الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة السابعة والثمانون

مسائل التعزير وما لا حد فيه

2303 - مسألة : فعل قوم لوط

قال أبو محمد رحمه الله : فعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة : كلحم الخنزير , والميتة , والدم , والخمر , والزنى , وسائر المعاصي , من أحله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر , مشرك حلال الدم والمال. وإنما اختلف الناس في الواجب عليه : فقالت طائفة : يحرق بالنار الأعلى والأسفل

وقالت طائفة : يحمل الأعلى والأسفل إلى أعلى جبل بقرية فيصب منه , ويتبع بالحجارة.

وقالت طائفة : يرجم الأعلى والأسفل سواء أحصنا أو لم يحصنا.

وقالت طائفة : يقتلان جميعا.

وقالت طائفة : أما الأسفل فيرجم أحصن أم لم يحصن

وأما الأعلى فإن أحصن رجم , وإن لم يحصن جلد جلد الزنى.

وقالت طائفة : الأعلى والأسفل كلاهما سواء أيهما أحصن رجم , وأيهما لم يحصن جلد مائة , كالزنى.

وقالت طائفة : لا حد عليهما ، ولا قتل , لكن يعزران. فالقول الأول كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني ابن سمعان عن رجل أخبره قال : جاء ناس إلى خالد بن الوليد فأخبروه عن رجل منهم أنه ينكح كما توطأ المرأة , وقد أحصن فقال أبو بكر : عليه الرجم وتابعه أصحاب رسول الله ﷺ على ذلك من قوله :

فقال علي : يا أمير المؤمنين إن العرب تأنف من عار المثل وشهرته , أنفا لا تأنفه من الحدود التي تمضي في الأحكام فأرى أن تحرقه بالنار فقال أبو بكر : صدق أبو الحسن وكتب إلى خالد بن الوليد : أن أحرقه بالنار ففعل.

قال ابن وهب : لا أرى خالدا أحرقه بالنار إلا بعد أن قتله , لأن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى.

قال ابن حبيب : من أحرق بالنار فاعل فعل قوم لوط لم يخطئ.

وعن ابن حبيب : حدثنا مطرف بن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن المنكدر , وموسى بن عقبة وصفوان بن سليم : أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق : أنه وجد في بعض سواحل البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة , وقامت عليه بذلك البينة , فاستشار أبو بكر في ذلك أصحاب رسول الله ﷺ فكان أشدهم فيه يومئذ قولا علي بن أبي طالب قال : إن هذا ذنب لم يعص به من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم , أرى أن تحرقهما بالنار , فاجتمع رأي صحابة رسول الله ﷺ على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار ثم حرقهما ابن الزبير في زمانه ثم حرقهما هشام بن عبد الملك ثم حرقهما القسري بالعراق.

حدثنا إسماعيل بن دليم الحضرمي قاضي ميورقة قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الخلاص ، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان ني محمد بن إسماعيل بن أسلم ، حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية ، حدثنا يحيى بن بكير عن عبد العزيز بن أبي حازم عن داود بن أبي بكر , ومحمد بن المنكدر , وموسى بن عقبة , وصفوان بن سليم : أنه وجد في بعض ضواحي البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة قال أبو إسحاق : كان اسمه الفجاءة فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله ﷺ ثم ذكر مثل حديث عبد الملك الذي ذكرنا حرفا حرفا نصا سواء.

وأما من قال يصعد به إلى أعلى جبل في القرية : فكما ، حدثنا أحمد بن إسماعيل بن دليم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الخلاص ، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان ، حدثنا أحمد بن سلمة بن الضحاك عن إسماعيل بن محمود بن نعيم ، حدثنا معاذ ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حسان بن مطر ، حدثنا يزيد بن مسلمة عن أبي نضرة ، عن ابن عباس سئل عن حد اللوطي فقال : يصعد به إلى أعلى جبل في القرية ثم يلقى منكسا ثم يتبع بالحجارة.

وأما من قال : يرجم الأعلى والأسفل أحصنا أو لم يحصنا : فكما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد المهراني عن يزيد بن قيس أن عليا رجم لوطيا.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه سمع مجاهدا , وسعيد بن جبير يحدثان ، عن ابن عباس ، أنه قال في البكر يوجد على اللوطية : أنه يرجم. وعن إبراهيم النخعي ، أنه قال : لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتين. وعن ربيعة ، أنه قال : إذا أخذ الرجل لوطيا رجم , لا يلتمس به إحصان , ولا غيره. وعن الزهري ، أنه قال : على اللوطي الرجم أحصن أو لم يحصن. و

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني الشمر بن نمير , ويزيد بن عياض بن جعدبة , ومن أثق به , وكتب إلى ابن أبي سبرة , قال الشمر : عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب , وقال يزيد بن عياض بن جعدبة : عن عبد الملك بن عبيد عن سعيد بن المسيب , وقال ابن أبي سبرة : سمعت أبا الزناد , وقال الذي يثق به : عن الحسن , ثم اتفق علي , وسعيد بن المسيب , وأبو الزناد , والحسن , كلهم مثل قول الزهري المذكور.

وبه يقول الشافعي

وهو قول مالك , والليث , وإسحاق بن راهويه.

وأما من قال : يقتلان : فكما روينا ، عن ابن عباس , قال : اقتلوا الفاعل والمفعول به.

وأما من قال : هو كالزنى يرجم المحصن منهما ويجلد غير المحصن مائة جلدة : فكما ، حدثنا أحمد بن إسماعيل بن دليم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الخلاص ، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان ، حدثنا أحمد بن سلمة , والضحاك عن إسماعيل بن محمد بن نعيم ، حدثنا معاذ بن الحارث ، حدثنا عبد الرحمن بن قيس الضبي عن اليماني بن المغيرة ، حدثنا عطاء بن أبي رباح , قال : شهدت عبد الله بن الزبير وأتي بسبعة أخذوا في اللواط فسأل عنهم فوجد أربعة قد أحصنوا , فأمر بهم فأخرجوا من الحرم ثم رجموا بالحجارة حتى ماتوا , وجلد ثلاثة الحد وعنده ابن عباس , وابن عمر , فلم ينكرا ذلك عليه. وعن الحسن البصري ، أنه قال في الرجل يعمل عمل قوم لوط : إن كان ثيبا رجم , وإن كان بكرا جلد.

وأما من قال : إن الفاعل إن كان محصنا فإنه يرجم وإن كان غير محصن فإنه يجلد مائة وينفى سنة ,

وأما المنكوح فيرجم أحصن أو لم يحصن : فقول ذهب إليه أبو جعفر محمد بن علي بن يوسف أحد فقهاء الشافعيين.

وأما من قال : لا حد في ذلك : فكما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر , وأبي إسحاق الشيباني , كلاهما عن الحكم بن عتيبة ، أنه قال فيمن عمل عمل قوم لوط : يجلد دون الحد.

وبه يقول أبو حنيفة , ومن اتبعه , وأبو سليمان , وجميع أصحابنا

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتج به من رأى حرقه بالنار , فوجدناهم يقولون : إنه إجماع الصحابة , ولا يجوز خلاف إجماعهم.

فإن قيل : فقد روي عن علي , وابن عباس , وابن الزبير , وابن عمر , بعد ذلك الرجم , وحد الزنى , وغير ذلك قيل : هذا لا يجوز , لأنه خلاف لما أجمعوا.

فهذا كل ما ذكروا في ذلك , لا حجة لهم غير هذا.

ووجدناه لا تقوم به حجة , لأنه لم يروه إلا ابن سمعان عن رجل أخبره لم يسمعه أن أبا بكر وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبي حازم عن محمد بن المنكدر , وموسى بن عقبة , وصفوان بن سليم , وداود بن بكر : أن أبا بكر وابن شعبان عن محمد بن العباس بن أسلم عن محمد بن داود بن أبي ناجية عن يحيى بن بكير ، عن ابن أبي حازم ، عن ابن المنكدر , وموسى بن عقبة , وصفوان بن سليم , وداود بن بكر : أن أبا بكر. فهذه كلها منقطعة ليس منهم أحد أدرك أبا بكر.

وأيضا فإن ابن سمعان مذكور بالكذب وصفه بذلك مالك بن أنس. ووجه آخر وهو أن الإحراق بالنار قد صح عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن ذلك : كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن رسول الله ﷺ أمره على سرية وقال : إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار , فوليت فناداني فرجعت , فقال : إن وجدتم فلانا فاقتلوه ، ولا تحرقوه , فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.

ثم نظرنا في قول من رأى قتلهم : فوجدناهم يحتجون : بما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، هو ابن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص ثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال : اقتلوا الفاعل والمفعول به. وبه إلى ابن وهب عن يحيى بن أيوب ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس عن النبي ﷺ بمثل ذلك.

وبه إلى يحيى بن أيوب عن رجل حدثه عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال : من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه وهذا الرجل هو عباد بن كثير.

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا كل ما موهوا به , وكله ليس لهم منه شيء يصح : أما حديث ابن عباس فانفرد به عمرو بن أبي عمرو هو ضعيف , ، وإبراهيم بن إسماعيل ضعيف.

وأما حديث أبي هريرة فانفرد به القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص وهو مطرح في غاية السقوط.

وأما حديث جابر فعن يحيى بن أيوب وهو ضعيف عن عباد بن كثير وهو شر منه.

وأما حديث ابن أبي الزياد فابن أبي الزناد ضعيف , ، ومحمد بن عبد الله مجهول وهو أيضا مرسل. فسقط كل ما في هذا الباب. ولا يحل سفك دم يهودي أو نصراني من أهل الذمة , نعم , ولا دم حربي بمثل هذه الروايات , فكيف دم فاسق أو تائب ولو صح شيء مما

قلنا منها لقلنا به , ولما استجزنا خلافه أصلا وبالله تعالى التوفيق. ثم نظرنا في قول من قال : يرجمان معا أحصنا أو لم يحصنا فوجدناهم يحتجون : بأنه هكذا فعل الله بقوم لوط , قال الله تعالى {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك} . واحتجوا من الآثار التي ذكرنا آنفا : بما ، حدثنا أحمد بن إسماعيل بن دليم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الخلاص ، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان ثني محمد بن أحمد عن يونس بن عبد الأعلى , وأبي الربيع بن أبي رشدين ، حدثنا عبيد الله بن رافع عن عاصم بن عبيد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل وقال فيه : وقال : أحصنا أو لم يحصنا. فهذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه وكله لا حجة لهم فيه على ما نبين إن شاء الله تعالى.

أما فعل الله تعالى في قوم لوط فإنه ليس كما ظنوا , لأن الله تعالى قال : {كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا} إلى قوله تعالى {فذوقوا عذابي ونذر} .

وقال تعالى {إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين} . قال تعالى {إنه مصيبها ما أصابهم} الآية , فنص تعالى نصا جليا على أن قوم لوط كفروا , فأرسل عليهم الحاصب. فصح : أن الرجم الذي أصابهم لم يكن للفاحشة وحدها , لكن للكفر ولها : فلزمهم أن لا يرجموا من فعل فعل قوم لوط , إلا أن يكون كافرا , وإلا فقد خالفوا حكم الله تعالى فأبطلوا احتجاجهم بالآية , إذ خالفوا حكمها.

وأيضا فإن الله تعالى أخبر : أن امرأة لوط أصابها ما أصابهم , وقد علم كل ذي مسكة عقل أنها لم تعمل عمل قوم لوط. فصح : أن ذلك حكم لم يكن لذلك العمل وحده , بلا مرية.

فإن قالوا : إنها كانت تعينهم على ذلك العمل

قلنا : فارجموا كل من أعان على ذلك العمل بدلالة أو قيادة وإلا فقد تناقضتم وأبطلتم احتجاجكم بالقرآن , وخالفتموه.

وأيضا فإن الله تعالى أخبر أنهم راودوه عن ضيفه , فطمس أعينهم , فيلزمهم ، ولا بد أن يسملوا عيون فاعلي فعل قوم لوط , لأن الله تعالى لم يرجمهم فقط , لكن طمس أعينهم , ثم رجمهم , فإذ لم يفعلوا هذا , فقد خالفوا حكم الله تعالى فيهم , وأبطلوا حجتهم.

ويلزمهم أيضا أن يطمسوا عيني كل من راود آخر. ويلزم أيضا أن يحرقوا بالنار من أنقص المكيال والميزان , لأن الله تعالى أحرق بالنار قوم شعيب في ذلك. ويلزمهم أن يقتلوا من عقر ناقة آخر , لأن الله تعالى أهلك قوم صالح إذ عقروا الناقة , إذ لا فرق بين عذاب الله تعالى قوم لوط بطمس العيون , والرجم إذ أتوا تلك الفاحشة وبين إحراق قوم شعيب إذ بخسوا المكيال والميزان وبين إهلاكه قوم صالح إذ عقروا الناقة , قال الله تعالى {ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها} إلى آخر السورة. ثم نظرنا في قول من لم ير في ذلك حدا : فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} إلى قوله {إلا من تاب} .

وقال رسول الله ﷺ : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان وزنى بعد إحصان أو نفسا بنفس.

وقال عليه السلام إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام فحرم الله تعالى دم كل امرئ مسلم وذمي إلا بالحق , ولا حق إلا في نص أو إجماع.

وحرم النبي ﷺ الدم إلا بما أباحه به من الزنى بعد الحصان , والكفر بعد الإيمان والقود والمحدود في الخمر ثلاثا , والمحارب قبل أن يتوب وليس فاعل فعل قوم لوط واحدا من هؤلاء , فدمه حرام إلا بنص أو إجماع , وقد

قلنا : إنه لا يصح أثر في قتله نعم , ولا يصح أيضا في ذلك شيء عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لأن الرواية في ذلك عن أبي بكر , وعلي , والصحابة إنما هي منقطعة : وإحداها ، عن ابن سمعان عن مجهول. والأخرى عمن لا يعتمد على روايته.

وأما الرواية ، عن ابن عباس , فإحداهما عن معاذ بن الحارث عن عبد الرحمن بن قيس الضبي عن حسان بن مطر وكلهم مجهولون والرواية ، عن ابن الزبير , وابن عمر مثل ذلك عن مجهولين. فبطل أن يتعلق أحد في هذه المسألة عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، بشيء يصح

وأما من رأى دون الحد , فالحكم بن عتيبة

قال أبو محمد رحمه الله : فإذ قد صح ذلك أنه لا قتل عليه ، ولا حد , لأن الله تعالى لم يوجب ذلك ، ولا رسوله عليه السلام فحكمه أنه أتى منكرا فالواجب بأمر رسول الله ﷺ تغيير المنكر باليد , فواجب أن يضرب التعزير الذي حده رسول الله ﷺ في ذلك لا أكثر , ويكف ضرره عن الناس فقط.

كما روينا من طريق البخاري ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام هو الدستوائي ، حدثنا يحيى ، هو ابن أبي كثير عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال : لعن رسول الله ﷺ المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء , وقال : أخرجوهم من بيوتكم , وأخرج فلانا , وأخرج فلانا.

وأما السجن فلقول الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} . وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن كف ضرر فعلة قوم لوط الناكحين والمنكوحين عن الناس عون على البر والتقوى , وإن إهمالهم عون على الإثم والعدوان , فوجب كفهم بما لا يستباح به لهم دم , ولا بشرة , ولا مال

قال أبو محمد رحمه الله : فإن شنع بعض أهل القحة والحماقة أن يقول : إن ترك قتلهم ذريعة إلى هذا الفعل قيل لهم : وترككم أن تقتلوا كل زان ذريعة إلى إباحة الزنى منكم , وترككم أن تقتلوا المرتد وإن تاب تطريق منكم وذريعة إلى إباحتكم الكفر , وعبادة الصليب , وتكذيب القرآن والنبي عليه السلام وترككم قتل آكل الخنزير والميتة والدم وشارب الخمر تطريق منكم وذريعة إلى إباحتكم أكل الخنزير والميتة والدم وشرب الخمر وإنما هذا انتصار منهم بمثل ما يهذرون به ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل الآية.

ونعوذ بالله من أن نغضب له بأكثر مما غضب تعالى لدينه أو أقل من ذلك , أو أن نشرع بآرائنا الشرائع الفاسدة ونحمد الله تعالى كثيرا على ما من به علينا من التمسك بالقرآن والسنة وبالله تعالى التوفيق.


2304 - مسألة : فيمن أتى بهيمة

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس فيمن أتى بهيمة : فقالت طائفة : حده حد الزاني يرجم إن أحصن , ويجلد إن لم يحصن.

وقالت طائفة : يقتل ، ولا بد.

وقالت طائفة : عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن.

وقالت طائفة : عليه الحد إلا أن تكون البهيمة له.

وقالت طائفة : يعزر إن كانت البهيمة له , وذبحت ولم تؤكل , وإن كانت لغيره لم تذبح.

وقالت طائفة : فيها اجتهاد الإمام في العقوبة بالغة ما بلغت.

وقالت طائفة : ليس فيه إلا التعزير دون الحد. فالقول الأول كما ،

حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ، حدثنا أبو ذر ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، حدثنا إبراهيم بن خريم بن فهر الشاشي ثني عبد بن حميد ، حدثنا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسين عن أبي علي الرحبي عن عكرمة قال : سئل الحسن بن علي مقدمه من الشام عن رجل أتى بهيمة , فقال : إن كان محصنا رجم. وعن عامر الشعبي ، أنه قال في الذي يأتي البهيمة , أو يعمل عمل قوم لوط , قال : عليه الحد. وعن الحسن البصري ، أنه قال في الذي يأتي البهيمة : إن كان ثيبا رجم , وإن كان بكرا جلد

وهو قول قتادة , والأوزاعي , وأحد قولي الشافعي. والقول الثاني ، عن ابن الهادي , قال : قال ابن عمر في الذي يأتي البهيمة : لو وجدته لقتلته

وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : تقتل البهيمة أيضا. والقول الثالث عن معمر عن الزهري في الذي يأتي البهيمة , قال : عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن. والقول الرابع عن ربيعة ، أنه قال في الذي يأتي البهيمة : هو المبتغي ما لم يحلل الله له , فرأى الإمام فيه العقوبة بالغة ما بلغت , فإنه قد أحدث في الإسلام أمرا عظيما

وهو قول مالك. والقول الخامس ، عن ابن عباس في الذي يأتي البهيمة : لا حد عليه وعن الشعبي مثله. وعن عطاء في الذي يأتي البهيمة , فقال : ما كان الله نسيا : أن ينزل فيه , ولكنه قبيح , فقبحوا ما قبح الله

وهو قول أصحابنا وأحد قولي الشافعي

قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر :

فنظرنا فيما قال به أهل القول الأول فلم نجد لهم إلا أنهم قاسوه على الزنى , فقالوا : هو وطء محرم والقياس كله باطل إلا أنه يلزم على من أولج في حياء بهيمة الغسل وإن لم ينزل , ويجعله كالوطء في الفرج , ولا فرق.

وفي القول الثاني فوجدناهم يحتجون بما رويناه كما ، حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا عبد الوهاب ، هو ابن عطاء الخفاف ، حدثنا عباد ، هو ابن منصور عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبي ﷺ ، أنه قال في الذي يأتي البهيمة اقتلوا الفاعل والمفعول به.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا النفيلي هو عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد العزيز ، هو ابن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به , من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه قلت : ما شأن البهيمة قال : ما أراه قال ذلك , إلا أنه كره أكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل.

حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي ، حدثنا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار ، حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل ، هو ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال : اقتلوا مواقع البهيمة , اقتلوا الفاعل والمفعول به , ومن عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال : لعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاث مرات لعن الله من واقع بهيمة , من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة فقيل لأبن عباس : ما شأن البهيمة قال : ما سمعت من رسول الله ﷺ في ذلك شيئا , ولكن أرى أن رسول الله ﷺ كره أن يؤكل من لحمها , أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل

قال أبو محمد : لا حجة لهم غير ما ذكرنا ,

وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا ضعف هذا الآثار لأن عباد بن منصور , وعمرو بن أبي عمرو , وإسماعيل بن إبراهيم ضعفاء كلهم ولو صحت لقلنا بها ولجارينا عليها ولما حل خلافها فإذ لا تصح فلا يجوز القول بها إلا أنه قد كان لازما للحنفيين , والمالكيين القول بها على أصولهم , فإنهم احتجوا بأسقط منها في إيجاب حد الخمر ثمانين في مواضع جمة. ثم نظرنا في قول من قال : عليه أدنى الحدين فوجدناه لا حجة له أصلا , ولا نعرف له وجها فسقط. ثم نظرنا في قول من قال : " يحد وتقتل البهيمة " فوجدناه في غاية الفساد. ثم نظرنا في قول من قال : " عليه العقوبة برأي الإمام بالغة ما بلغت " فوجدناه خطأ , لأن الله تعالى قد زم الأمور ولم يهملها , ولم يطلق الأئمة على دماء الناس , ولا أعراضهم , ولا أبشارهم , ولا أموالهم , بل قد تقدم إليهم على لسان رسوله عليه السلام فقال : إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام. ولعل رأي الإمام يبلغ إلى خصائه , أو إلى أخذ ماله , أو إلى قتله , أو إلى بيعه , فإن منعوا من هذا , سئلوا الفرق بين ما منعوا من هذا وبين ما أباحوا من غير ذلك ، ولا سبيل لهم إليه , فحصل هذا القول لا حجة لقائله. ثم نظرنا في القول الذي لم يبق غيره وهو أن عليه التعزير فقط فوجدناه صحيحا , لأنه قد أتى منكرا , فإن الله تعالى يقول : {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} إلى قوله تعالى {العادون} ،

ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلا , ففاعل ذلك فاعل منكر , وقد أمر رسول الله ﷺ بتغيير المنكر باليد , فعليه من التعزير ما نذكره إن شاء الله تعالى.


2305 - مسألة : من قذف آخر ببهيمة , أو بفعل قوم لوط

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : عليه حد القذف. كما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : من قذف آخر ببهيمة جلد حد الفرية. قال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي : ليس عليه حد الفرية

قال أبو محمد رحمه الله : من جعل إتيان البهيمة زنى فقد طرد أصله ,

وكذلك من جعل فعل قوم لوط زنى فقد طرد أصله , إذ جعل في القذف بهما حد الزنى , وقد بينا أنهما ليسا زنى فالقذف بهما ليس هو القذف الموجب للحد , وإنما هو أذى فقط ففيه التعزير.

وأما المالكيون فإنهم وافقونا على أن فعل قوم لوط ليس زنى , وأن إتيان البهيمة ليس زنى , فساووا بينهما في هذا الباب , ثم إنهم جعلوا في القذف بفعل قوم لوط حد القذف بالزنى , ولم يجعلوا في القذف بإتيان البهيمة حد القذف بالزنى , وهذا تناقض.

فإن قالوا : إن فعل قوم لوط أعظم من الزنى قيل لهم : هبكم أنه كالكفر , فهلا جعلتم في القذف بالكفر حد الزنى على هذا الأصل الفاسد وهذا لا مخلص منه

فإن قالوا : هو زنى , ولكنه أعظم الزنى , فجعل فيه أعظم حدود الزنى , لأن المزني بها قد تحل يوما من الدهر , وفعل قوم لوط لا يحل المفعول به ذلك للفاعل أبدا , فهو أعظم بلا شك قيل لهم : هذا يبطل من وجوه : أحدها أن الزاني بحريمته من نسب أو رضاع لا يحل له أبدا , فاجعلوا فيه أغلظ حدود الزنى على هذا الأصل.

والثاني أن يقال لهم : واطئ أجنبية في دبرها أتى ما لا يحل له أبدا , فإن تزوجها فاجعلوا فيه على هذا الأصل أغلظ حدود الزنى. والثالث أن يقال لهم أيضا : آتي البهيمة آتي ما لا يحل له أبدا , فقد ساوى فعل قوم لوط في هذه العلة التي عللتم بها قولكم , فهلا جعلتم فيه أغلظ الحدود في الزنى أيضا ، ولا فرق , ثم رجعنا إلى قولهم " إن فعل قوم لوط أعظم الزنى " فنقول لهم : إننا قد أوضحنا أن الزنى باللغة , وبسنة رسول الله ﷺ لا يقع على فعل قوم لوط وقد بينا أنه ليس زنى ، ولا أعظم من الزنى , لأن رسول الله ﷺ سئل أي الذنب أعظم فقال كلاما معناه : الشرك , ثم قتل المرء ولده مخافة أن يطعم معه , ثم الزنى بحليلة الجار.

فصح أن الزنى بحليلة الجار أعظم من فعل قوم لوط بخبر رسول الله ﷺ الذي لا يحل لأحد رده وبالله تعالى التوفيق.