الرئيسيةبحث

مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/30

مغامرات حاجي بابا الإصفهاني الفصل الثلاثون. حاجي بابا يصبح غريم الشاه نفسه ويفقد معشوقته
المؤلف: جيمس موريير
المترجم: (م)


الفصل الثلاثون. حاجي بابا يصبح غريم الشاه نفسه ويفقد معشوقته

لم يشكل الجدار الذي اختبأت وراءه عائقاً بيننا، وما كدت أحكي لها عن آلامي وشقائي وتعاستي حتى نبهتني إلى الخطر المحدق بنا بسبب لقائنا، وأوضحت أن لقاءنا هذا يجب أن يكون الأخير، فبما أنها صارت من حريم الشاه سيكون الموت مصيرنا لو ضبطونا معاً. كنت أتوق إلى سماع تفاصيل زيارة الشاه لأندرون الطبيب وكيف طلبها لنفسه، وماذا سيكون مصيرها الآن، ولكن بكائي ونشيجي خنقا السؤال في حلقي. وبدا أن زينب لم تتأثر بفراقنا مثلي إما لأنها كانت مبهورة بمستقبلها في قصر الشاه أو لأنها باتت مقهورة بما عانت منه بين حريم الحكيم، فلم تستجب بقوة الانفعال التي كنت أتوقعها منها.

اصطفاف الجواري أمام الشاه.

وحكت لي أن الشاه، حين دخل الأندرون، استقبلته جوقة من المغنيات تنشدن أغاني المديح له على وقع الدفوف، ومتى جلس في الصالة الكبيرة أكرم على الخانم بأن سمح لها بتقبيل ركبته. وفُرِش الطريق أمامه بالحرير المطرز، وحالما مرت أقدام الشاه فوقه استولى الطواشية على قطع الحرير وتقاسموا هذا البقشيش بين بعضهم. وكانت رئيسة المراسم الملكية موجودة، وقدمت للشاه هدية الخانم، وكانت على صينية من الفضة، وهي ستة غطاءات رأس طرزتها السيدة بيديها، وستة غطاءات صدر من الشال تلبس في أيام البرد فوق القميص، وسروالان من الشال الكشميري وثلاثة قمصان حرير وستة أزواج من الجوارب حاكتها نساء بيت الطبيب. قبل جلالته الهدية وفاض لسانه بالثناء والمديح بمهارة السيدة وبراعتها، واصطفت النساء في صفين على جانبيه. وقالت زينب: «أما أنا فوضعوني في النسق الأخير إمعاناً في إهانتي، حتى دون نور جهان الأمة الزنجية. وليتك ترى ما بذلته كل واحدة منا من جهد لجذب انتباه الشاه، حتى ليلى العجوز! فالبعض أظهرن الخجل والحشمة، والبعض الآخر الجرأة وبحلقن في وجه الشاه. وبعد أن تأمل كل واحدة توقف أمامي وتسمرت عيناه علي، ثم التفت إلى الطبيب وقال: ”ما هذا؟ إنها بضاعة متميزة. أقسم بتاج الشاه، إنها حيوانة لذيذة! ما شاء الله يا حكيم! ذوقك رفيع: وجه القمر وعين المها وخصر السرو، فقد اجتمعت فيها كل الخصال.“ وعندها انحنى الطبيب أعمق انحناءة قائلاً: ”حياتي فداك، مع أن الجارية لا تستأهل انتباهكم الكريم، أنا وكل أموالي في يد ملك الملوك فاسمح لي أن أطرحها تقدمةً أمام عرش جلالتك.“ فقال الملك: ”قبول!“ ثم استدعى كبير الطواشية وأمره بأن أتلقى تدريب «بازيگر»، أي فنانة رقاصة مطربة، وأن تؤمن لي ملابس وغيرها تليق بمهنتي القادمة كي أكون جاهزة للمثول أمامه بعد عودته من رحلة الصيف.»

وأضافت زينب: «آه، لن أنسى نظرات زوجة الطبيب وهي تسمع هذا الكلام. التفتت إلى الشاه وهي غاية في التواضع، وتظهر الإذعان التام لكل ما يقوله، ثم ألقت نظرات علي تعبر عن آلاف الأهواء الغاضبة التي تختلج في صدرها. أما الجورجية فكانت نظراتها زرنيخاً وخناجر، بينما وجه نور جهان البشوش يسطع بالسعادة لحسن حظي. أما أنا فارتميت على الأرض أمام الشاه الذي كان لا يزال ينظر إلي بلطف.

وحالما انصرف جلالته، ليتك ترى التغير الذي طرأ في موقف الخانم نحوي، فلم تعد تسميني ”ابنة الشيطان“ ولا ”البنت الملعونة“، بل أصبحت تناديني ”يا حبي، يا روحي، يا نور عيني، يا قلبي، يا ابنتي ويا كبدي“. وهي من كانت تمنعني من التدخين في حضرتها دعتني لأشاركها نركيلتها ووضعت قطعاً من الحلوى بيدها في فمي. أما الجورجية فلم تتحمل منظري فانسحبت إلى غرفة بعيدة لتهضم حسدها. تلقيت التهانئ من النساء الأخريات اللاتي بقين ترددن قائمة لا تنتهي من المتع التي تنتظرني: الحب والنبيذ والموسيقا والمجوهرات والملابس الرفيعة والحمامات والوقوف في حضرة الشاه، كل هذا سيكون من نصيبي قريباً. نصحتني بعضهن بأفضل التعويذات لضمان حب الملك وتدمير حظوة الأخريات؛ وبعضهن الآخر أعطينني خيرة النصائح لابتزاز الهدايا وكيفية الرد على الشاه متى بادرني بالحديث. وصارت زينب المسكينة التي كانت أحقر ما خلق الله فجأة محل انتباه الجميع وإعجابهم.»

انتهى حديث زينب، وكان الفرح الظاهر على وجهها للتغير المرتقب في وضعها عفوياً، فلم تسول لي نفسي أن أشاطرها مخاوفي حول الخطر المحدق بها. لم يكن لها علم بالعواقب الفظيعة لو تبين عندما تدعى لتمثل بين يدي الشاه أنها غير جديرة بجلالته. فمن المعروف أن في مثل هذه الحالات الموت الفظيع الرهيب يلحق بالمذنبة دونما الرجوع إلى أي قضاء أو تحكيم. ولهذا تظاهرت بأنني أشاطرها فرحها، ومع أننا كنا نشعر أننا نفترق، إلا أننا واسينا نفسنا بأن تسنح لنا فرص لنعرف عن أخبار بعضنا.

وأخبرتني أن أحد خصيان الشاه سيمر في الصباح القادم ليأخذها إلى بيت حريم القصر، وبعد الاستحمام واللباس ستنقل إلى قسم الفنانات ليبدأ تدريبها فوراً.

وهنا سمعنا صوتاً يناديها، فخافت أن تجازف بالمكوث معي، فافترقنا بعد آلاف التعابير عن الحب المتبادل ونحن نعرف أننا قد لا نلتقي بعد اليوم.