الرئيسيةبحث

أدب الطلب/تجربة الشوكاني مع الاجتهاد

تجربة الشوكاني مع الاجتهاد

وإني أخبرك أيها الطالب عن نفسي تحدثا بنعمة الله سبحانه ثم تقريبا لما ذكرت لك من أن هذا الأمر كامن في طبائع الناس ثابت في غرائزهم وأنه من الفطرة التي فطر الله الناس عليها إني لما أردت الشروع في طلب العلم ولم أكن إذا ذاك قد عرفت شيئا منه حتى ما يتعلق بالطهارة والصلاة إلا مجرد ما يتلقاه الصغير من تعليم الكبير لكيفية الصلاة والطهارة ونحوهما فكان أول بحث طالعته بحث كون الفرجين من أعضاء الوضوء في الأزهار وشرحه لأن الشيخ الذي أردت القراءة عليه والأخذ عنه كان قد بلغ في تدريس تلامذته إلى هذا البحث فلما طالعت هذا البحث قبل الحضور عند الشيخ رأيت اختلاف الأقوال فيه سألت والدي رحمه الله عن تلك الأقوال أيها يكون العمل عليه فقال يكون العمل على ما في الأزهار فقلت صاحب الأزهار أكثر علما من هؤلاء قال لا قلت فكيف كان اتباع قوله دون أقوالهم لازما فقال أصنع كما يصنع الناس فإن فتح الله عليك فستعرف ما يؤخذ به وما يترك فسألت الله عند ذلك أن يفتح علي من معارفه ما يتميز لي به الراجح من المرجوح وكان هذا في أول بحث نظرته وأول موضوع درسته وقعدت فيه بين يدي العلم فاعتبر بهذا ولا تستبعد ما أرشدتك إليه فتحرم بركة العلم وتمحق فائدته ثم ما زلت بعد كما وصفت لك أنظر في مسائل الخلاف وأدرسها على الشيوخ ولا أعتقد ما يعتقده أهل التقليد من حقية بعضهم بمجرد الإلف والعادة والاعتقاد الفاسد والاقتداء بمن لا يقتدي به بل أسأل من عنده علم بالأدلة على الراجح وأبحث في كتب الأدلة عن ماله تعلق بذلك أستروح إليه وأتعلل به مع الجد في الطلب واستغراق الأوقات في العلم خصوصا علوم الاجتهاد وما يلتحق بها فإني نشطت إليها نشاطا زائدا لما كنت أتصوره من الانتفاع بها حتى فتح الله بما فتح ومنح ما منح فله الحمد كثيرا حمدا لا يحاط به ولا يمكن الوقوف على كنهه فإن وطنت نفسك أيها الطالب على الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب ولا لعالم من العلماء بل جعلت الناس جميعا بمنزلة واحدة في كونهم منتمين إلى الشريعة محكوما عليهم بما لا يجدوا لأنفسهم عنها مخرجا ولا يستطيعون تحولا فضلا عن أن يرتقوا إلى واحد منهم أو يلزمه تقليده وقبوله قوله فقد فزت بأعظم فوائد العلم وربحت بأنفس فرائده ولأمر ما جعل ﷺ المنصف أعلم الناس وإن كان مقصرا فإنه أخرج الحاكم في المستدرك وصححه مرفوعا أعرف الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرا في العمل وإن كان يزحف على أستة هكذا في حفظي فليراجع المستدرك فانظر كيف جعل ﷺ المنصف أعلم الناس وجعل ذلك هو الخصلة الموجبة للأعلمية ولم يعتبر غيرها وإنما كان أبصر الناس بالحق إذا اختلف الناس لأنه لم يكن لديه هوى ولا حمية ولا عصبية لمذهب من المذاهب أو عالم من العلماء فصفت غريزته عن أن تتكدر بشيء من ذلك فلم يكن له مأرب ولا مقصد إلا مجرد معرفة ما جاء عن الشارع فظفر بذلك بسهولة من غير مشقة ولا تعب لأنه موجود إما في كتاب الله وهو بين أظهرنا في المصاحف الشريفة مفسر بتفاسير العلماء الموثوق بهم وإما في سنة رسول الله ﷺ وهي أيضا موجودة قد ألف أهل العلم في أدلة المسائل من السنة كتبا متنوعة منها ما هو على أبواب الفقه ومنها ما هو على حروف المعجم فكان تناوله يسيرا ثم قد تكلم الأئمة على صحتها وحسنها فجاؤوا بما لا يحتاج الناظر معه إلى غيره ووضعوا في ذلك مؤلفات مشتملة على ذلك اشتمالا على أحسن وجه وأبدع أسلوب ثم أوضحوا ما في السنة من الغريب بل جمعوا بين المتعارضات ورجحوا ما هو راجح ولم يدعو شيئا تدعو إليه الحاجة فإذا وقف على ذلك من قد تأهل للاجتهاد وظفر بعلومه أخذه أخذ غير أخذ من لم يكن كذلك وعمل عليه مطمئنة به نفسه ساكنة إليه نافرة عن غيره هاربة منه

أدب الطلب للشوكاني
واجبات طالب العلم | إخلاص النية لله | قصد تحصيل علم الدين | تجنب التحيز والمعصية وتكون غايته العلم بما بعث الله به رسوله وأنزل فيه كتبه | تحري الإنصاف | توطين النفس على البحث والاجتهاد | تجربة الشوكاني مع الاجتهاد | الأسباب التي تؤدي إلى البعد عن الحق والتعصب | حب الشرف والمال | الجدال والمراء وحب الانتصار والظهور | حب القرابة والتعصب للأجداد | صعوبة الرجوع إلى الحق الذي قال بخلافه | أن يكون المنافس المتكلم بالحق صغير السن أو الشأن | من آفات الشيخ والتلميذ | علاج التعصب | العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عن الحق | الاستناد إلى قواعد ظنية | عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم | تقليد المتعصبين من علماء الجرح والتعديل | المنافسة بين الأقران بلا تبصر | التباس ما هو من الرأي البحث بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد | كيفية الوصول إلى مراتب العلم المختلفة | طبقات طلاب العلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الأولى للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الثالثة للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الرابعة للعلم | مباحث ضرورية لطالب الحق | جلب المصالح ودفع المفاسد | الدلائل العامة والكليات | أصالة المعنى الحقيقي وعدم جواز الانتقال عنه إلا لعلاقة أو قرابة | التحايل على أحكام الشريعة | الإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان | مفاسد أصابت دين الإسلام | تعدد المذاهب | الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات | مفاسد بعض أدعياء التصوف