قال الله :(إنَّ الذين ءَامَنُواْ وَ الصَّابِئينَ و النَّصَارى والمَجُوسَ وَ الذِين أشرَكُوا إنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة إنَّ الله عَلَى كُلِ شَيءٍ شَهِيدٌ) (سورة الحج آية رقم (17) )
إن هذه الأديان و العقائد مختلفة ، وبينها فروق واسعة ، والله يفصل بينهم يوم القيامة على ضوء ما يقدمونه و يفعلونه في هذه الدنيا .
أولاً: القواعد العامة لضوابط العلاقة بين المسلمين وغيرهم
هنالك مجموعة من القواعد الأساسية التي ينطلق الإسلام منها في نظرته للعقائد المختلفة منها :
- أن الناس جميعاً خُلِقوا من نفسٍ واحدة ، قال الله (يأيها الناسُ إنا خلقناكم من ذَكرٍ و أُنثى وجعلناكم شُعوباً و قبآئل لتعارفوا ) (سورة الحجرات آية رقم (13) . ) ، فالأصل البشري هو أصل واحد ، مهما تفرق الناس بعد ذلك إلى امم و قبائل و بلدان و أجناس و ألوان ، وقد أكد النبي محمد هذه المعاني ، و أن الناس جميعاً لآدم ، و آدم من تراب .
- أن الناس سواسية أمام شرع الله ، فلا فضل لغنيّ على فقير ، ولا لذي لون على لون ، إنما ميزان التفاضل بين الناس بتحقيق التقوى لله تعالى ، قال الله تعالى : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (سورة الحجرات آية رقم (13). ) ، فحين وقف النبي محمد في حجة الوداع أعلن في خطابه الخالد ، هذا الميزان الرباني العادل فقال : "" أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، و إن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى "" (مسند أحمد ، حديث صحيح ،
رقم (23536) 5/400. )
- إن مصدر الديانات الإلاهية من عند الله تعالى و الأصل أنها تستقي من معين واحد مصداقاً لقول الله تعالى "" شَرَعَ لَكُم مِنَ الدين ما وَصى بِهِ نوحاً و الذي أوحينآ إليكَ وَ مَا وصينا بِهِ إبراهيم وموسى و عيسى أن أقيموا الدين ولا تَفَرقوا فِيهِ"" (سورة الشورى الآية رقم "13".)
- أن دخول الجنة لا يتم إلا لمن اعتقد بعقيدة الإسلام بعد مبعث النبي محمد ، قال الله "" وَمَن يبتغِ غًير الإسلام ديناً فَلَن يُقبل مِنهُ وهو في الأخرةِ من الخاسرين "" (سورة آل عمران آية رقم "85" . ) وقال الله تعالى " إنَّ الدين عند الله الإسلام " (سورة آل عمران آية رقم "19") ، ويرى الإسلام أن كل من كان موحداً ومتبعاً لنبي من الأنبياء قبل مبعث النبي محمد فهو ناجٍ :"" إن الذين أمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى من ءامن بالله و اليوم الأخر و عَمِلَ صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون "" (سورة المائدة آية رقم "69".) ، و أن الأنبياء جميعاً إخوة في الدين ، و أن على المسلمين أن يؤمنوا بهم جميعاً ، و يقرر الإسلام على ضوء هذه القاعدة أن كل إنسان مسؤول عن أعماله ، و أن الذي يؤمن بالله تعالى ورسله فهو ناجي دون غيره ، و ان الإسلام هو الدين الذي ختم الله به الديانات .
- إن الإسلام لا يُكرِه أحداً على الدخول فيه ، فالعقيدة لا بد فيها من الإقناع و الرضا ، قال الله تعالى : "" لآ إكراه في الدين قَد تبين الرشد من الغَيّ"" (سورة البقرة آية رقم "256" . ) ، و ان دور العبادة لجميع الأديان محترمة يجب حمايتها و المحافظة عليها .
- إن الناس و ان اختلفوا في أديانهم ، ومعتقداتهم ، لا يدفعهم ذلك إلى أن يقتل بعضهم بعضاً ، أو أن يتعدى بعضهم على بعض ، بل يجب ان يتعاونوا على فعل الخيرات ، و مكافحة الشر و المنكرات ، قال الله تعالى : "" و تَعاونوا على البِرِ و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان "" (سورة المائدة آية رقم "2".)
و أن هذا الإختلاف لا ينبغي أن يحول دون البر و الصلة ، ما دام كل طرف ملتزماً بحدوده ، قال الله تعالى "" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطو إليهم إن الله يحب المقسطين "" (سورة الممتحنة آية رقم "8" .
- إذا اعتُدي على الأمة الإسلامية في عقيدتها و دينها وجب ردُّ العدوان حماية للعقيدة و درءاً للفتنة ، و إذا إنتصرت الأمة الإسلامية على من عاداها في الدين ، او من أراد سلبها حريتها ، فلا يجوز الإنتقام منهم بإجبارهم على ترك دينهم ، و إضطهادهم في عقيدتهم ، و حَسْبُهم أنْ يتعرفوا بسلطان الأمة الإسلامية ، و عندئذٍ لهم ما لنا و عليهم ما علينا و على الدولة الإسلامية المحافظة على حقوقهم فيها .
وعلى ضوء تلك القواعد العامة فقد نظر الإسلام إلى الديانات الأخرى نظرة معتدلة عنوانها الرحمة ، وقانون العدل.
ثانياً: موقف الإسلام من أهل الكتاب
ينظر الإسلام إلى أهل الكتاب اليهود و النصارى نظرة خاصة ، و يظهر اهتمام متزايد إتجاههم :
- فهم أتباع دين سماوي ، يشتركون مع المسلمين في أصل الديانة و الرسالة ، ولا عجب حين نرى في كتاب الله الخالد ، حديثاً متكرراً عن أنبيائهم و رسلهم ، وتاريخ شعوبهم .
- يًحرص الإسلام و ضمن تاريخه الطويل في تعامله مع أهل الكتاب ، أن يوفر لهم حرية الإعتقاد و الدين ، مهما كانت تصوراتهم و آرائهم ، و إننا ندرك ذلك من طبيعة المعاهدات التي وفرها الإسلام لهم ، من ذلك الوثيقة التي كتبها عمرو بن العاص إلى أهل مصر قائلاً : "" بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم و ملتهم و أموالهم و كنائسهم و صُلُبهم و بَرِّهم و بحرهم لا يدخل عليهم شيء في ذلك ولا ينقص (إبن كثير 7/ص98 . )
- و لإقامة العلاقة بين المسلمين و أهل الكتاب ، فقد شرع الله الإسلام من الأحكام ما يُقرب العلاقة بينه و بينهم ، فأباح أكل طعامهم ، و الزواج منهم ، وفي ذلك دعوة لتقوية الروابط ، و تمتين لأواصر المودة ما يكفل دوامها و بقائها .
- يحرص الإسلام على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، فيذكرهم بأصل معتقدهم ، و ما جاء به ـنبيائهم و رسلهم ، فإذا لم يوظف المسلم نفسه على مجادلتهم بالتي هي أحسن عليه أن يمتنع عن ذلك ، ولا يريد الإسلام منهم إلا عبادة الله وحده و عدم الإشراك به .
ثالثاً: موقف الإسلام من المعتقدات الاخرى
أما المعتقدات الأخرى ، كالمجوسية ، و المعتقدات القائمة على الشرك ، و المعتقدات القائمة على الإلحاد ، و غيرها من المعتقدات التي هي من صُنع الإنسان و تصوره فيقرر الإسلام إضافة إلى القواعد العامة في التعامل معهم المبادىء الأتية :
- التأكيد على المبدأ العام في عدم وجود الإكراه ، و التركيز على الحُجة و البيان في توضيح الحق ، و الدعوة إلى الله تعالى بالُحجة و الموعظة الحسنة .
- و أمام موقف الإسلام من معتقداتهم وَجَب على اهل هذه المعتقدات احترام قانون الإسلام و عدم القيام بما يتنافى مع تعاليم الإسلام و أحكامه .
- لا يبيح الإسلام الزواج من نساء من ليس لهم دين أصله سماوي ، ولا يُحل أكل طعامهم .
- يلحقون في بعض الأحكام العملية باهل الكتاب ، في المعاملة من حيث إعطائهم حقوق المواطنة و أخذ الجزية منهم ، كما فعل عمر بن الخطاب حين أخذ الجزية من المجوس ملحقاً إياهم بأهل الكتاب .
مراجع