الفصل الثالث والثلاثون | مغامرات حاجي بابا الإصفهاني الفصل الرابع والثلاثون. حاجي بابا بصفته الرسمية يجسد الاستبداد الفارسي المؤلف: جيمس موريير المترجم: ( • م) |
الفصل الخامس والثلاثون |
الفصل الرابع والثلاثون. حاجي بابا بصفته الرسمية يجسد الاستبداد الفارسي
مضى الشاه ببطء نحو سليمانية، وأخيراً، وبعد مسير أربعة عشر يوماً، نزل في القصر الصيفي في ساعة السعد التي حددها المنجمون لوصوله إليه، والذي بني مؤخراً لإقامته. كان القصر واقعاً في رأس تل على مقربة من آثار المدينة القديمة، يطل على السهل الذي كانت تغطيه الآن خيم المعسكر البيضاء. كان المشهد رائعاً، وشعرت بأهمية منصب النسقجي تملأ صدري حين قارنت وضعي الحالي مع حالتي البائسة التعيسة في خيم التركمان، وقلت لنفسي: «لقد أصبحت شخصية الآن، فقد كنت في السابق من المضروبين فأصبحت من الضاربين، وهذا مثال على اسم الفاعل واسم المفعول، ما حاول معلمي العجوز، الملا من إصفهان، أن يفهمني إياه وهو يحاول تعليمي بعضاً من اللغة العربية: فقد صرت اسم الفاعل، وباقي الشعب اسم المفعول أمامي، وبإذن الله سيعرف الناس قريباً حسن معاملتي لهم.»
وبينما أنا منهمك في هذه الأفكار، اقترب مني شير علي وقال: «حظنا سعيد: سترافقني في مهمة، وإن شاء الله ننفذها على أكمل وجه. اعلم أن المؤن لمعسكر الشاه تقدمها في معظمها القرى المجاورة، وتبين أن قرية كج سوار الواقعة بين سليمانية وحمدان لم ترسل حصتها بحجة أن أحد الأمراء مع حاشيته كان فيها في رحلة صيد ومكث فيها عدة أيام فأكلوا كل مؤنها، فأُمِرتُ أن أذهب إلى القرية للتحقيق في الأمر ولإحضار مختارها وأعيانها أمام رئيسنا. وبما أنك صديقي، أخذت إذناً بمرافقتك لي مع أن بعض زملائنا اشتكوا أن المهمة كانت من نصيبهم. فاستعد للرحيل معي بعد صلاة المغرب، إذ أنني أنوي الوصول إلى القرية في صباح الغد.»
سررت للغاية لسرعة تكليفي بمهمة عمل، ومع أنني لم أكن أعرف تفاصيل خطة شير علي، خمنت أن هناك ميداناً واسعاً لتطبيق بديهتنا وذكائنا حسب الظروف التي نكتشفها ونستغلها. وقلت لنفسي: «سيكون نجمنا في نحوس لو أن ذلك الأمير لم يترك لنا شيئاً نلتقطه من القرية. قال أحد الشعراء يوماً أن أسوأ بطيخة لها قشرها، وأن الحاكم المستبد، حتى لو أمر بنتف لحية أحد رعاياه يبقي له ذقنه الذي كانت تنمو عليه.» وبهذه الأفكار ذهبت إلى حصاني الذي كان مربوطاً مع خيل النسقجية الآخرين بالقرب من خيامنا وجهزته للسفر، فخطر على بالي وجه شبهه بي، فقلت وأنا أحل الحبال التي تربط رأسه وقوائمه: «الآن تستطيع أن تقفز وتلعب وتتشيطن كما شئت.» وفكرت في قلبي أن هذه هي حال الفارسي متى زال عنه الخوف من سيده.
تركنا المعسكر بعد مغيب الشمس يرافقنا ولد يجلس على بغل محمل بأفرشتنا وأغراض خيلنا. منذ أصبحت جندياً أضفت لفظة البيك إلى اسمي. ولكي أضفي مزيداً من الأهمية لنفسي في هذه الرحلة استعرت سلسلة فضية لحصاني وطبنجةً مطعمةً بالفضة من أحد زملائي ووعدته بأن أحضر له هدية في حال توفقنا في غنائمنا.
سافرنا طوال الليل وتوقفنا للنوم ساعتين فقط في قرية كانت في طريقنا ووصلنا إلى كج سوار عندما كانت النسوة تخرج الأبقار من اصطبلاتها والرجال يدخنون غلايينهم قبل الذهاب للعمل في الحقول. وحالما رأوا أننا متوجهون نحو القرية حدثت بينهم جلبة كبيرة، فسكتت النسوة وسترن وجوههن ونهض الرجال من مقاعدهم. أتمنى لو رأى القارئ وجه شير علي بيك ووضعة جسده ونحن نقترب من القوم. نفخ نفسه ليبدو وكأنه نسقجي باشي بعينه، وطلب بصوت يوحي بالسلطة مختار القرية أمامه. تقدم نحونا رجل شائب اللحية متواضع الخلقة رث الملبس وقال: «السلام عليكم يا آغا! أنا المختار، وأنا في خدمتك. أسعد الله خطاك وأطال ظلك!» ثم سمى بالله وساعدنا القوم على الترجل عن خيلنا، واحدهم يمسك رأس الحصان وآخر الركاب وثالث يضع يده تحت إبط الفارس فترجلنا ونحن نظهر قيمتنا ونفوذنا وكأننا من رجال البلاط. فرشوا لنا سجادة صغيرة عند باب بيت المختار وأجلسونا عليها يتبعنا كل رجال القرية تقريباً وبقينا جالسين هناك بينما جرى ترتيب غرفة في البيت. نزع المختار أحذيتنا بيده ونفذ كل مراسم الكياسة وحسن الأدب والضيافة المتعارف عليها عند قدوم الضيوف. وكان شير علي يتلقى كل هذا كمن يعتبر نفسه أهلاً لهذه المعاملة، وبعد أن أخذ عدة أنفاس من غليونه قال لمضيفنا: «اعلم يا مختار كج سوار أنني هنا بأمر من الشاه، وأكرر: بأمر من الشاه، وأتيت لأستفهم لماذا لم ترسل هذه القرية حصتها من المؤن لبلاط الشاه في سلطانية وفق الفرمان الصادر منذ شهرين والمبلغ إليك من قبل حاكم حمدان؟ أعطني الجواب وحافظ على بياض وجهك إن استطعت.»
فأجاب المختار: «حاضر، على عيني. سأقول لك ما قلته لمن جاؤوا قبلك، ويشهد جميع الحاضرين (وأشار إلى أبناء قريته) بأنه الحق، وأعماني الله إن كنت أكذب! اسمح لي يا نسقجي أن أقول لك أنك، والبركة بالله، رجل، أنت رجل حكيم وذكي وحاد البصر والبصيرة، وأنت مسلم تخاف الله. لن أقول إلا الحق لا أزيد عليه ولا أنقص منه شيئاً، وأحكي لك ما وقع لتحكم عليه بنفسك.»
فقال شير علي: «طيب، تابع. أنا خادم الشاه، وما يراه الشاه عليك به.»
فأجاب المختار: «أنت سيدي، وأتوسل إليك أن تعطي أذنك لما أحكيه. منذ نحو ثلاثة أشهر، حين بلغ ارتفاع القمح ذراعاً وكانت الغنم تثغو في السهول، جاءنا خادم الأمير خراب قولي ميرزا يعلن أن سيده سيحل على القرية في اليوم التالي ليصيد في الحقول المحيطة بها، فهي تزخر بالغزلان والأيائل والحجل والحبارى وغيرها من ألوان الصيد. وأمر بتجهيز أفضل البيوت لاستقباله وحاشيته وإجلاء ساكنيها وأمر بتحضير المؤن بكل أنواعها. وحالما سمعنا بذلك عم الذعر قلوبنا، وعندما رأينا أن الرسول لا يجدي معه الإقناع ولا الرشاوى لتجنب الكارثة وحمله على الذهاب إلى قرية أخرى، تركنا بيوتنا ولجأنا إلى الجبال ريثما تمضى أيام الشؤم. لو رأيتنا ونحن مجبورون على ترك كل ما نملك في هذه الدنيا لانقلب لبك وتحول كبدك إلى ماء.»
فهتف شير علي: «ماذا تقصد؟ تهجرون قرى الشاه خراباً وتريدونني أن أشفق عليكم؟ لو عرف الشاه بذلك لأمر بإعدامكم جميعاً.»
فقال العجوز: «أتوسل بالله عليك أن تسمع قصتي حتى نهايتها وأن يلين قلبك لنا. حمّلنا دوابنا في الليل بكل ما يمكن حمله وتوجهنا إلى الجبال حيث مكثنا في وادٍ قرب جدول ماء، ولم يبق في القرية إلا ثلاث عجائز والقطط.»
فقال صاحبي: «أتسمع ما يقوله يا حاجي؟ أخذوا معهم كل ما غلا ثمنه ولم يتركوا للأمير إلا الجدران الجرداء والعجائز!» ثم التفت إلى المختار وأمره بالمتابعة.
فتابع العجوز: «كنا نرسل عيوننا بين حين وآخر لنعرف ما يجري في بيوتنا، وكان مأوانا بين الأجراف والصخور في الجبال. وصل الأمير ورجاله في ظهر اليوم التالي وعندما رأوا أننا هربنا ثار غضبهم. مشى خدم الشاه من بيت إلى بيت يخلعون أبوابها، ولم يردعهم شيء إلا إحدى العجائز التي استطاعت أن تنهض من مضجعها ونزلت فيهم توبيخاً فلم يجرؤ أحد منهم على مواجهتها. أرسل الأمير إلى بلدة مجاورة لإحضار المؤن ونزل في بيتي. وأينما وجد خدمه حنطة أو شعيراً استولوا عليها، وحرقوا أدوات الفلاحة في المواقد، وبعد أن انتهت حرقوا الأبواب والشبابيك، ثم دعامات بيوتنا وعوارضها. أطلقوا خيولهم في حقول القمح وقطعوا ما بقي منه وحملوه معهم. إننا مفلسون تماماً، لم يبق لدينا نقود ولا ملابس ولا دواب ولا بيوت ولا مؤن، ولا ملجأ لنا إلا الله وأنتم.»
وهنا فقز شير علي من مقعده وأمسك القروي من لحيته وقال: «ألا تخجل يا عجوز، مع كل هذا الشيب، من هذا الكذب السافر؟ ألم تقل من لحظة أنكم حملتم إلى الجبال ما غلا ثمنه وتزعم الآن أنكم مفلسون. هذا لا يجوز! لم نسافر إلى قريتكم لتطعمنا أكاذيبك القذرة. إذا ظننت أننا أحضرنا لحانا إلى السوق لتضحك عليها فقد أخطأت التقدير. أنت لا تعرف شير علي بعد: إننا رجال ننام فنغمض عيناً ونترك عيننا الأخرى مفتوحة؛ لا يسرق ثعلب شيئاً إلا وعلمنا بذلك. إن كنت قطاً، فنحن آباء كل القطط. ولكي تخدعنا يجب أن تكون لحيتك أطول بكثير وأن ترى من الدنيا أكثر بكثير.»
فقال المختار: «حاشى الله أن أفكر بالكذب عليكم، فمن أنا لأجرؤ على ذلك؟ نحن رعايا الشاه، وكل ما نملكه فهو للشاه. ولكننا سُرِقنا وسُلِخنا من جلودنا. تفضل، اذهب إلى حقولنا وإلى مخازننا وصوامعنا: ليس عندنا قمح لا في البيوت ولا في الحقول.»
فردّ شير علي: «طيب، ليس لدينا إلا كلمة واحدة نقولها: أوامر الشاه يجب تنفيذها، سواء كنتم بجلد أو بلا جلد، أكان عندكم قمح أم لم يكن. إما تقدمون حصتكم نقداً أو عيناً أو نأخذك وأعيان القرية معنا إلى سلطانية وهناك نسلمكم للسلطات المعنية.»
بعد هذه الكلمات اجتمع المختار مع أعيان القرية في قرنة من الغرفة وشرعوا يتشاورون ويتوشوشون وتركونا جالسين ملفوفين بهيبتنا ندخن الغليون ونظهر اللامبالاة التامة.
وعندما خرجوا بنتيجة من اجتماعهم غيروا تكتيك هجومهم، فتوجه مختار القرية إليّ أملاً بأن يليّن قلبي، واقترب شيخ آخر من شير علي بيك. قاربني المختار بكل مظاهر المحبة والصداقة وبدأ، كالمتعاد، بالتملق. حسب كلامه، كنت خير مخلوقات الله وحلف أنني أثرت مشاعر المحبة في قلبه وفي قلوب سائر سكان القرية، وأنني الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يخلصهم من مصاعبهم. وطوال حديثه لم أحرك ساكناً وبقيت أعبث بالغليون، ولكن عندما انتقل إلى التفاصيل وتحدث عما يمكن أن نحصل عليه أثار اهتمامي أكثر. قال لي أنهم تشاوروا حول ما يجب فعله وتوافقوا على أمر واحد، وهو أنه من المستحيل أن يرسلوا للشاه ما لا يملكونه وما ليس بين يديهم، فهذا أمر لا نقاش فيه؛ ولكن لو استطاعوا أن يعرضوا علينا شيئاً على أن نحمي مصالحهم فهم مستعدون لبذله.
فقلت: «كلامك جميل، ولكني لست الشخص الوحيد الذي يتوقف الأمر عليه. نحن هنا اثنان، ولكن لا تنس أن علينا أن نرضي رئيسنا أيضاً، وإن لم تبدأ به سيضيع جهدك هباء. وأقول لك أنك لو أردت تسمين يده فعليك أن تزن سمنك بالماعون[1] لا بالمثقال.»
فقال المختار: «سنبذل كل ما لدينا، ولكن جباية الضرائب الأخيرة سلبتنا من كل شيء عدا نسائنا وأولادنا.»
فقلت: «أخبرك يا صديقي، إذا لم يكن عندك نقود فأي تقدمة أخرى لا تنفع. بالنقود في يدك تشتري تاج الشاه من على رأسه، أما بدونها فلا يمكن أن أعدك إلا بفلقة لا مثيل لها.»
فتنهد المختار: «آخ، النقود، النقود! من أين نحصل عليها؟ إذا صدف أن حصلت إحدى نسائنا على قطعة منها حفرت فيها ثقباً وأضافتها إلى عقدها. أما نحن، فإذا جمعنا بعد حياة كد وتعب خمسين توماناً نطمرها في الأرض ونقلق عليها أكثر من لو حصلنا على جبل النور.[2] ثم اقترب ليضع فمه قرب أذني وهمس فيها بحرارة: «أنت مسلم ولست حماراً، وتدرك أننا لن نذهب إلى فم الأسد إذا استطعنا الهروب منه. قل لي (وأشار إلى صاحبي) ما هو المبلغ الذي يرضيه؟ هل أعرض عليه خمسة تومانات وسروالاً قرمزياً؟»
فأجبت: «وما أدراني ما يرضيه؟ ما أستطيع أن أقوله عنه أنه لا يوجد في قلبه حبة من العطف. اجعل الخمسة تومانات عشرة واجعل السروال معطفاً، وسأحاول إقناعه بقبولها.»
فقال العجوز: «هذا أكثر مما نتحمل، فكل قريتنا لا تسوى هذا المبلغ. دعه يرضى بخمسة تومانات والسروال، ولن نتركك إلا راضياً ونقدم لك هدية تذهلك.»
انتهت محادثاتنا عند هذه النقطة، وكنت أتوق لأعرف ماذا عرضوا على شريكي، وهو الآخر كان ينتظر بفارغ الصبر ليسمع نتيجة تهامسنا مع المختار. فتبين لنا أنا كلا الشيخين حاولا أن يعرفا من الواحد منا ثمن الآخر. أكدت لشير علي أنني وصفته لهم بأنه أكبر بوتقة في بلاد فارس وقلت أنه يستطيع أن يهضم من الذهب أكثر مما تهضمه النعامة من حديد، ولا يكترث بالآحاد بل يأبى أن يأخذ إلا بالعشرات.
فأجاب شير علي: «عافاك الله! أما أنا فقلت لمن ساومني أنك، ورغم مظهرك الهادئ وصمتك وهدوئك لا تتورع عن اقتراف أية فظيعة لو لم يدفعوا لك مبلغاً سخياً.»
وأخيراً، وبعد مضي وقت، جاء القوم ثانيةً يرأسهم المختار يحملون ضيافة من التفاح والأجاص وجرة عسل وجبناً، وطلب المختار من زميلي قبول هذه التقدمة بعبارات متعارف عليها في مثل هذه المناسبات. وبعد أن وضعت هذه الأغراض أمامنا عرض المختار بصوت خافت خمسة تومانات وسروالاً وتحدث عن شقائهم وفقرهم وبؤسهم بعبارات من شأنها أن يلين لها صدر أي إنسان عدا شير علي.
اتفقنا في الحال على رفض التقدمة وأمرنا بأن ترفع من أمامنا. أثار كلامنا رعباً في قلوب هؤلاء المساكين فانصرفوا مع صواني الفواكه وغيرها على رؤوسهم بخطوات صغيرة بطيئة.
ثم عادوا بعد نحو نصف ساعة، وقد تأكد المختار من أنهم لو عادوا ومعهم عشرة تومانات ومعطف فإننا سنقبل تقدمتهم. وبعد أن أكلنا ووضع شير علي العشرة تومانات في جيبه ولف معطفه بدأت أنتظر ما هي هديتي التي من شأنها أن تذهلني، ولكنهم لم يقدموا لي شيئاً رغم أنني غمزت المختار مراراً ورد المختار على إيماءاتي بمثلها.
وأخيراً فرغ صبري فقلت له: «أين هي؟ وما هي؟ وكم هي؟»
فأجاب: «سنحضرها حالاً، أرجو منك قليلاً من الصبر، فلم تجهز بعد.»
وفي النهاية أحضروا في موكب مهيب السروال الذي رفضه شير علي على صينية وقدموه لي لأقبله مرفقاً بسيل من الكلمات الطيبة.
فصرخت: «ما هذا؟ هل تعرفون يا قليلي الحياء أنني جلاد، وأستطيع أن أحرق آباءكم وأطعمكم من البؤس والشقاء أكثر مما ذقتم في حياتكم؟ كيف تقدمون لي هذا السروال الخسيس؟ أتجرؤون أن تقدموه لي بعد أن لبسه أسلافكم الحقراء أباً عن جد؟ أتعتقدون أنكم تمنّون عليّ به؟ إنكم حمقى إذ تظنون أنني سأذود عن مصالحكم وأناصر قضيتكم مقابل هذه الخرقة القذرة البالية! خذوه من وجهي وإلا أريتكم ما يمكن أن يفعله النسقجي!»
هموا بتنفيذ أمري فوراً فأوقفهم شير علي قائلاً: «دعوني أنظر إلى السروال.» وفحصه بوضعه بين عينيه والشمس وكأنه تاجر ملابس مستعملة وأضاف: «إنه ليس سيئاً، فلا عيب فيه. أقبله شاكراً، بارك الله بكم!»
بدا الذهول على وجوه الجميع، ولم يجرؤ أحد على الاعتراض، وهكذا خسرت حتى هذا البقشيش الهزيل الذي كان يمكن أن أحصل عليه بعد أن توقعت أن أجني منافع عظيمة، واكتسبت تجربة ثمينة في التعامل مع أبناء وطني، وعلاوة على ذلك، كيف أثق بمن يسمي نفسه صديقي.