الرئيسيةبحث

الجمهورية العربية المتحدة - الإنفصال



فهرس

الأوضاع إبان الوحدة

كان يدور صراع معلن بين عبدالحميد السراج وبين عبد الحكيم عامر الذي استشعر خطر السراج عليه وعلى سلطاته كنائب لرئيس الجمهورية العربية المتحدة، حاول أن يحد من تأثير عبد الحميد السراج ما اعتبره السراج نوعاً من التهديد . السراج كان مسئولاً في الإقليم الشمالي وعن الحياة الاقتصادية والسياسية وفي شؤون الجيش ومحاولة بسط نفوذه على القرارات ومراكز القوى في الإقليم الشمالي هي الخط الأحمر الذي أفرغ غضب الساخطين على الوحدة كلها كبناء للدولة المتحدة. المشير عبد الحكيم إذ لمس ذلك الشعور المتزايد بالكره والغضب في الأوساط المختلفة فأدرك خطر السراج عليه من جهة وعلى الدولة الفتيّة من جهة أخرى فشرع بعدد من الإجراءات التي اتخذها ضد عبد الحميد السراج وكتلته في المكتب الثاني أدت إلى نوع من الارتياح الشعبي على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية في البلاد مما بشّر بحلّ قريب للمشاكل العالقة .إلا أن المشير ركز كل اهتمامه وقدراته على عبد الحميد وكتلته لتوقعه نوعاً من ردّة الفعل على إجراءاته بتحييدها وهو مما لا يرضي عبد الحميد ورجالاته وغفل عن الأوضاع العامة في الدولة.

في هذه المرحلة الخطيرة، كان حزب البعث العربي الاشتراكي من أوائل من التقطوا رائحة الانقلاب المتوقع منه الإطاحة بالنظام في دمشق. فعقدت جلسات بحث وتشاور لمتابعة ما يجري (والجدير بالذكر أن البعث العربي الاشتراكي كان أول الأحزاب التي بايعت الوحدة ومهدت لحدوثها وكان أول الأحزاب التي حلّت نفسها طوعياً في سبيل الوحدة بالرغم من تعارض الأفكار حول أساليب معالجة القضايا المصيرية للأمة بين البعث والناصريين ) وكان من أهمّ تلك الاجتماعات مجلس برمانا التشاوري الذي عقد قبل أربعة أيام فقط من وقوع الانقلاب. إن حركة 28 أيلول لا يمكن فهم دوافع من قاموا بها دون دراسة مستفيضة للأوضاع التي أدّت بالضباط إلى العصيان المسلح. كانت التصرفات الغير مسئولة قد بلغت نقطة اللاعودة وبالرغم من أن الحركة كانت عسكريّة صرفة في بداياتها فإن الانعكاسات التي أدت لها كانت على الصعيد المدني مثلها على الصعيد العسكري فالجيش في الإقليم الشمالي كان قد أحسّ بالظلم الشديد تماماً كما المدنيين الذين أساءت لهم الدولة بشكل كبير نفصله فيما يلي ذكره، ولم تكن غاية تلك الحركة هي الانفصال عن مصر بل كانت تهدف إيصال رسالة إلى القاهرة مفادها أنه ثمّة أخطاء شنيعة ترتكب في حق الوحدة وهو مالا يجب السكوت عنه. وهو ما يفسره البيان رقم 9 الذي توصل إليه المشير مع الضباط والذي يقضي كما سنرى بعودة الجنود إلى الثكنات وعليه لا يمكن أن يعتبر إطلاقاً أن الانفصال كان نتيجة مؤامرة دولية بالرغم من كثرة تلك المؤامرات الهادفة إلى الإطاحة بالوحدة بين سورية ومصر . إن مطالب الضباط كانت تتركز بالدرجة الأولى في عدد من الأمور ترتكز على مبادئ الإصلاح العسكري الداخلي لكنها وتبعاً لعدد من المتغيرات وبسبب ظروف داخليّة وإقليمية وعربيّة وحتى دوليّة معينة أجهزت على أول تجربة وحدوية بين قطرين هما من أهم الأقطار العربية في قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

أسباب الانفصال

إن الوحدة بين الشقيقتين مصر وسورية قامت على أسس العاطفة المتأججة بالنضال الثوري العربيّ في تلك المرحلة وهذه العاطفة لم تكن في لحظة ما واقعيّة بمعنى أن الوحدة قامت على أسس الآمال الشعبية الجارفة بالتحرر من الاستعمار والوحدة الفوريّة بين الأقطار العربية وكان جمال عبد الناصر هذا الزعيم المصري المتمتع بكاريزما ساحرة في شخصيته آسرة لمن يخطب بهم، أهلته لأن يصبح الزعيم العربي التقدمي رافع شعارات الوحدة والحريّة والاشتراكية ومحقق آمال الشعب وخاصة وأنه صاحب موقف مضخّم إعلامياً في مسألة وقوفه في وجه القوى العظمى آنذاك في عام 1956م يوم العدوان الثلاثي على بور سعيد وللأسف فإن دعايته وإعلامه لعبوا دوراً سلبياً في جعل الرجل مارد المصباح العربي الذي سيحقق للعرب الثورة على الأصعدة الاجتماعية بتحقيق المساواة والتقدم لكل فئات المجتمع ضمن الدولة الاشتراكية، والدوليّة من خلال تحقيق حلم الوحدة العربيّة الذي سيجعل العرب ندّاً للغرب ويثأر لهم من الجرائم التي اقترفها الغرب بحقهم، والعسكرية فهو الزعيم الوحيد الذي تجرّأ إعلامياً على إسرائيل ومرغ أنفها بالطين والتراب إعلاميّاً ، ولم يخشاها بالرغم من الدعم الفرنسي والبريطاني الكبيرين لها ثم الدعم الأمريكي، ومن هنا كان عبد الناصر هو بطل الشعب العربي غير المنازَعْ حيث لم تكن تجربة الوحدة ماثلة للأعين بعد، وإزاء مطالب الجماهير السوريّة وبعد أن تسربت أنباء قيام عدد من الضباط السوريين -المشكوك بتبعيتهم للناصريّة وبشراء ضمائرهم - بزيارة القاهرة من خلف ظهر الرئيس شكري القوتلي قامت الجماهير السورية تطالب بالوحدة الاندماجية الفورية بين سورية ومصر، فقام الشعب السوريّ بجميع تياراته السياسية /تقريباً/ وفئاته الاجتماعية بمسيرات تطالب بالوحدة، ومظاهرات تطالب بالاندماج الفوريّ ، علماً أن المدّ العاطفي في سورية ومصر والشعور القومي كان شعوراً متفاوتاً وخاصّة على الصعيد السياسي فقامت الوحدة بعد عدة أحداث ذكرت في موضوع الوحدة السورية المصريّة على تلك الأسس العاطفية ولأول مرّة في التاريخ تخرج إلى العالم دولة مبنيّة على هذا الأساس.


إن أحد الأسباب البارزة لما أصاب الوحدة هو الوضع الاقتصادي المتردي في الإقليم الشمالي. فقد كانت سورية في وضح اقتصادي في الموازنة العامّة في حين كانت بعض الأوساط المصرية تعتبر الوحدة صلحاً واقياً من إفلاس محتمل في مصر ، فاوفت دين قديم لسوريّة على مصر وهو مبلغ ثلاثة عشر مليون ليرة سورية ونصف وكان هذا المبلغ في واقع الأمر لقاء ما قيمته مئة ألف طن من القمح السوري و مئة وخمس وعشرون ألف طن من الحبوب التي صدرت لمصر قبل الوحدة. كما أنه لا يخفى على أحد أن دولة الوحدة سخرت الاقتصاد السوريّ فيما بعد لمصلحة الاقتصاد المصري فعبئت البضائع المستوردة (من أدويّة وسيّارات وأجهزة كهر بائية ومنزلية وترفيهية) بالقطع الأجنبي النادر وشحنتها إلى مصر وافتقدت تلك الأصناف في سورية بالإضافة إلى أصناف أخرى. كما أن محاولة دمج الخطوط السورية بشركة مصر للطيران عام 1960م واستيلائها على رصيدها البالغ ستة ملايين دولار أمريكي في ذلك الوقت كانت الشركة قد ادخرتها لشراء عدد من الطائرات الأقوى من الدوغلاس التي كانت تمتلكها آنذاك، ومحاولة فرض شراء طائرات من نوع فايكونت للتوحيد مع الطراز المصري أكبر دليل على أطماع بعض السياسيين المصريين في الاقتصاد السوري. كما أن التاجر السوري لم يسمح له بإدخال الصناعات السورية المنافسة إلى الإقليم الجنوبي ولم يضمن له حرية التجارة على عكس التاجر المصري الذي قدمت له جميع التسهيلات ولا ننسى أن أهم الوظائف والمراكز الحكومية بالإقليم الشمالي كانت آنذاك بيد المصريين كما أن القائمين على الوحدة قاموا بتحويل عدد من المشاريع المقامة أو التي تقام لصالح الإقليم الجنوبي ومنها معمل للعتاد العسكري كان يبنى في حلب وعدد من المشاريع التنموية والاقتصادية الضرورية للإقليم الشمالي.

بدأت القيادة بعملية تصفية منظمة للضباط السوريين من خلال تصفية العناصر ذات الكفاءة –خشية قيامها بانقلاب وهو ما يزرع الشك في نوايا القائمين على الوحدة لأن الجيش هو أول من ألزم الحكومة المدنية ونظام فخامة الرئيس القوتلي على الوحدة- وذلك من خلال نقلهم إلى جهات إداريّة مدنيّة وزارية أو دبلوماسيّة لا يعرفون عنها شيئاً أو إحالتهم إلى التقاعد القسري أو الطوعي مقابل رواتب تقاعدية كبيرة، كما ومنعت البعثات العسكرية للتخصص في الفنون القتاليّة أو اقتصرت على المحسوبين على الوحدة، أو بندب الضباط السوريين للخدمة في مصر وتكليفهم بأتفه الأمور وأبسطها مما لا يليق بهم وبرتبهم وبماضيهم، ولا ننسى تفضيل الضباط المصريين عليهم في الترفيع ومنح السلطات لهم ومحاولة إذلال بعض كبار الضباط السوريين وبالذات ممن لم يقبلوا بتلك الوحدة العاطفيّة أو الذين طالبوا بتحسين الوضع العسكري للجيش السوريّ، ولا ننسى أن القائمين على الوحدة قد حولوا صفقات الأسلحة السورية مع السوفييت لصالحهم فمدوا بها الجيش في الإقليم الجنوبي على حساب جيش الإقليم الشمالي بدعوى طول خط الحدود مع الكيان الصهيوني الغاصب.

بدأت فكرة توطين المصريين في سورية تتوضح في الموقف الرسمي المصري من خلال تأمين عملية توظيف المصريين في الجيش والقوّات المسلحة من جهة ومن جهة أخرى من خلال توزيعهم على الدوائر الحكومية وتعيينهم في المراكز الهامّة في قطاعات الدولة ووزاراتها المختلفة وخاصة تلك المستحدثة خصيصاً لهذه الغاية ولم يكن لها عمل يذكر في حين كان إدارة دفتها إلى حشود الفنيين والإداريين المصريين الذين كانت تتحمل رواتبهم وتعويضاتهم الخزينة السورية دوناً عن الخزينة المصرية دون أن يؤدوا أو أن يكون لهم عملاً يذكر وقد بلغ وسطي ما دفع للموظفين المصريين المنتدبين في آخر سنة من الوحدة خمسين مليون ليرة سورية!!! كانت تحملها الخزينة السورية على شحّ مواردها وضعف امكاناتها علماً أن انتداب السوريين في مصر لم يكن يحدث إلا في أندر الحالات مع فرق كبير في الرواتب والتعويضات من جهة والمعاملة الرسميّة من جهة ثانية إذ كان يحسب الجنيه للموفد السوري بتسع ليرات في التحويل ويستلم جنيهات في المصرف المركزي أما المصري في سورية كان يتقاضى تسع ليرات مقابل الجنيه كتعويض في حين أن سعر الجنيه في السوق كان سبع ليرات سورية، أما على الصعيد الرسمي فقد شجّعت الدولة المصريين على الهجرة إلى سورية بدليل ما ورد في كتاب الجمهوريّة العربيّة المتحدة (تاريخ وحقائق-وأرقام) الصادر عن مديرية الدعاية والأنباء تحت عنوان الفوائد البشرية للوحدة ما يلي: (تنبثق الوحدة من حقيقة بسيطة هي كون مصر أكثر الدول العربية سكاناً إذ يتجاوز عددهم 23.5 مليون، وكون سورية من أقلّها سكاناً بعددهم البالغ 4.5 ملايين نسمة ويكفي أن نعلم أن الكيل المتري المربع المسكون في مصر يضم 700 شخص أما في سورية 50 شخص وفي الوقت الذي تشكو منه مصر شدّة الكثافة تعاني سورية من قلّة السكان في كثير من المناطق ذات الإمكانيات الانتاحيّة الكبيرة، وهذا ما أدى لهبوط مستوى المعيشة في مصر، ونقص للقوى البشرية في سورية، وسيكون من نتاج الوحدة بينهما وضع خطة لإعادة توزيع السكان بينهما ونقلهم إلى المناطق شبه الخاليّة من سورية حيث لا توجد اليد العاملة الكافية ونضرب على ذلك مثلاً، وادي الفرات وسهول الجزيرة والغاب وبعض الأجزاء الجنوبيّة، ويساعد على هذا النقل كون بيئة الفرات والغاب مثلاً مشابهة للبيئة النهرية التي ألفها عرب مصر، وأن استيعاب أربعة ملايين شخص في مدى ربع قرن تفرضه الضرورات الإستراتيجية والقوميّة في سورية)

كان من أكبر أخطاء الوحدة مسألة انتهاج المسئولين سياسة الدمج الكامل على صعيد الإقليمين وانتهاج سياسة التفريق على صعيد الداخلي في سورية من خلال التفريق بين عناصر الشعب السوري فأصدرت جملة من التشريعات التي أدت إلى اضطراب الثقة بين الحاكم والمحكوم على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي من نتيجتها تدني قسمة النقد السوري من جهة ومن جهة أخرى وقف دولاب العمل وارتفاع معدلات البطالة لأول مرة في تاريخ سورية رغم انها كانت أفضل قبل الوحدة ونشير هنا إلى قانون التأميم الذي أصدر في تموز من عام 1961م لما رافقتها من ارتجال وغموض وبلبلة واضطراب في السوق السورية، وقد دلت التقارير الرسمية أن معدل التسريحات في الشهر في دمشق ومحافظاتها كان 150 عاملاً قبل تموز 1961 وأصبح في آب 1961 يقارب 2560 عاملاً وذلك بسبب خشية القطاعات الاقتصادية والصناعية من التأميم بسبب ضخامتها وحتى صغار الصنّاع قد بدأوا تخفيض عدد عمالهم رغم وجود النص الزاجر في المادة رقم 209 من قانون العمل، إلا أن الكيفية التي طبق بها القانون شكك في نيات القائمين على الوحدة، وكان من أهم المشاريع التي حاول القائمون على الوحدة من خلالها تجزيء سورية لمناطق يسهل حكمها قانون الحكم المحلي الذي طرحته القاهرة فكان أمضى تعليق عليه ما قاله المحافظ السيد يحيى علي أديب الذي أشار في مطالعته على المشروع إلى أن الانتداب الفرنسي أيام بسط نفوذه على سورية لم يجرؤ على تطيق نظام إداري مماثل في الحكم.

إن واحدة من أكثر الأمور خطورة هي عملية نقل الحكومة السورية ووزاراتها إلى القاهرة في محاولة للتقليل من شأن الإقليم السوري بعد أن كان الشعب قد منّى نفسه بإقامة الرئيس في أشهر الصيف في دمشق والشتاء في القاهرة وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس الأمة.وكان القائمون على الوحدة لم يتركوا المجال للسوريين بتسلم منصب رفيع في دولة الوحدة من خلال تخطيط الملاكات الجديدة في أجهزة الدولة الوليدة ومؤسساتها. وكان مقدراً أن يحصل السوريين على المناصب الثانوية أو الثالثية في تلك المنشآت مما أساء للوحدة ككل في الداخل والخارج. ففي آب عام 1961 قام عبد الناصر بإصدار قرار بتشكيل حكومة واحدة للإقليمين عيّن بموجبه عباس رضوان وزيراً للداخلية، ثم تلا ذلك القرار بقرار توحيد المخابرات بين الإقليمين وعين السراج نائباً له.

وذلك من خلال الكيان البوليسي الذي خلقته دولة الوحدة في سورية لأول مرة منذ الإستقلال عن العثمانيين وهو البلاء التي ابتليت به سورية فيما بعد من خلال أنظمة تشابه في مضمونها نظام عبد الناصر وأسلوب إدارته في الحكم. فقد عاش الشعب السوري في سجن كبير حيث طبق سلاح الترغيب والترهيب في دولة كان القائم عليها عسكري هو عبد الحكيم عامر ورجل بوليس هو رجل المكتب الثاني عبد الحميد السراج، فمن لا يشترى سكوته عن الحق بالمال والسلطة والإغراءات الأخرى كان يشترى سكوته بإخراسه أو سجنه وتعذيبه، وسارت الدولة على سياسة التسلط واستعملت سياط الجور والظلم وأقبية السجون وجحيمها للجم السوريين الذين لم يعرفوا النظام البوليسي في الحكم قبل الآن. وانقلب المواطنون السوريون إلى حالة من اليأس والقنوط والسلبيه لم تعرفه سورية في تاريخها حتى عندما كان العثمانيون في أعتى نوبات جنونهم وحتى عندما كان الفرنسيون في أبلغ نوبات غضبهم فقد عمد المسئولون إلى تعطيل صوت الحق، ووأد الأنفة التي تحلى بها السوريون وقد ظن الحاكم المتفرد في السلطة أنه لن يجرؤ أحد على رفع صوته أمامه أو رفع رأسه ولو مطالباً بحقه وقد ظن أنه في يعيش في مصر ويحكم شعباً طيباً بسيطاً كشعب مصر ولم يدرك ماهيّة قول شكري القوتلي له إني أسلمك بلداً فيها أربعة ملايين زعيم

يقول أحمد أبو الفتح: إن قاعدة فرّق تسد هي قاعدة أساسية من القواعد التي ارتكز عليها حكم عبد الناصر فهو قد حاول من خلال فرق الهمس التنديد بحكم المشير عبد الحكيم عامر وصلاح سالم وخالد محيي الدين وسائر خصومه السياسيين) كما أنه أوقع بين الساسة السوريين وغدر بهم وأساء إليهم (من خلال مصادرة بعض أملاكهم أو مراقبتهم أو تحجيم حرياتهم كما حدث مع السيد فارس الخوري) من رفاق الدرب الذي وقعوا صك الوحدة وصفّاهم مستعيناً بالسراج الذي كان يلقب بكلب جمال ، ثم سلط عبد الحكيم على السراج فأذله ورماه لا حول له ولا قوّة ثم أعاده إلى سورية لينتقم منه الشعب الذي عانى من جوره وطغيانه وليس أدّل ما قيل عن حكم عبد الناصر مما قاله أحمد أبو الفتح (يؤمن جمال عبد الناصر أن الكذب يمكن أن يصبح حقيقة إذا ما تولت أجهزة الدعاية ترديده على أنه حقيقة فهو يعتقد أن الشعب الذي يوضح تحت دعاية واسعة النطاق ينتهي به الأمر إلى تصديق كل ما تردده أجهزة الدعاية مهما كان ما تردده مخالفاً للحقيقة. وإن جمال ليؤمن إيماناً جازماً بالدعاية ويتصور أنها الوسيلة التي عن طريقها يستطيع أن يقنع الناس بكل ما يريد). وتجلت عمليه التفريغ السياسي لسورية من خلال حلّ جميع الأحزاب والمنظمات السياسية في سورية في خطة نحو عملية الإفراغ السياسي التي رأى عبد الناصر أنه يمكن ملئها إعلامياً بما سماه الاتحاد القومي هذا الاتحاد الذي كان مسرحاً للمصفقين من جهة وكان مرتعاً وتكيّة للمرتزقة وللمنافقين من جهة أخرى وأصبح مركزاً لعبد الحميد السراج فيما بعد مما حدا بالمشير إرسال وحدة عسكرية سورية لإغلاق مقر الاتحاد بعدما تحول إلى بؤرة لتخريب الوحدة .

إن أحد أهم أسباب الانفصال هي تلك العمليات الاستخباراتية التي قام بها عبد الناصر للتدخل في شؤون الدول المجاورة لسورية وأهمها العراق والأردن الشقيق ولبنان، فقد بثت أجهزة عبد الناصر الفرقة بين اللبنانيين لإشعال حرب أهلية أريد من خلالها تدخل للقوات المصرية للاستيلاء على لبنان، كما وبثت روح فتنة في إضرابات الموصول التي راح ضحيتها المئات من العراقيين، وكانت عمليات التسلل إلى الأردن والنسف والتخريب لمقار الحكومة الملكية الأردنية القشة التي قصمت ظهر البعير،.

الإصلاح

أخذت أيام شهر أيلول تمر حافلة بالإضطرابات فجمال أرسل المشير عبد الحكيم إلى سورية ونقل عبد الحميد السراج إلى القاهرة، ليستقيل عبد الحميد السراج فجأة ويبدأ المشير سلسة من الإجراءات التي تهدف إلى استئصال كتلة عبد الحميد وأنصاره من أجهزة الحكم بأنصار جدد هم موضع ثقة. وكان جهد المخلصين الغيارى على الوحدة يتركز في إصلاح الوضع وتقويم أساليب الحكم في سورية فقد شعر هؤلاء أن أسلوب الحكم بدا متعثراً فقد وسدت الوزارات والمصالح الحساسة إلى أيد غير أمينة ولا اختصاصية لا ترتكز إلى أي تأييد شعبي تنفيذاً لخطة تصفية الجيش من خيرة عناصره التي اتبعها المسئولون عن الوحدة فأخطاء العهد ترتكز في نقطتين أولهما هو خسارة الجيش للضباط الذين أحيلوا على التقاعد أو الذين نقلوا إلى تلك الإدارات المدنية وثانيهما هو طبع الحكم المدني بطابع عسكري بوليسي غير اختصاصي. وجرت بعض الحوادث الفردية والاحتكاكات المحليّة التي لم تكن مؤثرة على الوحدة بأي حال لكنها كانت تخلف في نفوس المواطنين غصّة ومرارة وخيبة أمل.

وقد تشكلت عدد من الحلقات التي تضم الشباب لمناقشة أسباب الانحرافات التي تعاني منها الوحدة، وأسباب تلك المشاكل وتم رفعها إلى الجهات المسئولة واجتمعت الآراء بين كل السياسيين القدامى والشباب على وجوب معالجة الأمور بالحكمة والصراحة حتى يصان وجه الوحدة، وأجريت التعديلات في أجهزة الحكم حتى كان الوزير لا يستقر في وزارته ولا يكاد يتعرف على سير العمل حتى يستبدل أو يقال، وكانت هدف جميع دعوات الإصلاح هي إلغاء الجدار بين الدولة والشعب الذي أقيم على الرعب والتهديد والجبروت المبني بطوب بوليسي متين وكانت حركات الإصلاح التي تحرك بها السياسيون السوريون هدفها الإطاحة بعبد الحميد وإرهابه. وحين أطل أيلول عام 61 كانت نذر الثورة تلوح للعيان .

الحركة والبدء بالإنقلاب

في الساعات الأولى من صباح الثامن والعشرين من أيلول صحا الناس على تبادل عيارات نارية في أنحاء متفرقة من البلد، وانبلج الصبح فإذ بدبابات ومصفحات ومجنزرات قوات البادية تحاصر الدوائر الرسمية وتتجول في الشوارع الرئيسية بدمشق. الإذاعة استهلت برامجها ببث للقرآن الكريم، وفي حوالي الساعة السابعة والنصف صباحاً صدر البلاغ رقم 1 عن القيادة الثورية العربية العليا للقوات المسلحة ونصّه: لقد قام جيشكم الذي كان دائماً وسيبقى أبداً دعامة وطنيّة راسخة، قام للحفاظ على ارض الوطن وسلامته وحريته وكرامته، قام لإزالة الفساد والطغيان، ورد الحقوق الشرعية للشعب، واننا نعلن أن هذه الانتفاضة لا صلة لها بشخص أو بفئة معينة، وانما هي حركة هدفها تصحيح الأوضاع غير الشرعية. فيا أيها الشعب العربي، ثق بجيشك فإننا أقوياء بعون الله وبقوته. إننا قد طرقنا على كل باب للإصلاح قبل أن ننفجر، فلم نجد إلا القوة سبيلاً لكي تعاد إلى الشعب حريته وللجيش كرامته. ولن نرضى بعد اليوم لراية العروبة مقراً إلا هامات النصر وهذه دماؤنا نكتب بها أننا وفينا العهد وأبينا العيش إلا كراماً، والعزّة للعرب

وقد شده الناس للحدث وقابلوه بالتهليل والتكبير وانفجروا بعد اليأس المرير وخرجت الجموع في الشوارع تهتف للجيش والانتفاضة محطمة كل الشعارات التي زيفها حكم النظام المتداعي. وتتالت البلاغات فكان البلاغ رقم 2 يوضح أسباب الثورة والانتفاضة والبيان رقم 3 صدر للحض على المحافظة على الأخوة المصريين وحسن معاملتهم. والبلاغ رقم 4 القاضي بإغلاق المطارات السورية والموانئ السورية. في تلك الأثناء كان الرئيس جمال يهدد ويتوعد في الإداعة ويحرض الجيش العربي في سورية على الاقتتال زاعماً أن الانتفاضة هي حركة تمرد لبعض الضباط فجاء البلاغ رقم 5 معلنا نجاح الحركة في كل أنحاء سورية وأن الحالة هادئة ولم تقع أية حوادث بفضل تعاون الجيش والشعب في سورية. ثم جاء البيان رقم 6 لمنع استغلال الحركة بعد أن قامت بعض العناصر المؤيدة للسراج بحمل صوره والسير بها في تجمعات صغير في الصالحية . أما البلاغ رقم 7 فقد تضمن منع المظاهرات والتجمعات. وجاء البلاغ رقم 8 ليندد بالمنبوذين المرتزقة. ويهدد بأي محاولة لاستغلال الحركة. وقد توضح لاحقاً الكيفية التي قامت بها الحركة:

  1. تحركت قوات البادية تحت قيادة العقيد حيدر الكزبري من منطقة الضمير على طريق الضمير-دوما-حرستا-دمشق وهدفها استراحة المشير عبد الحكيم عامر في نهاية شارع المرجة وكان هدفها محاصرة مقره والقضاء على أي مقاومة وقامت بالإحاطة بمبنى الأركان ومن ثم قامت قوات البادية بنصب خيامها امام بناء الاركان في ساحة الامويين.
  2. تحرك اللواء المتمركز في قطنا، أقوى لواء في الجيش السوري وهو لواء محمول يضم في تشكيلته الدبابات ومدفعية ميدان ومدفعية مضادة للطائرات بقيادة المقدم مهيب الهنداوي رئيس أركان لواء للإحاطة بمبنى الإذاعة و الهاتف الآلي، وتأمين بعض مداخل دمشق لحماية الحركة من قوى مضادة.
  3. أصدر النحلاوي (مدير مكتب المشير) أمراً بالقبض على الضباط المصريين للحيلولة دون قيامهم بحركة مضادة.
  4. الطيران السوري بقيادة العقيد موفق عصاصة كان على أهبة الاستعداد للقضاء على أي حركة مضادة.

قبل أن تبلغ الوحدات المتحركة دمشق كانت شعبة المخابرات العسكرية قد علمت بالتحرك وأخطرت المشير في استراحته فاتصل باللواء حمال فيصل قائد الجيش وبرؤساء الشُعَب في الأركان ليتوجهوا فوراً إلى مقارهم واتصل بالوزراء العسكريون ليصلوا إلى الأركان بالترتيب وهم طعمة العودة الله، أحمد جنيدي، جادو عز الدين. حوالي الساعة الرابعة صباحاً وصلت دبابات اللواء الأول المتحرك من قطنا لتحيط بدار الإذاعة وبمبنى الأركان وكان معهم عبد الكريم النحلاوي. عند الفجر كانت أول الاتصالات بين الانقلابيين وبين المشير حيث كلف المشير الضابط جاسم علوان قائد اللواء المحاصر في المبنى أن يستفسر عن أهداف الحركة. وعندما قابل النحلاوي أجابه أن حركته تستهدف إجراء الإصلاحات في الجيش والإدارات المدنية وأنه حريص على الوحدة وعلى الاعتراف برئاسة عبد الناصر للجمهورية وبقيادة عبد الحكيم عامر كقائد عام للقوات المسلحة في الإقليمين. وطلب النحلاوي مقابلة المشير عبد الحكيم عامر ليعرض عليه تصوراته حتى يتفقا وتعود القوات إلى الثكنات فطلب عبد الحكيم إبعاد قوات النحلاوي عن الأركان إثباتاً لحسن النية فنفذ النحلاوي ذلك فرجع إلى مسافة قريبة، لكنه طلب بعض الرهائن من عامر كضمان على عدم خيانته أثناء اللقاء فوافق المشير عبد الحكيم وكانت الرهائن التي تسلمها النحلاوي هم اللواء أنور القاضي والعقيد أحمد زكي وهما مصريان.

وحينما دخل النحلاوي وقابل المشير أوضح أن حركته لا تهدف لأي طموح انفصالي وإنما تريد تخفيف عدد الضباط المصريين إضافة إلى إجراء عدد من التنقلات في الجيش، وطلب ترحيل كل من اللواء أنور القاضي، العقيد أحمد علوي، العقيد أحمد زكي، العقيد محمد استنبولي رئيس شعبة المخابرات السورية إلى القاهرة إضافة للوزراء العسكريين السابق ذكرهم. وقد رحل الوزراء فعلاً في الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم واتفق الطرفان على إنهاء حالة العصيان بمجرد إتمام عملية الترحيل. وقد صدر من إذاعة دمشق البلاغ رقم 9 وهذا نصّه: (إن القيادة العربية الثورية للقوات المسلحة تعلن أنها لمست عناصر مخربة انتهازية تريد الإساءة لقوميتنا العربية،فقامت بحركتها المباركة تلبية لرغبة الشعب العربي وآماله وأهدافه وعرضت قضايا الجيش وأهدافه على سيادة المشير نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للجيش والقوات المسلحة الذي تفهم أمور الجيش على حقيقتها واتخذ الإجراءات اللازمة كلها لصالح وحدة القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة. وقد عادت الأمور العسكرية إلى مجراها الطبيعي اعتماداً على ثقتها بحكمة القائد العام للقوات المسلحة وقائد الجيش الأول اللذان يحققان أهداف القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة.)

ولكن بعد فترة قصيرة أصدر النحلاوي البيان رقم 10 في الساعة الخامسة والنصف البيان رقم 9 بعد أن اتضحت مناورة الجانب المصري بعملية إنزال في الساحل السوري ومطار حميميم وهبوط مظلي في مدنية اللاذقية وقضى البيان رقم 10 أن القيادة الثورة العربية للقوات المسلحة تعلن للشعب العربي أنها لدى اتصالها بالمشير عبد الحكيم وعدها بالقضاء على الانتهازيين والمخربين مما دعاهم لإصدار البلاغ رقم 9 ولكن المشير نكث عهده وحرصاً من القيادة الثورية على انتصارات الشعب العربي والقومية العربية تعلن للشعب اعتبار بلاغها رقم 9 لاغياً وهي تعلن أنها وضعت يدها على كافة الأمور وتعاهد الله والوطن على حماية سلامة الأمة وصيانة حقوقها والحفاظ على كرامتها، والقيادة الثورية لها في سعة وعي الشعب أمل بعدم السماح للمأجورين والانتهازيين أن يندسوا بين صفوفه فالحركة من الشعب وإلى الشعب. ثم صدر البلاغ رقن 11 القاضي بمنع التجول الليلي من الساعة السابعة مساءً حتى السادسة صباحاً. وكان مصير المشير غامضاً حتى صدور البلاغ رقم 12 القاضي بمغادرته البلاد إلى القاهرة في الساعة الخامسة والثلث مساءً. وكان أن صدر البلاغ رقم 14 الذي يعلن انضمام حلب إلى الحركة تقديم الولاء لها بالبرقية المرسلة من قائد مركز التدريب في حلب إلى القيادة الثورية والتي كان نصها (نبارك خطواتكم الجبارة ونحن معكم بانتظار أوامركم بغية الخلاص من كل وضع فاسد ونحن مسيطرون على الوضع تماماً) ثم أعلنت قيادة حلب انضمام القوات المختلفة والمدرعات و المغاوير إلى الحركة وكان العمل يجري في أثناء ذلك لإعداد بيان وزاري. ثم صدر البلاغ رقم 15 القاضي بإغلاق الحدود حتى إشعار آخر. ثم صدر البلاغ رقم 16 الذي يتضمن شكر قوات حلب والشعب العربي السوري في حلب. ثم صدر البلاغ رقم 17 القاضي بتكليف الأستاذ مأمون الكزبري بتشكيل وزارة تسند إليها إدارة شؤون البلاد وتضمن البلاغ قبول الدكتور الكزبري التكليف وأنه قد باشر اتصالاته لتشكيل الوزارة. ثم صدر البلاغ رقم 18 القاضي بتخويل رئيس مجلس الوزراء الأستاذ الدكتور مأمون الكزبري سلطة إصدار المراسيم الخاصة بتسمية الوزراء وتشكيل الحكومة. ثم صدر البلاغ رقم 19 القاضي بتخويل مجلس الوزراء إصدار المراسيم التشريعية خلال الفترة الانتقالية شريطة أن تعرض على السلطة التشريعية التي تنبثق عن الشعب بعد إجراء انتخابات حرة في أولى اجتماعاتها.

حكومة بعد الوحدة

وتلا ذلك كله صدور المرسوم رقم 1 القاضي بتشكيل الحكومة الانتقالية وأذيع في ظهر يوم الجمعة في 29 أيلول عام 1961 م على الوجه التالي:

وقد لحق بالوزارة فيما بعد كل من الأستاذ الدكتور مصطفى البارودي وزير دولة للدعاية والأنباء والإذاعة والتلفزيون، والأستاذ سعيد السيّد وزيراً للإصلاح الزراعي. وبدأت الاعترافات تتوالى على سورية بعد صدور مرسوم الحكومة، وأبلغ الأستاذ الدكتور مأمون الكزبري الهيئة العامة للأمم المتحدة بقيام الجمهورية العربية السورية كما أبلغ بذلك الدول الأعضاء وجامعة الدول العربية وأصدرت الحكومة المؤقتة عدة مراسيم أولها وأهمها رفع العلم العربي السوري وإطلاق اسم الجمهورية العربية السورية على الدولة وإعادة العمل بالنشيد الوطني والشعار السوريين والعمل على دستور جديد. كانت الحكومة قد وعدت الشعب على أن تعمل على الانتقال بالبلاد إلى الأوضاع الدستورية خلال مدة أقصاها أربعة أشهر على الأكثر. وقد برّت الحكومة بوعدها، فأُجريت الانتخابات وأُعلن المجلس التأسيسي النيابي وكان رئيس الجمهورية الفائز هو الرئيس ناظم القدسي في ولاية تمتد لخمس سنوات وتسلم معروف الدواليبي رئاسة الحكومة في أقل من أربعة أشهر وقد أعلنت حركة الثامن والعشرين من أيلول أهدافها وشعاراتها لأمة العربية جمعاء وكان نداء القيادة العربية الثورية العليا، وحكومة الجمهورية العربية السورية الموجه إلى كل بلد عربي لتحقيق الوحدة العربية المبنية على أسس سليمة منطلقة من تجربة الوحدة السورية المصرية في سبيل بناء الوحدة العربية السياسية على نحو ترتضيه الشعوب العربية جمعاء لإقامة الكيان العربي الموحد على ركائز وطيدة لا يتسرب إلى أسسها الخلل ولا تزعزعها الأحداث والنوائب. وتبع تلك الأحداث بتاريخ 6/10/1961 م صدور بيان ثورة العهد الجديد الاشتراكية العربية الذي عين الخطوط العامة لسياسة الثورة. فأعيدت للعمال حقوقهم المغتصبة وأعيد العمل بقانون العمل القديم وألغي قانون التأميم والإصلاح الزراعي بقانون جديد يعوض على المتضررين من القانون القديم. وكانت الحكومة الانتقالية تعمل ليل نهار لتقوم ما اعوج وتبني ما انهار في عهد الوحدة... وتعيد لسورية سمتها الأصيلة وعناصر شخصيتها التي استباحها المدعي الوحدة وقد كان الإرث صعباً والتركة كبيرة. صنفت حركة 28 أيلول في عام 1961 في طليعة الأحداث العالمية البارزة في عام 1961 وكانت هذه الحركة حركة وطنية نابعة من صميم الألم الوطني من ظلم الأخ وجور الرفيق وغدر الصديق. إن أهم ما قدمته الحركة هو بث الحياة في كيان سورية مهد الحضارات والإنسان العاقل، صاحب أكبر إنجازات في تاريخ البشرية، وأعادت اللحمة لسورية مع جيرانها العراق والأردن ولبنان الذي خبت أو تكاد حربه الأهلية قبل أن يشعلها عملاء الصهاينة مرة أخرى، ولكنها أيضاً مهدت لتدخل الجيش مجدداً في الحياة العامة بل وأكثر من ذلك فهي قد جعلت من تدخل الجيش أمراً طبيعياً وخاصة في السياسة الخارجية للبلد من خلال ما سمي بمجلس الأمن القومي الذي اعتبر نفسه الآمر الناهي والذي كان المسيطر الفعلي على الأمور في سورية على الرغم من أنف الرئيس ناظم القدسي.

المصادر

حركة القوميين العرب: النشأة - التطور - المصائر: محمد جمال الباروت الناشر: المركز العربي للدراسات الإستراتيجية

www.syrians4ever.com