الرئيسيةبحث

الهندوسية ( Hinduism )



حرق جثث الموتى من طقوس الهندوس.
الهندوسية أكبر ديانات الهند الوثنية، وإحدى الديانات القديمة في العالم. يمثل الهندوس نحو 83% من سكان الهند. وللهندوسية أثر في كل مظاهر الحياة الهندية. ويُطلق الهنود على ديانتهم اسم سانتاندرا ؛ أي الديانة القديمة أو الأزلية.

معتقدات الهندوسية

اختلفت عقائد الهندوس خلال آلاف السنين، وظهر العديد من الفرق والطوائف، وطورت كل واحدة منها فلسفتها وشكل العبادة الخاصة بها.

الآلهة:

الهندوسية ديانة تقوم على عبادة أكثر من إله. وقد اتخذ الهندوس من قوى الطبيعة كالمطر والشمس والعواصف والرعد والنار والماء آلهة، حسب زعمهم، وعدّ فلاسفتهم تلك الآلهة أشكالاً للإله الذي أطلقوا عليه براهما. وزعموا أن براهما في كل مكان، وأنه لاشكل له ولا ماهية ولاجنس، وهو فوق تصور الناس. ومن ثم اتخذت التماثيل لتعبر عنه ولتصور أوجهًا مختلفة له. ومن أهم مظاهر براهما: براهما خالق العالم، وفشنو الحافظ، وفيشنو المدمر والمنشئ. وهذه الآلهة الثلاثة يمثلها تمثال واحد يسمى تريمورتي. وهناك آلهة أخرى مهمة في زعم الهندوسية الحديثة مثل جانيتا الذي له رأس فيل، وهو مُزيل العقبات، وهانومان إله الإخلاص والقوة، وكارتيكيا أو سوبرامايا الذي يُعبد في جنوبي الهند. وكل هذه الآلهة مظاهر لبراهما. ويعتقد الهندوس أن فيشنو نزل إلى الأرض في تسع تجسُّدات وينتظرون حدوث التجسُّد العاشر. ومن أشهر هذه التجسدات تجسده في راما بطل القصة الملحمية رامايانا، وفي كريشنا الإله الفيلسوف وصاحب العمل الفلسفي بجافاد جيتا.

التناسخ:

يعتقد الهندوس أن النفس لا تفنى بفناء البدن بل تنتقل إلى أبدان أخرى مما يُعد ميلادًا لها. وذلك أن كل عمل له تأثير في الكيفية التي تُولد بها النفس في التجسد الذي يلي. وتنتقل النفس في دورة من الميلاد وعودة الميلاد تسمى سَمْسَرا. وفي النهاية، يمكن أن تنال النفس مستوى من الوجود يسمى موكشا (الانعتاق)، حين تتحد النفس أو تقرب من الاتحاد مع الروح العُليا براهمان. ووفقًا لقدرات الشخص وميوله الطبيعية، تختلف الطرق التي يتبعها لتحقيق هذا الهدف.

فهناك طريق المعرفة جنانا، الذي يتضمن دراسة عميقة للفيدا والأبانيشاد تحت إرشاد معلم خبير، إذ إنهم يعتقدون أن فهم الكتب المقدسة الهندوسية، يحرر الشخص، كما يزعمون، من الارتباط بالعالم المادي ويمكن النفس من الاقتراب من الروح العليا براهمان.

وهناك طريق اليوجا، أو النظام الذي يستلزم دراسة الفلسفة والتأمل وإجراء تمارين بدنية لتحقيق السيطرة على الجسم. ولابد أيضًا من مساعدة مرشد. وتربط اليوجا بين القوة الروحية للعقل والقوى المادية للجسم، لتحقيق الصحة وحياة طويلة وسلام داخلي. وتحرر اليوجا النفس من دورات الحياة المتعاقبة.

وهناك طريق الكَرْما الذي يتضمن قيام الشخص بتجرد بواجباته الدينية والاجتماعية كما يحددها نظام الطبقات والتقسيم الاجتماعي ودرجات الحياة وتقاليد الأسرة. وتتضمن الكرما كل الأنشطة البدنية ونتائج أعمال الشخص. وإذا توقع الشخص من عمله أهدافًا خاصة فلن يحدث تقدم للروح. ويعتقد الهندوس أن الأنشطة غير الأنانية هي الطريق الصحيح لاستخدام المواهب الإنسانية. وكل الأعمال التي تعمل لكونها واجبًا تفيد الفرد والمجتمع، وتقود النفس إلى الإله الهندوسي براهمان على حد زعمهم.

التفاني والامتناع عن إيذاء الكائن الحي:

طريق التفاني هو أسهل طريق لدى كثير من الهندوس للوصول إلى الروح العليا براهما. ويركز سالكه على اختيار إله معين يقوم بعبادته وترديد اسمه وعمل الخير لأجله سعيًا إلى الفناء فيه.

أهيمسا:

إذا أراد الهندوسي تطبيق هذه القيمة الأخلاقية العالية فعليه أن يمتنع عن التسبب في أي أذى مادي أو عقلي أو عاطفي أو أخلاقي لأي كائن حي. ويعتقد الهندوس أن الكائنات لها روح كما للإنسان، ومن ثم قدَّس الهندوس البقر والقردة وغيرها من الحيوانات. وتتميز البقرة بنوع خاص من التقديس. ودرجات الحياة عند الهندوسي المتفاني أربع، تشارك النساء في الثانية والثالثة منها. وكل درجة منها تقود إلى الأخرى. وهذه الدرجات هي: 1- درجة التلميذ 2- رب المنزل 3- الاعتزال 4- نُكران الذات. وهذه الأخيرة اختيارية ويصل إليها الرجال وحدهم، وبعض النساء الآن يسعين إلى الوصول إليها أيضًا.

ويسعى الهندوس عمومًا إلى تحقيق أهداف أربعة تكون نظام القيم عند كل فرد منهم، وهذه الأهداف هي:

1- الواجبات الدينية والاجتماعية، وهي أكثرها أهمية وحاكمة على الأهداف الثلاثة الأخرى. 2- كسب العيش بوسائل شريفة. 3- الاعتدال في التمتع بطيبات الحياة. 4- الموكشا، أي التوجه الروحي إلى الإله وتحقيق الخلاص من سلسلة التوالد.

المذاهب الهندوسية الفلسفية الستة:

نشأت مذاهب كثيرة في الهندوسية وأهمها: 1- النيايا، وتتعلق بالمنطق ونظرية المعرفة. 2- الفايشاشيكا، وتهتم بدراسة طبيعة العالم. 3- الصمخيا، وتَستكشف نشأة الكون وتطوره. 4- اليوجا، مجموعة تمارين بدنية وعقلية، تهدف إلى تخليص الجسد حتى تستطيع الروح الاتحاد مع براهمان. 5- الميمامسا 6- الفيدتنا. وكلاهما (أي 5، 6) يشرحان الفيدا.

الهندوسية في الحياة اليومية

طبقات المجتمع:

هناك نظام قديم في الهند يُسمَّى فارنا وبناءً عليه يُقسم المجتمع إلى: 1- الطبقة البيضاء وهي طبقة البرهميين وهم القساوسة والعلماء. 2- الطبقة الحمراء الكاشتري وهم الحكام والإداريون والجنود، 3- الطبقة الصفراء الفيزية وهم الفلاحون والمزارعون والتجار. 4- وأضيفت طبقة رابعة فيما بعد وهي الطبقة السوداء وتشمل السودرا، وهم العمال المهرة كالخزافين والنساجين وصانعي السلال والخدم. وأصبحت تلك الطبقات أكثر وضوحًا بظهور مجتمع أكثر تعقيدًا. كما ظهرت طبقة خامسة أدنى من السودريين، وهم يقومون بالخدمات الحقيرة، ويعاملهم البراهميون بقسوة ويتجنبون حتى لمسهم. ويُعرف هؤلاء بالمنبوذين. ورغم إلغاء هذه الطبقة قانونًا عام 1950م وإطلاق اسم أطفال الله عليهم، فإنهم يحبذون تسمية أنفسهم بالمنبوذين.

آداب الطعام في الهندوسية:

للهندوس طقوس خاصة بالطعام ؛ فهم يهتمون بطهارته ويشترطون أن يكون معدّ الطعام طاهرًا وملابسه نظيفة، ويستخدم يده اليمنى في إعداد الطعام وأكله. كما يشترطون أن يُقدّم كل نوع من الطعام في طبق خاص. ويعدون الطعام الذي يمسه أحد أفراد الطبقات الدنيا نجسًا. ويعدون اللحم والبيض والسمك والمشروبات الكحولية كلها نجسة. وهناك آداب أخرى غير ذلك.

العبادة عند الهندوس

للهندوس عبادات يومية يؤدونها لإله الأسرة في معبد المنزل. ويحتفلون بأعياد سنوية تخصَّص لآلهة مختلفة، ويشدون الرحال لمزارات بعيدة كُرست لفشنو وشيفا والإلهة شاكتي. ويمكن تقسيم الهندوس إلى ثلاث جماعات: من يعبدون شيفا، ومن يعبدون فشنا في تجسداته المختلفة، وأولئك الذين يعبدون شاكتي. وللهندوسية عدة فرق أو جماعات لكل منها شكل عبادة خاص. وهناك فرق تقدس معلمًا روحيًا (غورو) بالدرجة نفسها التي تقدس بها إلهًا. ولعبادتهم طرق مختلفة تتمثل في تقديم الماء إلى الشمس عند طلوعها والجلوس القرفصاء أمام صنم في معبد، وترديد اسم الإله، والطواف حول مزار إله في اتجاه عقارب الساعة، وغناء تراتيل في المعبد. وأكثر أشكال العبادة شيوعًا يُسمَّى بوجا حيث يقدم الناس الكُرْكُم الأحمر أو الأصفر والأرز ودهن الصندل والزهور والفاكهة والبخور للأصنام في المنزل أو المعبد. وتُقدَّم البوجا إلى آلهة الأسرة كل صباح بعد الحمّام. ويسترجع ما يقدم إلى الإله من طعام أو فاكهة مرة أخرى بعد مباركتها. وهذا يسمى براساد.

المزارات:

للهندوس مزارات عديدة، في كل أنحاء الهند مكرَّسة لفشنو وشيفا أو الإلهة الأم. ومن أهم هذه المزارات فاراناسي على نهر الجانج.

طقوس الهندوسية:

للهندوس طقوس وشعائر عديدة تمتد مع حياة الإنسان منذ أن يكون حَمْلاً حتى موته. فهناك ثلاثة طقوس تقدم أثناء فترة الحَمْل وستة طقوس بعد الميلاد. والطقس العاشر يُسمَّى أوبانيانا، ويكون حينما يقلد أحد أطفال الطبقات الثلاث العليا بالحبل المقدس رمزًا لبداية تعليمه الرسمي. وهناك طقسان يتبعان ذلك. والطقس الثالث عشر الزواج، وأهم شعائره الخطوات السبع التي يقوم بها الزوجان أمام النار المقدسة ـ عند الهندوس ـ عند الزواج. والطقس الرابع عشر رب المنزل، والخامس عشر التجول، والسادس عشر إحراق جثة الميت.

الكتب المقدسة عند الهندوس

للهندوسية عدة كتب تكون جميعها عقائدهم. ومن أهمها الفيدا، البوراناس، الرامايانا، المهابهاراتا، بجافاد جيتا.

الفيدا:

تنقسم إلى أربعة أقسام: 1- ريج ـ فيدا، ومعناها الفيدا النارية وهي مجموعة من الأناشيد الدينية الهندوسية التي يتضرع بها الهندوس أمام آلهتهم. 2- ساما فيدا، وتعني الفيدا الشمسية، وتحتوي على مزامير دينية ومجموعة من العبادات والواجبات الدينية. 3- ياجورا ـ فيدا، وتعني الفيدا الهوائية، وهي مجموعة من التراتيل التي يُنشدها الكهنة عند إحراق جثث الموتى. 4- أثارفا ـ فيدا، وهي أناشيد تُتلى عند الزواج وتشمل بركات وتعويذات ورقى سحرية. ويحتوي كل كتاب منها على أربعة أجزاء: 1- السامهيتا، ويشتمل على أدعية وتراتيل. 2- البراهمانا، ويعالج مسائل العقائد والشعائر. 3- الأرانيكا، ويشتمل على فلسفة الفناء عند القديسين والرهبان. 4- الأبانيشاد، وهي أعمال فلسفية كتبت في صورة حوار.

البورانا:

مأثورات شعبية هندوسية تشتمل على حكايات وخوارق وأساطير عن آلهة الهندوس وأبطالهم. كما تحكي معتقدات الهندوس عن بداية العالم، وكيفية نهاياته المؤقتة وتجدد ميلاده.

الرامايانا والمَهابْهاراتا:

ملحمتان هنديتان، تحكي أولاهما قصة الأمير راما ومحاولاته إنقاذ زوجته، التي خطفها ملك الجن رافانا، والأخرى تحكي قصة صراع بين فرعين من الأسرة المالكة حول مقتل زوجة.

بجافاد جيتا:

عمل فلسفي يناقش فيه الإله كريشنا والمحارب أرجونا معنى الوجود وطبيعته.

دارما شسترا:

كتب في قوانين الهندوس وعاداتهم. وأهمها تلك التي كتبها مانو وياجنافالكيا وباراشارا ونارادا.

الأفكار الفلسفية:

تقرر الفدانتا والباجافاد جيتا أن الروح قوة مقدسة في كل مخلوق، وتستمر في البقاء بعد فناء الجسد حيث تحل في جسد آخر. وتمر كل روح نتيجة لعملها بعدة تجارب قبل أن تنال الحرية (موكشا). وقد ذهب الفيلسوف شانكرا إلى أن الروح وبراهمان متطابقان، بينما يذهب رامانوجا إلى أن الروح لا تمتزج مع براهما عندما تتحرر من الجسد. وقرر مادهافا أن الروح وبراهمان منفصلان تمامًا. ويذهب فلاسفة الهند إلى أن هناك ثلاث صفات تجعل الروح مرتبطة بالعالم المادي: 1- باركريتي ؛ أي أن المادة ضرورية لكل الكائنات، 2- قوناس ؛ أي أن الصفات تنبني في ذاتية كل مخلوق. 3- مايا ؛ التي تجعل من هذا العالم الفاني وهمًا وخداعًا، ومن ثم فإن الروح واقعة في شراك دورات الحياة المتعاقبة.

حركات الإصلاح الهندوسية

ظهرت عدة حركات إصلاحية خلال القرن التاسع عشر الميلادي نتيجة لاتصال الهند بالمسلمين أولاً ثم بعد ذلك بالغرب بدءًا بالقرن الخامس عشر الميلادي، ومن أهمها حركة رام موهان روي (1772- 1833م). ورام هذا وُلد في أسرة براهمية، ودرس القرآن والبوذية والعهد الجديد، وكره عبادة التماثيل وممارسة السوتية (إحراق الأرملة الهندوسية نفسها في محرقة زوجها علامة على إخلاصها له) حينما رأى أرملة أخيه تُحرق حية على محرقة زوجها. وقاتل من أجل إلغاء: الشرك وعبادة التماثيل ونظام الطبقات وزواج الأطفال وذبح الحيوان والسوتية.

وفي عام 1828م، أسَّس جمعية الإله براهمو ساماج من أجل إصلاح الديانة الهندوسية. وقد حاربت الجمعية التماثيل والصور والأصنام، وركزت على الصلوات والترانيم التي تؤكد وحدانية الإله. واستوحت الجمعية بعض أشكال العبادة من النصرانية.

وكان لجمعية رام موهان روي أثر كبير في إجازة القوانين الخاصة بالسوتية، وعدم شرعية الطبقات، وزواج الأرملة الهندوسية، وزواج الأطفال، وحق الملكية للنساء والمنبوذين، وذلك في الفترة ما بين 1829 - 1950م.

وفي عام 1875م، أسَّس دايناندا (1824 - 1883م) جمعية آريا ساماج، ذلك أنه حينما كان غلامًا رأى الفئران في إحدى الليالي، تتسلل إلى معبد شيفا وتأكل الطعام المقدَّم إليه، فبدأ يشك في مقدرة الإله. وتكونت عنده كراهية لعبادة الأوثان. وكون بعد دراسته للفيدا وتوسيع معارفه الدينية ومداركه الفلسفية جمعية آريا، وادعى أن الفيدا أزلية وأنها وحي من الإله.كما قبل معتقد الكَرْما والميلاد، ولكنه عارض عبادة التماثيل والشرك وذبح الحيوان والطبقية القائمة على الميلاد، والمنبوذين، شد الرحال للمزارات وشعيرة الحمّام. كما أدان زواج الأطفال وعزل النساء، وعارض زواج الأرامل. ويؤدي أتباع الجمعية عباداتهم يوم الأحد، ويقدمون القرابين للنار ويعلِّمون الفيدا. وليس لهم كهنة. وكل عضو منهم مطالب بالالتزام بالتقشف والولاء للإله.

وقد تطورت الهندوسية المعاصرة من عدة نواح ؛ فللجمعية الآن حركة عالمية تُسمَّى هاري كريشنا، أو الحركة العالمية لضمير كريشنا، تقودها جماعات منتشرة في معظم أقطار العالم وخاصة في أمريكا وأوروبا. ولها أنصار عديدون في تلك الأقطار، كما أن هناك حركات عديدة مماثلة تركز على ضرورة الاهتمام بالعبادة من خلال بهاكتي (التفاني).

المصدر: الموسوعة العربية العالمية