الرئيسيةبحث

أشعار النساء/أخبار ليلى مع النابغة الجعدي


أخبار ليلى مع النابغة الجعدي


بسم الله الرحمن الرحيم

أخبار ليلى مع النابغة الجعدي كتب إلي أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة عن أبي الحسن المدائني، قال: هاجى النابغة الجعدي ليلى الأخيلية فقال لها:

ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلا فقدْ ركِبتْ... أغرُّ محجَّلا

فقالت ترد عليه وهما قصيدتان له ولها، فغلبته بقوله:

وعيَّرتني داءً بأمك مثله وأيُّ جوادٍ لا يقال لها هلا

وهلا: كلمة تقاس للفرس الأنثى إذا أنزي عليها الفحل لتسكن. حدثني محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثني الحكم بن موسى السلولي، أخبرني الباهلي العلامة قال: أنه تحاكم إلى ليلى شعراء هوزان: النابغة الجعدي وحميد بن ثور الهلالي وتميم بن أبي بن مقبل العجلاني والعجير السلولي فأنشأت تقول:

ألا كلّ ما قالَ الرواة وزبّبوا به غير ما قال السلوليُّ بهْرج

تعني: العجير، قال: فنمى الخير عنها، فقال النابغة الجعدي:

كأنَّك ليلى بغلة تدْمريَّة رأت حصناً فعارضتهنَّ تشْحج

قال: ثم قال:

ألا حيّيا ليلى وقولا لها: هلا فقد ركبتْ... أغرَّ محجَّلا وبرذَوْنة بلَّ البراذين ثفْرها وقد شرِبتْ في أوَّلِ الصيف أيِّلا وقد أكلتْ بقْلاً وخيماً نباته وقد أنكحت شرَّ الأخايلِ أخْيلا

رأى نفسه بقلاً وخيماً، يقول: إنها ستسوخم هجائي.

وكيف أهاجي شاعراً رمْحه أسته خضيبَ البنانِ ما يزال مكحَّلا دعي عنك تهجاءَ الرجَالِ وأقبلي على أذْلغيّ يمْلأ أسْتكِ فيْشلا

قال: وبنو الأذلغ بن بني عبادة بن ربيعة البكاء وكان نكاحاً، فبلغها قوله فقالت:

أنابغ لم تنبغْ ولم تك أولاً وكنْت صنياً بينَ صُدَّيْن مجهلا

ويروى: ولم تك موبهاً، ويروى: بين شعبين مجهلا، ويروى: وكنت شعيباً بين صدين، والصدان: جانبا سفح الجبل، والصني: الثميد يبض شيئاً يسيراً يشرب به الطير ولا يشرب به الإنسان لقتله وصني تصغير صنو، والصنو: الشعب الصغير.

أنابغ إن تنبغ بلؤمكَ لا تجدْ للؤمكَ إلا وسطَ جعدة مجْعلا أعيرتني داءً بأمك مثلُه وأي جوادٍ لا يقال لها: هلا؟!

ويروى: وأي حصان. ويقال للفرس الحجر: هلا، وذلك إذا دعيت للإقرار لتنزى. فاجتمع الجعديون وقالوا: والله لنأتين أمير المدينة فلنستعدينه عليها فأنها قد قذفتنا، وبلغها ذلك فزادت في القصيدة.

أحقاً بما أنبيت أنَّ عشيرتي بشوران يزجون المطيَّ المنعَّلا يروح ويغدو وَفدهم لصحيفةٍ ليستجلدوا لي ساءَ ذلك معملا على غير جرْم غير أنْ قلت: عمهم يعيش أبوهم في ذَراه مغفَّلا

عمهم: هو عقيل، وأبوهم: هو جعدة. في ذراه: في ذرى عقيل، ويروى: نداه.

وأعمى أتاه بالحجاز نثاهم وكان بأطراف الجبال فأسهلا

الأعمى: النابغة. جعلته أعمى القلب.

فجاء بهِ أصحابه يحملونه إلى خيرِ حيٍ آخرين وأوَّلا إذا صدرت ورَّادهم عن حياضهم تغادر نهباً للزكاة معقَّلا

تقول: هم يؤدون الصدقة عن إبلهم.

تنافر سوّراً إلى المجد والعلا وأقسم حقاً إن فعلت ليفعلا

ويروى: تسابق سواراً، وهو سوار بن أوفى بن سبرة بن سلمى بن قشير، وكان يهاجي النابغة ويفخر عليه بأيام بني جعدة.

بمجْدٍ إذا المرء اللئيم أرادَه هوى دونه في مهْيلٍ ثمّ عضَّلا

عضل: عيا وبلد وضاق.

وهلْ أنت إن كان الهجاء محرّما وفي غيره فضْل لمنْ كان أفْضلا

وفي غيره فضل: تقول: في غير الهجاء الحسب والكرم، وليس في الهجاء خير ولا يفضل به أحد. تريد: هل لك أن تدع الهجاء وتناسب سواراً حتى تعرف نفسك ونسبك وقدرك.

لنا تامك دونَ السماءِ وأصْله مقيمٌ طوال الدَهْرِ لنْ يتحلحلا وما كان مجْدٌ في أناس عَلمْتُه من الناس إلاّ مجدُنا كان أوّلا

فجليت إلى المدينة، فأقامت بباب مروان وأنشأت تقول:

أنيخَتْ لدى باب ابن مروانَ ناقتي ثلاثاً لها عند النِتاج صرِيفُ يُطيف بها فتيانُهُ كلَّ ليلةٍ بنيرين مئرانُ الجبالِ وَريفُ

نيرين: شيئين، ويقال: لونين من العلف.

غُلامٌ تَلقّى سؤدداً وهو ناشئٌ فانتَ به رَحْبُ الذراعِ أليفُ بقيْلٍ كتحبير اليماني ونائلٍ إذا قُلّبتْ دونَ العَطاءِ كفوفُ وَرُحْنا كأنا نمتطي أخدَرِيَّةً أضرَّ بها رخوُ اللبان عنيفُ وحلأّها حتى إذا لم يسُغ لها حليٌّ بجَنْبيْ ثادقٍ وجفِيفُ

جفيف: يابس الكلأ، والصغار من الحلي. والنصي: الذي يبس وأصابه المطر فاصفر.

أرنَّ عليها قارباً وانتحت له مُبِرَّةُ أرْساغِ اليدينِ زَروفُ تُهادي خجُوجاً خدَّدَ الجرْيُ لحْمَهُ فلا جحْشَها بالصيف فهي خروفُ

الخروف من الإبل: تنتج في الخريف، والمصيف: في الصيف، والمربع: في الربيع، والهبع: في القيظ، والصقعي: وهو الربعي، والصفري: مطلع سهيل، والدفيء: في آخر الشتاء. ثم قالت في مروان تمدحه وتذكر أمر الجعديين:

طرِبْتَ وما هذا بساعة مطْربِ إذا الحيُّ حلواً بين عاذٍ فحَبْحبِ قديماً فأضْحَتْ دارُهُم قد تلعَّبتْ بها خَرِقات الريح من كلِّ ملعبِ وكمْ قد رأى رائيهُمُ ورأيتها بها لي من عمٍّ كريمٍ ومن أبِ فوارسَ من آل النُفاضةِ سادةً ومن آل سعْدٍ سؤدداً غير متْعبِ وحيٍّ حريدٍ قد صبحنا بغارةٍ فلم يُمْس بيتٌ منهمُ تحت كوكبِ شننَّا عليهم كلَّ جرداءَ شطْبةٍ لجوجٍ تباري كلَّ أجردَ شرْجبِ لوَ حشيِّها من جانبي زفيانها حفيفٌ كخذروف الوليد المثقَّبِ إذا جاش بالماء الحميم سجالها نضخْنَ بهِ نضْخ المزادِ المسرَّبِ فذَرْ ذا، ولكن قد تمنيت راكباً إذا قال قولاً صادقاً لم يُكذًّبِ

وكتب إلي أحمد بن عبد العزيز: أخبرنا عمر بن شبة، وحدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، وحدثني أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا أبو العيناء، أن النابغة لما قال أبياته التي أولها: ألا حييا ليلى، أجابته بقولها الذي تقدم. وروى أبو عمرو الشيباني أن النابغة لما قال يذكر يومي رحرحان وهو يهاجي سوار بن سبرة ويفخر عليه بأيام بني جعدة في قصيدة:

هلا سألتَ بيومي رحرحان وقد ظنَّتْ هوازن أن العزَّ قد زالا

فلما قال:

تلك المكارم لا قَعبانِ من لبنٍ شيبا بماءٍ فعاد بعْد أبوالا

قالت ليلى:

وما كنتُ لو قاذَفْتُ جلَّ عشيرتي لأذكر قعبي حازرٍ قد تثملا

فلما أتى النابغة هذه الأبيات وما دعته إليه ليلى قال: ألا حييا ليلى. حازر: حامض. وتثمل: صار كتلاً من الرغوة، والثمالة: الرغوة ويقال: الرعوة. حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى تمدح مروان بن الحكم:

طربت وما هذا بساعة مطْربِ إذا الحيُّ حَلواً بين عاذٍ فحبْحبَ

وذكرها بطولها فاخترنا منها بعد ذكر ناقته:

أدلَّتْ بقُربي عنْدَه وقضى لها قضاءً فلمْ ينقضْ ولم يُتعقّبِ فإنّك بعد الله أنت أميرُها وقُنعانُها في كلّ خوفٍ ومرغبِ

قنعان الذي يقنع برأيه. يقال: هذا قنعاني وقنعاني: أي ما قنعت به من شيء.

فتُقضى فلولا أنه كلّ ريبةٍ وكلّ قليلٍ من وعيدِكَ مرهبي إذن ما ابتغى العادي الظلومُ ظلامةً عليَّ وما أجْلبْت للمتَجلِّبِ

معناه لا بل تعدي علي من ظلم وهجا فخاف أن أهجو وأنتصر فيعدي علي:

تبادِرُ أنباءَ الوشاةِ وتبتغي لها طلباتِ الحقِّ من كل مطْلبِ إذا أدلجتْ حتى ترى الصبحَ واصَلت أديم نهارِ الشمس ما لم تَغَّيبِ فلمَّا رأتْ دارَ الأمير تخاوَصتْ فقلت لها قد هبْت من متَهيًّبِ

تخاوصت بعينيها

صياحَ فَراريج العقول وحاجباً وصوْتَ المنادي بالصلاة المثوِّبِ

العقور: الحصون والقصور. ويروى: بالأذان المثوب.

وترْجيعَ أصواتِ الخصوم تردُّها بيوت فضاءٍ في طمارٍ مبوَّبِ

الطمار: المكان المرتفع. ومبوب أي له باب.

يظلُّ لأعلاها دَوِيٌّ كأنه ترنُّمُ قاري بيْتِ نحْلٍ منوِّب

القاري: ذكر النحل الذي يجمعها، والمنوب: المسود، أي يسود هذا النحل بما يعمل موضعه ومنه سمي النوبي لسواده، وأنشد: في بيت نوب عوامل. ويروى نحل مجوب. وأنشدني محمد بن أحمد، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لليلى أيضاً:

أنيختْ لدى بابِ ابنِ مروانَ ناقتي ثلاثاً لها عنْدَ الرتاجِ صريفُ يطيف بها فتيانه كلَّ ليلةٍ بنيْرَيْنِ مئران الجبال وريف

الرتاج: الغلق، ومنه أرتج على القارئ. ومئران من النشاط. النيران: شحم العام الأول وشحم عامها هذا، ويقال: ناقة ذات نيرين: أي شحم عامي وشحم حولي.