فهرس |
مهما تنوعت العصور أو تقادمت أو تجددت نجد أن هناك العديد من الأمور العجيبة الثابتة في كل عصر.هذه الأمور الداعية للتفكر هي سنن الله جل و علا في كونه. سنن الله الذي أتقن كلُّ شيءٍ خَلقه, هي السنن الكونية الّتي لا يحيد عنها شيء. نرى بصمات هذه السنن رُؤىً واضحاً و جلياً في كل عصر و كل زمان. من هذه السنن سنة التغيير هي السنة الواضحة و الحتمية في هذا العصر. فالثبات على أمرٍ ما في هذا الكون في أي مجال هو أمرٌ محال و ضرب من الخيال. بناءً على ما تقدم يتسم العصر الذي نعيشه اليوم بالعديد من المتغيرات الطارئة و المستجدة الّتي لم تكن موجودة في العصور السابقة. يتميز عصر اليوم بالعديد من السمات منها التقدم التقني و النمو الهائل في جميع المجالات, من ذلك ظهور علوم جديدة لم تكن موجودة من قبل مثل علوم التكنولوجيا و الحاسوب والوراثة و علوم الفضاء والبرمجة و الإدارة و أنواعها و نظمها و جميع ما يتعلق بعلم الإدارة. و في هذا البحث المتواضع نود أن نسلط الضوء و نوضح مفهوم علم الإدارة ثم نركز على إدارة الوقت موضوع البحث. بادئ ذي بدء نود أن نستعرض المفهوم الدارج والمستخدم لعلم الإدارة بمعناه الاصطلاحي. الإدارة Management أورد معجم مصطلحات العلوم الإدارية الموحدة للدكتور بشير عباس العلاق تعريفاً للإدارة بأنها "فن أو علم توجيه و تسيير و إدارة عمل الآخرين بهدف تحقيق أهداف محددة و هي عملية اجتماعية تترتب عليها المسؤولية من تخطيط و تنظيم أعمال مشروع ما"(336). فمن خلال تعريف الإدارة نجد مدى أهمية تطبيق مفاهيم الإدارة في جميع شؤون حياتنا و بالأخص حينما تشتمل الإدارة على تخطيط و تنظيم و توجيه. و لا يختلف اثنان في أهمية تحديد الإنسان لنفسه أهداف معينه و سعيه لتحقيق هذه الأهداف. فالنجاح و الإبداع لا يُـعتد به إلا إذا تم في حدود الوقت المحدد لتحقيق تلك الأهداف, أي إدارة فعّاله للوقت. لذا وجب علينا مراعاة أن الوقت المحدد لتحقيق هذه الأهداف لا يقل أهمية عن الأهداف. أورد المعجم الوسيط معنى الوقت بأنه "مقدار من الزمن قُـدّر لأمر ما"(1048). و بعد تقديم هذا التعريف كان لابد من وقفة لنا مع حقائق عن الوقت قبل الشروع في تعريف إدارة الوقت. أوضح الدكتور عبدالفتاح دياب أن الفرد منا لا يملك أكثر من 24 ساعة في اليوم. و أننا جميعاً متساوون من حيث كمية الوقت المتاح لنا لكننا نختلف في كيفية إدارته و استخدامه و هنا يبرز الإداري الناجح و الفاشل. فالوقت يتسم من حيث المرونة بالجمود فلا يمكن ادخاره للمستقبل و لا يمكن تعويض ما مضى منه(14). من خلال ما تقدم وجب علينا الاهتمام و الدقة في أهم مورد لنا و هو وقتنا و بالتالي كان لابد من وقفة توضح لنا كيف ندير وقتنا بفعالية. فالإلمام البسيط بإدارة الوقت Time Management و مفهومها و كيفيتها يعود بالفائدة الكبيرة للشخص الـمُلِم بهذا الموضوع و بالأخص مَنْ يقومون بمهام إدارية. ففي هذا البحث المتواضع سوف نستعرض مفهوم إدارة الوقت ثم أهمية إدارة الوقت. بعد ذلك نستعرض مهارات إدارة الوقت و الوسائل المساعدة لتحقيق ذلك. ونختم هذا البحث بتقديمنا مبحثاً يسيراً عن إدارة الوقت من المنظور الإسلامي.
أوضح الجريسي في تعريفه لمفهوم إدارة الوقت أنها لا تنطلق إلى تغييره و لا إلى تعديله بل إلى كيفية استثماره بشكل فعّال و محاولة تقليل الوقت الضائع هدراً دون فائدة أو إنتاج وبالتالي رفع إنتاجية العاملين خلال وقت عملهم المحدد (23). و قد لخص دراكر Drucker كما أوضح الجريسي تعريف إدارة الوقت بقوله "أن إدارة الوقت تعني إدارة الذات و أن المدير الفعّال هو مَنْ يبدأ بالنظر إلى وقته قبل الشروع في مُهماته و أعماله و أن الوقت يُعد من أهم الموارد فإذا لم تتم إدارته فلن يتم إدارة أي شيء آخر"(24). و قد قلنا من قبل أن الوقت يتسم بالجمود فلا يمكن ادخاره أو تعويضه أو تأجيله وبالتالي ندرك اختلافه عن بقية الموارد البشرية و الطبيعية و المادية. لذا من الممكن إيجاز تعريف إدارة الوقت بعبارة أخرى أنه الاستخدام الجيد و الصائب للوقت المحدد و المسموح به لتحقيق غايةٍ ما. تعريف آخر لإدارة الوقت أورده الدكتور الخضيري بأنها "علم و فن الاستخدام الرشيد للوقت, هي علم استثمار الزمن بشكل فعّال, و هي عملية قائمة على التخطيط و التنظيم و المتابعة و التنسيق و التحفيز و الاتصال و هي إدارة لأندر عنصر متاح للمشروع, فإذا لم نُحسن إدارته فإننا لن نُحسن إدارة أي شيء"(17). لذا لا يختلف اثنان على أهمية إدارة الوقت في حياتنا العلمية و العملية. فالوقت قابل للاستغلال و الاستثمار بدون حدود أو قيود و هو كأصل ثمين Asset كما يقول الدكتور الخضيري كان سبباً في تقدم غيرنا اكتسابه المهارات في كيفية إدارة هذا الوقت و عدم هدره (7). إن عدم إدارة الوقت جهلاً أو عمداً هي أحد أسباب تأخر العرب و المسلمين في قضية التنمية اللتي يطرحها كثيرٌ من علماء و مفكري العرب. يقول الدكتور الخضيري أن قضية التنمية هي في الواقع قضية استثمار للوقت فنحن بحاجة إلى نظرية عربية متكاملة لإدارة الوقت لزيادة فعالية المديرين في استغلالهم للوقت و تعميق إحساسهم بالثروة اللتي في أيديهم(12-13). و باختصار يمكن القول إن المدير الفعّال كما وضح الجريسي هو الذي يعلم كيف يستخدم وقته, و يوزعه التوزيع الفعّال على تخطيط الأنشطة المستقبلية(وقت إبداعي), و تحديد الأنشطة اللازمة لأداء تلك الخطط(وقت تحضيري), و الوقت اللازم للقيام بعمل ما(وقت إنتاجي), و وقت للقيام بالمراسلات اليومية و الروتينية (وقت روتيني),(27). و بعد هذا العرض عن أهمية إدارة الوقت, يظهر جلياً لنا أن الإدارة ما هي إلا تحقيق هدف, و تحقيق الهدف يحتاج إلى وقت. فالتخطيط يحتاج إلى وقت و كذلك التنظيم و التوجيه و الرقابة و اتخاذ القرارات و بذلك نرى أن الوقت أحد العناصر الهامة و الأساسية المرتبطة بكل عنصر من عناصر الإدارة, فكل عمل إداري يحتاج إلى وقت و توقيت مناسب و كل وقت يحتاج إلى إدارة و تخطيط, هذه معادلة بسيطة وجب علينا معرفتها و إدراكها و بالأخص القائمين على شؤون الإدارة.
ب -مهارات إدارة الوقت
1-التخطيط
2-التنظيم
3-تحديد الأولويات
4-التوجيه
5 -المتابعة
=== -الوسائل المساعدة في إدارة الوقت === قسّـم علماء الإدارة الوسائل المساعدة على إدارة الوقت قسمان:
مثل الحاسبات الآلية,أجهزة الهاتف ذات المسجل الصوتي, الهاتف الجوال,آلات تصوير المستندات,أجهزة الفاكس و الماسح الضوئي,الانترنت والبريد الالكتروني, المفكرة الالكترونية. كل جهاز من هذه الأجهزة إن أُحسن استخدامه فإنه يفيد و يفعّل عملية إدارة الوقت. فالهاتف قد يجلب للمدير أنباء هامة و قد يكون لص الوقت, وآلة تصوير المستندات توفر تكرار الطبع و الجهد الكتابي أثناء توزيع القرارات الهامة, و كذلك الانترنت و البريد الالكتروني فإنه يساعد على تقريب المسافات و بالتالي تقليص الوقت. أخيراً و ليس آخراً الحاسب الآلي. يتسم الحاسب الآلي بإمكانية القيام بعدة أعمال بشكل سريع و دقيق أكثر مما يقوم به الموظف العادي(الجريسي146). فوسائل الاتصالات هذه سلاح ذو حدين, فهي قد توفر الكثير من الوقت و قد تكون عائقاً لإدارة الوقت كالاتصالات الكثيرة غير الضرورية . إن هذا الكلام لا يعني انعدام فائدة وسائل الاتصال هذه. ففي دراسة قام بها الوقيان تبين من خلالها عدم استخدام العينة المختارة للأدوات التقنية مقارنة بالدول الأخرى. يقول الوقيان "وتعرضت الدراسة لتنظيم تنفيذ الأنشطة ورتابتها حيث اتضح الاهتمام الكبير للكويتيين بمراقبة مرور الوقت الفيزيائي في أثناء تنفيذ الأنشطة باستخدام الساعات الخاصة التي يمتلكها الغالبية, أو بمراقبة ثلاثة أرباع العينة للوقت من خلال ساعات الحائط. وتبين كذلك أن تنظيم الكويتيين لوقتهم هو تنظيم عام يعتمد بدرجة كبيرة على الذاكرة والتخطيط العقلي بدلا من التخطيط الرسمي المكتوب ويفتقر إلى الدقة الملحوظة في التنظيم بالساعات, وتحديد مواعيد بداية النشاط ونهايته كما هو ممارس في مفكرات تنظيم الوقت الشائعة بين مواطني الدول الصناعية"(324). لذا توضح هذه الدراسة أهمية عنصر التخطيط و أهمية استخدام هذه الوسائل في إدارة الوقت لكن من غير إفراط و لا تفريط.
مثل الاعتماد على السكرتير في تنفيذ بعض المهام, و إعداد مفكرة مكتبية يومية أو أسبوعية, الذاكرة الشخصية للمدير و تطبيق التفويض. التفويض Delegation كما يرى عليوي و سمير سعيد هو "العملية اللتي يعهد بها الرئيس الإداري بعض اختصاصاته اللتي يستمدها من القانون إلى أحد مرؤوسيه"(34). فمزايا التفويض عديدة منها كما أوضح الدكتور عبدالفتاح, زيادة الفاعلية في العمل,و إعطاء المدير وقتاً للتركيز على المهام الكبرى و تحقيق السرعة و المرونة و توفير الوقت(78). إلا إنه ينبغي التأكيد على أن التفويض الإداري –كما قال عليوي و سمير سعيد-قد لا ينجح إذا لم يُـعد إعداداً سليماً, بل على العكس قد يثير الفوضى و الإرباك في العمل الإداري(42). و بالتالي نرى أن التفويض مثل الوسائل التقنية سلاح ذو حدين مع إدارة الوقت و بالتالي وجب الاستخدام السليم له. أورد أليكساندر أن باري جليك رئيس مجلس إدارة شركات Almost Heaven بفرجينيا قال إن الأدوات الأكثر فاعلية في إدارة وقته هو التفويض و حجب المكالمات الهاتفية غير الضرورية(21). ولا تقتصر إدارة الوقت على مفهوم مرور الزمن بل يعتمد أيضا على آفاق الوقت (Time Horizon) الذي يعيشه الانسان. وأورد الوقيان كخلاصة لبحثه أن نتائج تحليل مقياس المجال الزمني تشير إلى " أن الكويتيين يفضلون عموما الأحوال المعيشية في الوقت الحاضر، يليه الوقت الماضي يأتي أخيرا الوقت في المستقبل" كما تبين أن "الكويتيين ليس لهم منهج واحدا في قضاء أنشطتهم في حيز الوقت، ويعتبرون مزيجا من "الأحاديين Monochronic" وهم من يفضلون القيام بعمل واحد فقط في كل حيز زمني، و"المتعددين Polychronic" وهم يفضلون قضاء عدة أعمال في نفس الوقت أو يرغبون في العمل الجماعي لتوفير الوقت (Hall 1983)".
الوقت من أصول و أهم النعم اللتي أنعم الله بها علينا. و لأهمية الوقت في القران الكريم ورد ذكره عدة مرات فقد أقسم الله بالوقت قال تعالى ﴿وَالَّليْلِ إِذَا يَغْشَى وَ النَّهَارِ إِذَا تَّجْلَّى﴾ و قال أيضاً ﴿وَاَلعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾, أورد الجريسي قولاً للعلامة يوسف القرضاوي أنه من المعروف لدى المفسرين, أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه, فذلك ليلفت أنظارهم إليه و ينبههم على جليل منفعته(31). و يقول المصطفى عليه الصلاة و السلام (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ), يقول الجريسي "فمن صح بدنه و تفرّغ من الأشغال الشاقة و لم يسعى لاستثمار هذه الصحة و الفراغ لتحقيق أهدافه اللتي تعينه على الدنيا و الآخرة و تـرقى به إلى مدارج الفائزين فهو كالمغبون تماماً"(63). هاتان النعمتان من أعظم نعم الله على عباده أورد رسولنا عليه الصلاة و السلام تقسيماً رائعاً للوقت حيث يقول مما رواه عن صحف إبراهيم عليه السلام (على العاقل –ما لم يكن مغلوباً على أمره-أن تكون له ساعات, ساعة يناجي فيها ربه, و ساعة يحاسب فيها نفسه, و ساعة يتفكر فيها في صنع الله, و ساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم و المشرب), أليس هذا هو تنظيم الوقت الذي يتشدق به علماء الإدارة اليوم. ذكر الجريسي أنه في حثه عليه الصلاة و السلام على تنظيم الوقت و عدم إضاعته يقول: في حديث ابن عباس قال : قال رسول الله لرجل وهو يعظه (اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) فقد لخص النبي في هذه الكلمات الموجزة البليغة ما تناوله الباحثون في علم الإدارة في كتب عدة فهو من جوامع الكلم إذ تحدث عن أهمية الوقت والمبادرة إلى استثماره واغتنام قوة الشباب وفرص الفراغ في العمل الصالح المثمر وحذر من خمس معوقات لاستثمار الأوقات كل ذلك في عبارات وجيزة لا تبلغ العشرين كلمة(39). و أورد الجريسي أيضاً في معرضه لقصة يوسف عليه السلام مع عزيز مصر و تأويل رؤياه, من أن ما فعله يوسف في تفسيره لرؤية الملك هو وضع خطة زمنية بإلهام من الله عز وجل لكسب الوقت في سنوات الرخاء بمضاعفة الإنتاج و تخزينه بأسلوب علمي للاستفادة منه في سنوات الجدب(76). أما تحديد الأهداف فيقول الله عز وجل﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدى أمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيِمٍ ﴾ فهنا تبرز أهمية تحديد الهدف(الجريسي78). و التنظيم الهرمي و توزيع المهام فقد أشار إليها القرآن كما وضّح الجريسي قال الله تعالى﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾, أي ليكون كلٌ مسخر لخدمة الآخر في ما يخصه(80). والرسول عليه الصلاة و السلام قد مارس التفويض حينما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن داعياً و أسامة بن زيد قائداً في غزوة مؤتة و الكثير من المهام اللتي كان عليه الصلاة و السلام يوكل إلى صحابته أدائها. يقول الدكتور الخضيري في كتابه الرائع "لكم يدهشني ما وصل إليه حال المدير العربي رغم زخم رصيده من الأحداث اللتي مرّ بها, و من العبر و الحقائق المستمدة من التجارب الممتدة و رغم الحِكم و خلاصات التجارب و تحريض القيم الحميدة اللتي تركها له التراث العربي و الإسلامي الهائل و الذي يجد الباحث فيه مصدراً خصباً لتعاليم إدارة الوقت, من ذلك نصاً من كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبدالله عندما ولاّه المأمون الرقة و مصر (و افرغ من يومك و لا تؤخره لغدك, و أكثر مباشرته بنفسك, فإن لغد أموراً و حوادث تنهيك عن عمل يومك الذي أخرّت, و أعلم أن اليوم الذي مضى ذهب بما فيه, فإذا أخرّت عمله أجتمع عليك عمل يومين, و إذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت بذلك نفسك, و جمعت أمر سلطانك)"(11).
الرياض: مؤسسة الجريسي للتوزيع و الإعلان, 1422هـ.
ايتراك للنشر و التوزيع, 2000م.
الدار العربية للموسوعات, 1983م.
عمّان: مؤسسة زهران, 1997م.
المجلة العربية للعلوم الإدارية مجلد 10 عدد 3 سبتمبر 2003 (307-335).
سلسلة العمل بذكاء. الرياض: مكتبة جرير, 1999م.
القاهرة: دار النشر للجامعات, 1999م.
الكويت: مركز الراشد, 2005م.
القاهرة: المكتبة الإسلامية.
سلسلة التطوير الإداري. الرياض: دار المعرفة للتنمية البشرية, 1421هـ.