→ العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عن الحق | أدب الطلب ونهاية الأرب عود إلى أسباب التعصب: الاستناد إلى قواعد ظنية الشوكاني |
عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم ← |
عود إلى أسباب التعصب: الاستناد إلى قواعد ظنية
ومن جملة أسباب التعصب التي لا يشعر بها كثير من المشتغلين بالعلوم ما يذكره كثير من المصنفين من أنه يرد ما خالف القواعد المقررة فإن من لا عناية له بالبحث يسمع هذه المقالة ويرى ما صنعه كثير من المصنفين من رد الأدلة من الكتاب والسنة إذا خالف تلك القاعدة فيظن أنها في اللوح المحفوظ فإذا كشفها وجدها في الغاب كلمة تكلم بها بعض من يعتقده الناس من أهل العلم الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى لا مستند لها إلا محض الرأي وبحت ما يدعى من دلالة العقل
وكثيرا ما تجد في علم الكلام الذي يسمونه أصول الدين قاعدة قد تقررت بينهم واشتهرت وتلقنها الآخر من الأول وخطوها جسرا يدفعون بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فإذا كشفت عنها وجدتها في الأصل كلمة قالها بعض حكماء الكلام زاعما أنه يقتضي ذلك العقل ويستحسنه وليس إلا مجرد الدعوى على العقل وهو عنه برئ فإنه لم يقض بذلك العقل الذي خلقه الله في عباده بل قضى به عقل قد تدنس بالبدع وتكدر بالتعصب وابتلى بالجهل بما جاء به الشرع وجاء بعده من هو أشد بلاء منه واسخف عقلا وأقل علما وأبعد عن الشرع فجعل ذلك قاعدة عقلية ضرورية فدفع بها جميع ما جاء عن الشارع عرف هذا من عرفه وجهله من جهله ومن لم يعرف هذا فليتهم نفسه فيا لله العجيب من مزية يفتريها على العقل بعض من حرم علم الشرع ثم يأتي من بعده فيجعلها أصولا مقررة وقواعد محررة ويؤثرها على قول الله عز وجل وقول الأنبياء وهكذا تجد في علم أصول الفقه قاعدة قد أخذها الآخر عن الأول وتلقنها الخلف عن السلف وبنوا عليها القناطر وجعلوها إماما لأدلة الكتاب والسنة يجيزون ما أجازته ويردون ما ردته وليست من قواعد اللغة الكلية ولا من القوانين الشرعية بل لا يستند لها إلا الخيال المختل والظن الفاسد والرأي البحت ومع هذا فهم يزعمون أن هذا العلم لا تقبل فيه إلا الأدلة القطعية دعوى ظاهرة البطلان واضحة الفساد فإن غالبها لا يوجد عليه دليل من الآحاد صحيح ولا حسن بل لا يوجد أحادي ضعيف وغالب ما يوجد الموضوعات التي لا يمترى من له حظ من العلم في كذبها كاستدلالهم بمثل حكمي على الواحد حكمي على الجماعة وبمثل نحن نحكم بالظاهر ونحو هذه الأكاذيب فالمغرور من اغتر بهذه الدلس والمخدوع من خدع بها وترقى بها من كونها موضوعة إلى كونها صحيحة ثم من كونها صحيحة إلى كونها قطعية فيا لله العجب من نفاق مثل هذه الأمور على كثير من أهل العلم وانقراض القرن بعد القرن والعصر بعد العصر وهي عندهم مسائل قطعية وقواعد مقررة والذنب لمن تكلم بها وذكرها في مؤلفاته ولم يقف حيث أوقفه الله من جهله بما جاء في الشريعة وهكذا ما وقع في كثير من أبواب الفقه من ذكر قواعد يطردونها في جميع المسائل ويظنون أنها من قواعد الشرع الثابتة بقطعيات الشريعة ومن كشف عن ذلك وجد أكثرها مبنيا عل محض الرأي الذي ليس عليه إثارة من علم ولا يرجع إلى شئ من الشرع ومن خفى عليه هذا فليعلم أن قصوره وعدم اشتغاله بالعلم هو الذي جنى عليه وغره بما لا يغتر به من عض على العلم بناجذه وكشف عن الأمور كما ينبغي فعلى من أراد الوصول إلى الحق والتمسك بشعار الإنصاف أن يكشف عن هذه الأمور فإنه إذا فعل ذلك هان عليه الخطب ولم يحل بينه وبين الحق ما ليس من الحق