→ الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات | أدب الطلب ونهاية الأرب مفاسد بعض أدعياء التصوف الشوكاني |
مفاسد بعض أدعياء التصوف
ويلتحق بالأمرين المذكورين أمر ثالث وإن لم تكن مفسدته كمفسدتهما ولا شموله كشمولهما وهو ما صار عليه هذه الطائفة المدعوة بالمتصوفة فقد كان أول هذا الأمر يطلق هذا الاسم على من بلغ في الزهد والعبادة إلى أعلا مبلغ ومشى على هدى الشريعة المطهرة وأعرض عن الدنيا وصد عن زينتها ولم يغتر ببهجتها ثم حدث أقوام جعلوا هذا الأمر طريقا إلى الدنيا ومدرجا إلى التلاعب بأحكام الشرع ومسلكا إلى أبواب اللهو والخلاعة ثم جعلوا لهم شيخا يعلمهم كيفية السلوك فمنهم من يكون مقصده صالحا وطريقته حسنة فيلقن أتباعه كلمات تباعدهم من الدنيا وتقربهم من الآخرة وينقلهم من رتبة إلى رتبة على أعراف يتعارفوها ولكنه لا يخلو غالب ذلك من مخالفة للشرع وخروج عن كثير من آدابه والخير كل الخير في الكتاب والسنة فما خرج عن ذلك فلا خير فيه وإن جاءنا أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وأتقاهم الله تعالى وأخشاهم له في الظاهر فإنه لا زهد لمن يمش على الهدى النبوي ولا تقوى ولا خشية لمن لم يسلك الصراط المستقيم فإن الأمور لا تكون طاعات بالتعب فيها والنصب وإيقاعها على أبلغ الوجوه بل إنما تكون طاعات خالصة محضة مباركة نافعة بموافقة الشرع والمشي على الطريقة المحمدية واعتبر بالخوارج فقد وصفهم النبي ﷺ بما وصف من تلك العبادات والمجاهدات التي لا تبلغ عبادتنا ولا مجاهدتنا إلى شئ منها ولا تعتبر بالنسبة إليها ومع هذا فقال إنها لا تجاوز تراقيهم وقال إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وقال إنهم كلاب النار فانظر كيف كانت مجاهداتهم وعباداتهم وقيامهم الليل وصيامهم النهار نقمة عليهم وبلية ومحنة لهم لم تعد عليه بنفع قط إلا ما أصيبوا به من الخسار والنكال والوبال فكانت تلك الطاعات الصورية من صلاة وصيام وتهجد وقيام هي نفس المعاصي الموجبة للنار وهكذا كل من رام أن يطيع اله على غير الوجه الذي شرعه لعباده وارتضاه لهم فإنه ربما يلحق بالخوارج بجامع وقوع ما أطاعوا الله به على غير ما شرعه لهم في كتابه وعلى لسان رسوله وإني أخشى أن يكون من هذا القبيل ما يقع من كثير من المتصوفة من تلك الأقوال والأفعال التي ظاهرها التنفير عن الدنيا والبعد عن أهلها والفرار عن زينتها مع تلك الوظائف التي يلازمونها من التخشع والإنكسار والتلهب والتأسف والصراخ تارة والهدوء تارة أخرى والرياضيات والمجاهدات ملازمة أذكار يذكرون بها لم ترد في الشرع على صفات لم يأذن الله بها مع ملازمة تلك الثياب الخشنة الدرنة والقعود في تلك المساطب القذرة وما ينضم إلى ذلك من ذلك الهيام والشطح والأحوال التي لو كان فيها خير لكانت لرسول الله ﷺ وأصحابه الذين هم خير القرون ولا أنكر أن في هذه الطائفة من قد بلغ في تهذيب نفسه وغسلها من الطواغيب الباطنة والأصنام المستورة عن الناس كالحسد والكبر والعجب والرياء ومحبة الثناء والشرف والمال والجاه مبلغا عظيما وارتقى مرتقا جسيما ولكني أكره له أن يتداوى بغير الكتاب والسنة وأن يتطبب بغير الطب الذي اختاره الله لعباده فإن في القوارع القرآنية والزواجر المصطفوية ما يغسل كل قذر ويرخص كل درن ويدمغ كل شهية ويدفع كل عارض من عوارض السوء فأنا أحب لكل عليل في الدين أن يتداوى بهذا الدواء فيعكف على تلاوة كتاب الله متدبرا له متفهما لمعانيه باحثا عن مشكلاته سائلا عن معضلاته ويستكثر من مطالعة السيرة النبوية ويتدبر ما كان يفعله رسول الله ﷺ في ليله ونهاره ويتفكر في أخلاقه وشمائله وهديه وسمته وما كان عليه أصحابه وكيف كان هديهم في عبادتهم ومعاملاتهم فإنه إذا تداوى بهذا الدواء ولاحظته العناية الربانية وجذبته الهداية الإلهية فاز بكل خير مع ماله من الأجر الكثير والثواب الكبير في مباشرة هذه الأسباب وإذا حال بينه وبين الانتفاع بهذه الأمور حائل ومنعه من الظفر بما يترتب عليها مانع فقد نال بتلك الأسباب التي باشرها أجرا عظيما لأنه طلب الخير من معدنه ورام نيل الرشد من موطنه فكان له في تلك الأشغال من الأجر ما لطلبة علم الشرع لأنه قد جهد نفسه في الأسباب ولم يفتح له باب فانظر كم بين هذين الأمرين من المسافة الطويلة فإن طالب الرشد بغير الأسباب الشرعية لا يأمن على نفسه بعد الوصول إلى مطلوبه من أن يكون صنعه كصنع الخوارج في خسرانهم بما ظنوه ربحا ووقوعهم في الظلمة وقد كانوا يظنون أنهم يلاقون صبحا لأنهم خالفوا الطريقة التي أرشد الله إليها عباده وأمرهم بسلوكها وإذا كان هذا الأمر مجوزا في طلبة الخير من غير طريق الشرع كصلحاء الصوفية اللذين لا رغبة لهم في غير تهذيب أخلاقهم على وجه يوجب زهدهم فيما ترغب النفوس إليه وتتهالك الطبائع البشرية عليه فما ظنك بمن كان من متصوفة الفلاسفة الذين يدورون بمرقعاتهم وأبدانهم القشفة وثيابهم الخشنة ووجوههم المصفرة حول ما يقوله الفلاسفة من تلك المقالات التي هي ضد الشرع وخلاف له وينهقون عند إدراك شئ من تلك المعارف الشيطانية نهيقا منكرا ويسمون ذلك حالا وهو عند التحقيق حال حائل عن طريق الدين وخيال مائل عن سبيل المؤمنين وللرد على هؤلاء جمعت الرسالة التي سميتها الصوارم الحداد هي من المجموعات التي جمعتها في أيام الحداثة وأوائل الشباب وبعد هذا كله فلست أجهل أن في رجال هذه الطائفة المسماة بالصوفية من جمع الله له بين الملازمة لهذه الشريعة المطهرة والمشي على الطريقة المحمدية والصراط الإسلامي مع كونه قد صار من تصفية باطنه من كدورات الكبر والعجب والحسد والرياء ونحوها بمحل يتقاصر عنه غيره ويعجز عنه سواه ولكني في هذا المصنف بسبب الإرشاد إلى العمل بالكتاب والسنة والتنفير عما عداهما كائنا ما كان فلست أحب لمن أراد القرب إلى الله والفوز بما لديه والظفر بما عنده أن يتسبب إلى ذلك بسبب خارج عنهما من رياضة أو مجاهدة أو خلوة أو مراقبة أو يأخذ عن شيخ من شيوخ الطريقة الصوفية شيئا من الاصطلاحات الموصلة إلى الله عندهم بل يطلب علم الكتاب والسنة ويأخذهما عن العلماء المتقنين لهما المؤثرين لهما على غيرهما المتجنبين لعلم الرأي وما يوصل إليه النافرين عن التقليد وما يحمل عليه فإنه إذا فعل ذلك سلك مسلك النبوة وظفر بهدى الصحابة وسلم من البدع كائنة ما كانت فعند ذلك يحمد مسراه ويشكر مسعاه ويفوز بخير أولاه وأخراه
تم بحمد الله