الرئيسيةبحث

الفاشية ( Fascism )



الفاشية شكل من أشكال الحكومات التي يرأسها دكتاتور، وغالبًا ما تنم عن سيطرة الحكومة سيطرة تامة على النشاطات السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية.

والفاشية شبيهة بالشيوعية. على أنها بخلاف الشيوعية ـ التي تملك فيها الحكومة كل الصناعات ـ تبيح الفاشية للصناعة أن تبقى ملكية خاصة، ولكن تحت سيطرة الحكومة. وتشمل المظاهر الأخرى للفاشية التطرف الوطني، والسياسات النازعة للعسكرية، والتوسّع، والغزو واضطهاد الأقليات.

وكلمة فاشية، صفة أيضًا لكل نظام حكم، أو مفهوم سياسي، يشبه حكم بنيتو موسوليني، وأدولف هتلر وسياساتهما. فقد قامت حكومتان فاشيتان في كل من إيطاليا، بقيادة موسوليني من سنة 1922م إلى سنة 1943م، وفي ألمانيا بقيادة هتلر من سنة 1933م إلى سنة 1945م.

تباينت الفاشية من بلد إلى بلد. وتبحث هذه المقالة في الفاشية، كما سادت بصفة خاصة، في إيطاليا تحت حكم موسوليني، وفي ألمانيا تحت حكم هتلر.

الحياة في ظل الفاشية

الحياة السياسية:

يأتي الفاشيون إلى السلطة ـ في أغلب الحالات ـ على إثر حدوث انهيار اقتصادي بالبلاد أو هزيمة عسكرية أو كارثة أخرى. ويكسب الحزب الفاشي تأييدًا شعبيًا لما يبذله من وعود بأنه سينعش الاقتصاد، وسيسترد كرامة البلاد. وقد يستغل الفاشيون خوف هذه الشعوب من الشيوعية أو الأقليات. ونتيجة لذلك قد يستحوذ الفاشيون على السلطة عن طريق انتخابات سلمية أو عن طريق القوة.

بعد أن يستولي الحزب الفاشي على السلطة، يتسلم أعضاؤه الوظائف التنفيذية والقضائية والتشريعية في الحكومة. وفي أغلب الحالات يتولى رئاسة الحكومة شخص واحد ـ وغالبًا مايكون ذا نزعة استبدادية وجاذبية لدى الجماهير. وأحياناً، تتولى قيادة الحكومة هيئة من أعضاء الحزب. ولايسمح الفاشيون بقيام حزب آخر أو معارضة لسياستهم.

يؤدي شغف الفاشيين بتمجيد الوطنية إلى ازدياد الروح العسكرية. وقد يجنحون، عندما تزداد القوات المسلحة قوة، إلى غزو بلاد أخرى واحتلالها.

الحياة الاقتصادية:

تسمح الفاشية، بل وتشجع النشاط الاقتصادي الخاص، ما دام يخدم أهداف الحكومة. بيد أن الفاشية تسيطر سيطرة تامة على الصناعة للتأكد من أنها تنتج ماتحتاجه البلاد. وتعوق الحكومة الاستيراد بوضع رسوم جمركية عالية على بعض المنتجات الضرورية، أو بحظر استيرادها ؛ ذلك أنها لاتريد الاعتماد على بلاد أخرى في المنتجات الحيوية، كالنفط والفولاذ.

وتحظر الحكومة أيضًا الإضرابات ؛ حتى لا يضطرب الإنتاج. وتحرم الفاشية النقابات العمالية وتستعيض عنها بشبكة من المنظمات في الصناعات الكبرى. ويطلق على هذه المنظمات التي تتكون من العمال وأصحاب الأعمال، اسم المؤسسات. لكنها تختلف عن تلك التي تنشأ في بلاد أخرى.

يفترض في المؤسسات الفاشية أن تمثل العمال وأصحاب العمل معًا. وفي حقيقة الأمر فإن هذه المؤسسات تخضع لسيطرة الحكومة، وعن طريقها تحدد الحكومة الأجور، وساعات العمل، وأغراض الإنتاج. لهذا السبب يسمى البلد الفاشي أحياناً دولة.

الحرية الشخصية:

الحرية الشخصية مقيدة تقييدًا شديدًا في ظل الحكومة الفاشية، فعلى سبيل المثال، تقيد الحكومة السفر إلى البلاد الأخرى، وتحد من أي اتصال بشعوبها، وتهيمن على الصحف ووسائل الاتصال الأخرى في بلدها، وتبث الدعاية للترويج لسياساتها، وتمارس رقابة صارمة على المطبوعات لقمع الآراء المناوئة لها. ويفرض على كل الأطفال الالتحاق بمنظمات الشباب، حيث يتدربون على المسيرات ويتعلمون المفاهيم الفاشية. وتسحق الشرطة السرية أية مقاومة. وقد تؤدي المعارضة إلى السجن والتعذيب والموت.

يعتبر الفاشيون كل الشعوب الأخرى أدنى من قوميتهم التي ينتمون إليها، لذلك قد تضطهد الحكومة الفاشية أو تقتل حتى الغجر أو من ينتمون إلى أقليات أخرى.

نبذة تاريخية

تتصل كلمة فاشية في الأصل برموز السلطة الرومانية القديمة المسماة الحزيمة الرومانية.★ تَصَفح: الحزيمة الرومانية. واستحدث بنيتو موسوليني المصطلح عام 1919م، لكن الفاشية نفسها أقدم بكثير من اسمها.

يُرجع كثير من المؤرخين بداية الفاشية الحديثة إلى نابليون الأول الذي حكم فرنسا حكمًا مطلقًا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين. وقد قام نابليون بكثير من الإصلاحات التحررية، ولم يكن فاشياً حقيقة، غير أن الفاشيين فيما بعد، تبنوا كثيرًا من أساليبه. فقد وعد نابليون شعبه بأن يستعيد مجد فرنسا عن طريق الغزو العسكري، ولكي يمنع المعارضة ضده أسس واحدًا من أوّل أجهزة الشرطة السرية. واستخدم نابليون كذلك، الدعاية والرقابة الصارمة على الصحافة لكسب التأييد لبرامجه.

الفاشية في إيطاليا:

كانت إيطاليا منحازة إلى الجانب المنتصر حينما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918م. بيد أن الحرب أودت بالبلاد إلى حالة اقتصادية متردية. بالإضافة إلى ذلك، أسفرت معاهدات السلام عن منح إيطاليا أراضي أقل بكثير مما كانت تتوقع. فوعد حزب بنيتو موسوليني الفاشي بأن يجلب الرفاهية، ويسترد المجد الذي جمعت إيطاليا أطرافه في عهد الإمبراطورية الرومانية. وكسب موسوليني مساندة كثير من ملاك الأراضي، وكبار أصحاب الأعمال، والعسكريين ودوائر الطبقة الوسطى. وبحلول عام 1922م، قوي ساعد الفاشيين وزحف موسوليني مع أتباعه على روما عام 1924م وأرغموا ملك إيطاليا على تعيين موسوليني رئيسًا للوزراء. وسرعان ما بدأ موسوليني، الذي بات يعرف باسم القائد ـ الدوتشي ـ في إرساء قواعد الدكتاتورية فحظر كل الأحزاب السياسية باستثناء الحزب الفاشي، وسيطر على الصناعات والصحف والشرطة والمدارس. وفي عام 1940م، قاد موسوليني إيطاليا إلى الحرب العالمية الثانية بجانب ألمانيا النازية. ثم ما لبثت إيطاليا أن استسلمت للحلفاء.

أدولف هتلر كان قائدًا لحزب فاشي في ألمانيا سُمي الحزب النازي. وكان يلقب بالفوهرر.

الفاشية في ألمانيا:

انهزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، وفقدت الكثير من أراضيها بمقتضى معاهدات السلام. وأُجبرت ألمانيا على التخلي عن تسلحها، وتحمل عقوبات باهظة الثمن، بمثابة تعويضات عن خسائر الحرب ؛ فآل اقتصادها إلى الخراب بسبب التضخم الحاد أثناء فترة العشرينيات من القرن العشرين الميلادي، والكساد العظيم الذي خيم على العالم أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي.

وفي أثناء فترة الأزمات في أعقاب الحرب، صعد إلى الصدارة سريعًا حزب فاشي سُمي ـ حزب عمال ألمانيا الوطني الاشتراكي. وبحلول عام 1933م، أضحى النازيون أقوى حزب في البلاد. وتسلم قائدهم أدولف هتلر، منصب رئيس الوزراء تلك السنة. وبمجرد توليه السلطة عطل الدستور، وأخذ في تحويل ألمانيا إلى دولة فاشية. وقضت شرطته السرية على أية معارضة له.

نادى هتلر، الذي كان يلقب بالقائد ـ الفوهرر ـ بأن الألمان شعب متفوق وأن اليهود، والسلافيين، والغجر، وغيرهم من الأقليات أدنى درجة. واستخدم أتباعه هذه المعتقدات لتبرير الاضطهاد النازي الوحشي. وقتل النازيون أعدادًا كبيرة من الأقليات العرقية.

أقسم هتلر على توسيع الحدود الألمانية والانتقام للإذلال الذي لحق بألمانيا في الحرب العالمية الأولى. فأخذ في تدعيم القوات المسلحة والاستعداد للحرب. وفي عام 1939م اندلعت الحرب العالمية الثانية، عندما غزت الجيوش الألمانية بولندا. واجتاحت الجيوش الألمانية معظم البلدان الأوروبية، مثل فرنسا، وبلجيكا، والدنمارك، والنرويج،، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا، واليونان، وتقدم الألمان في أعماق الاتحاد السوفييتي. غير أن مسار الحرب تبدّل لصالح الحلفاء على دول المحور بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب، وبذلك هزم الحلفاء ألمانيا عام 1945م فسقطت الحكومة النازية.

الفاشية في بلاد أخرى:

في المجر حصل حزب فاشي يسمى أروكروس على تأييد واسع في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي. وخلال نفس الفترة ظهرت حركة فاشية باسم الحرس الحديدي، كأقوى حزب سياسي في رومانيا، واكتسبت مجموعات فاشية قوة كبيرة في اليابان أيضًا خلال الثلاثينيات من القرن العشرين. واختفت هذه الحركات الفاشية بعد هزيمة النازية عام 1945م.

وفي الأرجنتين أسس خوان د.بيرون دكتاتورية عام 1946م، ثم أرغمته ثورة على الاستقالة. ومع ذلك واصل مؤيدوه نشاطهم، وعاد بيرون إلى السلطة عام 1973م في أثناء فترة ضائقة اقتصادية في الأرجنتين. وبقي بيرون في الحكم حتى وفاته في العام التالي.

وفي أثناء الحرب الأهلية الأسبانية (1936- 1939م) انحازت مجموعة فاشية باسم الكتائب الأسبانية إلى القوى الثورية التي كان يقودها فرانسيسكو فرانكو.

وكسبت قوات فرانكو الحرب، فحكم أسبانيا حكمًا استبداديًا من 1939م حتى وفاته عام 1975م. ويعتبر كثير من الناس أن حكم فرانكو كان فاشيًا. ومهما يكن، فإن أغلبية المؤرخين والمفكرين السياسيين يرون أن حكومة فرانكو، خلت من سمات فاشية جوهرية.

واليوم يتبع بعض حكام العالم الثالث سياسة فاشية بغية تدعيم النمو الصناعي والوحدة الوطنية. على أنه بالنظر إلى ارتباط الفاشية بالعنصرية، وبموسوليني وهتلر، ينفي هؤلاء القادة أي تشابه بين أنظمتهم والدكتاتورية الفاشية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية