الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة السادسة والسبعون

كتاب المحاربين

2257 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : يجب أن يعطى المحاربون الشيء الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم , ورأوا ذلك في جميع الأموال لغير المحاربين

قال أبو محمد رحمه الله : والذي نقول وبالله تعالى نتأيد : إنه لا يجوز أن يعطوا على هذا الوجه شيئا قل أم كثر سواء محاربا كان أو شيطانا. لقول الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}

وقوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} .


2258 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : فلا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم , والغلبة بغير حق من أحد وجهين , لا ثالث لهما : إما أن يكون برا وتقوى أو يكون إثما وعدوانا.

ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه ليس برا ، ولا تقوى , ولكنه إثم وعدوان بلا خلاف , والتعاون على الإثم والعدوان : حرام لا يحل :

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، حدثنا خالد يعني ابن مخلد ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال : فلا تعطه مالك قال : أرأيت إن قاتلني قال : قاتله قال : أرأيت إن قتلني قال : فأنت شهيد , قال : أرأيت إن قتلته قال : هو في النار. وبه إلى مسلم ، حدثنا الحسن بن علي الحلواني , ، ومحمد بن نافع , قالا جميعا : حدثنا عبد الرزاق أرنا ابن جريج أنا سليمان الأحول أن ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو بن العاص وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال , ركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو بن العاص , فوعظه خالد , فقال عبد الله بن عمرو : أما علمت أن رسول الله ﷺ قال من قتل دون ماله فهو شهيد.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد عن النبي ﷺ قال : من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد , ومن قاتل دون دمه فهو شهيد , ومن قاتل دون أهله فهو شهيد. وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع , ، ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا سلمان ، هو ابن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم ، هو ابن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله ﷺ : من قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون أهله فهو شهيد , ومن قتل دون دينه فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فهو شهيد. وبه إلى أحمد بن شعيب أنا القاسم بن زكريا بن دينار ، حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ، حدثنا عمرو ، هو ابن القاسم عن مطرف ، هو ابن أبي طريف عن سوادة ، هو ابن أبي الجعد عن أبي جعفر قال : كنت جالسا عند سويد بن مقرن قال : قال رسول الله ﷺ : من قتل دون مظلمته فهو شهيد. حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ، حدثنا أبي ، حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين , والتي أمر الله عز وجل بها رسوله ﷺ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها , ومن سئل فوقها فلا يعط وذكر الحديث

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا رسول الله ﷺ يأمر من سئل ماله بغير حق أن لا يعطيه , وأمر أن يقاتل دونه فيقتل مصيبا سديدا , أو يقتل بريئا شهيدا , ولم يخص عليه السلام مالا من مال. وهذا أبو بكر الصديق , وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يريان السلطان في ذلك وغير السلطان سواء وبالله تعالى التوفيق.


2259 - مسألة : ذكر ما قيل في آية المحاربة

قال علي : قال قوم : آية المحاربة ناسخة لفعل رسول الله ﷺ بالعرنيين , ونهي له عن فعله بهم واحتجوا في ذلك بما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله ﷺ فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم النبي ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها , ففعلوا , فقتلوا راعيها واستاقوها , فبعث النبي ﷺ في طلبهم قافة , فأتي بهم , فقطع أيديهم , وأرجلهم , وسمل أعينهم , ولم يحسمهم , وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح ، أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد ، عن ابن عجلان عن أبي الزناد قال : إن رسول الله ﷺ لما قطع الذين سرقوا لقاحه , وسمل أعينهم بالنار , عاتبه الله تعالى في ذلك فأنزل الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الصمد ، هو ابن عبد الوارث بن سعيد التنوري ، حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن أنس قال : كان رسول الله ﷺ يحث في خطبته على الصدقة , وينهى عن المثلة

قال أبو محمد رحمه الله : كل هذا لا حجة لهم فيه , ولا يجوز أن يقال في شيء من فعل رسول الله ﷺ وقوله إنه منسوخ إلا بيقين مقطوع على صحته ,

وأما بالظن , الذي هو أكذب الحديث فلا. فنقول وبالله تعالى التوفيق : أما الحديث الذي صدرنا به من طريق أبي قلابة عن أنس , فليس فيه دليل على نسخ أصلا لا بنص ، ولا بمعنى وإنما فيه أن رسول الله ﷺ قطع أيدي العرنيين وأرجلهم , ولم يحسمهم , وسمل أعينهم , وتركهم حتى ماتوا , فأنزل الله تعالى آية المحاربة وهذا ظاهر : أن نزول آية المحاربة ابتداء حكم , كسائر القرآن في نزوله شيئا بعد شيء , أو تصويبا لفعله عليه السلام بهم ; لأن الآية موافقة لفعله عليه السلام في قطع أيديهم وأرجلهم , وزائدة على ذلك تخييرا في القتل , أو الصلب , أو النفي وكان ما زاده رسول الله ﷺ على القطع من السمل , وتركهم لم يحسمهم حتى ماتوا قصاصا بما فعلوا بالرعاء : كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا الفضل بن سهل الأعرج مرزوقي ثقة ، حدثنا يحيى بن غيلان ثقة مأمون ، حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك , قال : إنما سمل رسول الله ﷺ أعين أولئك العرنيين ; لأنهم سملوا أعين الرعاء. وقد ذكر في الحديث الذي أوردنا أنهم قتلوا الرعاء.

فصح ما قلناه من أن أولئك العرنيين اجتمعت عليهم حقوق : منها المحاربة , ومنها سملهم أعين الرعاء , وقتلهم إياهم , ومنها الردة فوجب عليهم إقامة كل ذلك , إذ ليس شيء من هذه الحدود أوجب بالإقامة عليهم من سائرها , ومن أسقط بعضها لبعض فقد أخطأ , وحكم بالباطل , وقال بلا

برهان , وخالف فعل رسول الله ﷺ وترك أمر الله تعالى بالقصاص في العدوان بما أمره به في المحاربة , فقطعهم رسول الله ﷺ للمحاربة , وسملهم للقصاص , وتركهم كذلك حتى ماتوا , يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا ; لأنهم كذلك قتلوا هم الرعاء فارتفع الإشكال والحمد لله كثيرا.

وأما حديث أبي الزناد فمرسل , ولا حجة في مرسل , ولفظه منكر جدا ; لأن فيه : أن رسول الله ﷺ عاتبه ربه في آية المحاربة , وما يسمع فيها عتاب أصلا ; لأن لفظ " العتاب " إنما هو مثل قوله تعالى {عفا الله عنك لم أذنت لهم} . ومثل قوله تعالى {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} الآيات. ومثل قوله تعالى {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}

وأما حديث المحاربة , فليس فيها أثر للمعاتبة.

وأما حديث قتادة عن أنس في الحث على الصدقة والنهي عن المثلة فحق , وليس هذا مما نحن فيه في ورد ، ولا صدر وإنما يحتج بمثل هذا من يستسهل الكذب على رسول الله ﷺ أنه مثل بالعرنيين , وحاش لله من هذا , بل هذا نصر لمذهبهم في أن من قتل بشيء ما لم يجز أن يقتل بمثله ; لأنه مثلة وهم يرون على من جدع أنف إنسان وفقأ عيني آخر , وقطع شفتي ثالث , وقلع أضراس رابع , وقطع أذني خامس : أن يفعل ذلك به كله , ويترك , فهل في المثلة أعظم من هذا لو عقلوا عن أصولهم الفاسدة وحاش لله أن يكون شيء أمر الله تعالى به , أو فعله رسول الله ﷺ مثلة , إنما المثلة ما كان ابتداء فيما لا نص فيه ,

وأما ما كان قصاصا أو حدا كالرجم للمحصن , وكالقطع أو الصلب للمحارب , فليس مثلة وبالله تعالى التوفيق. وقد

روينا من طريق مسلم ما ناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب , وحميد , كلاهما عن أنس بن مالك أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله ﷺ المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله ﷺ إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا , فصحوا , ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام , وساقوا ذود رسول الله ﷺ فبلغ ذلك النبي ﷺ فبعث في آثارهم فأتي بهم , فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم , وتركهم في الحرة حتى ماتوا.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل ابن علية ، حدثنا حميد عن أنس قال : قدم على النبي ﷺ ناس من عرينة فقال لهم رسول الله ﷺ لو خرجتم إلى ذودنا فكنتم فيها , فشربتم من ألبانها , وأبوالها ففعلوا , فلما صحوا قاموا إلى راعي رسول الله ﷺ فقتلوه ورجعوا كفارا , واستاقوا ذود رسول الله ﷺ فأرسل في طلبهم , فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم

قال أبو محمد رحمه الله : فهذه كلها آثار في غاية الصحة وبالله تعالى التوفيق.


المحارب يقتل

2260 - مسألة : هل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا الحسن بن سعد ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : إن في كتاب لعمر بن الخطاب " والسلطان ولي من حارب الدين , وإن قتل أباه , أو أخاه , فليس إلى طالب الدم من أمر من حارب الدين وسعى في الأرض فسادا شيء " وقال ابن جريج : وقال لي سليمان بن موسى مثل هذا سواء سواء حرفا حرفا. وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : عقوبة المحارب إلى السلطان , لا تجوز عقوبة ولي الدم ذلك إلى الإمام , قال :

وهو قول أبي حنيفة ومالك , والشافعي , وأحمد , وأبي سليمان , وأصحابهم

قال أبو محمد رحمه الله : وبهذا نقول ; لأن رسول الله ﷺ قال في الخبرين اللذين رويناهما من طريق ابن عباس ذكرناهما في " كتاب الحج " " وكتاب الصيام " " وباب وجوب قضاء الحج الواجب ". " وقضاء الصيام الواجب عن الميت ". اقضوا الله فهو أحق بالوفاء , دين الله أحق أن يقضى. وبقوله عليه السلام في حديث بريدة كتاب الله أحق وشرط الله أوثق

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اجتمع حقان :

أحدهما لله .

والثاني لولي المقتول كان حق الله تعالى أحق بالقضاء ودينه أولى بالأداء , وشرطه المقدم في الوفاء على حقوق الناس , فإن قتله الإمام , أو صلبه للمحاربة , كان للولي أخذ الدية في مال المقتول ; لأن حقه في القود قد سقط , فبقي حقه في الدية , أو العفو عنها , على ما بينا في " كتاب القصاص " ولله الحمد. فإن اختار الإمام قطع يد المحارب , ورجله , أو نفيه : أنفذ ذلك , وكان حينئذ للولي الخيار في قتله , أو الدية , أو المفاداة , أو العفو ; لأن الإمام قد استوفى ما جعل الله تعالى له الخيار فيه وليس هاهنا شيء يسقط حق الولي , إذ ممكن له أن يستوفي حقه بعد استيفاء حق الله تعالى. ولقد تناقض هاهنا الحنفيون , والمالكيون , أسمج تناقض ; لأنهم لا يختلفون في الحج , والصيام , والزكاة , والكفارات , والنذور , بأن حقوق الناس أولى من حقوق الله تعالى ، وأن ديون الغرماء أوجب في القضاء من ديون الله تعالى , وأن شروط الناس مقدمة في الوفاء على شروط الله تعالى وقد تركوا هاهنا هذه الأقوال الفاسدة , وقدموا حقوق الله تعالى على حقوق الناس وبالله تعالى التوفيق.