توازن الطبيعة ( Balance of nature )
☰ جدول المحتويات
توازُن الطبيعة مصطلح يقصد به الثبات في عدد أفراد النوع الواحد. يعـيش العديد من الـنباتات والحيوانات وغيرها من الكائنات الحية في مناطق محددة من العالم. ففي كل منطقة من هذه المناطق ـ مثل الحقول والمستنقعات ـ يكوَّن أفراد النــوع الواحد عددًا أو قطاعًا سُكانيًا. ويظل حجم كل قطاع من هذه القطاعات السكانية ثابتًا تقريبًا مالم تتغير الظروف السائدة في المنطقة المحيطة بها. ويشير المتخصصون في علم الأحياء إلى مثل هذا الثبات في العدد السكاني بتوازن الطبيعة.
الحفاظ على التوازن
ترتبط جميع الكــائنات الحية ارتباطًا وثيقًا بالوسط المحيط بها. وأي تغير في أي عنصر من عناصر الطبيعة هذه ـ على سبيل المثال ازدياد أو تناقص العدد السكاني لأي من الأنواع الحيـوانية أو النباتية ـ ينتج عنه تأثيرات في مناطق أخرى عديدة. وفي معظم الأحوال، تعيد مثل هذه التأثيرات إلى الطبيعة توازنها.
النظم البيئية:
يتكون أي نظام بيئي من الوسطين الأحيائي والفيزيائي المحيطين بمنطقة ما، حيث يتكون الوسط الأحيائي من جميع الكائنات الحية الموجودة بالمنطقة. ويشتمل الوسط الفيزيائي على الهواء والتربة والماء والمناخ. وتتداخل جميع هذه الأوساط الأحيائية والفيزيائية الموجودة في الوسط البيئي فيما بينها، وتكوِّن شبكة من العلاقات المتـــداخلة المعقدة التي تتحكم في نمو الكائنات الحية. ولكل نوع من النباتات والحيوانات دور أو أسلوب مميز في النظام البيئي يُطلق عليه الدور البيئي.ويرتبط كل كائن حي بمجموعة من العوامل الأحيائية والفيزيائية الموجودة في الوسط البيئي. فعلى سبيل المثال تحتاج الأرانب إلى الهواء والماء من الوسط الفيزيائي المحيط بها لكي تتنفس وتشرب. كما تحتاج أيضًا إلى مكونات حيوية مثل النباتات للتغذية، والغطاء النباتي للحماية. ومن ناحية أخرى نجد أن الأرانــب تعيش عليــها الطيــور الجارحة وغيرها من المفــترسات (الحيوانات آكلة اللحوم). بالإضافة إلى أن هناك طفيليات معينة تتطفل داخليًا وخارجيًا على هذه الأرانب .
ويمكن توضيح العلاقة الناشئة بين كل من الأرانب والنباتات والطيور الجارحة بأخذ مثال لأحد النظم البيئية التي تحتوي على هذه الكائنات الحية الثلاثة مجتمعة. دعنا نفترض أنه خلال سنة معينة تكون الحرارة ومعدل سقوط الأمطار في هذا النظام البيئي مثاليين لنمو النباتات ؛ حيث يؤدي ذلك إلى توافر مصادر الغذاء بما يزيد على حاجة الأرانب.كما أن الإناث منها تتغذى تغذية جيدة، ويتوافر لها مهاد جيد من القش، كما أن صغار الأرانب لديها الغذاء الكافي وتستطيع جميعها تقريبًا البقاء، وبالتالي يزداد عدد الأرانب. وبمرور الوقت تغزو الأرانب هذه المنطقة، كما أنها تستمر في التنافس فيما بينها للحصول على الغذاء والغطاء، ويصبح الخاسر منها ضعيفًا دون حماية، ويقع فريسة للأمراض والطفيليات، كما أنه يصبح هدفًا سهلاً للطيور الجارحة. وبهذا تأخذ أعداد الأرانب في التناقص.
وتستجيب الطيور الجارحة بطريقة مماثلة للأرانب ؛ حيث تزداد مصادر غذائها، وتتزايد أعدادها. ولكن زيادة الطيور الجارحة تعني زيادة الأرانب التي يتم اصطيادها، وعلى ذلك تتقلص أعداد الأرانب أكثر فأكثر، وتستمر في التناقص، حتى تصل إلى مرحلة الاتزان التي يكفلها النظام البيئي .
وتناقش هذه المقالة بعض العوامل التي تكفل لمجتمع الحيوانات التوازن داخل نظامها البـيئي. علمًا بأن عوامل مماثلة تتحكم في عدد النباتات .
التنافس:
يُؤدي التنافس دورًا أساسيًا في التحكم في نمو عدد المجموعة. فكل نظام بيئي لديه كميات محددة من الغذاء والغــطاء تلزم لأي عدد من الكائنات الحية. وعلى هذا فإن أفراد هذه المجموعة لا بد أن تتنافس فيما بينها للحصول على احتياجاتها. وهناك درجة أقل من التنافس تحدث فيما بين أفراد التجمعات المخــتلفة التي تتشابه في احتياجاتها من الغذاء والغطاء .التنافس من أجل الغذاء. إذا ما تفاقم عدد الكائنات من الأفراد بدرجة تفوق مصادر الغذاء المتوافرة له، فإن العديد من الأفراد الضعيفة تموت جوعًا. وقد يهاجر بعضها إلى نظم بيئية أخرى بحيث لا تستطيع البقاء، كما أن بعضها الذي ينهكه الجوع قد يموت نتيجة للإصابة بالأمراض والطفيليات، أو قد يلقى حتفه على أيدي المفترسات.
التنافس من أجل الغطاء. يلزم الغطاء النباتي للعديد من التجمعات حيث يستطيع عدد محدود من الأرانب العيش في منطقة ما. وكذلك بالنسبة للطيور الجارحة التي يمكنها شغل المواقع المتاحة في أعشاشها. وإذا ما ازدادت أعداد الأرانب بدرجة كبيرة في المنطقة، أجبر التنافس بعض الأفراد على العيش تحت غطاء فقير. وهناك تصبح أكثر عرضة للمهاجمة من جانب الطيور الجارحة والأمراض والطفيليات، كما أنها قد تموت جوعًا لنقص الغذاء .
صقر حوام عادي ينقضّ على أرنب. عادة ما تكون هناك علاقة بين المفترس والفريسة، أي الصقر والأرنب في هذه الحالة. فعندما تتوافر أعداد كبيرة من الأرانب تأخذ أعداد الصقور في الازدياد. وكذلك فإن التناقص في عدد الأرانب عادة ما يصاحبه انخفاض في أعداد الصقور. |
المفترسات:
تساعد المفترسات مجتمع فريستها إذا ما كان كلا النوعين متعايشًا في النظام البيئي نفسه، ولفترات زمنية طويلة. ففي ظل هذه الظروف تعتاد أنواع الفرائس على التعامل مع مفترساتها. لذلك فإن المفترس عادة ما يقتل الأفراد الأضعف وغير الصالحة من مجموعة أفراد الفريسة، وبهذه الطريقة يبقى مجتمع الفريسة في حالة جيدة.الأمراض والطفيليات:
يمكنها أن تنقص بل تمحو تمامًا مجتمعًا ما. ولكن معظم الأمراض والطفيليات ظلت موجودة طيلة تاريخ الأنواع التي تقدم الغذاء والمأوى للطفيليات. وعلى ذلك فإن هذه الأنواع أصبحت متأقلمة للعيش مع هذه الأمراض والطفيليات. وتُعدُّ الأمراض والطفيليات من عناصر التحكم المهمة في وجود عوامل أخرى مثل التنافس من أجل الغذاء والغطاء. وقد يؤدي جوع الحيوانات، ومعيشتها في ظل غطاء غير ملائم إلى موتها بسبب الأمراض والطفيليات.السلوك:
يــساعد التنــافس فيما بين القطاعات الحيوانية إلى التحــكم في حــجم عددها. وهــناك ثلاثه عوامــــل تنافــسية رئيـــسية تؤثر على التجمع بهذه الطريقة:1- الإقليمية 2- السيطرة الهرمية 3- الإجهاد.الإقليمية. للإقليمية دور فيما بين التجمعات الحيوانية التي تحتاج إلى حد أدنى من الحيز اللازم لها، بغض النظر عما يتوافر من غذاء وغطاء. وفيما بين هذه الأنواع يستقر حيوان ما أو مجموعة ما من الحيوانات في المنطقة. ولا يُسمح لأي أفراد أخرى من النوع نفسه أن تعيش في هذه المنطقة، كما أن التناسل عادة ما يقتصر على الحيوانات التي تتوافر لها مناطق مخصصة، ويكفل هذا السلوك للأفراد الأكثر قوة من التجمع (الحيوانات التي لها مناطق محددة) أن تحصل على الغذاء وأن تنتج ذريتها. ★ تَصَفح: الإقليمية.
السيطرة الهرمية. وتحـــدث بين الحيوانات الاجتماعية، ففي تجمعات هذه الحيوانات تسيطر أفرادها القوية على الضعيفة منها. وبذلك تحصل هذه الحيوانات السائدة على أفضل أنواع الطعام وأماكن التكاثر. وتضطر أفرادها الضعيفة إلى العيش في الأماكن الفقيرة الشحيحة الغذاء، ولا يستطيع بعضها البقاء. كما نجد أن ذرية الحيوانات السائدة تمتلك أفضل الفرص للبقاء. وعلى هذا تنتقل مميزات الحيوانات الأقوى وصفاتها إلى كل جيل من أجيال هذا النوع من الحيوانات. ★ تَصَفح: السيطرة.
الإجهاد. تحدث الضغوط بين مجتمعات الحيوانات المتزاحمة وتصبح أفراد هذه المجتمعات عدوانية وحادة الطباع ودائمة الشجار فيما بينها. ولا تــتكاثر بعض الأفراد، وما يتكاثر منها ينتج نسلاً ضعيفًا. كما أن الكثير من الأمهات لا ترعى صغارها، بل إن بعضها قد يأكل الصغار من ذريته. وتنتشر الأمراض والطفيليات بسرعة بين هذه الحيوانات المتزاحمة، حيث يؤدي ذلك إلى التناقص الشديد في أعدادها.
إخلال التوازن
ينتج هذا الإخلال عن التغيرات الخطيرة في العلاقات. وقد تؤثر بعض هذه التغيرات على تجمعات كاملة، إما بالإبادة أو النمو بمعدلات مذهلة. وتنتج هذه التغيرات عن كوارث طبيعية، مثل الحرائق والفيضـــانات. ولكن الكثير منها قد ينتج عن الإنسان وتدخله.
فعلى سبيل المثال نجد أن الطيور التي تتخذ من الأرض أعشاشًا لها في أستراليا أخذت أعدادها في التناقص منذ منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي عندما أدخل السكان الأرانب إلى النظام البيئي لهذه الطيور. فتكاثرت الأرانب بسرعة ودمّرت النباتات التي تتخذها الطيور غذاءً وغطاءً. وبعد ذلك أدخل السكان الثعالب أيضًا إلى المنطقة، حيث افترست الثعالب الأرانب وساعدت في الحد من أعدادها. ولكن الثعالب أيضًا هاجمت الطيور مؤدية إلى التناقص المطرد في أعدادها.
وفي بداية القرن العشرين، عاش مجتمع سليم ومستقر من نحو 4,000 من ذكور الأيائل في سهول الكايباب المرتفعة في شمال غربي أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ومع بداية عام 1907م سُمح للصيادين باصطياد وقتل أعداد كبيرة من المفترسات الطبيعية لهذه الأيائل،كالذئاب عامة، وذئاب شمالي أمريكا الصغيرة خاصة، والكوجر. ونتيجة لذلك تزايدت الأيائل في هذه السهول بأعداد كبيرة، وصلت في عام 1924م إلى نحو 100,000، ولكنها لم تستطع الحصول على الغذاء الكافي، مما أدى إلى موت أكثر من نصفها جوعًا خلال العامين التاليين. وبذلك تناقــصت أعدادها إلى نحو 10,000 عام 1939م، وبذلك تكون هذه الحيوانات قد استعادت توازنها مؤخرًا في نظامها البيئي.