إخوان الصفا و خلان الوفا هم جماعة من فلاسفة المسلمين العرب من أهل القرن الثالث الهجري و العاشر الميلادي بالبصرة اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في ذلك العهد فكتبوا في ذلك خمسين مقالة سموها( تحف إخوان الصفا ).وهنالك كتاب آخر ألفه الحكيم المجريطي القرطبي المتوفى سنة(395) هـ وضعه على نمط تحفة إخوان الصفا وسماه (رسائل إخوان الصفا)
تحت تأثير الفكر الإسماعيلي إنبثقت جماعة إخوان الصفا في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري وكانت إهتمامات هذه الجماعة متنوعة وتمتد من العلم و الرياضيات إلى الفلك و السياسة وقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها حتى في الأندلس ويعتبر البعض هذه الرسائل بمثابة موسوعة للعلوم الفلسفية ، كان الهدف المعلن من هذه الحركة "التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس". من الأسماء المشهورة في هذه الحركة كانت أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي ابن هارون الزنجاني [1].
تأثرت رسائل إخوان الصفا بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف ولكنهم لم يتأثروا على الإطلاق بفكر الكندي وإشتركت مع فكر الفارابي و الإسماعيليين في نقطة الأصل السماوي للأنفس وعودتها إلى الله وكان فكرتهم عن منشأ الكون يبدأ من الله ثم إلى العقل ثم إلى النفس ثم إلى المادة الأولى ثم الأجسام و الأفلاك و العناصر والمعادن و النبات و الحيوان فكان نفس الإنسان من وجهة نظرهم جزءا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى البعث الأصغر، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله البعث الأكبر [2]. وكان إخوان الصفا على قناعة إن الهدف المشترك بين الأديان و الفلسفات المختلفة هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان [3].
كانت كتابات إخوان الصفا ولاتزال مصدر خلاف بين علماء الاسلام وشمل الجدل التسائل حول الإنتماء المذهبي للجماعة فالبعض إعتبرهم من أتباع المدرسة المعتزلية والبعض الآخر إعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية وذهب البعض الآخر إلى حد وصفهم بالإلحاد و الزندقة [4] ولكن إخوان الصفا أنفسهم قسموا العضوية في حركتهم إلى 4 مراتب [5]:
فهرس
|
مر العرب في عصر الراشدين انغلاقا على الفلسفة والعلوم، اذ اهتموا بالغزوات حتى جاء العصر الاموي وكما يبدو انه لم يتكيف مع العالم الجديد، حيث كل ما كتب في عهدهم وما بعد انما كانت كتابات بين طرفين كل يمدح نفسه ويسب الآخر، حتى حل العصر العباسي عصر النور والتنوير والمعرفة حيث بدأوا بترجمة الكتب اليونانية المترجمة من السريانية إلى العربية في الطب والفلسفة، فشغفت عناصر كثيرة بالفلسفة اليونانية شغفا عظيما. اذ رعى أبو جعفر المنصور طبقة من المترجمين الذين ساهموا في نقل الميراث الفكري الإغريقي، واستمرت هذه الحركة في عهد هارون الرشيد، وبلغت القمة في عهد المأمون حيث أنشئت دار الحكمة في بغداد. واثر هذا الانفتاح الفكري في شطر من العهد العباسي برز مفكرون مسلمون ساعون إلى التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية، أشهرهم الكندي والفارابي وابن سينا. وتطورت هذه الجهود في البحث الفلسفي لتصير حالاً جماعية تمثّلت في نشوء فرقة عُرفت باسم (إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء)، اشتهرت بتصنيفها مجموعة من الرسائل في مختلف فروع الفلسفة والعلوم الإنسانية. وقد لاقت هذه الرسائل رواجا كبيرا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
الثابت أن إخوان الصفاء ظهروا كما يذكر ابن الطقطقي في كتابه (الفخري في الآداب السلطانية) حين (اضطربت أحوال الخلافة، ولم يبق لها رونق ولا وزارة. تملّك البويهيون، وصارت الوزارة من جهتهم والأعمال إليهم)، وكان البويهيون الذين سيطروا على العراق من الشيعة الذين اتبعوا مذهب الزيدية، وهي من أقرب الفرق إلى آراء مذهب السنّة، ذلك أنها لا ترى حصر الإمامة في سلالة الإمام الحسين بن علي، كما أنها لا تشارك غيرها من الفرق الشيعية في ذم الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، او القدح في الصحابة الذين لم يبايعوا الإمام علي بالخلافة بعد وفاة النبي. لهذا يمكن القول يانهم من المتشيعة، وهم اما من الإسماعيليين او الإثني عشرية والارجح من مذهب الزيدية لان في رسائلهم مسح من الشيعية ولكنهم في ذات الوقت يخرجون عن حدود كافة الفرق الاسلامية في الفكر والمعتقد، اذ لهم فكرهم الانتقائي. وهم يجمعون بين الكثير من المعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية، ويبتغي أصحابهم جمع حكمة كل الأمم والأديان. مذهبهم بحسب تعبيرهم في الرسالة 45 (يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها، وذلك أنه النظر في جميع الموجودات بأسرها، الحسية والعقلية، من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليها وخفيها، بعين الحقيقة، من حيث هي كلها مبدأ واحد، وعلة واحدة، وعالم واحد). وتبرز هذه النظرة الانتقائية التوفيقية بشكل خاص في تحديد الإخوان لمزايا الإنسان الكامل، وقد وجدوه في (العالم الخبير الفاضل، الذكي المستبصر، الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة، الصوفي السيرة كما في الرسالة 22).
كانت غاية اخوان الصفا التقريب بين الدين والفلسفة، في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين والفلسفة لايتفقان كما قيل (من تمنطق فقد تزندق)، لهذا فهم يعرفون الفيلسوف على أنه الحكيم، وأن الفلسفة هي التشبُّه بالإله على قدر الطاقة البشرية، وبالاستشهاد بأقوال الفلاسفة، كسقراط وأرسطوطاليس وأفلاطون وفيثاغوراس وغيرهم، التي تصبُّ في نهر الحكمة الواحد الدافق، بما يتوافق مع أقوال الأنبياء كافة، التي استهانت بأمر الجسد ودَعَتْ إلى خلاص النفس من أسْر الطبيعة وبحر الهيولى بالعلوم وأولها علم الإنسان بنفسه، ثم علمه بحقائق الأشياء. وقد أكدوا أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، لا ينبغي التوقف عندها، بل الترقِّي في سلَّم الصعود إلى الحالة الأخيرة الملكية، وهذا ما يقولون (هل لك، يا أخي، أن تصنع ما عمل فيه القوم كي يُنفَخ فيك الروح، فيذهب عنك اللوم، حتى لا ترى إلا يسوع عن ميمنة عرش الربِّ قد قرَّب مثواه كما يُقرَّب ابن الأب، أو ترى مَن حوله من الناظرين. أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن حتى ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريحون. أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك يحيكها أفلاطون وإنما هي أفلاك روحانية، لا ما يشير إليه المنجِّمون) وذلك أن علم الله محيط بما يحوي العقل من المعقولات، والعقل محيط بما تحوي النفس من الصور، والنفس محيطة بما تحوي الطبيعة من الكائنات، والطبيعة محيطة بما تحوي الهيولى من المصنوعات، فإذا هي أفلاك روحانية محيطات بعضها ببعض.
اخوان الصفا عملوا في الخفاء، لعل ابن المقفع كان واحدا منهم ففي (كليلة ودمنة)، حيث يتوجه دبشليم الملك بالكلام لبيدبا الفيلسوف في مطلع قصة (الحمامة المطوقة) يقول له (حدثني، إن رأيت، عن إخوان الصفاء كيف يبدأ تواصلهم ويستمع بعضهم ببعض). فيجيب الفيلسوف (إن العاقل لا يعدل بالإخوان شيئا، فالإخوان هم الأعوان على الخير كله، والمؤاسون عند ما ينوب من المكروه). احتار الباحثون في كل العصور في قضية من هم اخوان الصفا لهذا لجأوا إلى الحدس والتخمين في معرفة محرروا تلك الرسائل المجهولة التوقيع، يكشف أبو حيان التوحيدي أسماء خمسة من مؤلفي هذه الرسائل في كتابه (الإمتاع والمؤانسة). الكتاب الذي يضم مسامرات سبع وثلاثين ليلة أمضاها التوحيدي في منادمة الوزير أبي عبد الله العارض. ويأتي ذكر إخوان الصفا في الليلة السابعة عشرة حيث يسأل الوزير عن زيد بن رفاعة وعن مذهبه، ويجيب الكاتب (هناك ذكاءٌ غالبٌ، وذهنٌ وقادٌ، ويقظةٌ حاضرة، وسوانح متناصرة، ومتسعٌ في فنون النظم والنثر، مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة، وحفظ أيام الناس، وسماعٍ للمقالات، وتبصرٍ في الآراء والديانات، وتصرفٍ في كل فنٍ) ثم يقول (وقد أقام بالبصرة زماناً طويلاً، وصادف بها جماعةً لأصناف العلم وأنواع الصناعة؛ منهم أبو سليمان محمد بن معشر البيستي، ويعرف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني والعوفي وغيرهم، فصحبهم وخدمهم؛ وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته، وذلك أنهم قالوا: الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات؛ ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفلة، وذلك لأنها حاويةٌ للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية).
وضع إخوان الصفاء مراتبا في تنظيماتهم، المرتبة الاولى مرتبة (ذوي الصنائع) من الشبان الذين أتموا الخامسة عشرة ويُدْعَوْن (الأبرار الرحماء) وتتمثل في (ورود القوة العاقلة المميِّزة لمعاني المحسوسات على القوة الناطقة). المرتبة الثانية مرتبة (الرؤساء ذوي السياسات)؛ وعُرِفوا بالحكمة والعقل الذين أتموا الثلاثين ويُدعون (الأخيار الفضلاء) وتتمثل في (ورود القوة الحكمية على القوة العاقلة). المرتبة الثاثة مرتبة (الملوك ذوي السلطان)؛ وعُرِفوا بالقيام بحفظ الناموس الإلهي؛ ويُدعون (الفضلاء الكرام) تبدأ بـ (ورود القوة الناموسية على النفس)؛ وهم ممَّن أتموا الأربعين.اما المرتبة الاخير فهي المرتبة العليا وهم ممَّن أتموا الخمسين، وتشبَّهوا بالملائكة، بقبول التأييد ومشاهدة الحقِّ عيانًا تبدأ بـ (ورود القوة الملكية).
اعتُمِدَ إخوان الصفاء التقيَّة في تنظيمهم هو المبدأ الذي اعتمده الشيعة في فترات عديدة، لتفويت الفرصة على العدوِّ المتربِّص بهم لأنهم أدركوا سلطان الدولة العباسية وخطر أية مواجهة للسلطة، وهكذا ساعدت التقيَّة على رواج رسائلهم واستمرار فكرهم لقرون عديدة، وبقائه كمنهل ثرٍّ لكلِّ الفلاسفة الذين أتوا بعدهم، كابن سينا والفارابي والسجستاني والكرماني وناصر خسرو ونصير الدين الطوسي وغيرهم. كان على المرشد أو الداعي ان يتحلِّى بمجموعة من الصفات (أن يكون أبًا شفيقًا، وطبيبًا رفيقًا، لا نزقًا ولا خرقًا ولا منحرفًا ولا متجبرًا ولا متكبرًا ولا متغيرًا، ولا يحمِّل أحدًا فوق طاقته، ولا يكلِّفه فوق وسعه، يبرز لمريديه بروز النفس الكلِّية للنفس الجزئية، في جليل هيبته وجميل هيئته..الخ). يقول عبد الحميد الكاتب ان اغلب فكر (اخوان الصفا) مستمد من الفكر الصابئي لان الفكر الصابئي كان متداولا في العهد العباسي والاموي من خلال جهابذة العلم والادب الصابئة من امثال ثابت بن قرة وابو اسحاق الصابئي وغيرهم. فقد ذكر المؤرخون كما جاء في كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت والذي كان قد برز من بين اقرانه، واصبح من أخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، او من كان حكيما كاملا في أجزاء علوم الحكمة. الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي ) المندائية، والتي تعني المتبحر.
حركة اخوان الصفا كانت انعطافا انسانيا حدث على ارض العراق، اذ رغم الانكسارات التي حلت به فهو الاول في العالم في استنباط العجلة والقوانين والمدينة الحكومة ثم الكتابة المسمارية وهي أول كتابة لاصورية وبها بدأ تسجيل التاريخ. وفي بغداد كانت الثورة الاولى في العالم في الطب واما حركة اخوان الصفا فقد جائت اندفاعا للفلسفة اليونانية والفكر الحر, كانت احدى دفعات العراق للتاريخ.