الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة السابعة والسبعون

كتاب المحاربين

2261 - مسألة : مانع الزكاة

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا الحارث أنا محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر الواقدي ني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت خشاف السلمية عن عبد الرحمن بن الربيع الطفري وكانت له صحبة قال : بعث رسول الله ﷺ إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته فجاءه الرسول فرده , فرجع إلى النبي ﷺ فأخبره , فقال رسول الله ﷺ : اذهب إليه , فإن لم يعط صدقته فاضرب عنقه قال عبد الرحمن : فقلت لحكيم : ما أرى أبا بكر قاتل أهل الردة إلا على هذا الحديث فقال : أجل

قال أبو محمد رحمه الله : هذا حديث موضوع مملوء آفات من مجهولين , ومتهمين , وحكم مانع الزكاة إنما هو أن تؤخذ منه أحب أم كره , فإن مانع دونها فهو محارب , فإن كذب بها فهو مرتد , فإن غيبها ولم يمانع دونها فهو آت منكرا , فواجب تأديبه أو ضربه حتى يحضرها أو يموت قتيل الله تعالى , إلى لعنة الله. كما قال رسول الله ﷺ : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع وهذا منكر , ففرض على من استطاع أن يغيره كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.


2262 - مسألة : هل يبادر اللص أم يناشد

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثنا محمد بن بشار , ، ومحمد بن المثنى , قالا جميعا : حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا عبد العزيز بن المطلب عن أخيه الحكم بن المطلب عن أبيه هو المطلب بن حنطب بن فهيذ بن مطرف الغفاري أن النبي ﷺ سأله سائل إن عدا علي عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات , قال : فإن أبى علي فأمره بقتاله.

وقال عليه السلام : إن قتلك فأنت في الجنة , وإن قتلته فهو في النار. حدثنا يوسف بن عبد البر النمري ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الضبي ، حدثنا العقيلي ، حدثنا جدي ، حدثنا يعلى بن أسد العمي ، حدثنا محمد بن كثير السلمي هو القصاب عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله ﷺ : الدار حرم فمن دخل عليك حرمك فاقتله

قال أبو محمد رحمه الله : الحديث الأول ليس بالقوي , ففيه : الحكم بن المطلب , ولا يعرف حاله والخبر الثاني فيه : محمد بن كثير القصاب وهو ذاهب الحديث , وليس بشيء

قال أبو محمد رحمه الله : والمعتمد عليه في الأخبار التي صدرنا بها في " كتابنا في المحاربين " من إباحة القتل دون المال وسائر المظالم , لكن إن كان على القوم المقطوع عليهم , أو الواحد المقطوع عليه , أو المدخول عليه منزله في المصر ليلا أو نهارا في أخذ ماله , أو في طلب زنا : أو غير ذلك , مهلة , فالمناشدة فعل حسن , لقول الله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} فإن لم يكن في الأمر مهلة , ففرض على المظلوم أن يبادر إلى كل ما يمكنه به الدفاع عن نفسه وإن كان في ذلك إتلاف نفس اللص والقاطع من أول وهلة فإن كان على يقين من أنه إن ضربه ولم يقتله ارتدع , فحرام عليه قتله. فإن لم يكن على يقين من هذا , فقد صح اليقين بأن مباحا له الدفع والمقاتلة فلا شيء عليه إن قتله من أول ضربة أو بعدها قصدا إلى مقتله أو إلى غير مقتله ; لأن الله تعالى قد أباح له المقاتلة والمدافعة قاتلا ومقتولا. وبالله تعالى التوفيق.

فأما لو كان اللص من الضعف بحيث لا يدافع أصلا , أو يدافع دفاعا يوقن معه أنه لا يقدر على قتل صاحب الدار فقتله صاحب المنزل فعليه القود ; لأنه قادر على منعه بغير القتل , فهو متعد.

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا سفيان الثوري عن مسلم الضبي قال : قال إبراهيم النخعي : إن خشيت أن يبتدرك اللص فابدره

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا نظير قولنا والحمد لله رب العالمين

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال : قلت للزهري : إن هشام بن عروة أخبرني أن عمر بن عبد العزيز إذ هو عامل على المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك قطع يد رجل ضرب آخر بالسيف فضحك الزهري وقال لي : أو هذا مما يؤخذ به إنما كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز أن يقطع يد رجل ضرب آخر بالسيف قال الزهري : فدعاني عمر بن عبد العزيز واستفتاني في قطعه فقلت له : أرى أن يصدقه الحديث , ويكتب إليه : أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف على عهد رسول الله ﷺ فلم يقطع النبي عليه السلام يده وضرب فلان فلانا بالسيف زمن مروان فلم يقطع مروان يده , وكتب إليه عمر بذلك , فمكث حينا لا يأتيه رجع كتابه ثم كتب إليه الوليد : أن حسانا كان يهجو صفوان ويذكر أمه ونساء أخر , قد قاله الزهري. وذكرت : أن مروان لم يقطع يده , ولكن عبد الملك قطع يده , فاقطع يده قال الزهري : فقطع عمر يده وكان من ذنوبه التي كان يستغفر الله تعالى منها

قال أبو محمد رحمه الله : إن كان رفع السيف على سبيل إخافة الطريق فهو محارب , عليه حكم المحارب , وإن كان لعدوان فقط , لا قطع طريق فعليه القصاص فقط , إلى المجروح , فإن لم يكن هنالك جرح فلا شيء إلا التعزير فقط وبالله تعالى التوفيق


2263 - مسألة : قطع الطريق من المسلم على المسلم وعلى الذمي سواء وذلك ; لأن الله تعالى إنما نص على حكم من حاربه وحارب رسوله ﷺ أو سعى في الأرض فسادا ولم يخص بذلك مسلما من ذمي وما كان ربك نسيا وليس هذا قتلا للمسلم بالذمي , ومعاذ الله من هذا , لكنه قتل له بالحرابة , ويمضي دم الذمي هدرا.

وكذلك القطع على امرأة , أو صبي , أو مجنون , كل ذلك محاربة صحيحة يستحق بها ما ذكرنا من حكم المحاربة

وأما الذمي إن حارب فليس محاربا , لكنه ناقض للذمة ; لأنه قد فارق الصغار , فلا يجوز إلا قتله ، ولا بد , أو يسلم , فلا يجب عليه شيء أصلا في كل ما أصاب من دم , أو فرج , أو مال , إلا ما وجد في يده فقط ; لأنه حربي لا محارب وبالله تعالى التوفيق.

وأما المسلم يرتد , فيحارب فعليه أحكام المحارب كلها على ما ذكرنا من فعل رسول الله ﷺ بالعرنيين الذين اقتص منهم قودا , وأقام عليهم حكم المحاربة وكانوا مرتدين محاربين متعدين وبالله تعالى التوفيق


2264 - مسألة : صفة الصلب للمحارب

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في صفة الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب فقال أبو حنيفة , والشافعي : يضرب عنقه بالسيف ثم يصلب مقتولا زاد الشافعي : ويترك ثلاثة أيام ثم ينزل فيدفن. وقال الليث بن سعد , والأوزاعي , وأبو يوسف : يصلب حيا ثم يطعن بالحربة حتى يموت. وقال بعض أصحابنا الظاهرين : يصلب حيا ويترك حتى يموت , وييبس كله ويجف , فإذا يبس وجف أنزل , فغسل , وكفن , وصلي عليه , ودفن

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه

فنظرنا في ذلك , فوجدنا من قال : يقتل ثم يصلب مقتولا , يحتجون بما ذكرناه قبل في " كتاب الدماء " من ديواننا كيف يكون القود من قول رسول الله ﷺ : إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. ومن قوله عليه السلام أعف الناس قتلة أهل الإيمان. ومن نهيه عليه السلام أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ولعنه عليه السلام من فعل ذلك.

وقد ذكرنا هذه الأحاديث هنالك بأسانيدها فأغنى عن إعادتها. وقالوا : طعنه على الخشبة ليس قتلة حسنة , ولا عفيفة , وهو اتخاذ الروح غرضا , فهذا لا يحل ونظرنا فيما احتج به من رأى قتله مصلوبا فوجدناهم يقولون : إن الله تعالى إنما أمرنا بالقتل عقوبة , وخزيا للمحارب في الدنيا , فإذ ذلك كذلك , فالعقوبة والخزي لا يقعان على ميت , وإنما خزي الميت في الآخرة لا في الدنيا , فلما كان ذلك كذلك بطل أن يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم الأولون بأن قالوا : يصلب بعد قتله ردعا لغيره. فعارضهم هؤلاء بأن قالوا : ليس ردعا , وإنما هو عقوبة للفاعل , وخزي بنص القرآن وفي صلبه , ثم قتله , أعظم الردع أيضا

قال أبو محمد رحمه الله : هذا كل ما احتجت به الطائفتان معا , والتي احتجت به كلتا الطائفتين حق , إلا أنه أنتجوا منه ما لا توجبه القضايا الصحاح التي ذكروا , فمالوا عن شوارع الحق إلى زوائغ التلبيس والخطأ

قال أبو محمد رحمه الله : وذلك على ما نبين إن شاء الله تعالى : فنقول : إن قول رسول الله ﷺ : إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان و إذا قتلتم فأحسنوا القتلة و لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. والنهي عن ذلك , فهو كله حق , كما قاله رسول الله ﷺ وهو كله مانع من أن يقتل بعد الصلب برمح أو برمي سهام , أو بغير ذلك كما ذكرنا. وإنما في هذه الأحاديث وجوب الفرض في إحسان قتله إن اختار الإمام قتله فقط , وليس في شيء من هذه الأخبار وجوب صلبه بعد القتل , ولا إباحة صلبه بعد القتل ألبتة , لا بنص , ولا بإشارة.

فأما إحسان القتل فحق ,

وأما صلبه بعد القتل , فدعوى فاسدة , ليست في شيء من الآثار التي ذكروا , ولا غيرها فبطل بيقين لا شك فيه احتجاجهم بهذه الأخبار في النكتة التي عليها تكلموا وهي الصلب بعد القتل أو قبله وسقط قولهم , إذ تعرى من البرهان

قال أبو محمد رحمه الله : ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية الموجبة قتله بعد الصلب , فوجدناهم يقولون : إن الصلب عقوبة وخزي في الدنيا , كما قال الله تعالى , وإن الميت لا يخزى في الدنيا بعد موته , ولا يعاقب بعد موته : قولا صحيحا لا شك فيه ووجدناهم يقولون : إن الردع يكون بصلبه حيا قولا أيضا خارجا عن أصولهم , إلا أنه ليس في شيء من ذلك كله إيجاب قتله بعد الصلب , كما قالوا , ولا إباحة ذلك أيضا وإنما في كل ما قالوه : إيجاب الصلب فقط , فأقحموا فيه القتل بعد الصلب جريا على عادتهم , في التلبيس والزيادة بالدعاوى الكاذبة , على النصوص ما ليس فيها فبطل قولهم أيضا لما ذكرنا

قال أبو محمد رحمه الله : فلما بطل القولان معا وجب الرد إلى القرآن , والسنة , كما افترض الله تعالى علينا بقوله عز وجل {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال : {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية كلها. فصح يقينا أن الله تعالى لم يوجب قط عليهم حكمين من هذه الأحكام , ولا أباح أن يجمع عليهم خزيان من هذه الأخزاء في الدنيا , وإنما أوجب على المحارب أحدها لا كلها , ولا اثنين منها , ولا ثلاثة فصح بهذا يقينا لا شك فيه : أنه إن قتل فقد حرم صلبه , وقطعه , ونفيه. وأنه إن قطع , فقد حرم قتله , وصلبه , ونفيه. وأنه إن نفي , فقد حرم قتله , وصلبه وقطعه وأنه إن صلب , فقد حرم قتله , وقطعه , ونفيه لا يجوز ألبتة غير هذا , فحرم بنص القرآن صلبه إن قتل. وحرم أيضا بنص القرآن قتله إن صلب وحرم هذا الوجه أيضا بسنن رسول الله ﷺ التي ذكرنا من إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان و إذا قتلتم فأحسنوا القتلة و لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا والنهي عن ذلك. فلما حرم قتله مصلوبا بيقين ; لما ذكرنا من وجوب اللعنة على من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع الأمرين معا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب إنما هو صلب لا قتل معه ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به , ولكان كلاما عاريا من الفائدة أصلا , وحاش لله تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا ولكان أيضا تكليفا لما لا يطاق وهذا باطل. فصح يقينا أن الواجب أن يخير الإمام صلبه إن صلبه حيا , ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله ; لأن الصلب في كلام العرب يقع على معنيين : أحدهما : من الأيدي , والربط على الخشبة , قال الله تعالى حاكيا عن فرعون {ولأصلبنكم في جذوع النخل} والوجه الآخر : التيبيس , قال الشاعر , يصف فلاة مضلة : بها جيف الحسرى

فأما عظامها فبيض

وأما جلدها فصليب يريد أن جلدها يابس. وقال الآخر : جذيمة ناهض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا يريد : ودكا سائلا

قال أبو محمد رحمه الله : فوجب جمع الأمرين معا , حتى إذا أنفذنا أمر الله تعالى فيه وجب به ما افترضه الله تعالى للمسلم على المسلم : من الغسل , والتكفين , والصلاة , والدفن , على ما قد ذكرنا قبل هذا.

فإن قال قائل : أليس الرجم اتخاذ ما فيه الروح غرضا

وكذلك قولكم في القود بمثل ما قتل فجوابنا , وبالله تعالى التوفيق : نعم , وهما مأمور بهما , قد حكم عليه السلام بكليهما فوجب أن يكونا مستثنيين مما نهى عنه من اتخاذ الروح غرضا ,

فأما الرجم فبالنص والإجماع ,

وأما القود فبالنص الجلي في رضخ رأس اليهودي وفي العرنيين كما قلتم أنتم ونحن في أن القصاص من قطع الأيدي , والأرجل , وسمل الأعين , وجدع الأنف , والآذان , وقطع الشفاه , والألسنة , وقلع الأضراس , حق واجب إنفاذه , مستثنيين من المثلة المحرمة , ولا فرق

فإن قال قائل : فإنكم قد سمعتم قول رسول الله ﷺ : أعف الناس قتلة أهل الإيمان و إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وأنتم تقتلونه أوحش قتلة وأقبحها : جوعا , وعطشا , وحرا , وبردا فنقول : وما قتلناه أصلا , بل صلبناه كما أمر الله تعالى : وما مات إلا حتف أنفه , وما يسمى هذا في اللغة مقتولا

فإن قالوا : فإنكم تقولون فيمن سجن إنسانا ومنعه الأكل والشرب حتى مات إنه يسجن ويمنع الأكل والشرب حتى يموت , فهذا قتل بقتل فنقول : إن هذا ليس قتلا , ولا قودا بقتل , بل هو ظلم وقود من الظلم فقط.

وبرهان ذلك : أن رجلا لو اتفق له أن يقفل بابا بغير عدوان , فإذا في داخل الدار إنسان لم يشعر به , فمات هنالك جوعا وعطشا : أنه لا كفارة على قافل الباب أصلا , ولا دية على عاقلته ; لأنه ليس قاتلا

فإن قيل : إنكم تمنعونه الصلاة والطهارة

قلنا : نعم ; لأن الله تعالى إذ أمر بصلبه قد علم أنه ستمر عليه أوقات الصلوات , فلم يأمرنا بإزالة التصليب عنه من أجل ذلك وما كان ربك نسيا فلا يسع مسلما , ولا يحل له أن يعترض على أمر الله تعالى لا معقب لحكمه و لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.


2265 - مسألة : صفة القتل في المحارب

قال أبو محمد رحمه الله : لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط ,

وأما قطعه فإن الله تعالى قال : {أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف} . فصح بهذا أنه لا يجوز قطع يديه ورجله معا ; لأنه لو كان ذلك لم يكن القطع من خلاف , وهذا أيضا إجماع لا شك فيه , فقال قوم : يقطع يمين يديه ويسرى رجليه ثم يحسم بالنار ، ولا بد

قال أبو محمد : أما الحسم فواجب ; لأنه إن لم يحسم مات , وهذا قتل لم يأمر الله تعالى به , وقد

قلنا : إنه لا يحل أن يجمع عليه الأمران معا ; لأن الله تعالى إنما أمر بذلك بلفظ " أو " وهو يقتضي التخيير ، ولا بد. ولو أراد الله تعالى جمع ذلك لقال : أن يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وهكذا قوله تعالى {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} .

وقوله تعالى {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} .

فإن قال قائل : فإن العرب قد قالت : جالس الحسن , أو ابن سيرين وكل خبزا , أو تمرا

وقال تعالى {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} .

قلنا : أما قول الله تعالى {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} فهو على ظاهره , وهو عليه السلام منهي أن يطيع الآثم وإن لم يكن كفورا وكل كفور آثم , وليس كل آثم كفورا

فصح أن ذكره تعالى للكفور تأكيد أبدا , وإلا فالكفور داخل في الآثم.

وأما قول العرب : جالس الحسن , أو ابن سيرين وكل خبزا , أو تمرا , فنحن لا نمنع خروج اللفظ عن موضوعه في اللغة بدليل , وإنما نمنع من إخراجه بالظنون والدعوى الكاذبة. وإنما صرنا إلى أن قول القائل : جالس الحسن , أو ابن سيرين : إباحة لمجالستهما معا , ولكل واحد منهما بانفراده.

وكذلك قولهم : كل خبزا , أو تمرا أيضا , ولا فرق بدليل أوجب ذلك من حال المخاطب , ولولا ذلك الدليل لما جاز إخراج " أو " عن موضوعها في اللغة أصلا وموضوعها , إنما هو التخيير أو الشك والله تعالى لا يشك , فلم يبق إلا التخيير فقط

قال أبو محمد : ولو قطع القاطع يسرى يديه , ويمنى رجليه , لم يمنع من ذلك , عمدا فعله أو غير عامد ; لأن الله تعالى لم ينص على قطع يمنى يديه دون يسرى , وإنما ذكر تعالى الأيدي والأرجل فقط وما كان ربك نسيا. ومن ادعى هاهنا إجماعا فقد كذب على جميع الأمة , ولا يقدر على أن يوجد ذلك عن أحد من الصحابة أصلا , وما نعلمه عن أحد من التابعين وبالله تعالى التوفيق.