الرئيسيةبحث

العرب قبل الإسلام ( The Arabs before Islam )



العرب كانوا معروفين لدى الآشوريين بأنهم رجال بادية لا يقيمون في مدن حضرية، وكانوا يستخدمون الجمال في ترحالهم وحروبهم وسلمهم.
العرب قبل الإسلام كانت للعرب أهمية كبيرة في تاريخ البشرية لما قاموا به من إسهام ضخم في الحفاظ على العلوم الإنسانية التي استقوها من الأمم السابقة ؛ مثل اليونان والفرس والرومان وغيرهم ممن سبقوهم. كما أن هذه الأهمية تزداد عند الاطلاع على تطويرهم لكثير من العلوم والمعارف الإنسانية، وتلك الإضافات الرائعة التي أدخلوها في كل علم وفن. فهم قد برعوا في الفلسفة، واستوعبوها وشرحوها شرحا وافيًا ؛ كما أنهم تفوقوا في الرياضيات، وامتازوا بما قدموه للعالم في الطب والهندسة والفلك والعمارة والفنون الجميلة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وسائر العلوم الأخرى. ★ تَصَفح: العلوم عند العرب والمسلمين.

ولقد قام العرب بعد ظهور الإسلام بتطوير كبير لهذه المعارف، حتي أصبحت لهم المكانة الأولى في ذلك طوال القرون الوسطى التي كانت فيها أوروبا تعيش فترات جهل وشعوذة.

وصف المؤرخون العرب بأنهم شعب ساميّ، أي أنه ينتمي إلى سام بن نوح، وذكروا أنهم ربما نزحوا من حوض البحر الأبيض المتوسط أو بلاد ما بين النهرين منذ تاريخ بعيد، ثم استقروا في شبه الجزيرة العربية. وانتشروا بعد ذلك في ربوعها شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا ووسطًا، وأصبحت الجزيرة العربية منذ ذلك العهد وطنًا لهم ؛ استقروا فيه طوال الحقب حتى جاء الإسلام، فنزحوا إلى كثير من بلدان آسيا وإفريقيا وأوروبا.

ورد ذكر العرب للمرة الأولى في الوثائق التاريخية من بين ما ورد في كتابات الملك الأشوري شالمنصر الثالث، حيث أفادت الألواح المكتوبة التي عثر عليها في بلاد ما بين النهرين أنه كانت هناك جماعات من القبائل البدوية تعيش في أطراف مملكته المتاخمة لصحراء الجزيرة العربية. وكانت هذه الجماعات تُغير على أطراف مملكته الفينة بعد الأخرى. وعرفت هذه الجماعات باسم العرب دون تحديد دقيق لنطق الكلمة أو شكلها، وذلك لعدم وجود الحركات والشكل في لغة أولئك الآشوريين القدماء، إلا أن الحروف الأصلية للكلمة كانت محددة وواضحة وهي عربو. وكانوا معروفين لدى الآشوريين بأنهم رجال بادية لايقيمون في مدن حضرية، كما كانوا يستخدمون الجمال في حِلِّهم وترحالهم، في حربهم وسلمهم.

عرف هؤلاء العرب تربية الجمال واستأنسوها بين عامي 1500 و 1200ق.م. وكان لعملهم هذا أهميته في التجارة العالمية بين الشرق والغرب، أي بين آسيا وأوروبا عبر الهلال الخصيب. وكانت هذه الإبل خير وسيلة لترويج التجارة بين أقطار العالم القديم، كما كانت أفضل السبل التي ساعدت على انتشار العرب في سائر أنحاء شبه الجزيرة العربية.

عاش العرب في شبه جزيرة العرب في جماعات قبلية صغيرة، وكانوا يتبعون الكلأ والمرعى والمياه في شيء من عدم الاستقرار، رغم أنه كانت لكل قبيلة أراضيها التي فرضت عليها سلطانها، وادّعت ملكيتها. وكان التنازع على الكلأ والماء السّمة الغالبة على هذه القبائل المتجاورة في تلك الأراضي، خصوصًا عندما تهطل الأمطار وينبت الكلأ وتنتشر المياه. وكانت كل قبيلة تدَّعي حمى الأراضي التي تسقيها الغمائم، وتقاتل القبائل الأخرى عنها، وكانت هذه المنازعات تنتهي في معظم الأحيان بقتال عنيف بين الجانبين.

وبالإضافة إلى أن العرب عُرفوا بهذا الاسم لدى الآشوريين، فإنهم عرفوا به أيضًا لدى اليونانيين والرومان. وقد ذكرهم سترابو المؤرخ والجغرافي اليوناني الذي عاش بين عامي 63ق.م و 24م في كتابه الجغرافيا الذي أخرجه في 17 مجلدًا، فذكر شيئًا عن زيارته لبلاد العرب، كما ذكر أنهم كانوا يستخدمون جِمالهم في نقل السلع التجارية على الساحل الغربي للبحر الأحمر مرورًا بسيناء، ووصولاً إلى موانيء البحر الأبيض المتوسط الشرقية. وهذا يؤكد نشاط العرب في التجارة منذ فجر التاريخ.

أقسام العرب

قسم مؤرخو العرب الأوائل العرب إلى ثلاثة أقسام هي: العرب البائدة والعرب العاربة والعرب المستعربة.

العرب البائدة:

يراد بالعرب البائدة تلك القبائل العربية التي كانت تعيش في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور، ثم اندثرت لسبب من الأسباب. وقد اشتهرت من بينها أمتان جاء ذكرهما في القرآن الكريم عدة مرات، وقصّ علينا القرآن الكريم أن هاتين الأمتين ـ وهما عاد وثمود ـ قد أهلكهما الله سبحانه وتعالى، فاندثرت عاد بعد أن أرسل الله عز وجلّ عليها ريحًا صرصرًا عاتية، استمرت سبع ليال وثمانية أيام حسوما، وبذلك فني معظمهم بعد تلك الأعاصير التي أرسلها الله عليهم بسبب كفرهم. ولم يبق من هؤلاء سوى من نجىّ الله كما جاء في قوله تعالى: ﴿ولما جاء أمرنا نجينا هودًا والذين آمنوا معه برحمة منّا، ونجيناهم من عذاب غليظ﴾ هود: 58وبسبب ذلك العذاب اندثرت عادٌ إلا من آمن فإنه بقي وانتشر في أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية.

أما ثمود فقد أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم رسوله صالحًا عليه السلام، ولكنهم كفروا بما بلغهم به من آيات الله، فأهلكهم الله بالطاغية واندثروا في الجزيرة العربية.

وبالإضافة إلى هاتين المجموعتين، هناك قبائل أخرى من العرب البائدة هي طَسَم وجَدِيس والعماليق وجُرْهم الأولى وغيرها، وكل هذه القبائل لم تبق منها بقية في الجزيرة العربية، ومن بقي منها انتشر في البلاد دون أن يبقى له أثر.

العرب العاربة:

تنتمي العرب العاربة إلى يعرب بن قحطان، وهؤلاء هم الذين أطلق عليهم مؤرخو العرب القحطانيين، كما سمّوهم أيضا اليمنيين أو عرب الجنوب. وكان موطنهم الأصلي في جنوبي الجزيرة العربية، ولكن لظروف مختلفة ـ منها الجفاف وانهيار سد مأرب والبحث عن مكان أفضل ـ هاجر كثير من قبائلهم إلى أنحاء مختلفة من شبه الجزيرة. ومن أهم فروعهم الرئيسية حِمْير وكهلان، وهما أبناء يعرب بن قحطان. ومن هذه الفروع الرئيسية تفرعت سائر القبائل اليمنية مثل حِمْير وطَيِّء وجُهينة وبلي وغيرها من القبائل اليمنية الأخرى.

العرب المستعربة:

ظهرت العرب المستعربة عندما رحل سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى مكة المكرمة مع زوجته هاجر، وهناك وهبهما الله سيدنا إسماعيل عليه السلام. ولما كبر إسماعيل تزوج من العرب العاربة وهي جُرْهم الثانية، وسُمي نسله العرب المستعربة أو المتعرِّبة.

ويطلق على العرب المستعربة أيضًا العدنانيون والنزاريون والمعْديون، وكلها أسماء للدلالة عليها. ومن قبائلهم قريش وعبس وفزارة وربيعة ومُضَر وغيرها.

يرى بعض المؤرخين أن هناك صلة بين العرب البائدة وقدماء المصريين ؛ ويتقصون ذلك التقارب في لغة قدماء المصريين واللغة العربية، إذ تتميز كل منهما بخصائص اللغات السامية. ونظرًا لوجود هذا التقارب بين خصائص اللغتين قيل إن بعض القبائل العربية البائدة وغيرها قد هاجرت في الماضى البعيد إلى مصر.

لم تتوقف رحلات العرب إلى مصر قبل الإسلام ؛ إذ كانوا يقومون بها في تجاراتهم وتجوالهم وهجراتهم. ومن بين المشاهير الذين زاروا مصر قبل الإسلام الصحابي الجليل والقائد العربي الشهير عمرو بن العاص، الذي فتح مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وأخذ في نشر الدين الإسلامي مع إخوانه من المجاهدين.

حياة العرب قبل الإسلام:

كان العرب قبل الإسلام يعبدون الأوثان، وكان لكل قبيلة صنم أو أكثر يعبدونه من دون الله، كما كانت هناك أعداد من الأوثان في مكة المكرمة حول الكعبة. وكانت قريش ترعى هذه الأصنام وتُبقي عليها ؛ إذ كانت تتزعم الوثنية، كما كانت تتزعم الحركة التجارية. وكانت لها قوافل تجارية تعبر الجزيرة العربية شمالاً إلى الشام وجنوبًا إلى اليمن، وكانت راعية السلع التجارية بين المحيط الهندي والشعوب الأوروبية القديمة، وكان العرب يحبون الشعر ويتغنون به، فأقاموا له الأسواق الأدبية، والمنابر الخطابية. ويقال إنهم علَّقوا المعلقات السبع على أستار الكعبة اعترافًا بجودتها، وسموها المذهَّبات لأنها كتبت بماء الذهب على ماقِيل. ومع هذه النهضة الأدبية من شعر وخطابة إلا أن التعليم لم يكن منتشرًا بين الناس، وقل عدد الذين كانوا يعرفون الكتابة والقراءة باللغة العربية.

مدن الجزيرة العربية قبل الإسلام:

لم يكن كل العرب يسكنون البادية كبدو رُحّل، بل كانت هناك بعض المدن التي أنشئت، وربما كانت أهم تلك المدن مكة المكرمة التي كانت تسكنها قريش، وهي قبيلة كان العرب يعترفون لها بمكانتها السامية بينهم. وكانت مكة أعظم المراكز التجارية في الحجاز. كما كانت مركزًا للوثنية والأصنام التي يعبدها العرب قبل الإسلام، هذا إضافة إلى وجود الكعبة المشرفة بها.

وكانت هناك يثرب (المدينة المنورة في الإسلام) التي كانت تسكنها قبيلتا الأوس والخزرج، وهما من القبائل اليمنية التي كانت قد نزحت من اليمن، وأقامت في يثرب نحو 300م. ثم لجأت إلى هاتين القبيلتين ثلاث قبائل يهودية بعد أن طوردت من الإمبراطورية الرومانية، واستمر الحال كذلك حتى جاء الإسلام، فآمن به كل من الأوس والخزرج وكفر به اليهود، وتمت الوحدة بين الأوس والخزرج في ظل الإسلام.

قرية الفاو من المدن العربية الأثرية المهمة في المملكة العربية السعودية. تقع القرية على بعد نحو 700كم جنوبي مدينة الرياض.

قرية الفاو:

من المدن العربية الأثرية المهمة في المملكة العربية السعودية، وقد عرفت في التاريخ باسم قرية بدون ال التعريف، كما أطلق عليها أيضًا قرية الفاو اقترانًا بالاسم الجغرافي الحديث.

تقع قرية على بعد نحو 700كم جنوبي مدينة الرياض. وقد بدأت فيها أعمال التنقيب الأثرية بعثة قادها قسم الآثار بجامعة الملك سعود عام 1972م.

وكانت قرية عاصمة مملكة كنْدة، وقد ازدهرت في الفترة ما بين القرن الأول والخامس للميلاد. ودلّت أبحاث التنقيب على أنها كانت مركزًا تجاريًا مهمًا، وملتقى قوافل تحمل المعادن والحبوب والنسيج. وكانت عامرة بالمساكن والمخازن والحوانيت والفنادق، وبها أكثر من 17 بئرًا. وكان أهلها يشتغلون بالتجارة والزراعة وخصوصًا زراعة النخيل، كما كانوا يعبدون الآلهة المعروفة عند العرب قبل الإسلام مثل مناة والعزى وكهل وود وشمس وغيرها، وقد وجدت هذه الأسماء في الكتابات التي عثر عليها.

ولعل من أهم ما وجدته هذه البعثة في المدينة تلك الأعداد الكبيرة من الألواح والصحائف التي وجدت عليها كتابات بالحرف الجنوبي المسند، وهو القلم الرسمي لمملكة كنْدة. وكان أهم مايفهم من هذه الكتابات أن أهل مملكة قرية كانوا حريصين على تعلم الكتابة والقراءة. ومن هذه الآثار عرف أن مجتمع قرية كان قد ضرب بسهم وافر في الحضارة الإنسانية.

عصر الجاهلية:

تسمى فترة ماقبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية بعصر الجاهلية، وهي كلمة لم تكن معروفة لدى العرب قبل الإسلام، ولكنها وردت في بعض سور القرآن الكريم المدنية ـ منها سور آل عمران والمائدة والأحزاب والفتح. وتحمل كلمة الجاهلية كثيرًا من المعاني التي تعني التعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، مثل الجهل بوحدانية الله، والكفر بها والتعصب وعدم الامتثال إلى المثل العليا التي يدعو إليها الإسلام وعدم الوحدة أو الاحتكام إلى العقل أو اتِّباع أحكام القرآن الكريم.

ولما كان العرب قبائل متفرقة، فلم تأبه بهم أو تهابهم الدول الكبيرة المجاورة لهم مثل إمبراطورية فارس أو الإمبراطورية البيزنطية حتى جاء الإسلام، الذي غيَّر أحوالهم غير الحال التي كانوا عليها.

علوم العرب ومعارفهم قبل الإسلام:

كان للعرب قبل الإسلام بعض العلوم والمعارف، منها أنهم كانوا يعرفون الأنساب ويعتنون بحفظها. وكانوا يعرفون عن الفلك بسبب أسفارهم في الصحراء. وكانوا يقتفون الأثر بدقة فائقة. وكانت لهم معرفة ببعض أمراض الإبل وأدويتها، وهم الذين اكتشفوا القار، وأنه يمنع انتقال عدوى جَرَب الإبل ويداويه. وكانوا يعتنون بتربية الخيل وبنسلها ويقدرونها حق التقدير، ونرى ذلك في كثير من أشعارهم في الجاهلية والإسلام. كذلك كانوا يجيدون أنواع الفروسية المختلفة وصنع الأسلحة. وكان أدبهم الجاهلي من أرقى الآداب الباقية حتى الآن سواء في مضمونه أو شكله. وبلغ العرب مستوى عاليًا في الشعر والخطابة والأمثال. كما كان لهم رواة يحفظون سِيَر الأحداث والحروب التي كانت تندلع بين القبائل والعشائر، أو بين العرب والفرس. وعن طريق هؤلاء الرواة الذين كانوا يتعاقبون جيلاً بعد جيل أمكن حفظ الكثير من أخبار العرب وآدابهم في العصر الجاهلي، وأصبح جزءًا مهمًا من المعارف الأدبية التي سُجِّلت في عصر التدوين في كثير من المؤلفات.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية