أبوخلدون ساطع الحُصْري مفكر سوري هو أحد مؤسسي الفكر القومي العربي، وهو أحد الدعاة والمصلحين القوميين التي زخر بهم المشرق العربي ممن تبنوا الدعوة إلى القومية العربية أمثال عبدالرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان في أواخر القرن التاسع عشر، وزكي الأرسوزي في أوائل القرن العشرين.
وأبو خلدون ساطع الحُصْري يعد بحق من أبرز المنادين والمدافعين عن فكرة القومية العربية.
فهرس |
نشأ الحصري في كنف الحكم العثماني وشغل عدة مناصب في بلاط السلطان عبدالحميد الثاني حتى سقوط دولة الخلافة ثم رحل إلى دمشق عام 1919.
تولى في دمشق منصب وزير التعليم وعمل على وضع مناهج التعليم العربية وكانت له علاقات مع كبار المفكرين والعلماء في سورياإلى أن خلع الملك فيصل الأول عام 1920 .
عمل في العراق على تطوير مناهج التعليم فيها، وظل يدعو إلى فكرة القومية العربية إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941.
على أثر ثورة رشيد عالي الكيلاني قام الإنجليز بنفي ساطع الحصري إلى حلب ومنها تسلل إلى بيروت حتى عاد مرة أخرى إلى دمشق عام 1944 حيث قامت الحكومة السورية المستقلة بتكليفه للعمل كمستشار لصياغة النظام التربوي والتعليمي في البلاد واهتم بالفكر القومي وبتطوير مناهج التعليم .
عين مدير لمعهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة عام 1953 حتى توفي هناك عام 1968.
اتسعت مؤلفاته التي تتناول الدعوة إلى فكرة القومية العربية إلى أكثر من عشرين مؤلفاً.
تعددت مناظراته الفكرية ومجادلاته للدفاع عن القومية العربية، ففي مواجهة دعاة فكرة الإقليمية في مصر .
أرجع الحصري تجاهل مصر الإستجابة لقضية القومية العربية قبل الثورة لعاملين:
وقد اهتم الحصري بالرد على محاولات بعض المفكرين المصريين صياغة هوية ثقافية مصرية خاصة تستند إلى التراث الفرعوني ، حيث اعترض على حجج الدكتور طه حسين التي جاءت في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" طابعها وطباعها وأنها في نفس الوقت تحتفظ بهويه خاصة فرعونية الجوهر. استنكر الحصري فكرة فرعونية مصر معللاً ذلك بأنه إذا كانت المشاعر الفرعونية تتأصل في وجدان المصريين فإنه يجب معه أن تستعيد لغة الفراعنة وحضارتهم، وأن مصر لايمكن أن تنبذ العروبة الحية تحت دعوى الإنتماء إلى حضارة ميتة.أما فيما يتعلق بدعوى الإنتماء لانجلترا فقد دحض تلك الدعوى بتأكيده على أن مايشد ويربط مصر بدول عربية أقوى ممايربطها بدول البحر الأبيض المتوسط .
في مواجهة دعاة الإقليمية في سوريا والمشرق العربي ومن أبرزهم أنطوان سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الذي كان ينفي وجود أي رابط بين سوريا وغيرها من الدول العربية التي يصفها بالبداوه على عكس الكيان السوري والبناني المتمدن مكتفياً بالرباط الجغرافي بين الكيان السوري ولبنان لتمييزهما عن الدول العربية الأخرى، نجد الحصري يرفض الرباط الجغرافي فقط كأساس للقومية ويرفض أيضاً التسليم بوجود سمات ومميزات للسوريون تختلف عن تلك التي تتسم بها الشعوب الأخرى، بل أن الحصري كان ينفى تماماً وجود مايعرف بالإقليم السوري بمعناه الإداري الحديث حتى عام 1943 .
على عكس عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا، نجد الحصري يتبنى دعوته من منطلق علماني استناداً إلى اللغة والتاريخ متجاهلاً أهم رابط بين تلك الشعوب وهو الرباط الديني أو الإسلامي متبنياً أن فكرة القومية العربية نشأت عند المفكرين المسيحيين قبل المسلمين، وأن المسيحيين ساهموا في بناء الحضارة العربية قبل وبعد الإسلام.
وفي مواجهة تصور البعض للقومية العربية على أنها تتنافى مع الإسلام أو الذين يروا في القومية نوع من أو عودة إلى عصبية قد نهى الإسلام عنها أو أولئك الذين ينادون بالوحدة الإسلامية بدلاً من الوحدة العربية نجد الحصري يرى أنه برغم أن فكرة الوحدة الإسلامية تعد أوسع وأشمل من مفهوم الوحدة العربية إلا أنه ليس بالإمكان المناداة بالوحدة الإسلامية قبل المناداة بالوحدة العربية، لذلك نجده يؤكد أن من يعارض الوحدة العربية هو في الحقيقة معارض للوحدة الإسلامية أيضاً.
وبرغم بديهية منطق الحصري فقد كانت رقعة الإلتقاء محدودة بين فكره القومي العربي الوحدوي وبين أصحاب التوجهات الإسلامية، ذلك لأن الحصري حاول أن يحوّل معتقدات الإسلاميين إلى خدمة الوحدة العربية، لكنه لم يضع القومية العربية أبداً في خدمة الوحدة الإسلامية.
د. جمال سلامة علي: كتاب "من النيل إلى الفرات..مصر وسوريا وتحديات الصراع العربي الاسرائيلي"، الناشر دار النهضة العربية 2003، من ص 25 : ص 27.