الرئيسيةبحث

الرأي العام ( Public opinion )



تعارض شعوب العالم الأسلحة النووية لما تسببه من دمار للبشرية. المتظاهرون في الصورة يدعون إلى إنهاء إنتاج الأسلحة النووية.
الرأي العام تعبير يقصد به عملية رصد آراء الناس في مجتمع، أو قطر ما حول مسائل خلافية عامة، مثل الآراء، والمعتقدات. ويمكن القول على سبيل المثال، بأن قضية التعاون بين الأمم في إطار المنظمات الدولية، والصيغ التي يمكن أن تتخذها، أمر يمكن أن تتباين حوله الآراء، بينما لا يمكن أن يعد دوران الأرض حول الشمس، مسألة قابلة للاختلاف لأنها حقيقة لا يرقى إليها الشك.

يتبلور الرأي العام، عندما تبرز على السطح مسألة تؤثر على عدد كبير من الناس، فتصبح موضوعًا مطروحًا للمناقشة الحرة، والمناظرة، ويدور الجدل حولها إلى أن يصل الناس إلى إجماع. والرأي العام هو نقاش القضايا مطروحة على بساط البحث في بداية الأمر. وهو يختلف في محتواه ومضمونه، حسب المراحل التي يمر بها، فهو مثلاً يتسم في مراحله الأولى بالغموض، وعدم وضوع الرؤية. كما لا تتوفر المعلومات حول القضايا المطروحة في هذه المرحلة. ولكن في مراحل أخرى يمكن أن تتطابق وجهات نظر عدد كبير من الناس حول مسائل عامة، ومن ثم تشكل رأي الأغلبية. ويتم الاتفاق على السبل التي يمكن اتباعها لتحقيق هذه الأهداف. مثل التصويت الذي يضفي شرعية للرأي العام.

يتخذ تأثير الرأي العام على صانعي القرارات الحكومية من القيادات، والمجموعات، صوراً شتى ولا تقتصر على وسيلة واحدة. وفي الأنظمة الغربية تعد انتخابات القيادات السياسية، من أهم الأساليب، التي يحكم من خلالها الرأي العام على اختيار المرشحين للمناصب العامة. ولكن يمكن القول في هذا الصدد، بأن عملية صنع السياسات الحكومية تتسم بالبطء، والتقيد. كما أن التعبير عن الرأي في القضايا العامة، يمكن أن يؤثر على السياسيين عند اتخاذهم القرارات. ولكن هذه الآراء قد لا تؤخذ في الحسبان، لأن الرأي العام غير ثابت، وعاطفي، ويمثل عادة شريحة اجتماعية نشطة في رفع صوتها بالاحتجاج. كما يوجد في المجتمع ما يطلق عليها الأغلبية الصامتة، التي لا تفصح بوضوح عن آرائها.

ورغم هذه الإشكالات التي تواجه الرأي العام، ينصب محور اهتمام المجتمعات الديمقراطية الغربية على دراسة واستقصاء آراء الأفراد، والجماعات. وتستخدم عدة وسائل لقياس الرأي العام من خلال الاستبانات، ومسح عينات من آراء مختلف الشرائح الاجتماعية. وتعتمد دقة نتائج استقصاء الرأي العام على جهود جميع القائمين بها، ومقدرتهم في اختيار العينات، وتصميم الاستبانة المناسبة. وقد يجانب الصواب هذه النتائج في بعض الأحيان.

صعوبة إجماع الجمهور على رأي

يشير مصطلح الجمهور، إلى مجموعة من الأفراد تشارك في مناقشة قضايا خلافية. وقد تتأثر مصلحة هؤلاء الأشخاص بالنتائج المتمخضة عن حسم الخلاف. تتسم المجموعة بالاستقرار، ودقة التنظيم، كما قد تشمل قطاعًا من السكان المحليين، أو المواطنين كافة في القطر. ويمكن أن يتكون الجمهور من أفراد غير منظمين، حيث يصعب تحديدهم، أو معرفتهم. ولكن لأسباب مختلفة قد تجمع بينهم مصلحة مشتركة في القضايا المطروحة للنقاش. وقد يكون هذا الجمهور صغير الحجم بحيث تتاح الفرصة لمناقشة القضايا من خلال المحادثات والاتصال المباشر.

تمخض عن تطور وسائل الاتصال الحديثة، انتشار المعلومات المتعلقة بالمسائل العامة المثيرة للجدل. وقد ترتب على اتساع دائرة المشاركين في مناقشة هذه القضايا ذات الاهتمام المشترك، ظهور نمط جديد لتجمعات إنسانية عريضة لا ترتبط معًا بعلاقة شخصية مباشرة. وأصبحت هذه التجمعات لا تقتصر على المواطنين المنتشرين في أرجاء الدولة، بل امتدت إلى حدود الأقطار الأخرى. أدى هذا التطور إلى صعوبة الاتصال المباشر بين هذه الجماعات. وهنا برز دور وسائل الإعلام من صحافة، وتلفاز، وإذاعة، وأفلام، في ربط هذه الجماعات في المجتمعات بعضها ببعض. وتعددت أنماط هذه الجماعات في المجتمعات المعاصرة المعقدة التركيب، وأصبحت كل مجموعة تدير وسائل اتصالاتها المتخصصة، مثل الصحف، والمجلات. كما تقدم الدعم المالي لبرامج في التلفاز، والإذاعة. وشملت عضوية هذه الجماعات منظمات محلية ووطنية، بحيث أصبحت تمثل أفكارًا متباينة في القضايا المثيرة للجدل. ويحق لأي شخص الانضمام لعضوية عدد من هذه المنظمات في وقت واحد، كما يمكنه المشاركة في مناقشة عدد من المشكلات المختلفة، وتبني آراء في قضايا معينة يمكن أن تتضارب مع آرائه في قضايا أخرى. فتبني الرأي في مسائل اقتصادية على سبيل المثال، يمكن أن يتعارض مع المعتقدات الدينية، والقناعات الأخلاقية، والانتماءات السياسية. ويحتدم الجدل في خضم هذه المحاولات التي تبذل للتوفيق بين هذه الآراء المتباينة.

عملية تشكيل الرأي العام

تؤثر عدة عوامل على الموقف الذي يمكن أن يتخذه الجمهور إزاء المسائل العامة. وتلعب القيم والميول دورًا كبيرًا في تشكيل آراء الناس. ويمكن في هذا الصدد تحديد أربع مجموعات: المجموعة الأولى: يتشكل الرأي وسط هذه المجموعة من خلال الاطلاع الواسع ومحاولة الإلمام بالمعلومات. المجموعة الثانية: ترتكز قناعتها من خلال الانطباعات العارضة. المجموعة الثالثة: تتشكل آراؤها من غير تأثر بالآخرين، وباستقلالية فكرية كاملة. أما المجموعة الرابعة، فتتأثر بآراء الأصدقاء، والرفاق، والجماعات المحيطة بها. ويمكن التأكيد في هذا السياق بإمكانية تبني الأشخاص المستنيرين أفكارًا متباينة ترتكز على تفسيرهم للحقائق من منطلقات مختلفة تتأثر بمصالحهم، ورغباتهم، وهمومهم، أو أحكام مسبقة.

يؤدي بعض الأشخاص المشهورين دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام. ويتميز هؤلاء الأشخاص بإلمام كامل بجميع الحقائق المتعلقة بالقضايا العامة. وبمقدرة فائقة في تحديد أساليب التعامل معها، مما يمكنهم من إقناع الجمهور بتبني فكرة معينة أو اتخاذ قرار بشأنها. ويمكن أن يتصدى للقيادة أشخاص عاديون أو مغمورون بصفتهم أفراداً أو مجموعات. تستطيع هذه الجماعات أن تنشر أفكارها وسط الجمهور تدريجيًا من خلال الأحاديث الشفهية التي تؤثر بمرور الوقت على آراء الجماهير وتساهم في صياغتها. إضافة لهذه العوامل تؤثر الأحداث الدرامية المثيرة التي تتسم بالبعد الشخصي في جذب انتباه عدد كبير من الأفراد، ومن ثم تقوم بدور كبير في تشكيل آرائهم. ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد بمدى إسهام الكساد الاقتصادي الكبير الذي ضرب أمريكا في عام 1930م في جذب الانتباه لأهمية الإصلاحات الاقتصادية. إضافة لذلك يمكن القول بأنه لم يكن من الممكن لمئات المحاضرات، والأحاديث الاذاعية، وافتتاحيات الصحف، والمواعظ الدينية، أن تترك آثاراً أعمق في وجدان الجمهور أكثر مما أحدثه تفاقم ظاهرة البطالة، وانتشار الفقر في التحول الجذري للرأي العام. يتمخض عن مختلف المواضيع المثيرة للجدل ردود فعل سريعة من الجمهور. وفي المجتمع الغربي تشمل هذه المواضيع الإجهاض والتشريعات المتعلقة بالمخدرات، والسلطة الحكومية، وقضايا السياسة الخارجية. كما تشكل القضايا بالحرب والسلام قوة مؤثرة على الرأي العام.

أدوات التأثير على الرأي العام

تؤدي أدوات التأثير على الرأي العام، دورًا كبيرًا في نشر المعلومات المتعلقة بالقضايا العامة. وتتخذ هذه الوسائط أشكالاً شتى. فقد تتكون من أفراد أو مجموعات، أو ربما تتخذ شكل وسائل آلية، تساعد في تواصل الجماعات بعضها ببعض. ويمكن القول في هذا الصدد، بأنه ليس من الضروري أن تصبح أدوات التأثير على الرأي العام صانعة لهذا الرأي ولكن يمكن أن تؤثر على صناعته.

أقدم مؤسسة إعلامية:

ذكر الناشر الإنجليزي باجوت، في القرن التاسع عشر الميلادي، بأن أقدم وسائل التأثير على الرأي العام تتمثل في الأحاديث العامة التي يتبادلها الأصدقاء والمعارف في عدة أماكن، مثل الشوارع، والأماكن العامة، والمنتديات، والمنازل. ولا تزال هذه الوسيلة تؤدي دورًا مؤثرًا في تشكيل الرأي العام. ففي الأزمان الغابرة، كانت الأحاديث الشفهية الوسيلة الوحيدة التي تعكس الرأي العام. وتبدأ هذه الأحاديث، التي تشكل الخطوة الأولى في التواصل بين الجماعات، بمناقشات ودية بين الأصدقاء، ثم تتحول في مرحلة لاحقة إلى خطبة عامة مؤثرة، أو موعظة دينية، يتمكن فيها خطيب بليغ من التعبير عن الرأي السائد فيما يتعلق بقضية معينة، أو مشكلات مطروحة للبحث.

الصحافة:

كانت الخطب، والكتب، والنشرات، تشكل الوسائل الرئيسية التي تعكس الرأي العام، حتى مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. وبرزت في أعقاب ذلك الصحف بأعداد ضخمة. وانتشر تداولها، الأمر الذي جعلها من أهم الوسائل فاعلية في تشكيل الرأي العام. وطورت كل صحيفة قاعدة عريضة من القراء الذين يستقون منها الأخبار، والآراء المتعلقة بالمسائل العامة. أصبحت الصحف تؤدي دورًا كبيرًا، وتمارس نفوذًا قويًا على الجمهور، لا تحده إلا الصحف الأخرى المنافسة التي تعرض آراء مخالفة. كما أصبحت المجلات قوة مؤثرة في تشكيل الرأي العام. صاحب انتشار الصحف، تطور فن الكاريكاتير السياسي الذي أصبح قوة فاعلة في تشكيل الرأي في الصحف. فرسام الكاريكاتير، يمكن أن يبالغ في رسم الأشخاص البارزين، ويعكس الأفكار، والقضايا، بأسلوب ساخر مؤثر أكثر من الكتابة. ويهدف معظم رسامو الكاريكاتير من وراء ذلك، إلى مخاطبة العواطف، والتأثير عليها أكثر من محاولة مخاطبة العقول، التي ترتكز على التحليلات العميقة للأحداث.

الأفلام:

أصبحت الأفلام أيضًا من أهم الوسائل الفعالة في التأثير على الرأي العام. وتتميز الأفلام عن غيرها من الوسائل، بتقديمها عروضًا حية عن الأحداث التي لم تكن لتعرف من الوسائل الشفهية، أو التقارير المطبوعة. كما تقدم الأفلام للمشاهدين عروضاً موثقة لعادات، وأفكار، وأساليب حياة تختلف عن ثقافتهم، ولغتهم. وتُعَرضُ على الشاشة أفلام تعبّر عن وجهات نظر في قضايا عامة. وتستخدم شرائط الأنباء، والصور والأفلام الوثائقية، والأفلام المتخصصة في بث الأخبار، ونشر الدعاية. وتخاطب الوسائل البصرية عواطف المشاهدين، الأمر الذي يؤدي إلى استجابة سريعة بينهم لهذه المؤثرات.

الإذاعة والتلفاز:

يخاطب كل من هذين الجهازين مباشرة، ملايين البشر في منازلهم من خلال أصوات، وكلمات المذيعين والمعلقين، والشخصيات ذات الأهمية الخبرية. وتبث هذه الوسائل صورًا حية للأحداث عند وقوعها. إن الإذاعة والتلفاز لم يحلا محل الصحف، والأفلام، في الإعلام المعاصر بل أصبحتا تكملان هذا الدور بوصفهما وسائط لنشر المعلومات والآراء. وأخيراً يمكن القول بأن وسائل الاتصال القديمة، مقارنة بالحديثة، كان يتوافر لها الوقت الكافي مما مكنها من تقديم دراسات أكثر عمقاً من تقارير الإذاعة والتلفاز.

الوسائل التعليمية:

تؤدّي المدارس، والمؤسسات التعليمية الأخرى، دورًا مهمًا بوصفها جزءًا من وسائل صنع الرأي. وتتركز أهمية هذه الوسائل في المقدرة التي تتمتع بها في تنمية وتطوير الميول الأساسية، ووجهات النظر. كما تؤثر في تشكيل آراء الجمهو إزاء القضايا التي تظهر يومياً على مسرح الأحداث. وتنشر الوسائل التعليمية المعارف التي ترتبط بجميع جوانب الحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. كما تقدم المهارات الضرورية التي تساعد الجمهور في تحليل المعلومات المتعلقة بالتطورات المعاصرة.

الوسائل الأخرى:

تُعد الجماعات المتخصصة في الدعاية الاقتصادية، والسياسية، والدينية، من أهم القوى المؤثرة في المجتمع. كما توجد جماعات أقل نفوذًا، لها دور في تشكيل أنماط مختلفة من الرأي العام في الأخلاق، والأمور الوطنية، والتوجّهات العرقية، والمذاهب الأدبية والفنية بالإضافة إلى أنماط أخرى من الرأي العام. ★ تَصَفح: الدعاية السياسية. تؤدي الأحزاب دورًا مؤثرًا في صناعة الرأي العام من خلال جهازها الإعلامي الضخم. كما تسعى الحكومات في إطارها المحلي، والوطني، إلى استمالة الرأي العام لكي تتمكن من تنفيذ برامجها. وتجدر الإشارة في هذا الصدد لأهمية دور الجماعات الاقتصادية من خلال الدعاية، والإعلان، والعلاقات العامة في التأثير على الجمهور لتسويق خدماتها، وبضائعها. وهناك جماعات أخرى في المجتمع، مثل النقابات العمالية، والزراعية، واتحادات المستهلكين. تقوم هذه الجماعات بتنظيم أنفسها بهدف صياغة وتطوير رأي عام يخدم مصالحها.

الرأي العام والحكومة

يقتضي التعايش الاجتماعي بين مختلف الجماعات، وجود ضوابط، وتنظيمات،تضفي على المجتمع صبغة الاستمرارية مما يقلل من الصراع، والفوضى. في النظم الديمقراطية الغربية، يعتمد استخدام وسائل الضبط على القبول الطوعي لأغلبية أعضاء المجتمع. وقد قام بعض القادة في المجتمعات السابقة، وبعض المجتمعات المعاصرة، باستخدام العنف لإرغام الناس على الامتثال للقوانين التي فرضت عليهم. وقد كان يكفي في هذا النمط من المجتمعات مجرد التهديد باستعمال العنف، لإحداث الأثر المطلوب. كما استخدمت بعض القيادات وسائل مختلفة لخداع شعوبهم. وقد تمخض عن ذلك قيام بعض الحكومات بسن التشريعات التي تحمي الجمهور من هذه الممارسات المنافية للأخلاق في الطب، والإعلان، والبيع. وامتدت هذه التشريعات لتشمل مجالات أخرى. ★ تَصَفح: الاحتيال.

تعد الدعاية، والرقابة على المطبوعات، من أكثر الوسائل التي تستخدمها الحكومات بهدف التأثير على الرأي العام. وتحاول الحكومة من خلال الدعاية، إقناع مواطنيها بأن قبول برامجها، وسياستها، يشكل المخرج الوحيد الذي ينقذهم من الأخطار المحدقة بهم، ويحقق لهم النصر في الحرب، كما يمكنهم من مواجهة أي طارئ. ويمكن القول في هذا الصدد بأن الدعاية تستخدم وسيلة لصياغة الرأي العام، أكثر من كونها أداة للسيطرة عليه. وترتبط مراقبة المطبوعات، بالدعاية المضادة، التي تحاول دحض فكرة معينة بفكرة موالية، ومؤيِّدة للحكومة. ★ تَصَفح: الرقابة ؛ الدعاية السياسية.

★ تَصَفح أيضًا: استطلاع الرأي العام ؛ الإعلان ؛ العلاقات العامة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية