الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الحادية والثلاثون

مسألة 2143 مكرر , هكذا جاء في الأصل , والتكرار فقط بالرقم وليس بالمحتوى بطبيعة الحال

كتاب العواقل

2143(مكرر) - مسألة: العواقل

قال الفقيه أبو محمد رحمه الله : حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريح أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كتب النبي ﷺ على كل بطن عقوله , ثم كتب الله : أنه لا يحل أن يتوالى مولى رجل بغير إذنه. وبه : إلى مسلم ، حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، أنه قال : قضى رسول الله ﷺ في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة , ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله ﷺ بأن ميراثها لبنيها وزوجها , وأن العقل على عصبتها. وبه : إلى مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال : ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها وإحداهما لحيانية , فجعل رسول الله ﷺ دية المقتولة على عصبة القاتلة , وغرة لما في بطنها , فقال رجل من عصبة القاتلة : أنغرم دية من لا أكل ، ولا نطق ، ولا استهل , فمثل ذلك يطل فقال رسول الله ﷺ أسجع كسجع الأعراب قال : وجعل عليهم الدية.

قال أبو محمد رحمه الله : فصح أن الدية في قتل الخطأ وفي الغرة الواجب في الجنين على عاقلة القاتل , والجاني , بحكم رسول الله , وقد صح أن رسول الله ﷺ بين من هم العاقلة الغارمة لدية الخطأ , ولغرة الجنين , وأنهم أولياء الجاني الذين هم عصبته ومنتهاهم البطن الذي هو منهم على ما أوردنا آنفا من أن رسول الله ﷺ كتب على كل بطن عقوله.

قال أبو محمد رحمه الله : وجمهور الناس يقولون : تغرم العاقلة المذكورة الدية , إلا أنه قد اختلف عن عثمان البتي في ذلك , فروي عنه ، أنه قال : لا أدري ما العاقلة

وروي عنه ، أنه قال بما

قلنا وجمهور الناس يقولون : هذه الآثار المعتمد عليها لصحتها وقد جاءت آثار غير هذه لا بأس بذكر بعضها وإن كانت لا حجة فيها لكن لتعرف : حدثنا محمد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا ابن أبي ليلى عن الشعبي قال : جعل رسول الله ﷺ عقل قريش على قريش , وعقل الأنصار على الأنصار. حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا عبد الله بن يونس ، حدثنا بقي بن مخلد ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن مقسم ، عن ابن عباس , قال : كتب رسول الله ﷺ كتابا بين المهاجرين والأنصار : أن يعقلوا معاقلهم , ويفدوا عانيهم بالمعروف , والإصلاح بين الناس : فالأول : منقطع , وفيه ابن أبي ليلى , وهو سيئ الحفظ.

والثاني : فيه حجاج بن أرطاة وهو ساقط وفيه مقسم وهو ضعيف.

قال أبو محمد : فإن قال قائل : كيف يجوز الحكم بأن تغرم العاقلة جريرة غيرها وقد قال الله تعالى {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

وقال تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة}.

وقال رسول الله ﷺ في ذلك : ما ناه عبد الله بن ربيع التميمي ، حدثنا محمد بن معاوية الهاشمي ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرني هارون بن عبد الله ، حدثنا شقيق ني عبد الملك بن أبجر عن زياد بن لقيط عن أبي رمثة قال : أتيت رسول الله ﷺ مع أبي فقال : من هذا معك فقال : ابني أشهد به , قال : أما إنك لا تجني عليه ، ولا يجني عليك. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد ، حدثنا أحمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا بشر بن السري ، حدثنا سفيان عن أشعث ، هو ابن أبي الشعثاء عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال : كان النبي ﷺ يخطب فجاء ناس من الأنصار فقالوا : يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلانا في الجاهلية فقال النبي ﷺ وهتف بصوته : ألا لا تجني نفس على أخرى. وبه : إلى محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء قال : سمعت الأسود بن هلال يحدث عن رجل من بني ثعلبة بن يربوع : أن ناسا من بني ثعلبة بن يربوع أتوا النبي ﷺ فقال رجل : يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلانا رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ فقال النبي عليه السلام لا تجني نفس على أخرى.

قال أبو محمد رحمه الله : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن هذه الأحاديث وإن كان في أسانيدها معترض فإن معناها صحيح , وفي الآيات التي ذكرتم كفاية ; لأنها منتظمة لمعنى هذه الأحاديث.

ثم نقول وبالله تعالى التوفيق : نعم إن الله تعالى حكم بأن {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} ، وأن {كل امرئ بما كسب رهين} ونعم , لا يجني أحد على أحد , ولا تجني نفس على أخرى , ولكن الذي قال هذا كله , وحكم به , هو أيضا القائل وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم. وهو المخبر لنا على لسان عبده ورسوله ﷺ أنه قد عفا لنا عن الخطأ والنسيان وهو تعالى مع ذلك الموجب في قتل الخطأ دية , وكفارة عتق رقبة , أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يقدر على الكفارة. وهو الموجب على لسان رسوله عليه السلام على عصبة قاتل الخطأ وأهل بطنه الذي ينتمي إليهم دية قتل المؤمن خطأ , والغرة الواجبة في الجنين , وكل قول حق , وكل حكمه واجب , يضم بعض ذلك إلى بعض , ويستثنى الأقل من الأكثر. ولا يحل لأحد أخذ بعض أوامره دون بعض , ولا ضرب أحكام رسول الله ﷺ بعضها ببعض , إذ كلها فرض وحق , وليس شيء منها أولى بالطاعة له من شيء آخر , ولم يأت نص ، ولا إجماع في قتل العمد , ولا يجوز تكليف أحد غرامة عن أحد إلا أن يوجبها نص أو إجماع

قال أبو محمد رحمه الله : فواجب أن ننظر من العصبة , والبطن , والأولياء الذين أوجب الله تعالى عليهم الدية في قتل الخطأ والغرة في الجنين فوجدنا الناس قد اختلفوا في ذلك : فقالت طائفة : العاقلة هم من كان معه في ديوان واحد في العطاء : كما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال : سمعت الزهري أو بلغني عنه ، أنه قال : الثلث فيما دونه , في خاصة ماله يعني : مال الجاني , وما زاد على ذلك على أهل الديوان. وبه : قال أبو حنيفة , وأصحابه : الدية في قتل الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين من يوم يقضى بها والعاقلة : هم أهل ديوانه , يؤخذ ذلك من أعطياتهم , حتى يصيب الرجل منهم من الدية أربعة دراهم أو ثلاثة , فإن أصابه أكثر ضم إليهم أقرب القبائل إليهم في النسب من أهل الديوان. وإن كان القاتل ليس من أهل الديوان , فرضت الدية على عاقلته الأقرب فالأقرب في ثلاث سنين ويضم إليهم أقرب القبائل إليهم في النسب حتى يصيب الرجل من الدية ثلاثة دراهم أو أربعة. وقال سفيان الثوري : الدية تكون عند الأعطية على الرجال. وقال الحسن بن حي : العقل على رءوس الرجال في عطية المقاتلة. وقال الليث بن سعد : العقل على القاتل , وعلى القوم الذين يأخذ معهم العطاء , ولا يكون على قومه منه شيء.

وقال مالك : الدية على القبائل على الغني قدره , ومن دونه على قدره , وعقل الموالي يلتزمه أهل العاقلة شاءوا أم أبوا , كانوا أهل ديوان , أو منقطعين قد تعاقل الناس زمن رسول الله ﷺ وأبي بكر , وإنما كان الديوان في زمان عمر بن الخطاب , فإذا انقطع الرجل من أهل البادية إلى القرى , إلى المدينة , وما يشبهها من أمهات القرى فسكنها وثوى بها : رأيت أن يضم عقله إلى قومه من أهل القرى , فإن لم يكن في القرية من يحمل عقله من قومه ضم إلى أقرب الناس بقبيلته من القبائل.

وقال الشافعي , وأبو سليمان , وأصحابهما : العقل على ذوي الأنساب دون أهل الديوان , والحلفاء : الأقرب فالأقرب من بني أبيه , ثم من بني جده , ثم من بني جد أبيه.

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها بعد أن رجعت الأقوال في ذلك إلى ثلاثة أقوال فقط : أحدها قول أبي حنيفة ومن معه : على أن العاقلة على أهل الديوان , لا على عصبة الجاني. والآخر قول مالك ومن معه : أن العاقلة على قومه الذين معه في المدينة ونحوها , لا على من كان منهم في البادية. والثالث قول الشافعي , وأبي سليمان , ومن معهما : أن العاقلة على الأقرب فالأقرب من عصبته , من بني أبيه , ثم من بني أجداده أبا فأبا فوجدنا من جعل العاقلة على أهل الديوان خاصة يقولون : إن الدية كانت على القبائل في عهد رسول الله ﷺ حتى جعلها عمر على الديوان. قالوا : فإن بطل الديوان رجع الأمر إلى ما كان عليه في زمن رسول الله ﷺ وأبي بكر رضي الله عنه لم نجد لهم شبهة غير هذه

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا الذي قالوه باطل إن الذي ادعوه من أن عمر بن الخطاب أبطل حكم العاقلة الذي حكم به رسول الله ﷺ ثم جرى عليه أبو بكر بعده , وأحدث حكما آخر , فإنه باطل لا أصل له , وكذب مفترى. ولعل مموها أن يموه في ذلك : بما ناه محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عمن سمع الشعبي يقول : جعل عمر الدية على العاقلة في الأعطية فهذا مما لا متعلق لهم به ; لأنه عمن لا يدرى. وقد

روينا عن يحيى بن سعيد : أنه قال فيمن لم يسمه الثوري : لو كان في شيخ الثوري خير لبرح به ثم هو عن الشعبي ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر وقد جهدنا أن نجد هذا الذي قالوه عن عمر رضي الله عنه فما وجدناه ، ولا له أصل ألبتة ورحم الله القائل : الإسناد من الدين , ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء , وأن المحفوظ عن عمر خلاف هذا. كما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن البصري : أن عمر بن الخطاب قال لعلي بن أبي طالب في جناية جناها عمر : عزمت عليك إلا قسمت الدية على بني أبيك فقسمها على قريش , فهذا حكم عمر , وعلي , بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، من المهاجرين والأنصار , ولا يعرف عليهما منكر منهم في قسم ما تغرمه العاقلة على القبيلة , لا على أهل الديوان , ولا على أهل المدينة خاصة كما قال مالك , وهم يحتجون بأقل من هذا لو وجدوه.

وأما عمر رضي الله عنه فقد نزهه الله تعالى عن أن يبطل حكم رسول الله ﷺ ويحدث حكما آخر

قال أبو محمد رحمه الله : فسقط هذا القول , ولاح فساده , وضعف أصله وفرعه. ثم نظرنا في قول مالك , فوجدناه قد احتج على من جعل الدية على أهل الديوان بما فيه الكفاية مما قد ذكرنا , وتلك الحجة بعينها حجة عليه , في قوله " إن من نزع من أهل البدو إلى قرية من أمهات القرى , كالمدينة وغيرها , فإن العاقلة عنه : أهل القرى , وأهله بالبادية ". وهذا ليس بشيء ; لأنه لم يأت به سنة صحيحة , ولا سقيمة , ولا إجماع , ولا قول صاحب , وما علمناه قال به أحد قبل مالك , وليس هذا مما يؤيده نظر , ولا قياس : فبطل

قال أبو محمد رحمه الله : فلم يبق إذ بطل هذان القولان إلا القول الثالث ,

وهو قول أصحابنا , وهو الحق ; لموافقته ما قال رسول الله ﷺ في ذلك الذي هو الحجة , فوجب علينا أن ننظر فيما قاله رسول الله ﷺ ونرد إليه النوازل في ذلك , كما أمر الله تعالى : فوجدناه ﷺ قد كتب على كل بطن عقوله , وجاء حكمه ﷺ في الدية , وفي الغرة كما قد قدمنا وجاء حكمه عليه السلام : أن العاقلة هم الأولياء وهم العصبة فصح بهذا ما قلناه.

وأما الأثر الذي فيه أنه ﷺ كتب على قريش عقوله , وعلى الأنصار عقوله فإنه مرسل كما أوردناه ، ولا حجة في مرسل. فوجب أن نبدأ في العقل بالعصبة كما أمر رسول الله ﷺ وأن لا نتجاوز البطن , كما حد رسول الله ﷺ وأن لا يلتفت إلى ديوان , ولا إلى أهل مدينة , إذ لم يوجب ذلك نص قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , ولا قول صاحب , ولا قياس , لكن يكلف ذلك العصبة حيث كانوا إلى البطن , فإن جهلوا أو تعذر أمرهم لأفتراق الناس في البلاد , العصبة والبطن حينئذ من الغارمين , وممن قد لزمتهم تلك الغرامة , ووجبت في أموالهم , فإذ هم من الغارمين فيؤدى حقهم في الصدقات في سهم الغارمين فيؤدى عنهم من ذلك فهذا حكم العاقلة قد بيناه وأوضحناه.


2144 - مسألة: هل تحمل العاقلة الصلح في العمد , أو الأعتراف بقتل الخطأ أو العبد المقتول في الخطأ ؟

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : كما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح : حدثنا موسى بن معاوية , ، حدثنا وكيع , ، حدثنا عبد الملك بن حسين أبو مالك : عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عمر بن الخطاب , قال : العمد , والعبد , والصلح , والأعتراف في مال الجاني لا تحمله العاقلة. وعن الشعبي قال : اصطلح المسلمون على أن لا يعقلوا عمدا ، ولا عبدا , ولا صلحا , ولا اعترافا. وعن إبراهيم النخعي قال : لا تحمل العاقلة عمدا ، ولا عبدا , ولا صلحا ، ولا اعترافا وعن عمر بن عبد العزيز : إلا أن يشاءوا. وعن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : لا تعقل العاقلة العمد ، ولا الصلح , ولا الأعتراف , ولا العبد. وعن ابن شهاب قال : مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من العمد إلا أن تعينه عن طيب نفس قال مالك : وحدثني يحيى بن سعيد مثل ذلك. وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ليس على العاقلة عقل من قبل العمد إلا أن يشاءوا ذلك , إنما عليهم عقل الخطأ.

وقال أبو حنيفة , والشافعي , وابن شبرمة , وسفيان الثوري , والأوزاعي ومالك , وأبو سليمان , وأصحابهم : لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله.

وقالت طائفة : لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله ولكن تعينه ; لما روي أن عمر بن الخطاب قال : ليس لهم أن يخذلوه عن شيء أصابه في الصلح وعن الزهري : وعليهم أن يعينوه.

وقالت طائفة غير هذا لما روي عن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان عن رجل حر استقبل مملوكا فتصادفا فماتا جميعا فقالا جميعا : دية العبد على عاقلة الحر وليس على العبد شيء.

وروي عن عطاء قال : إن قتل رجل عبدا خطأ فهو على عاقلته , وإن قتل دابة خطأ فهو على عاقلته. وعن ابن جريج أخبرني محمد بن نصر , والصلت : أن رجلا بالبصرة رمى إنسانا ظن أنه كلب فقتله , فإذا هو إنسان فلم يدر الناس من قاتله , فجاء عدي بن أرطاة فأخبره : أنه قتله فسجنه , وكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه : إنك بئس ما صنعت إذ سجنته وقد جاء من قبل نفسه , فخل سبيله واجعل ديته على العشيرة. وزعم الصلت : أنه من الأزد القاتل والمقتول ، وأن القاتل كان عاسا يعس. وقال الزهري : العبد تحمل قيمته العاقلة.

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق فنتبعه :

فنظرنا فيما احتج به من قال : لا تحمل العاقلة عمدا , ولا عبدا , ولا صلحا , ولا اعترافا فوجدناهم يقولون : إن هذا قول روي عن عمر , وابن عباس رضي الله عنهما ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وهذا لا حجة لهم فيه , إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ . ثم نظرنا فيما احتج به أهل القول الثاني : فوجدناهم يذكرون ما روي عن الزهري , قال : بلغني أن النبي ﷺ قال في الكتاب الذي كتبه بين قريش والأنصار : لا تتركوا مفرجا أن تعينوه في فكاك أو عقل والمفرج : كل ما لا تحمله العاقلة وهذا مرسل يوجب أن تعين العاقلة فيما لم تحمل جميعه وقد روي أيضا من عمر كما ذكرنا.

وأما نحن فلا حجة عندنا في مرسل , فلما لم يكن فيما احتجوا به حجة وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه من ذلك , فبدأنا بالعمد ما ألزم فيه دية , أو صولح فيه , فوجدنا النبي ﷺ يقول : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام فلم يجز أن نكلف عاقلة غرامة حيث لم يوجبها الله تعالى ، ولا رسوله عليه السلام , ولم يوجبها قط نص ثابت في العمد , فوجب أن لا تحمل العاقلة العمد , ولا الصلح في العمد. ثم نظرنا في الأعتراف بقتل الخطأ , فوجدنا الله تعالى يقول {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}. ووجدنا المقر بقتل الخطأ ليس مقرا على نفسه ; لأن الدية فيما أقر به على العاقلة , لا عليه , فإذ ليس مقرا على نفسه فواجب أن لا يصدق عليهم , إلا أننا نقول : إنه إن كان عدلا حلف أولياء القتيل معه واستحقوا الدية على العاقلة , فإن نكلوا فلا شيء لهم. فلو أقر اثنان عدلان بقتل خطأ وجبت الدية على عواقلهما بلا يمين , لأنهما شاهدا عدل على العاقلة. وقد اختلف الناس في هذا : فقال أبو حنيفة : والشافعي , والأوزاعي , والثوري : الدية على المقر في ماله.

وقال مالك : لا شيء عليه , قال : وإن لم يتهم بمن أقر له أقسم أولياء المقتول , ووجبت الدية على العاقلة. ثم نظرنا في العبد يقتل خطأ , هل تحمل قيمته العاقلة أم لا فوجدنا من لم تحمله العاقلة لا حجة لهم إلا ما ذكرنا من أنه روي ذلك عن عمر. وعن ابن عباس وهو قول لم يصح عن عمر كما ذكرنا , لأنه عن الشعبي عن عمر ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بسنين ، ولا نعلمه أيضا يصح ، عن ابن عباس

وقد ذكرنا قضايا عظيمة عن جماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خالفوها , قد ذكرناها في غير موضع , فالواجب الرجوع إلى ما أوجب الله تعالى عند التنازع , إذ يقول تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية , ففعلنا. فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا القاسم بن زكريا ، حدثنا سعيد بن عمرو ، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن مكاتبا قتل على عهد رسول الله ﷺ فأمر عليه السلام أن يودى ما أدى دية الحر , وما لا دية المملوك. وقد روي عن يحيى بن أبي كثير قال : إن علي بن أبي طالب , ومروان كانا يقولان في المكاتب أنه يودى منه دية الحر بقدر ما أدى , وما رق منه دية العبد. فوجدنا رسول الله ﷺ وهو الحجة في الدين سمى ما يودى في قتل العبد " دية " وسماه أيضا علي بن أبي طالب وهو حجة في اللغة " دية ". وقد صح عن النبي عليه السلام أن الدية في النفس في الخطأ على العاقلة وصح الإجماع على أن في قتل العبد المؤمن خطأ : كفارة بعتق رقبة , أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد رقبة فصح بالنص , والإجماع : أن ما يودى في العبد دية , والدية على العاقلة وبهذا نقول.

وأما الدية وسائر الأموال فلا ; لأنه لا يسمى شيء من ذلك " دية " والأموال محظورة إلا بنص , أو إجماع وبالله تعالى التوفيق.