الفصل الخامس | مغامرات حاجي بابا الإصفهاني الفصل السادس. المؤلف: جيمس موريير المترجم: ( • م) |
الفصل السابع |
الفصل السادس. الأسرى الثلاثة وتقاسم الغنائم
وصلنا إلى الملتقى وترجلنا عن خيولنا لنريحها كي تستعيد قواها ونستعيد قوانا بعد أتعاب هذه الليلة. سرق أحد أفراد العصابة في طريقه خروفاً، فحضّرناه بسرعة كي نشويه: قطّعناه إلى قطع صغيرة جعلناها على أسياخ وشويناها على نار بطيئة من الحطب وروث الحيوانات ثم أكلناه بشهية ونهم.
كان همّنا التالي أن نتحقق من قيمة أسرانا. أحدهم كان رجلاً طويلاً في الخمسين، ذا نظرة ثاقبة ووجه أصفر نحيل ولحية خفيفة يلبس سروالاً داخلياً من حرير وقميصاً من صوف؛ والثاني كان رجلاً قصير القامة سميناً متورّد الوجه يرتدي بزة داكنة مزررة على صدره ويبدو أنه رجل قانون. الثالث كان رجلاً ضخماً كثير الشعر خشن المظهر ذا عضلات مفتولة وكان مقيداً أفضل من غيره بسبب مقاومته الشرسة للأسر.
بعد أن فرغنا من وجبتنا وأعطينا بقاياها للأسرى استدعيناهم واحداً واحداً لنستجوبهم كي نعرف حرفة كل واحد منهم ووضعه. استقدمنا الرجل الطويل النحيل أولاً لأن مظهره الغني جعل التركمان يعلقون أملهم عليه. وبما أنني كنت الوحيد من يجيد الفارسية، فقد توليت مهمة الترجمة.
سأله أصلان سلطان: «من أنت وما وضعك؟» فأجابه الأسير: «أحب أن أقول لفائدة حضراتكم أنني لا شيء، رجل فقير.»
«وماذا تعمل؟»
«أنا شاعر في خدمة حضرتكم. ماذا يمكن أن أكون؟»
فصاح التركماني الأكثر همجية: «شاعر! وما الفائدة منه؟»
فأجابه أصلان سلطان وهو يتوهج من الغضب: «لا فائدة منه، إنه لا يسوى عشرة تومانات! الشعراء كلهم فقراء يعيشون مما يحصلون عليه من غيرهم بالمكر والخديعة. من يفدي شاعراً؟ ولكن، إن كنت فقيراً، كيف تلبس هذه الملابس الرفيعة؟»
رد الشاعر: «شرّفني بها منذ أيام أمير شيراز مقابل قصيدة مدحته فيها.»
وعندها سلب التركمان ملابسه وأعطوه عباءة من جلد خروف بدلاً عنها وصرفوه واستدعوا الأسير التالي، الرجل قصير القامة، وسأله أصلان: «من أنت؟ وما هي حرفتك؟»
أجاب الرجل: «أنا قاضٍ فقير.»
«وكيف وجدناك نائماً على فراش فخم إن كنت فقيراً؟ يا ابن الكلب! إن كنت تكذب فسنقطع رأسك! اعترف أنك غني! القضاة جميعهم أغنياء، فهم يبيعون العدالة وضميرهم لمن يدفع ثمناً أكبر!»
فقال الأسير: «أنا قاضي غلادون، في خدمتكم. استدعاني حاكم إصفهان لأسلمه ضرائب القرية.»
فسأله أصلان: «وأين أموال الضرائب؟»
فأجاب القاضي: «حضرت كي أخبره أن القرية ليس لديها نقود لتسدد ضرائبها، إذ قضى الجراد على محصولنا ولم نر قطرة مطر في الموسم الماضي.»
سأل واحدٌ من العصابة: «وما قيمة هذا الرجل في النهاية؟»
رد أصلان سلطان: «لو صدف أنه قاضٍ عادل فقيمته عالية لأن الفلاحين سيجمعون ما في وسعهم ليفدوه كي يعود إليهم. وإن لم يكن كذلك فلا يسوى فلساً واحداً. لنحتفظ به، إذ أن فديته قد تكون أكبر من فدية تاجر. هيا نرى كم يمكن أن نستفيد من الأسير الأخير.»
فأتوا بالرجل الخشن واستجوبه أصلان سلطان بأسلوبه المعتاد: «من أنت؟» فردّ بصوت خشن: «أنا فرّاش»
فصاح الجميع: «فرّاش؟ كذّاب، كذّاب! كيف وجدناك نائماً على فراش فخم؟»
«كنت نائماً على فراش سيدي.»
فصرخ الجميع: «أنه يكذب! إنه تاجر! أنت تاجر! اعترف أنك تاجر وإلا قطّعناك إرباً!»
ونزل الكل به ضرباً حتى صاح المسكين أنه تاجر. ولكنني رأيت من مظهره أنه لا يمكن أن يكون تاجراً بل كان صادقاً حين قال أنه فرّاش، فقلت لرفاقي أنهم لن يحصلوا على فدية مقابله، ونصحتهم بإخلاء سبيله. وهنا تكالبوا كلهم علي وأمطروني بالشتائم واللعنات وقالوا لي أنني، إن تعاطفت مع أبناء بلدي، سيكون مصيري مثل مصيرهم وسأعود عبداً كما كنت، لذا فضّلت أن أسكت وأتركهم يفعلون ما يشاؤون.
بعد أن تبين لهم أن آمالهم في الأسرى كانت خائبة باتوا في مزاج سيء واختلفوا في الرأي عمّا يجب أن يفعلوا بهؤلاء المخطوفين الذين لا فائدة منهم، فرأى بعضهم الاحتفاظ بالقاضي وقتل الفرّاش والشاعر، وطرح آخرون إبقاء القاضي من أجل الفدية واستعباد الفرّاش، ولكنهم اتفقوا على أن الشاعر لا يستحق إلا القتل.
شعرت بالشفقة والعطف تجاه هذا الرجل، إذ كان يبدو من سلوكه وأخلاقه أنه رجل ذو شأن رغم أنه كان يدّعي الفقر؛ ولما رأيت أنه في خطر وشيك، قلت للعصابة: «إن قتل هذا الرجل، والله، لحماقة كبرى! أن تقتلوا شاعراً أسوأ من أن تقتلوا أوزّة تبيض ذهباً! ألا تعرفون أن بعض الشعراء أغنياء، أو يمكن أن يصبحوا أغنياء في أي وقت لو أرادوا لأنهم يحملون ثروتهم في رأسهم؟ ألم تسمعوا قصة الخليفة الذي كان يعطي الشاعر مثقال ذهب على كل بيت ينشده؟ ألا يقال أن الشاه يكرم الشعراء؟ وما أدراكم أنه ليس شاعر الشاه نفسه؟»
فقال أحد المجرمين: «إذن، فلينظم لنا أبياتاً حالاً، وإن لم نحصل على مثقال ذهب مقابل كل بيت نقتله!»
فصاح الجميع، وقد ابتهجوا بهذه الإمكانيات الباهرة لكسب المال: «هيا انشدنا فوراً وإلا قطعنا لسانك!»
وأخيراً اتفقوا على إبقاء الأسرى الثلاثة، وقرروا التوجه إلى سهول قبجاق فور الانتهاء من تقاسم الغنائم.
جمعنا أصلان سلطان معاً وأمرنا أن يعرض كل واحد ما سرقه. بعضهم جاء بأكياس ذهب، وآخرون بأكياس فضة، إلا أن اهتمامهم لم يقتصر على النقود، بل طُرحت أمامنا شكائم ذهبية للغلايين ومعطف من فرو السمور وإبريق فضي وشالات وأغراض أخرى كثيرة؛ وعندما جاء دوري طرحت كيس التومانات، وكان أكبر الأكياس وأثار استحساناً وهتافات صاخبة من جميع أفراد العصابة، وصاحوا:
«أحسنت! أحسنت يا حاجي! انظروا، أصبح تركمانياً جيداً! لقد تفوّق علينا جميعاً!»
وفرح سيدي بنجاحي أكثر من غيره ومدحني مديحاً جماً، وقال:
«يا حاجي، يا ابني، قسماً بروحي وبرأس والدي، أحسنت! سأزوجك من جارية لي وستعيش بيننا، وسيكون لك خيمة وعشرون رأساً من الغنم، ولسوف أدعو كل عشيرتي إلى حفل زفافك!»
وقع هذا الكلام عميقاً في قلبي وزاد من عزيمتي بالهروب منهم في أول فرصة؛ ولكن لحظتها انصبّ اهتمامي على تقاسم الغنائم، إذ كان أملي أن لي منها حصة جيدة. ولكن، واحسرتاه، لم يعطوني ولا فلس، وسدىً صرخت وتوسلت؛ كل ما سمعته منهم كان: «إذا قلت كلمة أخرى فسنقطع رأسك!» فاضطررت إلى أن أواسي نفسي بالخمسين توماناً التي كانت في حزامي، وأنا أراقبهم يتنازعون على حصصهم. وأخيراً تحولت الساحة إلى خصام صاخب، وكادت تنتهي بسفك الدماء لولا أنّ فكرةً خطرت على بال أحدهم فصاح: «لِمَ الخصام ومعنا قاضٍ؟ فليحكم بيننا بما أمر الله ورسوله!»
فوضع الحرامية القاضي المسكين بينهم في الحال وأمروه بالإفتاء في شأن الغنائم التي كان بعضها ملكه سابقاً، ولم يحصل على أي أجر مقابل حكمه بينهم سوى بضعة لطمات ممن اعتبروا نفسهم مظلومين.