بعد أن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ولا ينكر بقاء ذكر الله عز وجل معه الموت فيقول إنه أعدم فكيف يبقى معه ذكر الله عز وجل? فإنه لم يعدم عدماً يمنع الذكر بل عدماً من الدنيا وعالم الملك والشهادة لا من عالم الملكوت. وإلى ما ذكرناه الإشارة بقوله ﷺ "القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة" وبقوله ﷺ "أرواح الشهداء في حواصل طير خضر" وبقوله ﷺ لقتلى بدر من المشركين "يا فلان يا فلان وقد سماهم النبي ﷺ هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً? فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً فسمع عمر رضي الله عنه قوله ﷺ فقال: يا رسول الله كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا? فقال ﷺ: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا" والحديث في الصحيح. هذا قوله عليه السلام في المشركين فأما المؤمنون والشهداء فقد قال ﷺ "أرواحهم في حواصل طير خضر معلقة تحت العرش" وهذه الحالة وما أشير بهذه الألفاظ إليه لا ينافي ذكر الله عز وجل وقال تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم" الآية ولأجل شرف ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على الله والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق عن غيره. فإن قدر عبد على أن يجعل همه مستغرقاً بالله عز وجل فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال. فإنه قطع الطمع عن مهجته وأهله وماله وولده بل من الدنيا كلها فإنه يريدها لحياته وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطل مرضاته فلا تجرد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشهادة وورد فيه من الفضائل ما لا يحصى. فمن ذلك أنه لما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد قال رسول الله ﷺ لجابر "ألا أبشرك يا جابر! قال: بلى بشرك الله بالخير قال: إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر فقال تعالى: تمن علي يا عبدي ما شئت أعطيكه فقال يا رب أن تردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك وفي نبيك مرة أخرى. فقال عز وجل. سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون" ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة فإنه لو لم يقتل وبقي مدة ربما عادت شهوات الدنيا غليه وغلبت على ما استولى على قلبه من ذكر الله عز وجل. ولهذا عظم خوف أهل المعرفة من الخاتمة. فإن القلب وإن ألزم ذكر الله عز وجل فهو متقلب لا يخلو عن الالتفات إلى شهوات الدنيا ولا ينفك عن فترة تعتريه. فإذا تمثل في آخر الحال في قلبه أمر من الدنيا واستولى عليه وارتحل عن الدنيا والحالة هذه فيوشك أن يبقى استيلاؤه عليه فيحن بعد الموت إليه ويتمنى الرجوع إلى الدنيا. وذلك لقة حظه في الآخرة إذ يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه. فاسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة إذ لم يكن قصد الشهيد نيل مال أو أن يقال شجاع أو غير ذلك كما ورد به الخبر بل حب الله عز وجل وإعلاء كلمته فهذه الحالة هي التي عبر عنها "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" ومثل هذا الشخص هو البائع للدنيا بالآخرة. وحالة الشهيد توافق معنى قولك "لا إله إلا الله" إذ لا مقصود له سواه. ومن يقول ذلك بلسانه ولم يساعده حاله فأمره في مشيئة الله عز وجل ولا يؤمن في حقه الخطر. ولذلك فضل رسول الله ﷺ قول لا إله إلا الله على سائر الأذكار وذكر ذلك مطلقاً في مواضع الترغيب. ثم ذكر في بعض المواضع الترغيب. ثم ذكر في بعض المواضع الصدق والإخلاص فقال مرة "من قال لا إله إلا الله مخلصاً"
ومعنى الإخلاص مساعدة الحال للمقال. فنسأل الله تعالى أن يجعلنا في الخاتمة من أهل لا إله إلا الله حالاً ومقالاً ظاهراً وباطناً حتى نودع الدنيا غير متلفتين إليها بل متبرمين بها ومحبين للقاء الله فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فهذا مرامز إلى معاني الذكر التي لا يمكن الزيادة عليها في علم المعاملة.