الرئيسيةبحث

الكساد ( Depression )



طوابير العمال العاطلين في أمريكا مناظر مألوفة في كبريات المدن الأمريكية خلال الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين. ويظهر في الصورة طابور من الرجال في بروكلين بنيويورك ينتظرون نصيبهم من طعام يوزع مجانًا.
الكسادهبوط حاد طويل المدى في جميع أوجه النشاط الاقتصادي، ويسبب انخفاضًا في الإنتاج والأسعار والإيرادات والوظائف. وأثناء الكساد تقل السيولة، وتفلس كثير من المؤسسات، ويفقد كثير من العمال والموظفين وظائفهم. وقد يصيب الكساد إحدى الصناعات في البلاد وقد يصيب إحدى مناطقها، كما قد يعم البلاد وقد يكون عالميًا. ويبدأ الكساد بانخفاض المبيعات في عدد من المحال التجارية ؛ ونظرًا لانخفاض المبيعات في عدد من المحال تخفض طلباتها من أصحاب المصانع، ومن ثم يقلل المصنعون بدورهم من الإنتاج ويخفضون طلباتهم من الموردين ويقللون من استثماراتهم في المعدات والمصانع الجديدة. وبانخفاض المبيعات تميل الأسعار إلى الانخفاض ومن ثم ينخفض دخل المنشآت التجارية. وانخفاض دخول المنشآت يؤدي إلى عدم مقدرتها على دفع رواتب وأجور موظفيها وعمالها، وربما يؤدي إلى إفلاسها.

هكذا تبدأ عجلة الكساد الطاحنة في الدوران كلما ازدادت البطالة. فالبطالة تؤدي إلى نقص الدخول، ونقص الدخول يؤدي إلى نقص أكثر في المبيعات ومن ثم الإنتاج. فدخل المنشآت الصناعية ومن ثم زيادة نسبة البطالة، وهكذا يقال إن طاحونة الكساد تدير نفسها بنفسها إلى أن يحدث ما يُقيل الأنشطة الاقتصادية من عثرتها.

وليس كل هبوط في الأنشطة الاقتصادية يؤدي إلى الكساد، فقد يكون الهـبوط خفيفًا بحيـث يؤدي إلى ما يعرف بالركود الاقتصادي. وقد يستمر الكساد عدة سنوات، إلا أن غالب حالات الركود الاقتصادي تمتد سنة أو أقل. وفي أغلب المجتمعات الصناعية في العالم يتبع الكساد أو الركود حالة من الانتعاش الاقتصادي. وهذا التبادل في الهبوط والصعود يسمى الدورة الاقتصادية.

وعندما تبدأ حالة الكساد تُصاب المؤسسات المالية بالذُّعر. وهذا الذعر يساهم في حدة المشكلة، حيث يتسبب في انخفاض الأموال اللازمة لتسيير العجلة الاقتصادية. ولا يقتصر الذعر على البلد التي ظهرت فيها علامات الكساد، بل يتعداها إلى غيرها من الدول الأخرى حتى ينتشر في أنحاء العالم. فقد أدّى انهيار سوق أوراق المال في بريطانيا عام 1891م إلى فقدان ثقة المستثمرين في أستراليا، مما أدى بكثير من الدائنين إلى إلغاء ديونهم القائمة والمطالبة بسدادها. وقد أفلس كثير من الشركات العقارية والشركات المالية بين عامي 1891 و 1892م بسبب توسعها في الإقراض، كما أفلس عدد من البنوك الصغيرة. وقد كان إفلاس البنوك بسبب تهافت المودعين على سحب ودائعهم.

وقد انتشر الذعر الاقتصادي في أستراليا عام 1893م عندما أغلق البنك التجاري في ملبورن أبوابه في شهر إبريل من تلك السنة. ثم تتابعت حالات إفلاس البنوك مما أدى إلى ما يعرف بالكساد الأسترالي في التسعينيات من القرن التاسع عشر. وقد ازدادت الحالة سوءًا بسبب الإضرابات العمالية الكبيرة التي تعرضت لها المنشآت الاقتصادية في تلك الفترة وبسبب موجة الجفاف التي سادت أستراليا في أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر. وقد يحدث الكساد بعد انتهاء الحروب عندما يتوقف الإنفاق الحربي فجأة. ويُعَدُّ كساد عام 1929م أسوأ كساد عالمي عرفه التاريخ حيث سمي الكساد العظيم. وقد استمر خلال الثلاثينيات من هذا القرن.

آثار الكساد

آثار الكساد على الأفراد:

تتضرّر أعداد هائلة من أفراد المجتمع بحدوث الكساد خاصة العمال والموظفين حيث يفقدون وظائفهم. كما يقضي إفلاس البنوك على أموال المودعين فيتضررون من ذلك كثيرًا إذا لم تكن تلك الودائع محميّة بمظلة التأمين. كما قد يعجز كثير من الناس عن دفع إيجارات منازلهم أو أقساط قروض تلك المنازل فيتعرضون إلى فقدانها.

وخلال فترات الكساد قد يعيش عدد كبير من الناس على ما يقبضونه من مؤسسات الضمان الاجتماعي أو المؤسسات الخيرية، وقد يصيبهم ذلك بالإذلال والإحباط لعجزهم عن إعالة أنفسهم وأسرهم.

ويؤدي الكساد إلى انخفاض حالات الزواج وعدد المواليد. فالشباب المقدمون على الزواج يؤجلون ذلك بسبب عدم استطاعتهم، وقد يقل عدد أفراد الأسرة في بعض البلدان بسبب الظروف الاقتصادية نظرًا لتخوفها من المستقبل.

وعندما تسود البطالة مدة طويلة فإن كثيرًا من العاطلين يفقدون الثقة في أنفسهم ومستقبلهم، وهذا ما يفسر اهتمام الناس بالأمن الوظيفي بعد كل حالة كساد.

وإذا كانت الغالبية تتأثر سلبًا بالكساد، فقد يستفيد منه البعض، فالأغنياء مثلاً يمكنهم شراء العقارات والمصانع بأسعار منخفضة، كما أن أصحاب الأجور الثابتة يستفيدون من انخفاض الأسعار حيث تمكنهم أجورهم من زيادة الإنفاق.

آثار الكساد على المجتمع:

يسبب الكساد آثارًا سيئة على المجتمع حيث تنتشر البطالة والفقر واليأس. وربما يؤدي الكساد إلى تغيير بعض القيم السائدة في المجتمع مما يؤثر على المجتمع نفسه. فقد أدّى الكساد العظيم إلى فقدان ثقة العديد من الناس في المشاريع الاقتصادية مما أدّى إلى تدخل بعض الحكومات لتنظيم مشاريع الأعمال الاقتصادية. وقد أدى ذلك إلى شيوع اعتقاد راسخ يحمل الحكومة مسؤولية التوظيف، وضمان معيشة أفضل لجميع أفراد المجتمع، كما أدى ذلك الكساد إلى فقدان الثقة في حرص رجال الأعمال على حماية العمال، ونتيجة لذلك أدى الكساد إلى تقوية النقابات العمالية وإلى زيادة أعضائها وتحسين صورتها أمام الناس أكثر من أي وقت مضى. وقد يؤدي الكساد إلى زعزعة الثقة في الحكومة. وقد يصفِّق كثير من الناس لكل زعيم يعد بتغيير الأمور. وفي التاريخ الحديث أمثلة لذلك ؛ فقد حكم أدولف هتلر ألمانيا حكمًا دكتاتوريًا من سنة 1933م إلى سنة 1945م وحكم بنيتو موسوليني إيطاليا حكمًا دكتاتوريًا من سنة 1922 حتى سنة 1943م.

كما يؤثر الكساد على العلاقات الدولية حيث تحرص كل دولة في فترات الكساد على حماية مصالحها دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى.

الأسباب والوقاية

لم يتفق الاقتصاديون على أسباب الكساد ولا على وسائل منعه. فبعض الاقتصاديين يرى أن العوامل النفسية كالتفاؤل والتشاؤم لها تأثير قوي في دفع الأفراد إلى الإنفاق أو إلى الادخار، كما أن هناك نظريات اقتصادية ترجع فترات الانكماش (أي الكساد أو الركود الاقتصادي) إلى تغير في التركيبة السكانية أو إلى اكتشاف مخترعات حديثة. فعندما تزداد الهجرة أو ترتفع نسبة المواليد في مجتمع ما، فإن الطلب على السلع والخدمات في ذلك المجتمع يزداد، والعكس صحيح، فعندما ينخفض معدل النمو السكاني فإن الطلب على السلع والخدمات ينخفض، وعندما يحصل اختراع حديث كالسيارة أو التلفاز الملون فإن الإنفاق يزداد لشراء هذا المخترع الحديث، وبعد أن يحصل الأفراد على حاجتهم من ذلك المخترع يقل الإنفاق فيحدث الانكماش الاقتصادي.

كما أن هناك نظريات أخرى تربط الكساد مباشرة بالدورة الاقتصادية. ففي فترة الانتعاش تزداد الاستثمارات في المصانع والمعدات الصناعية بشكل مفرط، وعندما تتشبع المصانع بذلك يقل الإنفاق على هذه الأصول الرأسمالية فيحصل الانكماش.

ويعتقد معظم الاقتصاديين أنه يمكن منع حدوث كساد آخر بطرق متعددة. فالضمان الاجتماعي وإعانات البطالة تضمن استمرار مقدرة أفراد المجتمع على الإنفاق. كما أن الاقتصاديين يمكنهم التنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية مما يمكّن الحكومة من اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة للحيلولة دون حدوث الكساد.

والوسائل الرئيسية التي تتخذها الحكومات لتفادي الكساد هي السياسات المالية والسياسات النقدية. فالسياسة المالية في البلاد هي المتعلقة بمشاريع الضرائب والإنفاق الحكومي. أما السياسة النقدية فهي كيفية إدارة الحكومة لرصيد البلاد النقدي أي مجموع ما في البلاد من أموال بما في ذلك الأموال المتداولة بالإضافة إلى الودائع المصرفية. ويركِّز أغلب الاقتصاديين إما على أهمية السياسة المالية أو السياسة النقدية كأفضل الطرق لمنع حدوث الكساد.

السياسة المالية:

يعزو الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، الذي نشر نظرياته في الثلاثينيات من القرن العشرين، الكساد إلى انخفاض ما أسماه بالطلب الحقيقي أي مجموع إنفاق المستهلكين ومشاريع الأعمال والحكومة. ويرى كينز أن زيادة المدخرات تؤدي إلى إعاقة عجلة التنمية الاقتصادية. فقرارات الأفراد بالادخار أو الإنفاق تتأثر في رأيه بتوقعاتهم ؛ فعندما يتوقع الأفراد أوضاعًا غير مرضية فإنهم قد يقررون ادخار أموالهم، وكذلك تفعل المنشآت الاقتصادية ؛ فعندما تتوقع انخفاض المبيعات فإنها تُحْجِم عن الاستثمار في التوسع أو في تجديد آلاتها ومعداتها.

ويرى كينز أن الحكومة تستطيع منع حصول الكساد بتشجيع الإنفاق.فتخفيض الضرائب مثلاً يساعد الناس على الإنفاق على ما يحتاجونه من سلع وخدمات، كما يمكن الحكومة من زيادة الإنفاق من جانبها عن طريق المشاريع الحكومية ومساعدة المحتاجين. كما يرى كينز أن خفض نسبة الفائدة يسهِّل الاقتراض، وبالتالي يستخدم الأفراد والمنشآت الاقتصادية الأموال المقترضة في الإنفاق أو الاستثمار.

السياسة النقدية:

يعتبر الاقتصادي الأمريكي ملتن فريد مان المرجع الرئيسي للمجموعة الاقتصادية المعروفة بالنقديين (أصحاب المذهب النقدي) وقد منح جائزة نوبل عام 1976م لأبحاثه في المجال الاقتصادي.

ويرى النقديون أن الدور الرئيسي للحيلولة دون حدوث الكساد الاقتصادي هو للسياسة النقدية وللبنك المركزي. ويرون أن نظام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في الولايات المتحدة ساهم في تعميق حدّة الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين عندما ساعد على تقليص كمية النقود. ومعروف أن نظام الاحتياطي الفيدرالي هو الجهة الحكومية المعنية في الولايات المتحدة بمراقبة النقد.

ويرى أصحاب المذهب النقدي، أو النقديون، أنه يمكن تفادي وقوع تقلبات حادة في اقتصاد بلد ما، إذا ما بادر البنك المركزي في ذلك البلد إلى زيادة عرض النقود بمعدل ثابت. وهم يوصون في هذا بمعدل قدره 3% إلى 5% باعتباره المعدل الملائم الذي يزيد الإنتاج عنده. كما يعارض هؤلاء النقديون طروحات أنصار كينز باستخدام الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب لضبط الاقتصاد.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية