وهو الكتاب العاشر من إحياء علوم الدين وبه اختتام ربع العبادات نفع الله به المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله على آلائه حمداً كثيراً ونذكره ذكراً لا يغادر في القلب استكباراً ولا نفوراً ونشكره إذ جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ونصلي على نبيه الذي بعثه بالحق بشيراً ونذيراً وعلى آله الطاهرين وصحبه الأكرمين الذين اجتهدوا في عبادة الله غدوة وعشياً وبكرة وأصيلاً حتى أصبح كل واحد منهم نجماً في الدين هادياً وسراجاً منيراً.
أما بعد: فإن الله تعالى جعل الأرض ذلولاً لعباده لا ليستقروا في مناكبها بل ليتخذوها منزلاً فيتزودوا منها زاداً يحملهم في سفرهم إلى أوطانهم ويكتنزون منها تحفاً لنفوسهم عملاً وفضلاً محترزين من مصايدها ومعاطبها ويتحققون أن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها. فالناس في هذا العالم سفر وأول منازلهم المهد وآخرها اللحد والوطن هو الجنة أو النار. والعمر مسافة السفر؛ فسنوه مراحله، وشهوره فراسخه، وأيامه أمياله وأنفاسه خطواته وطاعته بضاعته وأوقاته رءوس أمواله، وشهواته وأغراضه قطاع طريقه، وربحه الفوز بلقاء الله تعالى في دا السلام مع الملك الكبير والنعيم المقيم، وخسرانه البعد من الله تعالى مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات الجحيم. فالغافل في نفس من أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلى الله زلفى متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة ما لها منتهى ولهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد ودعوا بالكلية ملاذ النفس واغتنموا بقايا العمر. ورتبوا بحسب تكرر الأوقات وظائف الأوراد حرصاً على إحياء الليل والنهار في طلب القرب من الملك الجبار والسعي إلى دار القرار فصار من مهمات علم طريق الآخرة تفصيل القول في كيفية قسمة الأوراد وتوزيع العبادات التي سبق شرحها على مقادير الأوقات ويتضح هذا المهم بذكر بابين. الباب الأول في فضيلة الأوراد وترتيبها في الليل والنهار. الباب الثاني في كيفية إحياء الليل وفضيلته وما يتعلق به.