فهرس |
ولد سي الشريف بن الأحرش ببلد آبائه بزاغز في شهر ربيع الأول سنة 1213 هجرية الموافق لشهر جوان سنة 1803م نشأ في حجر والديه فلما ترعرع و نما و بلغ من العمر ثمانية عشر سنة و بعد ما حفظ كتاب الله العزيز في زاوية الشيخ سيدي عطية المدعو ( بيض القول ) انتقل في طلب العلم و سلوك الطريقة السوفية إلى مقام العارف بالله تعالى الشيخ سيدي المختار ببلد سيدي خالد أولاد جلال قرب مدينة بسكرة ، حيث أقام عند شيخه ثمانية عشر سنة جادا في الأعمال الصالحات و ضروب الطاعات و قائما بالأذكار و الصلوات مشتغلا بالتحصيل في العلوم الشرعية من فقه و تفسير و حديث و أحكامها عن الشيخ محمد الزين بن بركات و الشيخ محمد بن السعيد بن بركات من العلماء العظام في أولاد جلال و درس و استفاد و أفاد فبنى كل أعماله على أساس متين من تقوى الله و رضوانه فكان مسلكه شمس هداية ، و حوى مفهوم العلوم و منطوقه يجري على لسانه سمعا لفظا و معنى ، و بالجملة لم يكد يشذ عنه حديث واحد في ذلك في موطأ مالك و شفاء القاضي عياض ، و شمائل الترميذي و المواهب اللدنية و الجامع الصغير مما لم يكن في الحسبان و في تفسير الكتاب كان المثال الماجد الخالد في ظاهره و باطنه فإنه لقن فيه من صاحب الشريعة الإسلامية عليه الصلاة و السلام و الرحمة .
ثم ذلك في عدة فنون من الآداب و الفلك و الأصول و علم القوم كالنحو و البيان و المنطق ، و في سنة 1254 هجرية اتخذ زاوية بالجلفة فادخل بها من طلبة العلم و القرآن أكثر من خمسمائة طالب زيادة عن الأخوان و الفقراء و الأرامل و الأيتام ، فأطعم الكل و اسداهم العافية و البلام فانتفع به الكثير و تخرج من التلامذة ما يزيد عن ثلاثمائة طالب فصار مسموع الكلمة مجاب الدعوة و كل ليلة كان في حياته ينادي بأسواق البلد ( الجلفة ) و شوارعها على كل جائع أو عار أو ضمآن أن يقصد زاوية سيدي الشريف بن الأحرش الخليفة فإنه مكفي المؤونة و كان مثالا في الدين و التقوى و الحكم و الحق و كثير الأعمال من كل نوع فملأ حياته الأولى بكل ذلك هذا فيما يخص الجانب الروحي و الاجتماعي لسي الشريف بن الأحرش أما فيما يخص حياته العسكرية دفاعا عن وطنه من الاحتلال الفرنسي فإنه التحق بجيش الأمير عبد القادر بن محي الدين سنة 1249 هجرية الموافق لسنة 1832م فعينة الأمير عبد القادر ـ الذي كان معجبا بذكائه و قيمته الشخصية ـ كاتبا له ثم مستشارا مقربا و في سنة 1843م رقاه الأمير إلى رتبة خليفة لمنطقة الجنوب خلفا للحاج العربي الأغواطي ، كان سي الشريف وفيا للحاج عبد القادر و حضر بجانبه جميع المعارك الكبرى التي قام بها الأمير نذكر منها معركة جبل جرجرة في سنة 1845م ثم الغرب الجزائري كما أنه ذهب معه إلى المغرب و هو مطارد من طرف الجيش الفرنسي ثم رجع معه إلى منطقة أولاد نايل بالجلفة حيث قدم له إعانة مادية و بشرية كبيرة و تم الأمر نحو هذا الممر إلى أن استسلم الأمير عبد القادر رفقة سي الشريف بن الأحرش في سنة 1847م إلى الجنرال دولاموريسيار .
و بعدها نفي ( سجن ) الأمير عبد القادر إلى فرنسا و سجن سي الشريف بن الأحرش في سجن المدية ثم سجن بوغار ( قصر البوخاري ) و أخيرا سجن بن يحي بن عيسى ، نضيف عما سبق ذكره أن سي الشريف بن الأحرش كان متزوج من امرأة إسبانية الأصل تدعى ( مارية دولوراس ) و كانت قد أسرت هي و أختها قرب مدينة نمورس بالغرب الجزائري من طرف جيش الأمير عبد القادر الذي اعتنى بتربيتهن ضمن عائلته داخل الزمالة المتنقلة ثم أعطاها كزوجة لسي الشريف بن الأحرش مكافأة للخدمات الجليلة التي كان يقدمها هذا الأخير لاخلاص في سبيل الله و لوطنه و لأميره المجاهد ، فصارت هذه الزوجة بهدى من الله زوجة صالحة مسلمة ترتدي الزي العربي النائلي و تتكلم باللغة العربية الصحيحة كما كانت تعتني بشؤون الخيمة و حلب الحيوانات مثل الغنم و الناقة ، كما أنها رفضت العودة إلى بلدها الأصلي بعد استسلام الأمير عبد القادر و سجن سي الشريف بن الأحرش بمدينة المدية و اختارت هي و أختها البقاء مع رجالهن ( أختها كانت متزوجة لابن عم سي الشريف و هو محمد بن عبد السلام بن الأحرش ) .
أنجبت هذه الزوجة الصالحة لسي الشريف ولدا و هو المرحوم سي الحاج أحمد بن سي الشريف الذي شيد من ماله الخاص قبل بداية هذا القرن أول مسجد في مدينة الجلفة و هو مسجد سي أحمد بن سي الشريف و المعروف بجامع الجمعة سنة 1900م ، كما انه تبرع في إطار الحبوس الشرعي بأملاك كثيرة اتبعها لخدمة المسجد .
قال عنه المؤلفان قوفيون في كتابهما ( أعيان المغاربة ) المطبوع سنة 1921م في الصفحة 98: (..المقدم الأكثر شهرة في الطريقة الرحمانية السائدة بين أولاد نائل، و بعد وفاة والده عاد سي الشريف ( من زاوية أولاد جلال ) إلى أهله من أولاد القويني و كرس معظم وقته للتدريس و الأعمال الخيرية، فلما قامت مقاومة الأمير، كان سي الشريف مقتنعا بفكرة الجهاد، فوضع نفسه في خدمة الأمير بذكاء و قاد بشجاعة نادرة لفتت إليه انتباه عبد القادر فقربه إليه و جعله من نوابه المهمين..)
و كان يصفه الجنرال دي براي في ذكرياته التي طبعها بباريس سنة 1894م بالشخصية العظيمة. أما أوجين فرومنتان حينما جاء للجلفة سنة 1853م اندهش لشخصية هذا الرجل ففاضت عبقريته برسم ملامحه خطا و صورة .. إذ رسم البورتريه المشهور و المتداول للشيخ .. و كتب عنه و عن ملامحه و صفاته و سجاياه في كتاب ( صيف في الصحراء ) المطبوع بباريس سنة 1912م و من ذلك قوله : ( .. ألمح قبالتي في شخص هذا السيد العظيم الماثل أمامي .. ذي السجايا الدمثة، أحد الأمراء الأكثر رخاء و بسالة .. إنه الأكثر اعتبارا .. و لعل الأمر في هذا عائد إلى سعة ثروته و مكانته السياسية العالية و استنادا إلى سوابقه العسكرية الباهرة .. ). و يصفه أيضا بالرجل العظيم و الضخم ذي العينين البارزتين، و الوجه الساكن و الوديع و الخالي من اللحية تقريبا .. و لا يفوته كذلك الحديث عن ثروة الشيخ فيقول أن سي الشريف يملك قطعانا ضخمة من الأغنام و ما يقارب ستة آلاف (6000) من رؤوس الإبل وحدها ..
كانت قبائل أولاد نائل تتمتع بثراء واسع و عدد هائل، و تتميز بتمرس أبنائها على الفروسية، و لذا كانت محل تنافس بين المتمردين الذين كانوا يظهرون بين الفينة و الأخرى، و الفرنسيين و الأمير الذي كان على ما يبدو يدخرهم كقوة احتياطية إلى ما بعد المعاهدة .. و ندرك اعتناء الأمير عبد القادر بهم و حرصه على استمالتهم من خلال وصفه لخيولهم بأنها من أحسن الخيول.. ففي كتاب ( خيول الصحراء ) للجنرال " أوجان دوما " و ردا على سؤال أجود الخيول، أجابه الأمير: خيول أولاد نائل، و أضاف :(لأنهم لا يتخذونها لشيء غير القتال).
و لعدة أسباب، سياسية و اقتصادية و عسكرية، راح الأمير عبد القادر يراسل أولاد نايل عله يتمكن من إضافة دولة جديدة إلى دولته، و قوة عتيدة إلى قوته، و قد تأتي له ذلك بداية من سنة 1836م، و يكون ابن البوهالي، شيخ قبيلة سعد بن سالم، من الأوائل الذين راسلوا الأمير، و أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى دولته .. و تتابعت بقية قبائل أولاد نايل التي قسمت إلى ستة فرق، لكل فرقة قائد، و كانت التالي : محمد بن زبدة قائد على أولاد عيسى، محمد بن عطية قائد على أولاد ضيا، تلي بلكحل قائد على أولاد سي أحمد، الشيخ حران قائد على أولاد أم هاني، الشيخ ابن البوهالي قائد على أولاد سعد بن سالم، و كان يقودها جميعا الشيخ عبد السلام بن القندوز شيخ أولاد لقويني، الذي تنازل عن مهامه تدريجيا لابن أخيه الشيخ الشريف بن الأحرش، الذي كان قد لفت انتباه الأمير، فعينه خليفته بعد ذلك .. و قد تمت مبايعة أولاد نايل للأمير سنة 1837م بالمكان المعروف بالكرمونية، أي الكرم و النية، و هي صفاتهم البارزة .. و قد كان الشريف بن الأحرش صاحب الوساطة بين الأمير و بقية شيوخ القبائل، و الذي لعب الدور الأكبر في هذه البيعة .. بقي أن نشير إلى أن خلافة الشريف بن الأحرش بدأت سنة 1843م بعد أن كان الأمير قد وضع قبائل أولاد نايل تحت سلطة سي الحاج العربي ولد الحاج عيسى خليفته على الأغواط .. و يقول الباحث عمر خضرون إن كل من " درمنغم " و " آرنو " و " ماري مونج " يثبتون الخلافة لسي الشريف بن الأحرش، إذ بعد مقتل خليفة الأغواط الذي لم يكن في مستوى المسؤولية، بل كان يقضي معظم وقته في الدفاع عن نفسه ضد المتمردين من بني قومه يكون الأمير قد رأى في سي الشريف الوحيد من بين الأعيان الذي يستحق أن يكون خليفته المباشر على أولاد نائل.
لقد احبه الأمير عبد القادر حبا عظيما و خصه بمكانة خاصة .. وقد رافقه الشيخ الشريف بن الأحرش إلى عدة أماكن ليعرفه بأعيانها..ففي شهر أوت 1837م قام الأمير برحلة كبيرة وذلك طبعا أثناء معاهدة التافنة، وقد قادته الرحلة إلى جبل عمور و قورو بآفلو..وهناك لقيه الشريف بن الأحرش مع جمع من الأعيان وأكدوا له بيعتهم ..ويروي الباحث "فرانسوا دوفيلاري" أن الشريف بن الأحرش مشى مع الأمير بعد ذلك حتى وصلا مدينة بوسعادة وقد التقيا أثناء ذلك بأعيان مسعد والهامل وطاقين، أين افترقا حين تأكد الأمير من مساندة جميع القبائل وشيوخ الزوايا لمقاومته وكيف لا يكون الأمير قد احبه وقد جعله خليفة له ومن أقرب المقربين إليه، واصطحبه في معظم رحلاته ولجأ معه إلى المغرب وكيف لا يكون الأمير قد أحبه وقد زوجه من الإسبانية "ماريا دولوراس "، التي عثر عليها رجال الأمير في نواحي مليلية بالمغرب مع أختها، فأتوا بهما إلى الأمير الذي زوج الكبرى من الشريف بن الأحرش والصغرى أهداها لعبد السلام بن القندوز الذي زوجها بدوره لابنه محمد.
تزوج إذن الشريف بن الأحرش بماريا، التي عرفت فيما بعد بـ (فاطنة العلجة) ويقول "فرومنتان" عنها وعن أختها "وقد قبلت الفتاتان الملابس والتقاليد العربية كما اتخذتا لسان زوجيهما، ومضيتا بذلك عن اقتناع حتى بعد انتهاء المقاومة " ونشير إلى أن زوجته الأولى حفصة أو أسماء بنت الشيخ المختار قد توفيت قبل ذلك بزمن، مخلفة له أبنا ما لبث أن فارق الحياة ولم يتجاوز 16 عاما بعد.
ونشير كذلك إلى أن ذرية الشريف بن الأحرش تنحدر من العلجة، التى تعرف با سمها اليوم مقبرة بمدينة الجلفة، وهي (المجحودة ) وهي لم تمت مقتولة كما تشير بعض الروايات، بل ماتت موتة طبيعية، و(جحدت) لأنها ليست من الأعيان، فدفنت خارج المقبرة الرسمية التي بها زوجها، والتي هي عبارة عن مصلى بجانب الزاوية، لكن لما رأوا أن قبرها أصبح مقبرة بسبب توافد بقية القبائل على الدفن هناك، قاموا بالتنازل عن نظريتهم الأولى، ودفنوا بقية أعيانهم بالمجحودة..هذه المقبرة التي بدأ اسمها يتغير بعد دفن ولي صالح بها، فأصبحت تعرف بمقبرة ((علي بن دنيدينة))..بقي أن نشير إلى أن مواصلة البحث في حياة الشيخ الشريف بن الأحرش قد تكشف لنا الكثير عنه، وهي مهمة ليست سهلة بعد الإقصاء الطويل الذي عرفه هذا الرجل، ولا أدل على هذا الإقصاء من أن الشيخ الشريف لم يرد ذكره ـ كما يؤكد الباحث عمر خضرون ـ في أي مرجع من المراجع التي تحدث عن خلفاء الأمير المهمين، مثل محمد بن علال، وأحمد بن سالم، ومحمد البركاني، وكذا عن خلفاء أقل أهمية بكثير، والذين ذكروا برغم تلك الأهمية الضئيلة، مثل خليفة الأغواط الآنف الذكر.. هذا إضافة إلى أن الشيخ الشريف بن الأحرش بقي وفيا للأمير ولم يستسلم حتى طلب منه الأمير ذلك خوفا عليه، وحرصا على عائلته وأهله، فاستسلم الشيخ الشريف بن الأحرش سنة 1848م، وقد حبس وعائلته في بوغار بادئ الأمر، ثم وضع تحت الإقامة الجبرية بالمدية وقد أطلق سراحه 1850 م، ليواصل كفاحه ببنائه لزاويته وتعميرها، و ليجعلها ساحة كفاح يتجدد كل وقت وحين ..وقد دفعت مواصفات الخليفة بن الأحرش وبسالته واستماتته الأستاذ عبد الباقي هزرشي إلى القول : (( إن هذه المواصفات تؤهله في نظرنا إلى مرتبة بطولية، و تجعله إحدى الشخصيات المرموقة من تاريخنا المحلي والوطني، وتفرض على باحثينا ومؤرخينا وأحفاده مسؤولية جسمية في التنقيب عن مخفيات دوره وإسهامه التاريخي )).
ولم يفتر جهاد شيخنا الشريف بن الأحرش بالسيف حينا، وبالكلمة حينا، وبالرأي أحيانا أخرى إلى أن قتل خطأ سنة 1864م في شهر أكتوبر، لتبدأ حياته في أرواح خلفه ومحبيه.. ولم يمت حقا إلا يوم أن أهملت زاويته وتاريخه وأشياؤه..وإنها إذا عادت كما كانت فتأكدوا أنه سوف يعود.
عملا بالإذن الذي عهد إليه به شيخه المختار بن عبد الرحمن ـ رحمه الله ـ بدأ الشيخ الشريف بن الأحرش بناء زاويته سنة 1853م ، و استمر البناء عامين ، و تجسد الحلم نهائيا سنة 1855م ، و أرخوا لذلك بالنقش الموجود أعلى المدخل الرئيسي .
بنيت الزاوية بطراز عربي أصيل ، لكن نلمح فيها أن البناء لم يكن هدفا في حد ذاته ، بل كان حصن الثقافة الإسلامية هو الهدف .. تدخل إذا اجتزت الباب الخارجي ساحة كبيرة تطل عليها أجنحة ثلاثة ، مزدانة بالأقواس المعروفة في العهد التركي .. بها غرف مخصصة للقراءة و التدريس .. إنه ذات المكان المثير للنقائض من حيث ذكريات الهلع و الخوف أيام الهيمنة الفرنسية .. و ذكريات الصفاء و الطمأنينة في الجلسات الخلوتية .. هيبة الشيخ و أشياؤه .. مرقعات الدراويش .. سخاء الأثرياء .. مهرجان القراءة و التدريس .. قعقعات الآنية حاملة الوعد بطعام متجدد .. فالزاوية دار الشيخ .. مدينة الطلبة .. مأوى المحتاجين .. مقصد ابن السبيل .. و أمسيات الحديث الصوفي المبدع حول نار الوجد و الحلول .. و المكتسي بأحلى غموض .. إليها يهرع الجمال .. و منها ينفر القبح .. فهي بيت الله .
و قد كانت الزاوية تحوي عددا هائلا من الطلبة ، و تأوي عددا كبيرا من أبناء السبيل ، و كان ينادي في كل مساء و عندما تغلق المدينة أبوابها .. أن أيها المحتاجون اهرعوا إلى الزاوية .. أيها الجائعون هلموا إلى الزاوية .. أيها الخائفون فروا إلى الزاوية .. فإذا كانت المدينة تغلق أبوابها ، فإن للزاوية أبواب لا تغلق .
لكن ، لا يجب أن ننسى المخلصين الذين مازالوا إلى يومنا هذا يحافظون على تاريخ الزاوية ، و يريدون لها أن تعود إلى سالف عهدها .. أو على الأقل أن تكون معروفة .. بها متحف يضم أشياء الشيخ الخليفة ووثائقه ، و بها قاعة للمحاضرات أو لإنجاز البحوث .. هؤلاء المخلصون هم من عائلة الشيخ قد تبرعوا بأجنحة مما يملكون من الزاوية لفائدة التراث و الثقافة و السياحة .. نذكر منهم الشيخ زين العابدين بن الأحرش ـ حفظه الله ـ الذي تطوع بغرفتين من الزواية .. و أفراد عائلة محي الدين بن الأحرش ، الذين تطوعوا كذلك بغرفتين .. هذه الغرف الأربع إذا استغلت أحسن استغلال ، فستكون كافية لبعث تاريخ الزاوية .. و تاريخ الشيخ .. و ستكون عونا للباحثين و المؤرخين لكتابة التاريخ الحقيقي للمنطقة ، و من ثم التاريخ الجزائري المعاصر .. لكن يؤسف هؤلاء جميعا أن الهيئات الرسمية لا تلتفت إلى مثل هذه المبادرات الجادة .. و لا تعينها .. مكتفية بالمهرجانية و الكرنفالية .. و إذا و عدت ، فإنها سرعان ما تنسى .. و ما زيارة إدريس الجزائري عنا ببعيد .. و ما إعانة كاتبة الدولة للثقافة للزاوية التيجانية ـ و مواقفها معروفة من مقاومة الأمير ـ و تخصيصها لأربعة عشر مليار لترميم تلك الزاوية عنا ببعيد كذلك .. إن هؤلاء المخلصين و محبي زاوية الجلفة لا يطلبون مبالغ ضخمة بقدر ما يطلبون اهتماما بهذا الرجل و زاويته المغمورة كذلك .. فإنه من لم يعرف قدر سلفه ، لن يعرف قدر ذاته و خلفه .. و من لم يبر والديه ، لن يبره أبناؤه .