الرئيسيةبحث

مفهوم التنوير عند كنت

مفهوم التنوير عند كنت

المعنى الاشتقاقي لكلمة " تنوير " – سواء في العربية أو في الإنجليزية – يعني الإضاءة ، وهي كلمة مشتقة من النور ( light ) . وليس للنور – في اعتقادي – أية قيمة في ذاته ، وإنما تنبع قيمته مما يحدثه النور من أثر ، أي من كونه يسمح للأشياء بأن " تتكشف " و تظهر ..

أما المعنى الاصطلاحي للتنوير فيشير إلى حركة فلسفية تمثل نقطة بدايتها محور خلاف كبير بين المؤرخين ، فمنهم من يرجعها إلى النصف الثاني من القرن السابع عشر ، ومنهم من يردها القرن السادس عشر ، بينما يرى البعض الآخر أن حركة التنوير قد بدأت فعليا مع اليونانيين …

مرت البشرية بمراحل مختلفة من أنماط التفكير عبر تاريخها الطويل ، وقد سيطر في كل مرحلة من تلك المراحل شكل من أشكال " السلطة " ، والقاسم المشترك بين جميع تلك الأشكال السلطوية في العصور المختلفة ، هو علاقتاها بنمط التفكير السائد ؛ ففي المرحلة الأولى التي ساد فيها نمط التفكير الخرافي ، كانت السلطة فيها " للوهم " . وفي مرحلة التفكير الديني ، أصبحت السيادة في يد الآلهة بلا منازع . أما في ظل نمط التفكير العلمي ، فمن الطبيعي أن تنتقل السلطة من السماء إلى الأرض ، من الآلهة إلى الإنسان ، إلى العقل ، وهذا هو المعنى الدقيق " لفعل " التنوير - والذي أوافق مع بيتر جراي على أنه قد بدأ مع الفلسفة اليونانية – فما التنوير في نهاية الأمر سوى أن لا يكون على العقل أي سلطان إلا سلطان العقل نفسه . 1784

مقاله  ما هو التنوير؟ 1799 version
مقاله ما هو التنوير؟ 1799 version

في جوابه على سؤال القس يوهان فريدريش تسولنر ( 1753 – 1804 ) : ما هو التنوير؟ يحدد إيمانويل كانت مفهوم التنوير بأنه : خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه من خلال عدم استخدامه لعقله إلا بتوجيه من إنسان آخر . ويحصر كنت أسباب حالة القصور تلك في السببين الأساسيين التاليين : الكسـل والجبــن ! فتكاسل الناس عن الاعتماد على أنفسهم في التفكير أدى من جهة إلى تخلفهم ، ومن جهة أخرى هيأ الفرصة للآخرين لاستغلالهم ، وذلك بسبب عامل الخوف فيهم .

على الرغم من تأييد إيمانويل كانت لمبادئ الثورة الفرنسية – لا يؤيد طريق الثورة بوصفه الطريق السليم للإصلاح . وذلك أنه كان يرى بأن تغيير اتجاه العقول من الاعتماد على الغير إلى الاستقلال الذاتي أمر لا ينفع فيه تحول مفاجئ ، كالذي يحدث في الثورات ، وإنما تعين عليه التربية العقلية والنقدية . ومن هنا ، يضع كنت شرط " الحرية " بوصفه مطلبا ضروريا لنشأة التنوير واستمراره .

هنا أيضا ، يميز إيمانويل كانت بين " استخدامين" لمفهوم الحرية ، أحدهما هو الاستخدام العلني للعقل في كل الأمور – وهذا هو المطلب الأساسي - ، والاستخدام الخاص – ويقصد به الاستخدام الوظيفي - ، وهنا أيضا تنشأ إشكالية الفصل في الإنسان الواحد بين " المواطن " وبين " الموظف " .

على الرغم من أن " تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق " سوف يظهر بعد أقل من عام واحد ( 1785 ) من ظهور مقال : الجواب على سؤال ما التنوير ؟ ( 1784 ) وهو الكتاب الذي يبين فيه كنت وبوضوح كيف أن إطاعة " القانون " لا تعني إلغاء الحرية الفردية ، بل على العكس تدعمها وتقويها ، طالما كانت القوانين صادرة عن الأفراد بوصفهم أعضاء فاعلين في المجتمع . أقول على الرغم من ذلك ، إلا أننا لا نجد أية إشارة لا من قريب ولا من بعيد في هذا المقال تفيد هذا المعنى ، وإنما في المقابل نجد أن كنت يقول صراحة بتعارض الحرية الفردية مع القانون والنظام العام في الدولة ، والذي سوف يقول أيضا بتقديم النظام على الحرية الخاصة.