زياد بن أبيه قائد عسكري في عهد الخلافة الراشدة، و سياسي أموي شهير ارتبط اسمه بـ معاوية بن أبي سفيان، و ساهم في تثبيت الدولة الأموية.
و لد في السنة الهجرية الأولى. و هو ابن غير شرعي لذات راية (بغي) معروفة اسمها سمية كانت جارية الحارث بن كلدة الطبيب الشهير، وكان يختلف إليها كبار القوم في الجاهلية.
عمل كاتباً لـ أبي موسى الأشعري و نبغ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، و قيل فيه أنه كان يمكن أن يسوق الناس لولا نسبه المجهول، فقيل أن أبا سفيان بن حرب أقر ببنوته، و قال لأحد الطاعنين فيه: "ويحك، أنا أبوه".
و في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب تولى زياد ولاية فارس، و كرمان والبصرة ، فلما أراد معاوية بن أبي سفيان أن يستميله إليه ليستعين به على مناوئيه، و يمنعه من معاونة الحسن بن علي، أبى زياد، فلجأ معاوية إلى الحيلة، و ذكر ما كان من أمر أبيه يوماً، و مقالته في زياد، فأرسل إليه أنه سيقر بنسبته إلى أبيه، و يصبح اسمه: زياد بن أبي سفيان، فوافق زياد، و قدم على معاوية الذي ولاه البصرة و الكوفة و كان ذلك سنة 44 هـ.
و لم يعجب هذا العمل السياسي خصوم معاوية، فتمسكوا بتسمية زياد بن أبيه و هاجموا معاوية بالشعر، و من أشهر ما هوجم به مقالة يزيد بن المفرغ الحميري:
ألا أبلغ معاوية بن حرب | مغلغلة عن الرجل اليمانى |
أتغضب أن يقال أبوك عف | وترضى أن يقال أبوك زانى؟ |
فاشهد أن رحمك من زياد | كرحم الفيل من ولد الأتانى |
كان جباراً، ميالاً إلى سفك الدماء، وهو أول من فرض حظر التجول في الإسلام. كما أن زياد بن أبيه كان خطيباً مفوهاً له جمهرة خطبٍ أشهرها البتراء التي سميت بذلك لأنها لم تبدأ بذكر الله.
أما بعد: فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العـمياء، والغي الموفي بأهله على النار، ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور التي يشب فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير!
كأنكم لم تقرؤوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته! قربتم القرابة وبعدتم الدين، كل امريء منكم يذب عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معاداً، ما أنتم بالحلماء، وقد اتبعتم السفهاء! حرام علي الطعام والشراب، حتى أُسويها بالأرض هدماً وإحراقاً.... إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف. وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والقيم بالطاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : "أنج سعد، فقد هلك سعيد." أو تستقيم قناتكم. وإياي ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد داعياً بها إلا قطعت لسانه، ولقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، ولقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرَّق قوماً غرّقناه، ومن أحرق قوماً أحرقناه، ومن نقب بيتاً نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبراً دفناه فيه حياً. وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل منكم أن يكون من صرعاي. |
||
—من خطبة زياد البتراء |